إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في تقديم كتاب " فتنة السيرة ومعارج الإبهار " لحسن بزاينية : هالة الوردي.. بين المتحيّل والمتخيّل

 

بقلم: نوفل سلامة

*الخطير فيما تكبته هالة الوردي فيما تعتقده الرواية الصحيحة التي تنتجها عن الإسلام المبكر وهي أنها تقوم بعملية هدم للسردية التي تقول عنها أنها غير صحيحة ومغلوطة

احتفى المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالمؤلف الجديد للدكتور حسن بزاينية " فتنة السيرة ومعارج الإبهار: أيام محمد الأخيرة لهالة الوردي أنموذجا " صادر عن منشورات دار ميسكالياني فيفري 2023 في ندوة التأمت صبيحة يوم السبت 20 ماي الجاري وتولى التقديم الأستاذ عبيد خليفي .

قيمة الكتاب في كونه من المؤلفات القليلة التي تناولت مناقشة هالة الوردي في كتابيها " الأيام الأخيرة لمحمد " و" الخلفاء الملعونون " والرد علي ما جاء فيهما من أفكار وأحكام ورؤى بخصوص أهم فترة وأخطر مرحلة عاشها المسلمون الأوائل وعرفها الإسلام المبكر، مرحلة وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وما تلى الوفاة من أحداث مؤثرة بدأت بذلك النقاش التاريخي الشهير بين المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة حول من يتولى السلطة ومن يخلف الرسول في الحكم وحول كيفية تدبير شؤون المسلمين خاصة وأن القرآن قد سكت عن هذه المسألة والرسول قد التحق بالرفيق الأعلى ولم يترك وصية في ذلك وهي أحداث وصفت بأنها قاصمة للظهر وأنتجت فتنة مدمرة كاد الإسلام أن يندثر بسببها و تداعيات أثرت بقوة خلال فترة حكم الخلفاء الراشدين وألقت بظلالها الثقيلة على كامل التاريخ السياسي للمسلمين ولا زالت أثارها إلى اليوم بادية.

تقول هالة الوردي فيما تكتبه عن وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وما رافقها من أحداث مفصلية في علاقة بكل تلك الفترة من تاريخ المسلمين الأوائل والتي انتجت سردية رسمية نجدها تقريبا متشابهة في كل كتب السنة التي أرخت للتاريخ السياسي للإسلام الأول ونجدها في أمهات المراجع والمصادر التاريخية المتعمدة ، بأنها تقترح مشروعا فكريا جديدا في كتابة تاريخ الفترة المبكرة للإسلام وتعلن بأنها تقدم عرضا معرفيا قوامه سردية مختلفة عن السردية الرسمية لفترة حكم الخلفاء وما سبقها من أحداث وذلك من خلال إعادة تركيب الأحداث التاريخية التي حصلت من جديد و استجلاب الروايات المنسية واستحضار التاريخ المغيب والتاريخ الذي تم تمهيشه وتغافل عنه المؤرخون لتقوم بدمجه من جديد في التاريخ الرسمي والروايات التقليدية المتداولة لتصل في النهاية من خلال عملية إعادة ترتيب الأحداث إلى قصة الإسلام الأول وهي سردية مخالفة و مختلفة عما هو مكتوب في أمهات الكتب التاريخية المشهورة .

فالعرض الذي تقدمه هالة الوردي لقراءة التاريخ الإسلامي هو عرض تقول عنه بأنه قراءة جديدة غير متداولة وأن المقترح الذي تبسطه للقارئ العربي لفهم ما حصل منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم هو تاريخ مختلف يعتمد بالأساس على التاريخ المهمش والروايات المنسية وكل التاريخ المقصي وتقترح القيام بعملية إعادة تجميع لكل القطع من الروايات التي تقول عنها متناثرة ومتفرقة والتي نجدها في مصادر وكتب التاريخ من سنة وشيعة وتعيد تركيبها من جديد لتصل في النهاية إلى التاريخ الذي تقول عنه بأنه هو التاريخ الصحيح والتاريخ الذي لم يقل ولم يكتب بعد. فهل نجحت هالة الوردي في هذا المنحى من تناول تاريخ الإسلام الأول ؟ وهل وفقت فيما تقول عنه بأنه إعادة فهم لما جرى بعد موت الرسول من أحداث أثرت في كامل التاريخ السياسي للإسلام ولا تزال ؟ وبهذا الفهم هل يمكن أن نكتب تاريخا حول أخطر وأبرز قضية عند المسلمين بالاعتماد على الروايات الضعيفة وأخبار الأشخاص غير المعروفين والذين تجاوزهم المؤرخون ؟ وهل يمكن منهجيا أن نعتمد على الروايات والأخبار التي تكلم فيها علماء الجرح والتعديل والمختصين في تمحيص الروايات وتم اضعافها حتى نعلن بأننا نكتب سردية صحيحة عن فترة الإسلام الأول ؟ وفي الأخير هل وفقت هالة الوردي في كتابة سردية تاريخية عن الإسلام المبكر تكون أكثر قربا لحقيقة ما حصل في زمن الإسلام الأول أم أنها حادت عن الطريق وضلّت السبيل فأضلت ؟

يقول الدكتور حسن بزاينية إذا تجاوزنا مسألة الجهات الغربية التي تقف وراء هالة الوردي وتسندها وتجاوزنا الغايات والنهايات من وراء إثارة مثل قضايا الفتنة الكبرى والادعاء بإعادة الكتابة والفهم للتاريخ فإننا بعد مراجعة المنجزين اللذين صدرا لهالة الوردي وحاورناهما محاورة علمية منهجية ومضمونية فإننا نقف على جملة من المآخذ من شأنها أن تضعف المتن وتقلل من قيمة النص الذي انجزته .

أول هذه المآخذ هو إعلانها وادعاءها أنها جاءت بفتح جديد في كتابة السيرة وأحداث الأيام الأخيرة من حياة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حينما أخرجت للعلن كل الأخبار المنسية والروايات المقصية والمهمشة وأعادت دمجها في السياق التاريخي لتنهي بذلك إلى اسقاط الرواية الرسمية المعتمدة والحال أن ما أعلنت عنه هو روايات معروفة نجدها مبثوثة في الكثير من كتب التاريخ وهي أخبار معلومة لم تكن يوما مجهولة ولا منسية وإنما كتاب تاريخ الإسلام السياسي تجنبوا الاعتماد عليها لعدم دقتها واضطرابها ومخالفتها لروايات أكثر منها صحة ومتانة علمية وبالتالي فان عملية التآريخ الجديد بالاعتماد على هذه الروايات هي من الناحية المنهجية سقطة علمية وخطأ معرفي مآله ما حصل لها من اضطراب وعجز عن الترجيح بين الروايات حينما تجد نفسها أمام كم هائل من الروايات في حدث واحد ولا تستطيع الترجيح بينها أو الحسم .

المأخذ الثاني أنها مارست نوعا من الاختطاف المعرفي الذي لا يدخل في مجال التاريخ حينما تستقي معلوماتها عن كتاب غربيين ودوائر غربية كتبت عن الإسلام وعن الرسول بكثير من الحقد والتشويه ورغم ذلك فهي تعتمد عليها لتبني سردية جديدة مختلفة من دون أن نبذل عناء مناقشة هذه الإحالات الغربية ولا جهدا في مساءلة ما يورده هؤلاء الكتاب وبالتالي فإن هالة الوردي وإن ادعت أنها قد قامت بفتح جديد في مجال كتابة التاريخ الاسلامي إلا أنها في الحقيقة تعيد ما قاله من قبلها المستشرقون الغربيون وغلاة الشيعة وتنسبها إليها .

وفي هذا المستوى فإن كتابات هالة الوردي قد ألغت المسافات بين ما هو علمي معرفي موضوعي وبين ما هو ذاتي ايديولوجي فجاء ما كتبته مرتبكا بين الرواية التاريخية وبين كتابة التاريخ وبين ما هو متخيل وهو مساحة متاحة و مشروعة فقط لو اعلنت منذ البدء أنها تكتب رواية عن الإسلام الأول وبين ما هو متحيّل حينما تقول أنها تكتب في التاريخ من دون ضوابط علمية ولا منهجية والتحيّلية التي تنتهجها هالة الوردي تبرز في مراوحتها بين الاثنين معا فمرة تقول أنها تكتب رواية تاريخية وتارة تقول أنها تكتب في التاريخ وثمة فرق شاسع وبون واضح بين من يكتب الرواية التاريخية وبين من يكتب التاريخ وبين من يكون روائيا وبين من يكون مؤرخا وينسب نفسه إلى فئة المؤرخين.

المأخذ الثالث أنها في بحثها عما تدعيه الحلقة الأخيرة في حياة الرسول ومحيطه قد وقعت في أخطاء تاريخية قاتلة بسبب أنها غرقت في بحر من الروايات لم تحسم في صحتها فكانت النتيجة أنها انتجت نصا عجائبيا مستنفرا أوهمت به القارئ أنها في صلب التاريخ والحال أنها خارجه ذلك أن عودتها إلى أمهات كتب التاريخ لم تكن موفقة حتى تتمكن من الفصل بين ما هو سرد روائي وبين ما هو محتمل تاريخي و بين ما هو كتابة التاريخ . ما تجاهلته الوردي هو أن الكتابة التاريخية تخضع لضوابط علمية صارمة خاصة لما يتعلق الأمر بمسائل تتحكم فيها الاخبار والروايات الشفوية وما يتناقله الأفراد ذلك أن المدونة التاريخية قد اكتملت منذ القرن الثالث الهجري من خلال ضبط كل الروايات وتدوينها وبذلك انتهت مرحلة التدوين ومن ثم دخلنا مرحلة الشرح والتفسير والتأويل وهذا يعني أن المتصدر لكتابة التاريخ عليه أن يعي جيدا التمييز بين مرحلة الرواة ومرحلة الاخباريين ومرحلة المؤرخين وأن العملية برمتها تحتاج منهجية علمية صارمة حتى نبقى قي صميم التاريخ لا في مجال التخيل والتحيّل .

أن الخطير فيما تكبته هالة الوردي فيما تعتقده الرواية الصحيحة التي تنتجها عن الإسلام المبكر وهي أنها تقوم بعملية هدم للسردية التي تقول عنها أنها غير صحيحة ومغلوطة . والخطير الآخر في كونها تنطلق من مسلمات وأحكام مسبقة خاصة بها مستقاة من أراء الكثير من المستشرقين والكتاب الغربيين لتبحث لها عن شاهد أو داعم من التاريخ لتثبتها وتجعل منها هي الرواية الرسمية مع رفضها لأي مناقشة أو مراجعة إلى ما انتهت إليه من خلاصات خطيرة كاتهام الخليفة عمر بن الخطاب بأنه قد قاد مؤامرة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بمعية أبو بكر الصديق والصحابي عبيدة بن الجراح وأن هذا الثالوث قد دبر مسرحية وتأمروا على الأنصار وعلى آل البيت حتى يبقى الحكم في قريش ولا يخرج منها وهي بذلك تتهمهم بأنهم قد أعدوا مخططا لتوجيه الحكم والسلطة من آل البيت أو من حكم الأنصار إلى القرشيين.

فهي تتهم الصحابة بأنهم قد خذلوا نبيهم حينما تركوه مسجى في بيته وانصرفوا إلى النقاش السياسي في سقيفة بني ساعدة وانشغلوا عنه وعن دفنه لأيام وهي في كل ذلك تعيد شبهات كثيرة نجدها عند الشيعة ولدى الكثير من كتاب الغرب الحاقدين ولم تتجرأ على مناقشة كل هذه الروايات التي تعتمد عليها ولا القيام بعملية مراجعة للتثبت من صحتها إلى الدرجة التي جعلت المفكر هشام جعيط يصرح قبل وفاته بأن هالة الوردي قد تحاملت على التاريخ وبأن كتابها مليء بالخيال وأن ما تكتبه هو صنف من التاريخ المزور ومن قبيل الروايات التاريخية الخيالية ذات المنحى الايديولوجي الذي تحكي فيه خرافاتها وتنسبها زورا إلى أمهات المصادر من كتب التاريخ .

ما يمكن قوله أن ما قام به الدكتور حسن بزاينية من مناقشة ومراجعة علمية لما كتبته هالة الوردي عن قصة الإسلام الأول مهم ومفيد وقد أتينا على نزر قليل مما حواه كتابه فتنة المتخيل ومعارج الإبهار وفي الكتاب أفكار أخرى مهمة وتفصيل مهم للكثير من القضايا تحتاج وقفة أخرى حتى نعطي لهذا العمل العلمي أهميته رغم ما عرفه من محاصرة وتضييق.

 

 

 

 

في تقديم كتاب " فتنة السيرة ومعارج الإبهار " لحسن بزاينية :  هالة الوردي.. بين المتحيّل والمتخيّل

 

بقلم: نوفل سلامة

*الخطير فيما تكبته هالة الوردي فيما تعتقده الرواية الصحيحة التي تنتجها عن الإسلام المبكر وهي أنها تقوم بعملية هدم للسردية التي تقول عنها أنها غير صحيحة ومغلوطة

احتفى المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالمؤلف الجديد للدكتور حسن بزاينية " فتنة السيرة ومعارج الإبهار: أيام محمد الأخيرة لهالة الوردي أنموذجا " صادر عن منشورات دار ميسكالياني فيفري 2023 في ندوة التأمت صبيحة يوم السبت 20 ماي الجاري وتولى التقديم الأستاذ عبيد خليفي .

قيمة الكتاب في كونه من المؤلفات القليلة التي تناولت مناقشة هالة الوردي في كتابيها " الأيام الأخيرة لمحمد " و" الخلفاء الملعونون " والرد علي ما جاء فيهما من أفكار وأحكام ورؤى بخصوص أهم فترة وأخطر مرحلة عاشها المسلمون الأوائل وعرفها الإسلام المبكر، مرحلة وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وما تلى الوفاة من أحداث مؤثرة بدأت بذلك النقاش التاريخي الشهير بين المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة حول من يتولى السلطة ومن يخلف الرسول في الحكم وحول كيفية تدبير شؤون المسلمين خاصة وأن القرآن قد سكت عن هذه المسألة والرسول قد التحق بالرفيق الأعلى ولم يترك وصية في ذلك وهي أحداث وصفت بأنها قاصمة للظهر وأنتجت فتنة مدمرة كاد الإسلام أن يندثر بسببها و تداعيات أثرت بقوة خلال فترة حكم الخلفاء الراشدين وألقت بظلالها الثقيلة على كامل التاريخ السياسي للمسلمين ولا زالت أثارها إلى اليوم بادية.

تقول هالة الوردي فيما تكتبه عن وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وما رافقها من أحداث مفصلية في علاقة بكل تلك الفترة من تاريخ المسلمين الأوائل والتي انتجت سردية رسمية نجدها تقريبا متشابهة في كل كتب السنة التي أرخت للتاريخ السياسي للإسلام الأول ونجدها في أمهات المراجع والمصادر التاريخية المتعمدة ، بأنها تقترح مشروعا فكريا جديدا في كتابة تاريخ الفترة المبكرة للإسلام وتعلن بأنها تقدم عرضا معرفيا قوامه سردية مختلفة عن السردية الرسمية لفترة حكم الخلفاء وما سبقها من أحداث وذلك من خلال إعادة تركيب الأحداث التاريخية التي حصلت من جديد و استجلاب الروايات المنسية واستحضار التاريخ المغيب والتاريخ الذي تم تمهيشه وتغافل عنه المؤرخون لتقوم بدمجه من جديد في التاريخ الرسمي والروايات التقليدية المتداولة لتصل في النهاية من خلال عملية إعادة ترتيب الأحداث إلى قصة الإسلام الأول وهي سردية مخالفة و مختلفة عما هو مكتوب في أمهات الكتب التاريخية المشهورة .

فالعرض الذي تقدمه هالة الوردي لقراءة التاريخ الإسلامي هو عرض تقول عنه بأنه قراءة جديدة غير متداولة وأن المقترح الذي تبسطه للقارئ العربي لفهم ما حصل منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم هو تاريخ مختلف يعتمد بالأساس على التاريخ المهمش والروايات المنسية وكل التاريخ المقصي وتقترح القيام بعملية إعادة تجميع لكل القطع من الروايات التي تقول عنها متناثرة ومتفرقة والتي نجدها في مصادر وكتب التاريخ من سنة وشيعة وتعيد تركيبها من جديد لتصل في النهاية إلى التاريخ الذي تقول عنه بأنه هو التاريخ الصحيح والتاريخ الذي لم يقل ولم يكتب بعد. فهل نجحت هالة الوردي في هذا المنحى من تناول تاريخ الإسلام الأول ؟ وهل وفقت فيما تقول عنه بأنه إعادة فهم لما جرى بعد موت الرسول من أحداث أثرت في كامل التاريخ السياسي للإسلام ولا تزال ؟ وبهذا الفهم هل يمكن أن نكتب تاريخا حول أخطر وأبرز قضية عند المسلمين بالاعتماد على الروايات الضعيفة وأخبار الأشخاص غير المعروفين والذين تجاوزهم المؤرخون ؟ وهل يمكن منهجيا أن نعتمد على الروايات والأخبار التي تكلم فيها علماء الجرح والتعديل والمختصين في تمحيص الروايات وتم اضعافها حتى نعلن بأننا نكتب سردية صحيحة عن فترة الإسلام الأول ؟ وفي الأخير هل وفقت هالة الوردي في كتابة سردية تاريخية عن الإسلام المبكر تكون أكثر قربا لحقيقة ما حصل في زمن الإسلام الأول أم أنها حادت عن الطريق وضلّت السبيل فأضلت ؟

يقول الدكتور حسن بزاينية إذا تجاوزنا مسألة الجهات الغربية التي تقف وراء هالة الوردي وتسندها وتجاوزنا الغايات والنهايات من وراء إثارة مثل قضايا الفتنة الكبرى والادعاء بإعادة الكتابة والفهم للتاريخ فإننا بعد مراجعة المنجزين اللذين صدرا لهالة الوردي وحاورناهما محاورة علمية منهجية ومضمونية فإننا نقف على جملة من المآخذ من شأنها أن تضعف المتن وتقلل من قيمة النص الذي انجزته .

أول هذه المآخذ هو إعلانها وادعاءها أنها جاءت بفتح جديد في كتابة السيرة وأحداث الأيام الأخيرة من حياة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حينما أخرجت للعلن كل الأخبار المنسية والروايات المقصية والمهمشة وأعادت دمجها في السياق التاريخي لتنهي بذلك إلى اسقاط الرواية الرسمية المعتمدة والحال أن ما أعلنت عنه هو روايات معروفة نجدها مبثوثة في الكثير من كتب التاريخ وهي أخبار معلومة لم تكن يوما مجهولة ولا منسية وإنما كتاب تاريخ الإسلام السياسي تجنبوا الاعتماد عليها لعدم دقتها واضطرابها ومخالفتها لروايات أكثر منها صحة ومتانة علمية وبالتالي فان عملية التآريخ الجديد بالاعتماد على هذه الروايات هي من الناحية المنهجية سقطة علمية وخطأ معرفي مآله ما حصل لها من اضطراب وعجز عن الترجيح بين الروايات حينما تجد نفسها أمام كم هائل من الروايات في حدث واحد ولا تستطيع الترجيح بينها أو الحسم .

المأخذ الثاني أنها مارست نوعا من الاختطاف المعرفي الذي لا يدخل في مجال التاريخ حينما تستقي معلوماتها عن كتاب غربيين ودوائر غربية كتبت عن الإسلام وعن الرسول بكثير من الحقد والتشويه ورغم ذلك فهي تعتمد عليها لتبني سردية جديدة مختلفة من دون أن نبذل عناء مناقشة هذه الإحالات الغربية ولا جهدا في مساءلة ما يورده هؤلاء الكتاب وبالتالي فإن هالة الوردي وإن ادعت أنها قد قامت بفتح جديد في مجال كتابة التاريخ الاسلامي إلا أنها في الحقيقة تعيد ما قاله من قبلها المستشرقون الغربيون وغلاة الشيعة وتنسبها إليها .

وفي هذا المستوى فإن كتابات هالة الوردي قد ألغت المسافات بين ما هو علمي معرفي موضوعي وبين ما هو ذاتي ايديولوجي فجاء ما كتبته مرتبكا بين الرواية التاريخية وبين كتابة التاريخ وبين ما هو متخيل وهو مساحة متاحة و مشروعة فقط لو اعلنت منذ البدء أنها تكتب رواية عن الإسلام الأول وبين ما هو متحيّل حينما تقول أنها تكتب في التاريخ من دون ضوابط علمية ولا منهجية والتحيّلية التي تنتهجها هالة الوردي تبرز في مراوحتها بين الاثنين معا فمرة تقول أنها تكتب رواية تاريخية وتارة تقول أنها تكتب في التاريخ وثمة فرق شاسع وبون واضح بين من يكتب الرواية التاريخية وبين من يكتب التاريخ وبين من يكون روائيا وبين من يكون مؤرخا وينسب نفسه إلى فئة المؤرخين.

المأخذ الثالث أنها في بحثها عما تدعيه الحلقة الأخيرة في حياة الرسول ومحيطه قد وقعت في أخطاء تاريخية قاتلة بسبب أنها غرقت في بحر من الروايات لم تحسم في صحتها فكانت النتيجة أنها انتجت نصا عجائبيا مستنفرا أوهمت به القارئ أنها في صلب التاريخ والحال أنها خارجه ذلك أن عودتها إلى أمهات كتب التاريخ لم تكن موفقة حتى تتمكن من الفصل بين ما هو سرد روائي وبين ما هو محتمل تاريخي و بين ما هو كتابة التاريخ . ما تجاهلته الوردي هو أن الكتابة التاريخية تخضع لضوابط علمية صارمة خاصة لما يتعلق الأمر بمسائل تتحكم فيها الاخبار والروايات الشفوية وما يتناقله الأفراد ذلك أن المدونة التاريخية قد اكتملت منذ القرن الثالث الهجري من خلال ضبط كل الروايات وتدوينها وبذلك انتهت مرحلة التدوين ومن ثم دخلنا مرحلة الشرح والتفسير والتأويل وهذا يعني أن المتصدر لكتابة التاريخ عليه أن يعي جيدا التمييز بين مرحلة الرواة ومرحلة الاخباريين ومرحلة المؤرخين وأن العملية برمتها تحتاج منهجية علمية صارمة حتى نبقى قي صميم التاريخ لا في مجال التخيل والتحيّل .

أن الخطير فيما تكبته هالة الوردي فيما تعتقده الرواية الصحيحة التي تنتجها عن الإسلام المبكر وهي أنها تقوم بعملية هدم للسردية التي تقول عنها أنها غير صحيحة ومغلوطة . والخطير الآخر في كونها تنطلق من مسلمات وأحكام مسبقة خاصة بها مستقاة من أراء الكثير من المستشرقين والكتاب الغربيين لتبحث لها عن شاهد أو داعم من التاريخ لتثبتها وتجعل منها هي الرواية الرسمية مع رفضها لأي مناقشة أو مراجعة إلى ما انتهت إليه من خلاصات خطيرة كاتهام الخليفة عمر بن الخطاب بأنه قد قاد مؤامرة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بمعية أبو بكر الصديق والصحابي عبيدة بن الجراح وأن هذا الثالوث قد دبر مسرحية وتأمروا على الأنصار وعلى آل البيت حتى يبقى الحكم في قريش ولا يخرج منها وهي بذلك تتهمهم بأنهم قد أعدوا مخططا لتوجيه الحكم والسلطة من آل البيت أو من حكم الأنصار إلى القرشيين.

فهي تتهم الصحابة بأنهم قد خذلوا نبيهم حينما تركوه مسجى في بيته وانصرفوا إلى النقاش السياسي في سقيفة بني ساعدة وانشغلوا عنه وعن دفنه لأيام وهي في كل ذلك تعيد شبهات كثيرة نجدها عند الشيعة ولدى الكثير من كتاب الغرب الحاقدين ولم تتجرأ على مناقشة كل هذه الروايات التي تعتمد عليها ولا القيام بعملية مراجعة للتثبت من صحتها إلى الدرجة التي جعلت المفكر هشام جعيط يصرح قبل وفاته بأن هالة الوردي قد تحاملت على التاريخ وبأن كتابها مليء بالخيال وأن ما تكتبه هو صنف من التاريخ المزور ومن قبيل الروايات التاريخية الخيالية ذات المنحى الايديولوجي الذي تحكي فيه خرافاتها وتنسبها زورا إلى أمهات المصادر من كتب التاريخ .

ما يمكن قوله أن ما قام به الدكتور حسن بزاينية من مناقشة ومراجعة علمية لما كتبته هالة الوردي عن قصة الإسلام الأول مهم ومفيد وقد أتينا على نزر قليل مما حواه كتابه فتنة المتخيل ومعارج الإبهار وفي الكتاب أفكار أخرى مهمة وتفصيل مهم للكثير من القضايا تحتاج وقفة أخرى حتى نعطي لهذا العمل العلمي أهميته رغم ما عرفه من محاصرة وتضييق.