في شهادة تاريخية قدمها أمس في المعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر حول التنمية الجهوية في تونس في فترة 1964/1970، قال عبد السلام القلال والي الكاف السابق في فترة التعاضد والمشرف على إنشاء التعاضديات في هذه الجهة إن التعاضد لم يفشل. وذكر أن عشرية الستينات تعتبر من اهم فترات تاريخ تونس المعاصر نظرا لأنه تم خلالها بناء الدولة وقد ساهموا الى جانب المجاهد الاكبر الرئيس الحبيب بورقيبة في بناء الدولة الحديثة، إذ أنهم عاشوا فترة تحقيق الاستقلال ويعتبرون أن ما جاء بعده هو ثورة من أكبر الثورات التي عرفتها تونس في تاريخها القديم والحديث فهي ثورة سياسية حققت السيادة والاستقلال والحرية وعتقت الشعب من النظام الاستعماري وقام بورقيبة في ثلاث سنوات بإصلاحات كبرى وحقق ثورة في العمق من توحيد التعليم وتوحيد القضاء وتحرير المرأة وغيرها إذ حاول الزعيم العثور على من يساهم في النهوض بوضع الشعب وتنميته. ولم يكن بورقيبة حسب قوله رجل اقتصاد لذلك كان يبحث عمن يخوض المعركة الاقتصادية لإخراج الشعب من الوضع المتردي الذي هو عليه وحاول في هذا الاتجاه البحث في منظمة الاعراف عمن يقود هذه المعركة لكنه لم يجد الشخص المناسب ونظرا لأنه في عجلة من أمره فانه وجد ضالته في احمد بن صالح وقال الوالي السابق إن بورقيبة كان الرئيس والمربي والموجه والدافع والمؤطر وفي كل هذا قام بتشريك الشعب في معركة التنمية الاقتصادية والاجتماعية مثلما شركه في تحرير البلاد.
وقدم القلال لمحة عن ماهية الاشتراكية الدستورية وعن التعاضد كآلية للاشتراكية الدستورية وبين أن الاشتراكية الدستورية هي توجه ايديولوجي انساني يحترم حرمة الانسان ويدفعه للتضامن والتآزر في عمل مشترك في نظام سياسي تسوده الحرية والعدالة والمساواة. والاشتراكية حسب قوله ليست مسقطة بل هي نابعة من تاريخ تونس ويكفي التذكير بالانتفاضات التي حصلت في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ثم تجربة عموم العملة إضافة إلى التوجه الذي كان موجودا في الحزب الدستوري لدى الشباب والذي يدعو الى الاشتراكية وهي ليست اشتراكية علمية ولا اشتراكية ماركسية بل هي اشتراكية انسانية خاصة بتونس وهو ما عبر عنه الرئيس بمصطلح الطريق الثالث الذي يعمد على ثلاثة قطاعات وهي القطاع العام اي ان الدولة مطالبة بالاستثمار في الاقتصاد في القطاعات التي لا يستطيع القطاع الخاص دخولها والقطاع الخاص لأن الاشتراكية الدستورية تؤمن بالمبادرة الخاصة، فضلا عن التفكير في الطبقة المهمشة من خلال بعث منظومة تعاضدية تأخذ بيد التونسيين الضعفاء في الارياف ومن هنا جاءت فكرة التعاضد.
وبخصوص تجربته في الكاف بين القلال أن بورقيبة سنة 1964 جمعهم وقرر الدخول في الاشتراكية وكانت هناك فكرة تجديد سلك الولاة وفكر في تعيين ثلاثة جامعيين وهم المنجي الكعلي في جندوبة والهادي البكوش في بنزرت وعبد السلام القلال في الكاف وطلب منهم بورقيبة تنمية هذه الجهات حتى تلتحق بركب الولايات الساحلية ومنحهم كل النفوذ في حدود القانون ومنحهم الثقة ودعمهم ودعاهم الى محاسبته بالنتائج. وأضاف أنه بعد تعيينه في جويلية 1964 وجد قرابة 32 تعاضدية قائمة الذات وفي وقت من الأوقات لم تكن التعاضدية كمؤسسة اقتصادية واضحة في اذهان الناس فهي وحدة انتاجية يجب ان تحترم القواعد الاقتصادية وقواعد التصرف وهو ما حرص على تحقيقه في البداية لكن برزت عدة مشاكل. وفسر أنه يتم تكوين التعاضدية من خلال لجنة جهوية في الولاية تتكون من ممثلين عن وزارة الفلاحة واتحاد الفلاحين ومكتب المراقبة الذي يشرف عليه البنك العالمي لأن التعاضد في بداية الستينات تم تمويله بقرض من البنك الدولي وأضاف أن التعاضدية مؤسسة اقتصادية نبيلة لأنها تهدف الى التنمية الاقتصادية وتنمية الانسان في نفس الوقت. وأشار إلى أن التعاضد في ولاية الكاف نجح ولم يفشل ولكن الذي فشل وافشل المنظومة التعاضدية هو تعميم التعاضد على كل اراضي الجمهورية فالتعميم هو الذي افشل الاشتراكية الدستورية وخط الوسط وهو ما أدى للأسف إلى اجهاضها وحصل المنعرج الخطأ. وقال إن كل المشاريع الكبرى الصناعية التي تكونت في تونس تمت في الستينات. وبين ان احد اساتذته الفرنسيين زاره مرة في الكاف واطلع على تجربة تعاضديات الإنتاج وسأله عن سر نجاحها فأجابه أن هذا النجاح يعود الى ثقتهم في بورقيبة وإلى أن التعاضدية بعد خمس سنوات تصبح مالكة للأرض حيث توزع الأرض على المتعاضدين بنسب معينة. وقال ان ثمانين بالمائة من الضيعات التي وقع استغلالها في الكاف تتراوح مساحتها بين الهكتار وأحيانا أقل وبين عشرين هكتارا وهو ما لا يسمح بتنمية الانتاج وكان يجب جمع الأراضي المشتتة والقيام بإصلاح في العمق دون الاضرار بالمواطنين وتجربة التعاضد في تونس لم تفشل في البداية ولكنها فشلت في سنة 1969 لأن الرئيس بورقيبة قام بتعميم التعاضد. وقال إن تعميم التعاضد يعني القضاء على المجهود الفردي للنهوض بالإنتاج وهذا المنوال لم ينجح حتى في الاتحاد السوفياتي. وقال انه لما كان واليا فكر في حل بديل وعرضه على أحمد بن صالح في أوت 1969 وطلب منه عرض مقترحه على الديوان السياسي للحزب والحكومة لكن للأسف بقي المقترح في الرفوف. وخلص إلى أن تعميم التعاضد افشل التعاضد والاشتراكية كما أن الفشل يعود إلى استنساخ شكل التعاضديات الموجودة في الشمال في بقية جهات الجمهورية والحال أن كل تعاضدية لها خصوصية وكل جهة لها ميزاتها.
بوهلال
تونس: الصباح
في شهادة تاريخية قدمها أمس في المعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر حول التنمية الجهوية في تونس في فترة 1964/1970، قال عبد السلام القلال والي الكاف السابق في فترة التعاضد والمشرف على إنشاء التعاضديات في هذه الجهة إن التعاضد لم يفشل. وذكر أن عشرية الستينات تعتبر من اهم فترات تاريخ تونس المعاصر نظرا لأنه تم خلالها بناء الدولة وقد ساهموا الى جانب المجاهد الاكبر الرئيس الحبيب بورقيبة في بناء الدولة الحديثة، إذ أنهم عاشوا فترة تحقيق الاستقلال ويعتبرون أن ما جاء بعده هو ثورة من أكبر الثورات التي عرفتها تونس في تاريخها القديم والحديث فهي ثورة سياسية حققت السيادة والاستقلال والحرية وعتقت الشعب من النظام الاستعماري وقام بورقيبة في ثلاث سنوات بإصلاحات كبرى وحقق ثورة في العمق من توحيد التعليم وتوحيد القضاء وتحرير المرأة وغيرها إذ حاول الزعيم العثور على من يساهم في النهوض بوضع الشعب وتنميته. ولم يكن بورقيبة حسب قوله رجل اقتصاد لذلك كان يبحث عمن يخوض المعركة الاقتصادية لإخراج الشعب من الوضع المتردي الذي هو عليه وحاول في هذا الاتجاه البحث في منظمة الاعراف عمن يقود هذه المعركة لكنه لم يجد الشخص المناسب ونظرا لأنه في عجلة من أمره فانه وجد ضالته في احمد بن صالح وقال الوالي السابق إن بورقيبة كان الرئيس والمربي والموجه والدافع والمؤطر وفي كل هذا قام بتشريك الشعب في معركة التنمية الاقتصادية والاجتماعية مثلما شركه في تحرير البلاد.
وقدم القلال لمحة عن ماهية الاشتراكية الدستورية وعن التعاضد كآلية للاشتراكية الدستورية وبين أن الاشتراكية الدستورية هي توجه ايديولوجي انساني يحترم حرمة الانسان ويدفعه للتضامن والتآزر في عمل مشترك في نظام سياسي تسوده الحرية والعدالة والمساواة. والاشتراكية حسب قوله ليست مسقطة بل هي نابعة من تاريخ تونس ويكفي التذكير بالانتفاضات التي حصلت في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ثم تجربة عموم العملة إضافة إلى التوجه الذي كان موجودا في الحزب الدستوري لدى الشباب والذي يدعو الى الاشتراكية وهي ليست اشتراكية علمية ولا اشتراكية ماركسية بل هي اشتراكية انسانية خاصة بتونس وهو ما عبر عنه الرئيس بمصطلح الطريق الثالث الذي يعمد على ثلاثة قطاعات وهي القطاع العام اي ان الدولة مطالبة بالاستثمار في الاقتصاد في القطاعات التي لا يستطيع القطاع الخاص دخولها والقطاع الخاص لأن الاشتراكية الدستورية تؤمن بالمبادرة الخاصة، فضلا عن التفكير في الطبقة المهمشة من خلال بعث منظومة تعاضدية تأخذ بيد التونسيين الضعفاء في الارياف ومن هنا جاءت فكرة التعاضد.
وبخصوص تجربته في الكاف بين القلال أن بورقيبة سنة 1964 جمعهم وقرر الدخول في الاشتراكية وكانت هناك فكرة تجديد سلك الولاة وفكر في تعيين ثلاثة جامعيين وهم المنجي الكعلي في جندوبة والهادي البكوش في بنزرت وعبد السلام القلال في الكاف وطلب منهم بورقيبة تنمية هذه الجهات حتى تلتحق بركب الولايات الساحلية ومنحهم كل النفوذ في حدود القانون ومنحهم الثقة ودعمهم ودعاهم الى محاسبته بالنتائج. وأضاف أنه بعد تعيينه في جويلية 1964 وجد قرابة 32 تعاضدية قائمة الذات وفي وقت من الأوقات لم تكن التعاضدية كمؤسسة اقتصادية واضحة في اذهان الناس فهي وحدة انتاجية يجب ان تحترم القواعد الاقتصادية وقواعد التصرف وهو ما حرص على تحقيقه في البداية لكن برزت عدة مشاكل. وفسر أنه يتم تكوين التعاضدية من خلال لجنة جهوية في الولاية تتكون من ممثلين عن وزارة الفلاحة واتحاد الفلاحين ومكتب المراقبة الذي يشرف عليه البنك العالمي لأن التعاضد في بداية الستينات تم تمويله بقرض من البنك الدولي وأضاف أن التعاضدية مؤسسة اقتصادية نبيلة لأنها تهدف الى التنمية الاقتصادية وتنمية الانسان في نفس الوقت. وأشار إلى أن التعاضد في ولاية الكاف نجح ولم يفشل ولكن الذي فشل وافشل المنظومة التعاضدية هو تعميم التعاضد على كل اراضي الجمهورية فالتعميم هو الذي افشل الاشتراكية الدستورية وخط الوسط وهو ما أدى للأسف إلى اجهاضها وحصل المنعرج الخطأ. وقال إن كل المشاريع الكبرى الصناعية التي تكونت في تونس تمت في الستينات. وبين ان احد اساتذته الفرنسيين زاره مرة في الكاف واطلع على تجربة تعاضديات الإنتاج وسأله عن سر نجاحها فأجابه أن هذا النجاح يعود الى ثقتهم في بورقيبة وإلى أن التعاضدية بعد خمس سنوات تصبح مالكة للأرض حيث توزع الأرض على المتعاضدين بنسب معينة. وقال ان ثمانين بالمائة من الضيعات التي وقع استغلالها في الكاف تتراوح مساحتها بين الهكتار وأحيانا أقل وبين عشرين هكتارا وهو ما لا يسمح بتنمية الانتاج وكان يجب جمع الأراضي المشتتة والقيام بإصلاح في العمق دون الاضرار بالمواطنين وتجربة التعاضد في تونس لم تفشل في البداية ولكنها فشلت في سنة 1969 لأن الرئيس بورقيبة قام بتعميم التعاضد. وقال إن تعميم التعاضد يعني القضاء على المجهود الفردي للنهوض بالإنتاج وهذا المنوال لم ينجح حتى في الاتحاد السوفياتي. وقال انه لما كان واليا فكر في حل بديل وعرضه على أحمد بن صالح في أوت 1969 وطلب منه عرض مقترحه على الديوان السياسي للحزب والحكومة لكن للأسف بقي المقترح في الرفوف. وخلص إلى أن تعميم التعاضد افشل التعاضد والاشتراكية كما أن الفشل يعود إلى استنساخ شكل التعاضديات الموجودة في الشمال في بقية جهات الجمهورية والحال أن كل تعاضدية لها خصوصية وكل جهة لها ميزاتها.