تحت عنوان "قراءات في الاشتراكية الدستورية التعاضد في تونس 1962/1969" نظم المعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر أمس بجامعة منوبة يوما دراسيا بتنسيق مشترك بين الأستاذ عبد المجيد بالهادي والأستاذ عبد الجليل بوقرة، وتم خلاله تسليط الأضواء على بحوث ودراسات حول التعاضد وواقع التعليم زمن التعاضد إضافة إلى تقديم كتاب الحلم والمنعرج الخطأ الاشتراكية الدستورية في مرحلة الستينات، كما كان هذا اللقاء الذي حضره الرئيس السابق محمد الناصر مناسبة للاستماع إلى شهادة وال سابق حول التنمية الجهوية في تونس في فترة 1964/1970 وشهادات عدد من الحاضرين حول تجربة التعاضد.
الأستاذ والباحث خالد عبيد بين أن المعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر هو معهد الدولة التونسية المؤتمن على الذاكرة الجماعية لكل التونسيين وهو مفخرة لتونس بين الامم إذ لا يوجد في جميع البلدان التي استعمرت معهد مختص حصريا في جلب أرشيف الفترة الاستعمارية كالذي في تونس، وذكر أنه تم جلب عشرات الآلاف من الوثائق الارشيفية الموجودة في العديد من الدول ولكن الوثائق التي لم يقع جلبها أكبر بكثير من الوثائق التي تم جلبها. وذكر أنه رغم الوضع الاستثنائي الذي يمر به المعهد فإنه سيواصل العمل على جلب الوثائق الارشيفية للفترة الاستعمارية ولفترات ما بعد الاستقلال وجعلها على ذمة الأجيال القادمة، لأن المجتمع الذي ليس له ماض والذي يجهل ذاكرته، لا مستقبل له ولاحظ عبيد منسق المعهد أن ما تعيشه تونس هذه الايام سببه تشويه الماضي.
أما الأستاذ عبد المجيد بالهادي فبين أن فكرة تنظيم اليوم الدراسي تتنزل في إطار مبحث في التاريخ التونسي الاقتصادي، وهو يهتم بمختلف المراحل التاريخية التي عاشتها تونس في القرن التاسع عشر او في الفترة المعاصرة بعد الاستقلال. وأشار إلى أن مرحلة التعاضد كتب حولها الكثير وفي بعض الاحيان ظلمت واليوم لا بد من إزاحة هذا الظلم.
وفي نفس السياق قال الأستاذ علي الطيب إن فترة التعاضد تم نهشها والحكم عليها بالفشل والحال أنه توجد إلى حد اليوم تعاضديات ناجحة وكانت التعاضديات في السابق تؤدي دورها لكن تم تشويه هذه الفترة لغايات معروفة والمطلوب من الباحثين إعادة بناء الحدث كما هو ومحاولة الاقتراب من الحقيقة وذلك من خلال الاستماع إلى شهادات فاعلين في دوائر القرار السياسي على غرار عبد السلام القلال والي الكاف السابق في الستينات والتيجاني حرشة الموظف في إدارة الاقتصاد الوطني في تلك الفترة ومحمد الناصر.
تداعيات الجلاء الزراعي
وفي شهادته التاريخية حول فترة التعاضد بين التيجاني حرشة إنه لأول مرة في تونس تم اعتماد تجربة اقتصادية قام فيها الاقتصاد بالأساس على ثلاثة قطاعات وهي التجارة والصناعات التقليدية والفلاحة، ولكن كان هناك الكثير من الارتجال. وبين أن بورقيبة هو المتسبب في فشل التعاضد واستدل في كلامه على ما جاء في أحد خطابات الزعيم عندما قال "التعاضد في كل شيء إلا في النساء"، وأضاف حرشة، أنه لا يمكن تناسي تأثير المشكل الكبير الذي برز بعد 12 ماي 1964 تاريخ الجلاء الزراعي إذ لم يتمكن أحمد بن صالح من توفير العناية للضيعات التي تم تأميمها وتسبب ذلك في كارثة على التعاضد وأدى إلى عدم القدرة على تعميم تجربة التعاضد بين عشية وضحاها.
أما الرئيس السابق محمد الناصر فبين أن فترة التعاضد وتجربة الاشتراكية الدستورية عاشها مع أبناء جيله في بداية دخوله إلى معترك الحياة وتحمل المسؤولية كل في مجاله وكان هناك صلب الحزب الدستوري لجنة تفكير يشرف عليها احمد بن صالح وكانت هناك نقاشات طويلة حول كيفية تحسين الواقع وبناء مستقبل أفضل لتونس. وقال الناصر انه في ذلك الوقت كان رئيس شعبة ورئيس بلدية الجم وكان مسؤولا في ديوان وزير الشؤون الاجتماعية، وذكر أنه عاش تجربة التعاضد من خلال لجنة التفكير وكذلك في مؤتمر بنزرت وفي مقر البلدية وقد ساهم فيها إذ تم تكوين تعاضدية تلقائيا وبناء على اختيار واقتناع ورغبة المشتركين فيها والتوافق فيما بينهم حول كيفية تسييرها. وأضاف أنه من بين أسباب إفشال التعاضد استعمال سلطة الحزب ونفوذه الادبي والسياسي لإجبار الناس على الانتماء للتعاضديات.
معركة الخروج من التخلف
ويرى الرئيس السابق محمد الناصر أن الاشتراكية الدستورية تندرج في إطار معركة جديدة وهي معركة الخروج من التخلف والفقر ومقاومة التقاليد التي لم تكن مواكبة للعصر وهي معركة قادها الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة بمعية الحزب بكل ما كان في بورقيبة من قدرة على توجيه الشعب من خلال استعماله وسائل الاتصال المباشر، وفسر أن المعركة كانت من اجل تعميم التعليم وتوفير الصحة للجميع وتعميم الانتاج من خلال التعاضد ومقاومة تشتت الملكية والاحتكار، وفي هذا السياق جاءت تجربة التعاضد كحل للتصدي لتشتت الملكية حيث تم استبدال معركة التحرير بمعركة الخروج من التخلف مع الابقاء على نفس القيادة ونفس الحزب ونفس القدرة التي كان يتمتع بها بورقيبة على التوجيه لكن عندما أصبح التوجيه عموديا ومن أجل اعطاء للأوامر افقد ذلك التعاضد ميزته القائمة على التفاهم بين المتعاضدين.
ومن اسباب فشل التعاضد حسب رأي الناصر فقدان روح التوافق على إنشاء التعاضديات فالحزب كان مسيطرا ولم يكن الباب مفتوحا للمشاورات والنقاشات. وذكر أنه تم تكوين منظمة التعاضد ومن هنا جاءت فكرة الرغبة في خلافة بورقيبة وتزعم البلاد وقيادتها وفسر أنه في اطار النقاشات التي كانت موجودة داخل الحزب الحر الدستوري رأى زملاء احمد بن صالح أنه من خلال اتحاد التعاضد هناك نية في الاستلاء على السلطة ومراكز القرار وخلافة الرئيس بورقيبة فالتكالب على خلافة الرئيس كان من أكبر المشاكل التي برزت في تلك الفترة ورأى زملاء بن صالح أن الرغبة في الوصول إلى السلطة والسيطرة عليها خروجا عن الخط. وأكد أن توجيهات الحزب فقدت الاقناع وأصبحت تتخذ شكلا عموديا من الاعلى الى الاسفل وما يحمله ذلك من تسلط..
أما الأستاذ عبد الجليل بوقرة فبين الاشتراكية الدستورية هي قضية خلافية لا يمكن الخروج بموقف منها في يوم دراسي واحد لذلك خصص المعهد يومين دراسيين لهذا المبحث وبين انه لا بد من التساؤل هل فشلت الاشتراكية الدستورية في تونس ام وقع افشالها لأنه من خلال شهادات الفاعلين في تلك الفترة يتضح أن هناك اختلافا في وجهات النظر، اما السؤال الثاني الذي يجب الإجابة عنه فهو هل انتهت الاشتراكية في تونس؟ لأنه رغم اعتماد الدولة منذ خمسين سنة على الاقتصاد الريعي مازالت الاشتراكية موجودة اذ توجد قرابة 140 مؤسسة عمومية تابعة للدولة وهي تنشط في كل القطاعات بما فيها تربية الخيول. وبين انه إضافة إلى أهمية الاستماع الى الشهادات لا بد من فتح المجال للقراءات الأكاديمية..
تعدد الدراسات
أشار عبد المجيد بالهادي أستاذ مختص في التاريخ الاجتماعي إلى أنه قبل الخوض في مسألة المصادر والمراجع حول التعاضد لا بد من التذكير بوجود عدة تسميات لهذه المرحلة من اشتراكية دستورية والسياسة الاقتصادية في تونس في الستينات وسياسة التعاضد وسياسة رأس مالية الدولة والاقتصاد المسيطر. ولكن هناك في دراسات مثل التي كتبها احمد خالد استخدم 12 مصطلحا لتوصيف سياسة التعاضد وهو ما يتطلب من الباحث الانتباه من المصطلحات وتجنب الاستسهال وذكر أنه فوجئ من كم الدراسات التي كتبت حول التعاضد، ولكن في صورة عدم الوصول الى وثائق البنك المركزي ووثائق 1732 تعاضدية لا يمكن الحكم على فترة التعاضد بالفشل أو النجاح وعدد الجامعي الكتابات والبحوث والدراسات التي تم انجازها حول تلك الفترة وهناك منها من أشارت إلى أسماء بعينها أفشلت التعاضد وهم الهادي نويرة واحمد المستيري والباهي لدغم، في حين هناك بحوث فسرت الفشل بالمكننة التي أثقلت كاهل التعاضديات إلى جانب العوامل المناخية ووجود اطراف في الحزب مارست ضغطا سياسيا بشكل مباشر أو غير مباشر من أجل إفشال التجربة، وخلص الباحث إلى أن استعمال مصطلح الفشل في غير محله.
أما الأستاذ منجي السليماني الذي أعد دكتوراه حول التعليم فقدم مداخلة حول التعليم زمن التعاضد. وبين أن القانون المتعلق بالتعليم 1958لم يمرر على المجلس القومي التأسيسي لان بورقيبة يدرك انه سيثير جدلا ونفس الشيء بالنسبة لمجلة الأحوال الشخصية، ولاحظ أن قطاع التعليم تلقى الضربات في كل المنعطفات وكل الأزمات. وبين أنه بالعودة إلى مداولات المجلس القومي التأسيسي في جلسة 18 جوان 1957 تمت الإشارة إلى أن الشعب مستعد لأن يعيش على السميد الأسود مقابل تدريس أبنائه وكان هناك اهتمام كبير بالتعليم، وذكر أنه في مداولات مجلس الأمة زمن تولي محمود المسعدي وزارة التربية طالبته الأغلبية بالترفيع في مدة تدريس مادة التربية الاسلامية ورد المسعدي ان الغاية لا تكمن في طول الوقت بل في التعليم الجيد وكان هناك وقتها توجه في العديد من الدول للتركيز على التربية الاسلامية وهناك بلدان ضارب هذه المادة فيها وصل إلى 12. وبين أنه في سنة 1968 نجد أن احمد بن صالح مسك اربع وزارات وأضاف لها وزارة التربية في وقت تغير فيه التعليم وأصبح مصعدا اجتماعيا ولاحظ انه تم لومه على نشر المعاهد المختلطة وقد أجاب ان تونس بلغت مرحلة لا بد فيها من القطع مع الماضي والاتجاه الى ما هو افضل. وبين أن قطاع التعليم بعد التعاضد تضرر وكان هناك جدل حول الاصالة والمعاصرة ففي مداولات مجلس الأمة كان هناك دائما مشكل الهوية وثنائية الأصالة والحداثة وكانت الإيديولوجيا تتسرب للدروس والمناهج حتى في مادة الرياضيات. ولاحظ الجامعي أن المشاكل التي كانت موجودة في التعليم في الستينات مازالت متواصلة على مستوى الكم والكيف.
وقدم الأستاذ الاعلامي عادل القادري كتاب الوالي السابق عبد السلام القلال الحلم والمنعرج الخطأ.. وبين أن هذا الكتاب ركز على فترة الستينات، وتضمن 522 صفحة ومن بين المحاور الواردة فيه محورا خصصه الكاتب للرئيس بورقيبة. والغاية من تأليفه تقييم تجربة الستينات باعتباره تحمل مسؤولية في الحزب وفي الدولة في مسار شبيه بمسار الهادي البكوش فكلاهما تم توظيفهما بعد التخرج من الجامعة في الحزب وبعد ذلك تم تعيينهما ولاة. وذكر أن القلال اعتمد إلى شهادات ووثائق نشرت لأول مرة منها كيفية تشويه الحركة التعاضدية من خلال الحركة المسرحية وتتمثل الاضافة في الكتاب التي زعزعت بعض القناعات الإيديولوجية مسألة تعميم التعاضد إذ خلص الكاتب الى أن التعاضد لم يفشل، وأن ما فشل هو تعميم التعاضد وذكر أن القلال كان متوازنا وأنه دافع عن احمد بن صالح..
سعيدة بوهلال
تونس- الصباح
تحت عنوان "قراءات في الاشتراكية الدستورية التعاضد في تونس 1962/1969" نظم المعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر أمس بجامعة منوبة يوما دراسيا بتنسيق مشترك بين الأستاذ عبد المجيد بالهادي والأستاذ عبد الجليل بوقرة، وتم خلاله تسليط الأضواء على بحوث ودراسات حول التعاضد وواقع التعليم زمن التعاضد إضافة إلى تقديم كتاب الحلم والمنعرج الخطأ الاشتراكية الدستورية في مرحلة الستينات، كما كان هذا اللقاء الذي حضره الرئيس السابق محمد الناصر مناسبة للاستماع إلى شهادة وال سابق حول التنمية الجهوية في تونس في فترة 1964/1970 وشهادات عدد من الحاضرين حول تجربة التعاضد.
الأستاذ والباحث خالد عبيد بين أن المعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر هو معهد الدولة التونسية المؤتمن على الذاكرة الجماعية لكل التونسيين وهو مفخرة لتونس بين الامم إذ لا يوجد في جميع البلدان التي استعمرت معهد مختص حصريا في جلب أرشيف الفترة الاستعمارية كالذي في تونس، وذكر أنه تم جلب عشرات الآلاف من الوثائق الارشيفية الموجودة في العديد من الدول ولكن الوثائق التي لم يقع جلبها أكبر بكثير من الوثائق التي تم جلبها. وذكر أنه رغم الوضع الاستثنائي الذي يمر به المعهد فإنه سيواصل العمل على جلب الوثائق الارشيفية للفترة الاستعمارية ولفترات ما بعد الاستقلال وجعلها على ذمة الأجيال القادمة، لأن المجتمع الذي ليس له ماض والذي يجهل ذاكرته، لا مستقبل له ولاحظ عبيد منسق المعهد أن ما تعيشه تونس هذه الايام سببه تشويه الماضي.
أما الأستاذ عبد المجيد بالهادي فبين أن فكرة تنظيم اليوم الدراسي تتنزل في إطار مبحث في التاريخ التونسي الاقتصادي، وهو يهتم بمختلف المراحل التاريخية التي عاشتها تونس في القرن التاسع عشر او في الفترة المعاصرة بعد الاستقلال. وأشار إلى أن مرحلة التعاضد كتب حولها الكثير وفي بعض الاحيان ظلمت واليوم لا بد من إزاحة هذا الظلم.
وفي نفس السياق قال الأستاذ علي الطيب إن فترة التعاضد تم نهشها والحكم عليها بالفشل والحال أنه توجد إلى حد اليوم تعاضديات ناجحة وكانت التعاضديات في السابق تؤدي دورها لكن تم تشويه هذه الفترة لغايات معروفة والمطلوب من الباحثين إعادة بناء الحدث كما هو ومحاولة الاقتراب من الحقيقة وذلك من خلال الاستماع إلى شهادات فاعلين في دوائر القرار السياسي على غرار عبد السلام القلال والي الكاف السابق في الستينات والتيجاني حرشة الموظف في إدارة الاقتصاد الوطني في تلك الفترة ومحمد الناصر.
تداعيات الجلاء الزراعي
وفي شهادته التاريخية حول فترة التعاضد بين التيجاني حرشة إنه لأول مرة في تونس تم اعتماد تجربة اقتصادية قام فيها الاقتصاد بالأساس على ثلاثة قطاعات وهي التجارة والصناعات التقليدية والفلاحة، ولكن كان هناك الكثير من الارتجال. وبين أن بورقيبة هو المتسبب في فشل التعاضد واستدل في كلامه على ما جاء في أحد خطابات الزعيم عندما قال "التعاضد في كل شيء إلا في النساء"، وأضاف حرشة، أنه لا يمكن تناسي تأثير المشكل الكبير الذي برز بعد 12 ماي 1964 تاريخ الجلاء الزراعي إذ لم يتمكن أحمد بن صالح من توفير العناية للضيعات التي تم تأميمها وتسبب ذلك في كارثة على التعاضد وأدى إلى عدم القدرة على تعميم تجربة التعاضد بين عشية وضحاها.
أما الرئيس السابق محمد الناصر فبين أن فترة التعاضد وتجربة الاشتراكية الدستورية عاشها مع أبناء جيله في بداية دخوله إلى معترك الحياة وتحمل المسؤولية كل في مجاله وكان هناك صلب الحزب الدستوري لجنة تفكير يشرف عليها احمد بن صالح وكانت هناك نقاشات طويلة حول كيفية تحسين الواقع وبناء مستقبل أفضل لتونس. وقال الناصر انه في ذلك الوقت كان رئيس شعبة ورئيس بلدية الجم وكان مسؤولا في ديوان وزير الشؤون الاجتماعية، وذكر أنه عاش تجربة التعاضد من خلال لجنة التفكير وكذلك في مؤتمر بنزرت وفي مقر البلدية وقد ساهم فيها إذ تم تكوين تعاضدية تلقائيا وبناء على اختيار واقتناع ورغبة المشتركين فيها والتوافق فيما بينهم حول كيفية تسييرها. وأضاف أنه من بين أسباب إفشال التعاضد استعمال سلطة الحزب ونفوذه الادبي والسياسي لإجبار الناس على الانتماء للتعاضديات.
معركة الخروج من التخلف
ويرى الرئيس السابق محمد الناصر أن الاشتراكية الدستورية تندرج في إطار معركة جديدة وهي معركة الخروج من التخلف والفقر ومقاومة التقاليد التي لم تكن مواكبة للعصر وهي معركة قادها الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة بمعية الحزب بكل ما كان في بورقيبة من قدرة على توجيه الشعب من خلال استعماله وسائل الاتصال المباشر، وفسر أن المعركة كانت من اجل تعميم التعليم وتوفير الصحة للجميع وتعميم الانتاج من خلال التعاضد ومقاومة تشتت الملكية والاحتكار، وفي هذا السياق جاءت تجربة التعاضد كحل للتصدي لتشتت الملكية حيث تم استبدال معركة التحرير بمعركة الخروج من التخلف مع الابقاء على نفس القيادة ونفس الحزب ونفس القدرة التي كان يتمتع بها بورقيبة على التوجيه لكن عندما أصبح التوجيه عموديا ومن أجل اعطاء للأوامر افقد ذلك التعاضد ميزته القائمة على التفاهم بين المتعاضدين.
ومن اسباب فشل التعاضد حسب رأي الناصر فقدان روح التوافق على إنشاء التعاضديات فالحزب كان مسيطرا ولم يكن الباب مفتوحا للمشاورات والنقاشات. وذكر أنه تم تكوين منظمة التعاضد ومن هنا جاءت فكرة الرغبة في خلافة بورقيبة وتزعم البلاد وقيادتها وفسر أنه في اطار النقاشات التي كانت موجودة داخل الحزب الحر الدستوري رأى زملاء احمد بن صالح أنه من خلال اتحاد التعاضد هناك نية في الاستلاء على السلطة ومراكز القرار وخلافة الرئيس بورقيبة فالتكالب على خلافة الرئيس كان من أكبر المشاكل التي برزت في تلك الفترة ورأى زملاء بن صالح أن الرغبة في الوصول إلى السلطة والسيطرة عليها خروجا عن الخط. وأكد أن توجيهات الحزب فقدت الاقناع وأصبحت تتخذ شكلا عموديا من الاعلى الى الاسفل وما يحمله ذلك من تسلط..
أما الأستاذ عبد الجليل بوقرة فبين الاشتراكية الدستورية هي قضية خلافية لا يمكن الخروج بموقف منها في يوم دراسي واحد لذلك خصص المعهد يومين دراسيين لهذا المبحث وبين انه لا بد من التساؤل هل فشلت الاشتراكية الدستورية في تونس ام وقع افشالها لأنه من خلال شهادات الفاعلين في تلك الفترة يتضح أن هناك اختلافا في وجهات النظر، اما السؤال الثاني الذي يجب الإجابة عنه فهو هل انتهت الاشتراكية في تونس؟ لأنه رغم اعتماد الدولة منذ خمسين سنة على الاقتصاد الريعي مازالت الاشتراكية موجودة اذ توجد قرابة 140 مؤسسة عمومية تابعة للدولة وهي تنشط في كل القطاعات بما فيها تربية الخيول. وبين انه إضافة إلى أهمية الاستماع الى الشهادات لا بد من فتح المجال للقراءات الأكاديمية..
تعدد الدراسات
أشار عبد المجيد بالهادي أستاذ مختص في التاريخ الاجتماعي إلى أنه قبل الخوض في مسألة المصادر والمراجع حول التعاضد لا بد من التذكير بوجود عدة تسميات لهذه المرحلة من اشتراكية دستورية والسياسة الاقتصادية في تونس في الستينات وسياسة التعاضد وسياسة رأس مالية الدولة والاقتصاد المسيطر. ولكن هناك في دراسات مثل التي كتبها احمد خالد استخدم 12 مصطلحا لتوصيف سياسة التعاضد وهو ما يتطلب من الباحث الانتباه من المصطلحات وتجنب الاستسهال وذكر أنه فوجئ من كم الدراسات التي كتبت حول التعاضد، ولكن في صورة عدم الوصول الى وثائق البنك المركزي ووثائق 1732 تعاضدية لا يمكن الحكم على فترة التعاضد بالفشل أو النجاح وعدد الجامعي الكتابات والبحوث والدراسات التي تم انجازها حول تلك الفترة وهناك منها من أشارت إلى أسماء بعينها أفشلت التعاضد وهم الهادي نويرة واحمد المستيري والباهي لدغم، في حين هناك بحوث فسرت الفشل بالمكننة التي أثقلت كاهل التعاضديات إلى جانب العوامل المناخية ووجود اطراف في الحزب مارست ضغطا سياسيا بشكل مباشر أو غير مباشر من أجل إفشال التجربة، وخلص الباحث إلى أن استعمال مصطلح الفشل في غير محله.
أما الأستاذ منجي السليماني الذي أعد دكتوراه حول التعليم فقدم مداخلة حول التعليم زمن التعاضد. وبين أن القانون المتعلق بالتعليم 1958لم يمرر على المجلس القومي التأسيسي لان بورقيبة يدرك انه سيثير جدلا ونفس الشيء بالنسبة لمجلة الأحوال الشخصية، ولاحظ أن قطاع التعليم تلقى الضربات في كل المنعطفات وكل الأزمات. وبين أنه بالعودة إلى مداولات المجلس القومي التأسيسي في جلسة 18 جوان 1957 تمت الإشارة إلى أن الشعب مستعد لأن يعيش على السميد الأسود مقابل تدريس أبنائه وكان هناك اهتمام كبير بالتعليم، وذكر أنه في مداولات مجلس الأمة زمن تولي محمود المسعدي وزارة التربية طالبته الأغلبية بالترفيع في مدة تدريس مادة التربية الاسلامية ورد المسعدي ان الغاية لا تكمن في طول الوقت بل في التعليم الجيد وكان هناك وقتها توجه في العديد من الدول للتركيز على التربية الاسلامية وهناك بلدان ضارب هذه المادة فيها وصل إلى 12. وبين أنه في سنة 1968 نجد أن احمد بن صالح مسك اربع وزارات وأضاف لها وزارة التربية في وقت تغير فيه التعليم وأصبح مصعدا اجتماعيا ولاحظ انه تم لومه على نشر المعاهد المختلطة وقد أجاب ان تونس بلغت مرحلة لا بد فيها من القطع مع الماضي والاتجاه الى ما هو افضل. وبين أن قطاع التعليم بعد التعاضد تضرر وكان هناك جدل حول الاصالة والمعاصرة ففي مداولات مجلس الأمة كان هناك دائما مشكل الهوية وثنائية الأصالة والحداثة وكانت الإيديولوجيا تتسرب للدروس والمناهج حتى في مادة الرياضيات. ولاحظ الجامعي أن المشاكل التي كانت موجودة في التعليم في الستينات مازالت متواصلة على مستوى الكم والكيف.
وقدم الأستاذ الاعلامي عادل القادري كتاب الوالي السابق عبد السلام القلال الحلم والمنعرج الخطأ.. وبين أن هذا الكتاب ركز على فترة الستينات، وتضمن 522 صفحة ومن بين المحاور الواردة فيه محورا خصصه الكاتب للرئيس بورقيبة. والغاية من تأليفه تقييم تجربة الستينات باعتباره تحمل مسؤولية في الحزب وفي الدولة في مسار شبيه بمسار الهادي البكوش فكلاهما تم توظيفهما بعد التخرج من الجامعة في الحزب وبعد ذلك تم تعيينهما ولاة. وذكر أن القلال اعتمد إلى شهادات ووثائق نشرت لأول مرة منها كيفية تشويه الحركة التعاضدية من خلال الحركة المسرحية وتتمثل الاضافة في الكتاب التي زعزعت بعض القناعات الإيديولوجية مسألة تعميم التعاضد إذ خلص الكاتب الى أن التعاضد لم يفشل، وأن ما فشل هو تعميم التعاضد وذكر أن القلال كان متوازنا وأنه دافع عن احمد بن صالح..