إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

من يكون الرئيس الـ13 لتركيا؟ | إرث أتاتورك في مواجهة النموذج الإسلامي التركي ...معركة حاسمة بين أردوغان وأوغلو ..

 

 رفض أردوغان مصافحة شيمون بيريز في دافوس مهد أمامه الطريق للفوز في 2008

 

المثير في حملة أردوغان وأوغلو أن الأول أنهى حملته مساء السبت أمام كاتدرائية آيا صوفيا في إسطنبول والتي حولها إلى مسجد في 2020، فيما أنهى منافسه حملته في أنقرة أمام ضريح أتاتورك بما يجعل المعركة واضحة بين مشروعين الأول إسلامي على طريقة النموذج التركي المخفف "لايت" والثاني علماني يبحث عن إحياء ارث مؤسس تركيا الحديثة أتاتورك.

 

تونس الصباح

يسدل الستار مساء اليوم على الانتخابات الرئاسية التركية 2023 التي سيسجل معها الأتراك أنهم يذهبون ولأول مرة منذ مائة عام على تأسيس الجمهورية التركية الى دورة ثانية مع التقارب الحاصل في النتائج بين الرئيس المتخلي رجب طيب أردوغان الذي يطمح لخمس سنوات إضافية في السلطة وتسجيل 25 عاما في الحكم بما يجعله الأطول حكما في تاريخ تركيا، وبين منافسه الموظف الإداري وخبير الاقتصاد المتسلح بإرث أتاتورك مؤسس الدولة التركية كمال كليتشدار أوغلو. وحتى نفهم توجهات المتنافسين فقد يكون من المهم الإشارة الى أن الرئيس أردوغان اختار أن يختتم حملته الانتخابية بالصلاة في ايا صوفيا فيما اختتم منافسه حملته أمام ضريح اتاتورك بكل ما يعنيه ذلك من تباين في توجهات الرجلين وبما يعكسه أيضا من انقسامات في المجتمع التركي ..

ويذهب اردوغان الى الحلقة الأخيرة من السباق متسلحا بدعم المتدينين والطبقات الشعبية فيما يذهب منافسه متسلحا بورقة الوعود الديموقراطية وتطلعات الشباب للتغير ...

والسؤال المطروح لماذا جازفت المعارضة باختيار مرشح متقدم في السن؟ ويمكن القول قبل الانسياق في مزيد التفاصيل أن المعارضة قد تكون جازفت باختيار مرشح متقدم في السن بل هو اكبر من الرئيس اردوغان وربما كان أحرى التفكير في مرشح يمثل المستقبل ويتمتع بالكاريزما ولديه القدرة على استمالة الناخبين وخاصة الاستفادة من أصوات الناخبين الصامتين أو المترددين حتى اللحظات الأخيرة ..

أردوغان يتحكم في قواعد اللعبة ..

قد يكون أردوغان فوجئ الى درجة الصدمة بنتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي وإن منحته أسبقية على منافسه فإنها حرمته من فرصة النجاح منذ الجولة الأولى، وسيظل الأمر محاطا بالغموض الى حين انتهاء عملية الاقتراع لاكتشاف من سيكون الرئيس الـ13 لتركيا.. الأكيد أن الانتخابات الرئاسية اليوم ستكون معركة شرسة بين رئيس اختبر السياسة في الداخل والخارج وخبرته السياسة وتحكم في المشهد الإعلامي وفي قواعد اللعبة وهو الذي عمل طوال العقدين الماضيين على التخلص من ارث مؤسس تركيا العلمانية الحديثة كمال أتاتورك بحذر كبير دون أن يمس بشكل مباشر من مكانة أتاتورك أو يغير من معالم متحفه مترامي الأطراف أو يغير قوانين إلغاء تعدد الزوجات والمساواة في الإرث منذ 1938 وهو الموقع الذي يتوافد عليه يوميا آلاف الأتراك والأجانب في اسطنبول ولكنه في المقابل فرض توجهاته وأسس "للنموذج التركي الإسلامي" وفرض خياراته وروج لأردوغان كزعيم للمشروع الإسلامي بما يجعل فوزه بمثابة خيط الأمل المتبقي للتجارب الإسلامية التي انهارت تباعا منذ موسم الربيع العربي في تونس والمغرب وسوريا وليبيا وقبل ذلك الجزائر ..

منذ ظهوره في مختلف حملاته الانتخابية قبل الدورة الثانية اليوم اعتمد أردوغان خطابا تحذيريا من الفوضى في إشارة الى معارضيه الفوضويين، ومن معارضة تساند المثليين وتعارض توجهات أغلبية الشعب التركي المحافظ، في المقابل اعتمد منافسه أوغلو خطابا يعد بالديموقراطية والحرية ..

على خطي نقيض

الرجلان يمثلان توجهات تبدو متناقضة ويؤشران لسيناريوهين مختلفين في تحديد مستقبل تركيا البلد الآسيوي بعاصمته الأوروبية الآسيوية التي لم تمنحه حق اختراق أبواب الاتحاد الأوروبي الذي ظل مغلقا في وجهه، بلد يعد سكانه 85 مليون نسمة يطمح أردوغان البالغ من العمر 69 عاما والذي بدا في حالة مرهقة خلال الحملة الانتخابية والطامح لتمديد سلطته في البلاد مستفيدا من مسيرته السياسية الطويلة ولكن أيضا من اعتبار وصوله الى السلطة قصة نجاح طاردها أردوغان ابن بياع السمك الذي أصبح رئيسا لتركيا وبين خصمه الموظف الذي خبر الإدارة التركية والحقوقي الذي يرفع خطاب الحرية والديموقراطية المتطلع بدوره الى اختراق المشهد والوصول الى السلطة وهو في سن 74 عاما، ولعل هذا أحد أهم أخطاء المعارضة التركية التي لم تسع لترشيح مرشح شاب يمتلك الطاقة والقدرة على اجتذاب الناخبين وتحقيق ربما الانتقال المطلوب أمام مرشح بحجم أردوغان الذي لا يريد التفريط في السلطة بعد أن أقام قصره الإمبراطوري الذي تقول المعارضة إنه يضم ألف غرفة.. وهو الذي يراهن أيضا على جذوره المتواضعة باعتباره أصيل مدينة أسطمبول التي تولى رئاسة بلديتها ليحقق صعوده الى السلطة وهو الرجل المتدين والمتمسك بالقيم الاجتماعية والمعادية في أحيان كثيرة للعلمانية.

التضخم.. أثار الزلزال وملف اللاجئين

يشير اغلب الملاحظين أن الأزمة الاقتصادية التي تهز تركيا وانهيار الليرة التركية ستكون حاسمة في هذه الدورة مع ارتفاع حجم التضخم الذي يتحمل مسؤوليته أردوغان بسبب رفضه رفع أسعار الفائدة، إلى جانب آثار وتداعيات الزلزال المدمر الذي هز تركيا يوم 6 فيفري الماضي والذي قتل الآلاف وشرد الملايين وأزاح الستار عن حجم الفساد المتغلغل في البلاد وفي صفوف المقاولين ورجال المال والأعمال ويعتبر أغلب الملاحظين أن التضخم المتفاقم الذي لامس 85 بالمائة العام الماضي والأزمة المالية القائمة منذ أمد طويل سببه سياسات أردوغان غير التقليدية وسوء الإدارة.

إصلاحات.. إصلاحات

في المقابل يعول منافس أردوغان على صحوة شبابية لدعم مشروعه وأفكاره الديموقراطية المتحررة، هو بدوره يسوق لصورته ومسيرته الاجتماعية المتواضعة وهو الذي ولد في أوساط متواضعة في شرق الأناضول، وهو الخبير الاقتصادي الذي يعد بإصلاح البلاد .

وهو يعول أيضا على إرث أتاتورك لصنع الفارق باعتبار أنه يشغل منذ عام 2010 منصب رئيس حزب الشعب الجمهوري وهو الحزب الاجتماعي الديمقراطي الذي أنشأه مؤسس الأمة التركية مصطفى كمال أتاتورك الذي لطالما دعا إلى علمانية مشددة.

المثير أيضا في حملة أردوغان وأوغلو أن الأول أنهى حملته مساء السبت أمام كاتدرائية آيا صوفيا في إسطنبول والتي حولها إلى مسجد في 2020، فيما أنهى منافسه حملته في أنقرة أمام ضريح أتاتورك بما يجعل المعركة واضحة بين مشروعين الأول إسلامي على طريقة النموذج التركي المخفف "لايت " و الثاني علماني يبحث إحياء ارث مؤسس تركيا الحديثة أتاتورك

 لا خلاف بشأن العلاقات مع إسرائيل

الواضح على الأقل ومن المسلمات أن العلاقات مع إسرائيل وهي الأولى بين بلد إسلامي وبين الكيان الإسرائيلي ليست مطروحة للنقاش والمبادلات العسكرية الضخمة بين الجانبين مسألة محسومة ولا يمكن لاستحضار حادثة سفينة مرمرة في غزة ولا في رفض أردوغان مصافحة الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز في منتدى دافوس في 2009 على خلفية العدوان على غزة وخروج آلالاف من الأتراك لاستقباله بعد تلك الحادثة وكان لا يزال رئيسا للوزراء وقد استثمر فيها جيدا عندما قاطع المنتدى مصرحا بان إسرائيل تعرف كيف تقتل الأطفال.. وانتهت الحادثة عند ذلك الحد وعادت العلاقات التركية الإسرائيلية الى أمجادها.. وليس من المتوقع أن يتغير الأمر مع أي من المترشحين مستقبلا علما وأن تركيا التي فشلت في الفوز بعضوية الاتحاد الأوروبي تبقى عضوا في الحلف الأطلسي وهي أيضا حليف لروسيا والصين وإيران في ذات الوقت ...

الملفات الخارجية كثيرة ومتعددة وعلى رأسها ملف اللاجئين السوريين الذين يفوقون ثلاثة ملايين نسمة ويريد منافسه ان يدفع بعودتهم الى سوريا في حين يسعى أردوغان الى الاستفادة من هذه الورقة المهمة في علاقاته مع أوروبا.. وتركيا استفادت من هذا الوضع للتحكم في ورقة الأكراد والتدخل في بلدين مجاورين سوريا والعراق وفرض هيمنتها العسكرية على جزء من التراب السوري والعراقي كما يبقى وضع جزيرة قبرص من الملفات العالقة بين تركيا وبين قبرص.. معارضي أردوغان يعتبرون أنه منح شريحة من اللاجئين المجال للمشاركة في الانتخابات بمنعهم بطاقات هوية ..

ديبلوماسية تصفير الأزمات

يحسب لأردوغان أنه سعى خلال السنوات الماضية الى اعتماد ديبلوماسية براغماتية و تصفير الازمات و تمكن من اعادة العلاقات مع السعودية بعد أزمة حادة ووجد في كاس العالم في الدوحة الفرصة للدفع عن كسر الجليد مع الرئيس المصري السيسي وهو اليوم يسعى الى تطبيع العلاقات مع سوريا ...

ساعات حاسمة

ساعات حاسمة يعيش على وقعها الأتراك اليوم في انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية في جولتها الثانية لمعرفة الرئيس الثالث عشر لتركيا , انتخابات تتطلع لها الأنظار في الداخل والخارج وتتم تحت مجهر القوى الدولية والإقليمية التي تحاول استباق الأحداث ومعرفة ما ستؤول إليه الأمور في الجمهورية التركية في الذكرى المائة على تأسيسها على أنقاض الخلافة العثمانية التي يحلم أردوغان بإحيائها في خطابه السياسي وتوجهاته وتدخلاته في أكثر من ملف في منطقة الشرق الأوسط والمتوسط من العراق وسوريا الى ليبيا.. الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في تركيا شهدت مشاركة تسعين بالمائة من الناخبين الذين يعدون أكثر من 64 مليون ناخب كانوا حسموا أمرهم بشأن الانتخابات البرلمانية في دورتها الـ28 ..

السباق في أمتاره الأخيرة يضع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرشح تحالف الشعب وجها لوجه في مواجهة مرشح تحالف الأمة المعارض رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار اوغلو ..

وإذا كانت الأسبقية لأردوغان في الجزء الأول من السباق في 14 ماي فان الجولة الختامية اليوم لن تخل من التشويق وربما المفاجآت في ظل التنافس الحاصل من جانب المعارضة التي تحلم بقطع الطريق امام اردوغان للفوز بولاية جديدة بعد عشرين عاما قضاها في السلطة حتى وإن بدا الأمر صعبا في ظل تحكم أردوغان بالمشهد ..

وكما هو معلوم فقد حصل أردوغان الرئيس المتخلي على49.51 في المائة من الأصوات متقدما على منافسه الحاصل على 44.88 في المائة من الأصوات، في حين حصل سنان أوغان، مرشح تحالف «أتا»، الأجداد، على 5.71 في المائة, علما وأن المترشح الثالث أوغان الذي وصف في الاعلام الدولي بصانع الملوك اختار دعم اردوغان في السباق الأخير على حساب مرشح المعارضة ..

ورغم تعرض أردوغان لوعكة صحية خلال حملته الانتخابية في الجولة الأولى اضطرته للغياب عن الظهور فقد عاد لمواصلة تحركاته وجولاته الدعائية واستنهاض مناصريه للفوز بهذه الانتخابات التي تأتي على وقع كارثة الزلزال المدمر الذي تعرضت له سوريا وتركيا في السادس من أفريل والذي كشف حجم الفساد في صفقات البناء وغياب احترام المواصفات المطلوبة لضمان سلامة المواطنين في حالات الكوارث الطبيعية، وهي مسألة توقع الكثير من الخبراء أن يكون لها تأثيرها على سير الانتخابات ولكن لا يبدو الأمر كذلك من خلال نسبة المشاركة أو من خلال النتائج الأولية لهذه الانتخابات التي تتجه فيها الكفة أكثر لإعادة انتخاب أردوغان الذي يمتلك الآلة الدعائية الأقوى إلا إذا حدثت مفاجآت تغير الكفة.. ولاشك أن أردوغان قد عزز موقعه بعد انقلاب جويلية 2016 وأحكم قبضته على معارضيه من عسكريين أو سياسيين أو قضاة أو إعلاميين وغيرهم من النخب..

مقابل ذلك حصل كليتشدار أوغلو على دعم حزبَي «النصر» برئاسة أوميت أوزداغ، و«العدالة» برئاسة وجدت أوز، وهما أكبر حزبين في تحالف «أتا» الذي انحل بعد الجولة الأولى للانتخابات، بدورها أكدت أحزاب تحالف «العمل والحرية»، وفي مقدمتها حزبا «الشعوب الديمقراطية»، و«اليسار الأخضر»، المؤيدان للأكراد، مواصلة دعمها لكليتشدار أوغلو في جولة الإعادة كما في الجولة الأولى. وهي ورقة أي الورقة الكردية مهمة في يد كليتشدار أوغلو الذي حاول التدارك بعد الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية وبادر بتعزيز فريق حملته الانتخابية.. وتبقى الفئة الصامتة هي المهمة في هذه الجولة لحسم النتائج لأحد المترشحين ..

الانتخابات البرلمانية

لم تمنح الانتخابات البرلمانية التي سبقت الانتخابات الرئاسية أغلبية مطلقة لأي من الأحزاب بما في ذلك حزب اردوغان الذي ظل يتقدم القائمة وقد كان حزب «العدالة والتنمية» يسيطر على 42.56 في المائة من الأصوات في انتخابات 2018 ب295 مقعداً. ولكن هذا العدد انخفض بنحو 7 في المائة إلى 35.4 في المائة في الانتخابات 2023 ليخرج بـ266 مقعداً.

 يتوقع خبراء قانونيون أن تتسبب الخارطة الحالية للبرلمان في أزمة قد تقود إلى انتخابات برلمانية مبكرة بسبب انعدام الغالبية الحاسمة لدى كل من تحالفَي «الشعب» و«الأمة». ورأوا أن الأمر لن يختلف سواء فاز إردوغان أم كليتشدار أوغلو، لأنه ستكون هناك صعوبات في إقرار التعديلات الدستورية والقوانين.

آسيا العتروس

 من يكون الرئيس الـ13 لتركيا؟ | إرث أتاتورك في مواجهة النموذج الإسلامي التركي ...معركة حاسمة بين أردوغان وأوغلو ..

 

 رفض أردوغان مصافحة شيمون بيريز في دافوس مهد أمامه الطريق للفوز في 2008

 

المثير في حملة أردوغان وأوغلو أن الأول أنهى حملته مساء السبت أمام كاتدرائية آيا صوفيا في إسطنبول والتي حولها إلى مسجد في 2020، فيما أنهى منافسه حملته في أنقرة أمام ضريح أتاتورك بما يجعل المعركة واضحة بين مشروعين الأول إسلامي على طريقة النموذج التركي المخفف "لايت" والثاني علماني يبحث عن إحياء ارث مؤسس تركيا الحديثة أتاتورك.

 

تونس الصباح

يسدل الستار مساء اليوم على الانتخابات الرئاسية التركية 2023 التي سيسجل معها الأتراك أنهم يذهبون ولأول مرة منذ مائة عام على تأسيس الجمهورية التركية الى دورة ثانية مع التقارب الحاصل في النتائج بين الرئيس المتخلي رجب طيب أردوغان الذي يطمح لخمس سنوات إضافية في السلطة وتسجيل 25 عاما في الحكم بما يجعله الأطول حكما في تاريخ تركيا، وبين منافسه الموظف الإداري وخبير الاقتصاد المتسلح بإرث أتاتورك مؤسس الدولة التركية كمال كليتشدار أوغلو. وحتى نفهم توجهات المتنافسين فقد يكون من المهم الإشارة الى أن الرئيس أردوغان اختار أن يختتم حملته الانتخابية بالصلاة في ايا صوفيا فيما اختتم منافسه حملته أمام ضريح اتاتورك بكل ما يعنيه ذلك من تباين في توجهات الرجلين وبما يعكسه أيضا من انقسامات في المجتمع التركي ..

ويذهب اردوغان الى الحلقة الأخيرة من السباق متسلحا بدعم المتدينين والطبقات الشعبية فيما يذهب منافسه متسلحا بورقة الوعود الديموقراطية وتطلعات الشباب للتغير ...

والسؤال المطروح لماذا جازفت المعارضة باختيار مرشح متقدم في السن؟ ويمكن القول قبل الانسياق في مزيد التفاصيل أن المعارضة قد تكون جازفت باختيار مرشح متقدم في السن بل هو اكبر من الرئيس اردوغان وربما كان أحرى التفكير في مرشح يمثل المستقبل ويتمتع بالكاريزما ولديه القدرة على استمالة الناخبين وخاصة الاستفادة من أصوات الناخبين الصامتين أو المترددين حتى اللحظات الأخيرة ..

أردوغان يتحكم في قواعد اللعبة ..

قد يكون أردوغان فوجئ الى درجة الصدمة بنتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي وإن منحته أسبقية على منافسه فإنها حرمته من فرصة النجاح منذ الجولة الأولى، وسيظل الأمر محاطا بالغموض الى حين انتهاء عملية الاقتراع لاكتشاف من سيكون الرئيس الـ13 لتركيا.. الأكيد أن الانتخابات الرئاسية اليوم ستكون معركة شرسة بين رئيس اختبر السياسة في الداخل والخارج وخبرته السياسة وتحكم في المشهد الإعلامي وفي قواعد اللعبة وهو الذي عمل طوال العقدين الماضيين على التخلص من ارث مؤسس تركيا العلمانية الحديثة كمال أتاتورك بحذر كبير دون أن يمس بشكل مباشر من مكانة أتاتورك أو يغير من معالم متحفه مترامي الأطراف أو يغير قوانين إلغاء تعدد الزوجات والمساواة في الإرث منذ 1938 وهو الموقع الذي يتوافد عليه يوميا آلاف الأتراك والأجانب في اسطنبول ولكنه في المقابل فرض توجهاته وأسس "للنموذج التركي الإسلامي" وفرض خياراته وروج لأردوغان كزعيم للمشروع الإسلامي بما يجعل فوزه بمثابة خيط الأمل المتبقي للتجارب الإسلامية التي انهارت تباعا منذ موسم الربيع العربي في تونس والمغرب وسوريا وليبيا وقبل ذلك الجزائر ..

منذ ظهوره في مختلف حملاته الانتخابية قبل الدورة الثانية اليوم اعتمد أردوغان خطابا تحذيريا من الفوضى في إشارة الى معارضيه الفوضويين، ومن معارضة تساند المثليين وتعارض توجهات أغلبية الشعب التركي المحافظ، في المقابل اعتمد منافسه أوغلو خطابا يعد بالديموقراطية والحرية ..

على خطي نقيض

الرجلان يمثلان توجهات تبدو متناقضة ويؤشران لسيناريوهين مختلفين في تحديد مستقبل تركيا البلد الآسيوي بعاصمته الأوروبية الآسيوية التي لم تمنحه حق اختراق أبواب الاتحاد الأوروبي الذي ظل مغلقا في وجهه، بلد يعد سكانه 85 مليون نسمة يطمح أردوغان البالغ من العمر 69 عاما والذي بدا في حالة مرهقة خلال الحملة الانتخابية والطامح لتمديد سلطته في البلاد مستفيدا من مسيرته السياسية الطويلة ولكن أيضا من اعتبار وصوله الى السلطة قصة نجاح طاردها أردوغان ابن بياع السمك الذي أصبح رئيسا لتركيا وبين خصمه الموظف الذي خبر الإدارة التركية والحقوقي الذي يرفع خطاب الحرية والديموقراطية المتطلع بدوره الى اختراق المشهد والوصول الى السلطة وهو في سن 74 عاما، ولعل هذا أحد أهم أخطاء المعارضة التركية التي لم تسع لترشيح مرشح شاب يمتلك الطاقة والقدرة على اجتذاب الناخبين وتحقيق ربما الانتقال المطلوب أمام مرشح بحجم أردوغان الذي لا يريد التفريط في السلطة بعد أن أقام قصره الإمبراطوري الذي تقول المعارضة إنه يضم ألف غرفة.. وهو الذي يراهن أيضا على جذوره المتواضعة باعتباره أصيل مدينة أسطمبول التي تولى رئاسة بلديتها ليحقق صعوده الى السلطة وهو الرجل المتدين والمتمسك بالقيم الاجتماعية والمعادية في أحيان كثيرة للعلمانية.

التضخم.. أثار الزلزال وملف اللاجئين

يشير اغلب الملاحظين أن الأزمة الاقتصادية التي تهز تركيا وانهيار الليرة التركية ستكون حاسمة في هذه الدورة مع ارتفاع حجم التضخم الذي يتحمل مسؤوليته أردوغان بسبب رفضه رفع أسعار الفائدة، إلى جانب آثار وتداعيات الزلزال المدمر الذي هز تركيا يوم 6 فيفري الماضي والذي قتل الآلاف وشرد الملايين وأزاح الستار عن حجم الفساد المتغلغل في البلاد وفي صفوف المقاولين ورجال المال والأعمال ويعتبر أغلب الملاحظين أن التضخم المتفاقم الذي لامس 85 بالمائة العام الماضي والأزمة المالية القائمة منذ أمد طويل سببه سياسات أردوغان غير التقليدية وسوء الإدارة.

إصلاحات.. إصلاحات

في المقابل يعول منافس أردوغان على صحوة شبابية لدعم مشروعه وأفكاره الديموقراطية المتحررة، هو بدوره يسوق لصورته ومسيرته الاجتماعية المتواضعة وهو الذي ولد في أوساط متواضعة في شرق الأناضول، وهو الخبير الاقتصادي الذي يعد بإصلاح البلاد .

وهو يعول أيضا على إرث أتاتورك لصنع الفارق باعتبار أنه يشغل منذ عام 2010 منصب رئيس حزب الشعب الجمهوري وهو الحزب الاجتماعي الديمقراطي الذي أنشأه مؤسس الأمة التركية مصطفى كمال أتاتورك الذي لطالما دعا إلى علمانية مشددة.

المثير أيضا في حملة أردوغان وأوغلو أن الأول أنهى حملته مساء السبت أمام كاتدرائية آيا صوفيا في إسطنبول والتي حولها إلى مسجد في 2020، فيما أنهى منافسه حملته في أنقرة أمام ضريح أتاتورك بما يجعل المعركة واضحة بين مشروعين الأول إسلامي على طريقة النموذج التركي المخفف "لايت " و الثاني علماني يبحث إحياء ارث مؤسس تركيا الحديثة أتاتورك

 لا خلاف بشأن العلاقات مع إسرائيل

الواضح على الأقل ومن المسلمات أن العلاقات مع إسرائيل وهي الأولى بين بلد إسلامي وبين الكيان الإسرائيلي ليست مطروحة للنقاش والمبادلات العسكرية الضخمة بين الجانبين مسألة محسومة ولا يمكن لاستحضار حادثة سفينة مرمرة في غزة ولا في رفض أردوغان مصافحة الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز في منتدى دافوس في 2009 على خلفية العدوان على غزة وخروج آلالاف من الأتراك لاستقباله بعد تلك الحادثة وكان لا يزال رئيسا للوزراء وقد استثمر فيها جيدا عندما قاطع المنتدى مصرحا بان إسرائيل تعرف كيف تقتل الأطفال.. وانتهت الحادثة عند ذلك الحد وعادت العلاقات التركية الإسرائيلية الى أمجادها.. وليس من المتوقع أن يتغير الأمر مع أي من المترشحين مستقبلا علما وأن تركيا التي فشلت في الفوز بعضوية الاتحاد الأوروبي تبقى عضوا في الحلف الأطلسي وهي أيضا حليف لروسيا والصين وإيران في ذات الوقت ...

الملفات الخارجية كثيرة ومتعددة وعلى رأسها ملف اللاجئين السوريين الذين يفوقون ثلاثة ملايين نسمة ويريد منافسه ان يدفع بعودتهم الى سوريا في حين يسعى أردوغان الى الاستفادة من هذه الورقة المهمة في علاقاته مع أوروبا.. وتركيا استفادت من هذا الوضع للتحكم في ورقة الأكراد والتدخل في بلدين مجاورين سوريا والعراق وفرض هيمنتها العسكرية على جزء من التراب السوري والعراقي كما يبقى وضع جزيرة قبرص من الملفات العالقة بين تركيا وبين قبرص.. معارضي أردوغان يعتبرون أنه منح شريحة من اللاجئين المجال للمشاركة في الانتخابات بمنعهم بطاقات هوية ..

ديبلوماسية تصفير الأزمات

يحسب لأردوغان أنه سعى خلال السنوات الماضية الى اعتماد ديبلوماسية براغماتية و تصفير الازمات و تمكن من اعادة العلاقات مع السعودية بعد أزمة حادة ووجد في كاس العالم في الدوحة الفرصة للدفع عن كسر الجليد مع الرئيس المصري السيسي وهو اليوم يسعى الى تطبيع العلاقات مع سوريا ...

ساعات حاسمة

ساعات حاسمة يعيش على وقعها الأتراك اليوم في انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية في جولتها الثانية لمعرفة الرئيس الثالث عشر لتركيا , انتخابات تتطلع لها الأنظار في الداخل والخارج وتتم تحت مجهر القوى الدولية والإقليمية التي تحاول استباق الأحداث ومعرفة ما ستؤول إليه الأمور في الجمهورية التركية في الذكرى المائة على تأسيسها على أنقاض الخلافة العثمانية التي يحلم أردوغان بإحيائها في خطابه السياسي وتوجهاته وتدخلاته في أكثر من ملف في منطقة الشرق الأوسط والمتوسط من العراق وسوريا الى ليبيا.. الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في تركيا شهدت مشاركة تسعين بالمائة من الناخبين الذين يعدون أكثر من 64 مليون ناخب كانوا حسموا أمرهم بشأن الانتخابات البرلمانية في دورتها الـ28 ..

السباق في أمتاره الأخيرة يضع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرشح تحالف الشعب وجها لوجه في مواجهة مرشح تحالف الأمة المعارض رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار اوغلو ..

وإذا كانت الأسبقية لأردوغان في الجزء الأول من السباق في 14 ماي فان الجولة الختامية اليوم لن تخل من التشويق وربما المفاجآت في ظل التنافس الحاصل من جانب المعارضة التي تحلم بقطع الطريق امام اردوغان للفوز بولاية جديدة بعد عشرين عاما قضاها في السلطة حتى وإن بدا الأمر صعبا في ظل تحكم أردوغان بالمشهد ..

وكما هو معلوم فقد حصل أردوغان الرئيس المتخلي على49.51 في المائة من الأصوات متقدما على منافسه الحاصل على 44.88 في المائة من الأصوات، في حين حصل سنان أوغان، مرشح تحالف «أتا»، الأجداد، على 5.71 في المائة, علما وأن المترشح الثالث أوغان الذي وصف في الاعلام الدولي بصانع الملوك اختار دعم اردوغان في السباق الأخير على حساب مرشح المعارضة ..

ورغم تعرض أردوغان لوعكة صحية خلال حملته الانتخابية في الجولة الأولى اضطرته للغياب عن الظهور فقد عاد لمواصلة تحركاته وجولاته الدعائية واستنهاض مناصريه للفوز بهذه الانتخابات التي تأتي على وقع كارثة الزلزال المدمر الذي تعرضت له سوريا وتركيا في السادس من أفريل والذي كشف حجم الفساد في صفقات البناء وغياب احترام المواصفات المطلوبة لضمان سلامة المواطنين في حالات الكوارث الطبيعية، وهي مسألة توقع الكثير من الخبراء أن يكون لها تأثيرها على سير الانتخابات ولكن لا يبدو الأمر كذلك من خلال نسبة المشاركة أو من خلال النتائج الأولية لهذه الانتخابات التي تتجه فيها الكفة أكثر لإعادة انتخاب أردوغان الذي يمتلك الآلة الدعائية الأقوى إلا إذا حدثت مفاجآت تغير الكفة.. ولاشك أن أردوغان قد عزز موقعه بعد انقلاب جويلية 2016 وأحكم قبضته على معارضيه من عسكريين أو سياسيين أو قضاة أو إعلاميين وغيرهم من النخب..

مقابل ذلك حصل كليتشدار أوغلو على دعم حزبَي «النصر» برئاسة أوميت أوزداغ، و«العدالة» برئاسة وجدت أوز، وهما أكبر حزبين في تحالف «أتا» الذي انحل بعد الجولة الأولى للانتخابات، بدورها أكدت أحزاب تحالف «العمل والحرية»، وفي مقدمتها حزبا «الشعوب الديمقراطية»، و«اليسار الأخضر»، المؤيدان للأكراد، مواصلة دعمها لكليتشدار أوغلو في جولة الإعادة كما في الجولة الأولى. وهي ورقة أي الورقة الكردية مهمة في يد كليتشدار أوغلو الذي حاول التدارك بعد الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية وبادر بتعزيز فريق حملته الانتخابية.. وتبقى الفئة الصامتة هي المهمة في هذه الجولة لحسم النتائج لأحد المترشحين ..

الانتخابات البرلمانية

لم تمنح الانتخابات البرلمانية التي سبقت الانتخابات الرئاسية أغلبية مطلقة لأي من الأحزاب بما في ذلك حزب اردوغان الذي ظل يتقدم القائمة وقد كان حزب «العدالة والتنمية» يسيطر على 42.56 في المائة من الأصوات في انتخابات 2018 ب295 مقعداً. ولكن هذا العدد انخفض بنحو 7 في المائة إلى 35.4 في المائة في الانتخابات 2023 ليخرج بـ266 مقعداً.

 يتوقع خبراء قانونيون أن تتسبب الخارطة الحالية للبرلمان في أزمة قد تقود إلى انتخابات برلمانية مبكرة بسبب انعدام الغالبية الحاسمة لدى كل من تحالفَي «الشعب» و«الأمة». ورأوا أن الأمر لن يختلف سواء فاز إردوغان أم كليتشدار أوغلو، لأنه ستكون هناك صعوبات في إقرار التعديلات الدستورية والقوانين.

آسيا العتروس