إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ممنوع من الحياد .. هل بلغ الاتحاد الإفريقي مرحلة النضج؟

 

ستّون عاما مرت على تأسيس الاتحاد الإفريقي راهنا، ويسمى منظمة الوحدة الإفريقية سابقا، وهي فترة كفيلة بل ربما تأخرت أكثر مما ينبغي للوقوف على دور ومكانة وصلابة الاتحاد وما إذا سيكون قادرا على الصمود في مواجهة أزمات القارة وتحدياتها وخلافاتها وحروبها الكثيرة.. نقول هذا الكلام ونحن نتذكر الأهداف التي قام لأجلها الاتحاد الإفريقي وفي مقدمتها "تسريع وتسهيل الاندماج السياسي والاجتماعي والاقتصادي للقارة، وذلك لتعزيز مواقف إفريقيا المشتركة بشأن القضايا التي تهم القارة وشعوبها، تحقيقاً للسلام والأمن ومساندةً للديمقراطية وحقوق الإنسان".. وقد لا نجانب الصواب إذا اعتبرنا أن  شعار الاتحاد الإفريقي ظل منذ إعلانه مجرد عنوان دون مقر ولا نقصد مقرا ثابتا للاتحاد فهذه مسألة مفروغ منها ومقره الفخم في أديس أبابا شاهد على ذلك،  لكن ما نقصده أن الاتحاد لم يوفق بعد ستة عقود من وجوده ورغم تجديد هويته في كسب الرهان شأنه في ذلك شأن أغلب المنظمات الإقليمية العربية وبينها الجامعة العربية والاتحاد المغاربي وكلاهما تجاوز سن النشأة والارتقاء وبات أقرب في سن اليأس الى هيكل بلا روح في ظل تواتر الأزمات والخيبات والانتكاسات التي وجب الاعتراف أنها تتجاوز قدرات هذه الهياكل التي فوتت كل الفرص لإصلاح ما يستوجب الإصلاح والعمل على تشخيص ما أصابها من علل وشروخ.. بل لعلنا لا نبالغ إذا اعتبرنا أن هذه المؤسسات فشلت في إنقاذ هويتها والدفاع عن أسباب وجودها.. وبالعودة الى الاتحاد الإفريقي الذي جعل أهدافه الأساسية مرتبطة بتحسين ظروف عيش المواطن الإفريقي وتعزيز كرامته وتمثيل شعوب القارة بصوت واحد دفاعا عن مصالحها بين الأمم.. وهي أهداف نعلم جيدا أنها غير قابلة للتحقيق فلا المواطن الإفريقي اليوم ضمن كرامته ولا الدول والحكومات الإفريقية تتحدث بصوت واحد في المحافل الإقليمية والدولية على عكس ما كانت عليه في السابق عندما كانت ترفع راية الدفاع عن استقلالها من الاستعمار الاجنبي..

الأسباب معلومة ولو أننا حاولنا تحديد أسباب هذا الوهن في الاتحاد الإفريقي سنجد أن حال الاتحاد الإفريقي من حال الدول الأعضاء التي مزقتها عقود من الحروب والنكبات والانقلابات والديكتاتورية فضلا عن الأوبئة والمجاعات والفساد وكل الأسباب التي اجتمعت لتكبل القارة التي يمكن القول إن ما يتوفر للكثير من الدول فيها من السلاح وأسباب القتل والدمار أكثر مما يتوفر من غذاء ودواء وأمان.. ولاشك أن الحرب المستجدة في السودان ستفاقم المشهد وتثقل كاهل الاتحاد المنهك أصلا بما سبق من صراعات وحروب.. المثير أنه في ظل كل هذه المآسي وفي ظل كل هذا البؤس فإن القوى الإقليمية والدولية من الحليف الكلاسيكي القديم أوروبا بكل مستعمراتها الى أمريكا والصين وروسيا واليابان وتركيا التي تجاهر بهذا الأمر وبمحاولات استقطاب دول القارة بل وحتى توجيه تصويتها في الملفات الكبرى في الجمعية العامة للأمم المتحدة.. حتى إسرائيل التي كان الاتحاد الإفريقي جدار صد مزعج أمامها وغير قابل للاختراق حين كان الصوت الإفريقي ملتزما بالتصويت ضد التطبيع وضد التعامل مع كيان الاحتلال انهار أمام تسلل إسرائيل الى القارة عبر أبواب مختلفة مرة بتقديم الخبرة في مجال الزراعة والري قطرة قطرة الذي تنفرد به ومرة بدعوى تعزيز البحث المعرفي أو تقديم المساعدات الإنسانية والغذائية والأدوية ومرة عبر المشاركة الرياضية والثقافية.. وتمكنت تل أبيب بذلك من تحقيق حلم كانت لا تجسر عليه بفتح سفاراتها في أكثر من عشر دول إفريقية وتبادل البعثات الديبلوماسية معها مستفيدة من الخلافات الإفريقية-الإفريقية، والأمر طبعا لا يستثني دول شمال إفريقيا التي تقطعت بها السبل بدورها وسقطت في نفس الفخ مع استمرار الخلاف بين المغرب والجزائر والمغرب وتونس كل ذلك فيما تبقى الأزمة في ليبيا مفتوحة على كل السيناريوهات وذلك بسبب من انعدام الرؤية وبعد النظر في استباق المخاطر وغياب الإرادة في الحد من الأزمات الكارثية ...

وبالرغم من الأهمية التي تكتسيها القارة الإفريقية فإن الاتحاد الإفريقي لا يبدو بمقدوره في هذه المرحلة قطع الطريق أمام محاولات الاستقطاب التي تشرع الأبواب لهذه القوى للتموقع في إفريقيا والاستفادة من موقعها الجغرافي ولكن أيضا مما تزخر به من ثروات باطنية وحقول بكر وآبار نفطية وغاز تنتظر من يستثمر فيها ويستفيد منها ..

الأكيد أن القارة السمراء التي تضم خمسا وخمسين بلدا مختلفا في خصوصياته الاجتماعية ولغاته وثقافاته ومعتقداته تمثل أهم فسيفساء مجتمعية على الإطلاق تجمع هذه الشعوب التي برغم طاقاتها البشرية وثرواتها الطبيعية تغرق في كل أنواع التخلف بما في ذلك الفساد الذي أنهك القارة الفتية الواعدة التي كانت ولا تزال محط أنظار القوى الإقليمية والدولية المتنافسة على اختراق إفريقيا وفرض موطئ قدم لها استعدادا لمرحلة ما بعد الصراعات الراهنة في العالم وما يمكن أن تؤول إليه الحرب الروسية في أوكرانيا والنظام العالمي الذي لم يكشف أسراره بعد، حتى وإن بدأت بعض عناوينه الكبرى تتضح معلنة نهاية هيمنة القطب الواحد ودخول مرحلة تعدد الأقطاب بين أمريكا وحلفائها من جهة وبين الصين وروسيا وحلفائهما أيضا تركيا وإيران ودول آسيا الوسطى..

ولاشك أن أسباب كثيرة تدفع الى هذا التنافس على إفريقيا الجسر الذي يتطلع إليه الجميع للعبور الى المستقبل والفوز بأكبر سوق استهلاكية قد تتجاوز الملياري ساكن بحلول 2050 بعد نحو عقدين من الزمن.. وهي فترة لا نخالها بعيدة عن الأذهان ومواليد اليوم سيكونون حتما حصن القارة ومستقبلها.. التحولات أو الانجازات في إفريقيا محدودة وتكاد تعد على أصابع اليد الواحدة عندما يتعلق الأمر بالتنمية والقضاء على الجوع والأمراض والتخلف.. والدول التي حققت نجاحات اقتصادية وكذبت الرؤية السائدة بأن إفريقيا والازدهار وإفريقيا والديموقراطية خطان متوازيان تحتاج للتعميم ويفترض أن تصيب عدواها الطيبة بقية الدول لتغيير وجه إفريقيا ..

آسيا العتروس

ممنوع من الحياد .. هل بلغ الاتحاد الإفريقي مرحلة النضج؟

 

ستّون عاما مرت على تأسيس الاتحاد الإفريقي راهنا، ويسمى منظمة الوحدة الإفريقية سابقا، وهي فترة كفيلة بل ربما تأخرت أكثر مما ينبغي للوقوف على دور ومكانة وصلابة الاتحاد وما إذا سيكون قادرا على الصمود في مواجهة أزمات القارة وتحدياتها وخلافاتها وحروبها الكثيرة.. نقول هذا الكلام ونحن نتذكر الأهداف التي قام لأجلها الاتحاد الإفريقي وفي مقدمتها "تسريع وتسهيل الاندماج السياسي والاجتماعي والاقتصادي للقارة، وذلك لتعزيز مواقف إفريقيا المشتركة بشأن القضايا التي تهم القارة وشعوبها، تحقيقاً للسلام والأمن ومساندةً للديمقراطية وحقوق الإنسان".. وقد لا نجانب الصواب إذا اعتبرنا أن  شعار الاتحاد الإفريقي ظل منذ إعلانه مجرد عنوان دون مقر ولا نقصد مقرا ثابتا للاتحاد فهذه مسألة مفروغ منها ومقره الفخم في أديس أبابا شاهد على ذلك،  لكن ما نقصده أن الاتحاد لم يوفق بعد ستة عقود من وجوده ورغم تجديد هويته في كسب الرهان شأنه في ذلك شأن أغلب المنظمات الإقليمية العربية وبينها الجامعة العربية والاتحاد المغاربي وكلاهما تجاوز سن النشأة والارتقاء وبات أقرب في سن اليأس الى هيكل بلا روح في ظل تواتر الأزمات والخيبات والانتكاسات التي وجب الاعتراف أنها تتجاوز قدرات هذه الهياكل التي فوتت كل الفرص لإصلاح ما يستوجب الإصلاح والعمل على تشخيص ما أصابها من علل وشروخ.. بل لعلنا لا نبالغ إذا اعتبرنا أن هذه المؤسسات فشلت في إنقاذ هويتها والدفاع عن أسباب وجودها.. وبالعودة الى الاتحاد الإفريقي الذي جعل أهدافه الأساسية مرتبطة بتحسين ظروف عيش المواطن الإفريقي وتعزيز كرامته وتمثيل شعوب القارة بصوت واحد دفاعا عن مصالحها بين الأمم.. وهي أهداف نعلم جيدا أنها غير قابلة للتحقيق فلا المواطن الإفريقي اليوم ضمن كرامته ولا الدول والحكومات الإفريقية تتحدث بصوت واحد في المحافل الإقليمية والدولية على عكس ما كانت عليه في السابق عندما كانت ترفع راية الدفاع عن استقلالها من الاستعمار الاجنبي..

الأسباب معلومة ولو أننا حاولنا تحديد أسباب هذا الوهن في الاتحاد الإفريقي سنجد أن حال الاتحاد الإفريقي من حال الدول الأعضاء التي مزقتها عقود من الحروب والنكبات والانقلابات والديكتاتورية فضلا عن الأوبئة والمجاعات والفساد وكل الأسباب التي اجتمعت لتكبل القارة التي يمكن القول إن ما يتوفر للكثير من الدول فيها من السلاح وأسباب القتل والدمار أكثر مما يتوفر من غذاء ودواء وأمان.. ولاشك أن الحرب المستجدة في السودان ستفاقم المشهد وتثقل كاهل الاتحاد المنهك أصلا بما سبق من صراعات وحروب.. المثير أنه في ظل كل هذه المآسي وفي ظل كل هذا البؤس فإن القوى الإقليمية والدولية من الحليف الكلاسيكي القديم أوروبا بكل مستعمراتها الى أمريكا والصين وروسيا واليابان وتركيا التي تجاهر بهذا الأمر وبمحاولات استقطاب دول القارة بل وحتى توجيه تصويتها في الملفات الكبرى في الجمعية العامة للأمم المتحدة.. حتى إسرائيل التي كان الاتحاد الإفريقي جدار صد مزعج أمامها وغير قابل للاختراق حين كان الصوت الإفريقي ملتزما بالتصويت ضد التطبيع وضد التعامل مع كيان الاحتلال انهار أمام تسلل إسرائيل الى القارة عبر أبواب مختلفة مرة بتقديم الخبرة في مجال الزراعة والري قطرة قطرة الذي تنفرد به ومرة بدعوى تعزيز البحث المعرفي أو تقديم المساعدات الإنسانية والغذائية والأدوية ومرة عبر المشاركة الرياضية والثقافية.. وتمكنت تل أبيب بذلك من تحقيق حلم كانت لا تجسر عليه بفتح سفاراتها في أكثر من عشر دول إفريقية وتبادل البعثات الديبلوماسية معها مستفيدة من الخلافات الإفريقية-الإفريقية، والأمر طبعا لا يستثني دول شمال إفريقيا التي تقطعت بها السبل بدورها وسقطت في نفس الفخ مع استمرار الخلاف بين المغرب والجزائر والمغرب وتونس كل ذلك فيما تبقى الأزمة في ليبيا مفتوحة على كل السيناريوهات وذلك بسبب من انعدام الرؤية وبعد النظر في استباق المخاطر وغياب الإرادة في الحد من الأزمات الكارثية ...

وبالرغم من الأهمية التي تكتسيها القارة الإفريقية فإن الاتحاد الإفريقي لا يبدو بمقدوره في هذه المرحلة قطع الطريق أمام محاولات الاستقطاب التي تشرع الأبواب لهذه القوى للتموقع في إفريقيا والاستفادة من موقعها الجغرافي ولكن أيضا مما تزخر به من ثروات باطنية وحقول بكر وآبار نفطية وغاز تنتظر من يستثمر فيها ويستفيد منها ..

الأكيد أن القارة السمراء التي تضم خمسا وخمسين بلدا مختلفا في خصوصياته الاجتماعية ولغاته وثقافاته ومعتقداته تمثل أهم فسيفساء مجتمعية على الإطلاق تجمع هذه الشعوب التي برغم طاقاتها البشرية وثرواتها الطبيعية تغرق في كل أنواع التخلف بما في ذلك الفساد الذي أنهك القارة الفتية الواعدة التي كانت ولا تزال محط أنظار القوى الإقليمية والدولية المتنافسة على اختراق إفريقيا وفرض موطئ قدم لها استعدادا لمرحلة ما بعد الصراعات الراهنة في العالم وما يمكن أن تؤول إليه الحرب الروسية في أوكرانيا والنظام العالمي الذي لم يكشف أسراره بعد، حتى وإن بدأت بعض عناوينه الكبرى تتضح معلنة نهاية هيمنة القطب الواحد ودخول مرحلة تعدد الأقطاب بين أمريكا وحلفائها من جهة وبين الصين وروسيا وحلفائهما أيضا تركيا وإيران ودول آسيا الوسطى..

ولاشك أن أسباب كثيرة تدفع الى هذا التنافس على إفريقيا الجسر الذي يتطلع إليه الجميع للعبور الى المستقبل والفوز بأكبر سوق استهلاكية قد تتجاوز الملياري ساكن بحلول 2050 بعد نحو عقدين من الزمن.. وهي فترة لا نخالها بعيدة عن الأذهان ومواليد اليوم سيكونون حتما حصن القارة ومستقبلها.. التحولات أو الانجازات في إفريقيا محدودة وتكاد تعد على أصابع اليد الواحدة عندما يتعلق الأمر بالتنمية والقضاء على الجوع والأمراض والتخلف.. والدول التي حققت نجاحات اقتصادية وكذبت الرؤية السائدة بأن إفريقيا والازدهار وإفريقيا والديموقراطية خطان متوازيان تحتاج للتعميم ويفترض أن تصيب عدواها الطيبة بقية الدول لتغيير وجه إفريقيا ..

آسيا العتروس