إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

توفيا تحت التعذيب قبل 32 عاما.. رشيد الشماخي وفيصل بركات.. ملفان عالقان أمام العدالة الانتقالية منذ 5 سنوات.. فهل يتم حسمهما اليوم؟

  

 

تونس-الصباح

من المنتظر أن تنظر اليوم الدائرة القضائية المختصة بالنظر في قضايا العدالة بنابل في ملفي وفاة رشيد الشماخي وفيصل بركات تحت التعذيب قبل 32 عاما، والملفان من أولى الملفات التي تم نشرها أمام دوائر العدالة الانتقالية في 2018.

مفيدة القيزاني

 انطلقت أولى الجلسات في قضية رشيد الشماخي بتاريخ 29 جوان 2018 امام أنظار الدائرة الجنائية المتخصصة في العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية بنابل  بعد أن احالتها عليها هيئة الحقيقة والكرامة ويتضمن الملف انتهاكات القتل العمد والتعذيب المؤدي للموت وتضم لائحة  الاتهام 33 متهمّا من بينهم وزراء سابقين ومن بين المتهمين  عبد الله القلال والصادق شعبان وعزّ الدين جنيّح ومحمّد علي القنزوعي وغيرهم وقد وجهت اليهم تهم قتل نفس بشرية عمدًا المسبوق والمَتْبوع بجريمة والتعذيب الناجِم عنه موت والاختفاء القسري والإيقاف التعسّفي وإلقاء القبض على شخص واحتجازه دون إذن قانوني صاحَبَهُ العنف والتهديد وتبِعَهُ الموت والتدليس ومسك واستعمال مُدَلَّس  والمشاركة في ذلك. 

المسار القضائي.. 

اثر اندلاع الثورة تقدمت عائلة  رشيد الشماخي بشكاية لكشف المورطين في عملية قتله وقد أذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بقرمبالية بفتح بحث تعهد به أحد قضاة التحقيق بابتدائية قرمبالية وقد بلغ عدد الذين تم استنطاقهم في قضية  الشماخي 13 متهما من أجل تهمة التعذيب الصادر من موظف عمومي الناتج عنه الموت والمشاركة في ذلك من بينهم أربعة وزراء في النظام السابق وهم الصادق شعبان الذي كان يشغل زمن الحادثة مستشارا لدى رئيس الجمهورية وعبد الله القلال وزير داخلية في تلك الفترة وعبد الرحيم الزواري وزير العدل في تلك الفترة والبشير التكاري وزير عدل سابق الذي تم سماعه فيما بعد كشاهد ومحمد علي القنزوعي مدير عام المصالح المختصة بوزارة الداخلية في تلك الفترة كما استنطق قاضي التحقيق في ذات السياق ثلاثة أطباء ورئيس الفرقة المركزية الأولى للأبحاث والتفتيش بالعوينة سنة 1991 وآمر الحرس الوطني حينها ومديرادارة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بالعوينة سنة 1991 ومرشد بفرقة الأبحاث والتفتيش للحرس زمن الحادثة وكلّهم محالون بحالة سراح َكما استنطق رئيس فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بنابل سنة 1991 ثم أصدر في شأنه بطاقة جلب بعد فراره من مكتب التحقيق كما أصدر بطاقتي جلب في شأن الرئيس المخلوع ومدير المستشفى الجهوي محمد الطاهر المعموري بنابل خلال شهر أكتوبر1991 قبل ان تتم احالة الملف على دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بنابل التي وجهت الاتهام الى21 متهما بينهم وزراء سابقون واطارات أمنية قاموا بتعقيب قرار الدائرة قبل ان تعود القضية من التعقيب لتنظر فيها دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بنابل بهيئة مغايرة.

شهادات.. 

قاضي التحقيق المتعهد بالتحقيق في قضية رشيد الشماخي استمع أيضا إلى عديد الشهادات منها شهادة مستشار أول لدى رئيس الجمهورية وشهادة وكيل جمهورية وحاكم تحقيق سابقين وأمنيين وطبيب إضافة إلى سماع شهادة عائلة الشهيد وأقاربه وموقوفين كانوا شاهدوا حادثة وفاته سنة1991 بمركز ايقافه.

كما تم في نفس الاطار استخراج جثة رشيد الشماخي لإعادة فحصها من جديد وقد ورد في التقرير الطبي الصادر عن لجنة طبية متكونة من ثلاثة أطباء عيّنتهم المحكمة أن أسباب الوفاة ناتجة عن قصور كلوي مع حبس تبول مع قصور كبدي ناتج عن افراز العضلات لمادة عضوية سامة نتيجة اعتداء مما يؤكد فرضية التعذيب.

الشهود.. 

 التومي الحمروني أحد الشهود الرئيسيين في قضية مقتل الشهيد رشيد الشماخي والذي كان آنذاك طالب علم الإجتماع وعضو في الاتجاه الاسلامي وفي تصريح سابق "للصباح" أكد على أن الإشكال الحقيقي هو صعوبة جلب المنسوب اليهم الانتهاك جراء عدم بلوغ الإستدعاءات تحت مبررات عدة ويطالب اهالي الضحايا بأهمية التبليغ عن طريق عدول تنفيذ لعدم تعطيل الإجراءات.

وأضاف التومي الذي كان ثالث الموقوفين مع الشهيدين فيصل بركات ورشيد الشماخي والشاهد على قتلهما تحت التعذيب وهو ما أدلى به في شهاداته لدى هيئة الحقيقة والكرامة وحاكم التحقيق الرابع في ملف الشهيد رشيد الشماخي وكذلك حاكم التحقيق الأول المتعهد بملف الشهيد فيصل بركات باعتباره كان متواجدا في نفس الغرفة التي تم فيها تعذيب الشهيدين أمامه  وتواصل أيقافه قرابة الشهرين. وأكد التومي الحمروني أنه عند جلب  الشماخي كان منهكا من التعذيب الذي تلقاه طيلة الطريق وكان مغلول اليدين والرجلين مضيفا بأنه سأله عن فيصل بركات فأجابه بأنه قد تم قتله.

شهادات العائلة وأحد الموقوفين..

بدورهم قاسم ووسيلة الشماخي إخوة الشهيد رشيد الشماخي تحدثا عن اعلامهم بوفاته يوم 28 اكتوبر من قبل الجهات الامنية وبينت اخته وسيلة بأنه الى غاية يوم قبل اعلامهم بالوفاة كان الأمن يداهم منزلهم لايهامهم بالبحث عنه في وقت كان قد قتل تحت التعذيب.

وقد حضر جنازة الشماخي عددا كبيرا من الأهالي رغم التواجد الأمني المكثف وقتها.

كذلك أحد الشهود حسين العمري الذي تم ايقافه بقربة من قبل فرقة العوينة قبل خمسة ايام من ايقاف الشماخي على خلفية انتمائه للاتجاه الاسلامي وكانت عملية مداهمة وحشية تم خلالها التنكيل بزوجته وابنه رضيع لم يتجاوز 7 اشهر بوضعه في حوض ماء وتم نقله الى فرقة الابحاث والتفتيش بنابل وتم عزله عن بقية الموقوفين مقيدا ومعصب العينين وشهد عملية جلب رشيد الشماخي وتم نزع ملابسه أمامه ووضع الأصفاد في يديه ووضع الشماخي في وضعية الدجاجة "المصلية" بحضور رئيس الفرقة آنذاك فتحي الأديب وناجي العايدي مكلف من طرف الفرقة المركزية بالعوينة في إطار عملية اسناد وبحضور عدد من الأعوان وطلب الأمنيون من الحسين العمري التعرف على رشيد الشماخي موجهين اليه أسئلة حول ما اذا  كان يعرف مكان تواجد السلاح او مواد اخرى وتواصلت عملية الاستجواب تحت التعذيب لساعات.

شهادة تاريخية..

كان وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بقرمبالية الذي تم سماع أقواله في وقت سابق ذكر في شهادته خلال الأبحاث انه بتاريخ 31 اكتوبر 1991 وردت على كتابة ابتدائية قرمبالية برقية رفقة ضلع محضر تفيد وفاة شخص وهو الشهيد رشيد الشماخي وذلك بمستشفى نابل ونظرا لعدم قيام الباحث الابتدائي بما يوجبه القانون من اعلام اذ تم ايداع البرقية وضلع المحضر بعد خمسة ايام من وفاة الشماخي لذلك اذن بفتح بحث تحقيقي مع العلم وان البرقية وضلع المحضر ضمنا بدفتر الانابات ودفتر ضبط الحرس وقد تفطن أحد المساعدين الى ذلك اذ كان من المفروض توجيه برقية اعلامية في تاريخ الاحتفاظ بالهالك واعلامهم بحالته الصحية حتى يتسنى لهم اتخاذ ما يقتضيه القانون ولقد اذن بفتح بحث تحقيقي من اجل القتل العمد مع سابقية القصد والاضمار وتم حفظ القضية استنادا الى التقرير الطبي الذي تمت اضافته فيما بعد.

وفد من المنظمة العالمية لحقوق الانسان.. 

وفي صائفة 1992 طلب منه من قبل وكيل الدولة العام مدير المصالح العدلية حينها استقبال وفد من المنظمة العالمية لحقوق الانسان فقام باستقبال وفد يتركب من ثلاثة أشخاص وكانت تترأسه امرأة استفسرت عن سير القضاء بولاية نابل وعلاقة النيابة العمومية بالضابطة العدلية فأعلمها انذاك انه ليس للنيابة رقابة مباشرة على اعوان الضابطة العدلية الا في حدود ما يقدم من محاضر وليس لها الحق في الرقابة الادارية وتطرقت الى موضوع الشهيد فيصل بركات فبسط عليها وقائع القضية استنادا الى اوراق القضية، عندها اعلمته أن اطباء شرعيين اسكتلنديين تابعين لمنظمة العفو الدولية درسوا التقرير الطبي الصادر عن الطبيبين المسخرين في القضية وانتهوا الى ان وفاة بركات كانت بفعل فاعل ونتيجة تعذيب عندها اطلعها على احكام الفصل 121 من المجلة الجزائية وتلاه عليها فاستغربت من وجود نص قانوني يسمح بالقيام بذلك.

دعوة من الصادق شعبان.. 

وعلى اثر تلك الجلسة تم استدعاؤه من قبل وزير العدل الصادق شعبان والذي طلب منه الحضور رفقة حاكم التحقيق وجلب الملف التحقيقي الخاص بالشهيد فيصل بركات وبحلوله بوزارة العدل وقع استقباله من قبل وزير العدل الذي كان بمكتبه وكيل الدولة العام مدير المصالح العدلية فأطلعهما على فحوى المقابلة مع وفد منظمة العفو الدولية وقد علق وزير العدل الصادق شعبان انذاك بقوله "فرحت بيهم برشا" فيما علق وكيل الدولة بقوله" لماذا فتحت بحث تحقيقي وكان عليك الحفظ ولا وجه للتتبع ومن هنا فصاعدا فان هذه القضية وقضية رشيد الشماخي لا يمكنك اتخاذ اي قرار الا بعد الاذن لك" واعلمه ان هناك منظمات حقوقية وبعض من المعارضة التونسية تريد الاساءة الى تونس في المحافل الدولية وقد توجه وكيل الدولة العام باللوم لحاكم التحقيق عن صيغة القرار الذي اتخذ في خصوص الحفظ لعدم التوصل لمعرفة الجاني واضاف ان منظمة العفو الدولية قدمت تقرير اختبار طبي يطعن في مصداقية الاختبار الصادر عن الطبيبين المسخرين ورغم ذلك فقد أشار عليه وكيل الدولة العام بمواصلة التحقيق كما طلب من حاكم التحقيق تكليف ثلاثة خبراء وذلك للوصول الى نتيجة فنية حول التقرير الطبي الصادر عن الطبيبين المسخرين والتقرير الطبي الصادر عن منظمة العفو الدولية وبعد مدة ورد عليه التقرير الطبي الاخير وذلك عن طريق الوكيل العام للجمهورية حينها واستأنف التحقيق وقد جاء في تقرير الخبراء الذين تم تعيينهم ان ما توصلت اليه اعمال الخبراء الاجانب لم يكن مؤسسا على ادلة فتم حفظ القضية باعتبار انه لا وجه للتتبع.

وخلال سنة 1994 احيلت عليه عريضة من قبل الوكيل العام للجمهورية وردت من منظمة حقوقية على وزارة العدل وطلب منه الوكيل استئناف التحقيق لظهور ادلة جديدة وهي العريضة التي كانت تحتوي على تصريحات شهود فاذن بفتح تحقيق للمرة الثالثة وبعد اجراء الابحاث من قبل قاضي التحقيق اتخذ قرارت بالحفظ لعدم وجاهة التتبع باعتبار ان التصريحات الصادرة عن الشهود نفت ما ورد بالعريضة وكذلك لعدم تطابق تواريخ ايقافهم.

تعذيب حتى الموت.. 

وكان رشيد الشماخي ألقي عليه القبض  واقتيد إلى مقر فرقة الأبحاث والتفتيش بمنطقة الحرس الوطني بنابل صباح يوم24 أكتوبر1991 حيث بدأت عملية تعذيبه منذ وصوله إلى المقر الأمني ودون توجيه أية أسئلة له، إذ كانت النية منصبّة على الانتقام والقتل وجعله عبرة للآخرين بتعذيبه بشكل وحشي أمام بقية الموقوفين ولم يكن للاستجواب وهو ما تؤكده شهادة الموقوف حينها كمال الحميدي التي ذكر فيها أنه سمع رئيس الفرقة يقول للأعوان منذ أن جلب رشيد «أقتلوه»، وهو ما حصل فعلا إذ ُجّرد رشيد من جميع ملابسه و ُعلّق عاريا على طريقة «الروتي» وبدأ أحدهم بضربه بكل عنف على مؤخرته بواسطة عصا غليظة (دبوس) وكان عون ثان يضربه في نفس الوقت على رأسه قبل أن يتناوب على ضربه وتعذيبه عديد الأعوان، حتى انسلخ جلده ولم يعد يحتمل حتى الوقوف على رجليه ثم اقتيد الشماخي في مساء نفس اليوم إلى روضة البلدية الكائنة بحي غرة جوان بسليمان للبحث عن أسلحة مزعومة، ولم يقع العثور على أي سلاح ونقلوه إلى مركز لتربية النحل على ملك العائلة بمنطقة الشريفات أيضا لم يعثروا على أسلحة أثبتت كل التحريات المختلفة فيما بعد أنه لا وجود لها أصلا.

بعد ذلك أعادوه إلى مقر فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بنابل أين مارسوا عليه أساليب تعذيب وحشية وكان الشهيد ينادي بما تبقّى له من قوة وصوت خافت "ارحموني.. ارحموني» الى أن فارق الحياة في الليلة الفاصلة بين يومي26 و27 أكتوبر1991 حين حاول الذهاب إلى دورة المياه. وهو مقيد بالأغلال.

ملف فيصل بركات..

،من المنتظر أن تنظر اليوم أيضا دائرة العدالة الانتقالية في ملف فيصل بركات الذي فارق الحياة هو الآخر تحت التعذيب قبل 32 عاما  بمركز الأبحاث والتفتيش بنابل وقد شملت الأبحاث في قضية الشهيد فيصل بركات  الرئيس الراحل  بن علي وعبد الله القلال والصادق شعبان والبشير التكاري وكمال مرجان ورفيق الحاج قاسم ومستشارين سابقين  وكوادر أمنية.  

وفي جلسة سابقة ذكر محامو المتهمين بان الدستور الجديد ليس فيه أحكام متعلقة بالعدالة الانتقالية لذلك يعتبرون بأنه لا سند ولا اساس قانوني لها وطلبوا  إيقاف المحاكمات في كل الدوائر المتخصصة في العدالة الانتقالية  في حين تمسكت هيئة الدفاع في حق الشهيد فيصل بركات بأنه بالرغم من ان  الدستور القديم  الغي وتم ارساء دستور جديد فان القانون المنظم للعدالة الانتقالية ما زال ساري المفعول ولم يتم الغاؤه وطلبت هيئة الدفاع في حق الشهيد مكاتبة وزارة الداخلية حول مآل بطاقات الجلب الصادرة منذ سنوات في حق البعض من المنسوب إليهم الإنتهاك والذين لم يحضروا خلال الجلسات. 

وقد تم ايقاف فيصل بركات يوم 8 أكتوبر1991 بمدينة نابل واقتياده إلى مركز الحرس الوطني بنابل وتحديدا إلى مقر فرقة الأبحاث والتفتيش أين تم تعذيبه أشد التعذيب إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة تحت أنظار أكثر من 60 موقوفا من بينهم شقيقه جمال بركات يوم 11 أكتوبر1991 وقد تم الإعلام عن حادث مرور ووفاة لمترجل مجهول الهوية  بتاريخ11 أكتوبر1991 بطريق «الغرابي» الرابطة بين منزل بوزلفة وشاطئ «سيدي الرايس» والايهام بأن الشهيد توفي اثر حادث مرور سجل ضد مجهول وتم حفظ القضية بتاريخ 30 مارس1992 لعدم التوصل للجاني.

قبل ان يتم سنة 2009 وبأمر من وزير العدل إلى الوكيل العام بنابل فتح تحقيق للمرة الرابعة في القضية بمحكمة قرمبالية كلف به قاضي التحقيق الأول الذي استقر رأيه على رفض إخراج الجثة متعللا بتحللها لمرور الزمن ولكن بعد الثورة قررت دائرة الاتهام إرجاع الملف إلى مكتب التحقيق المذكور الذي استدعى ستة شهود أكدوا أن فيصل بركات تعرض للتعذيب الوحشي طيلة ست ساعات تقريبا بمقر فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بنابل مما تسبب في وفاته على عين المكان وتم فتح الملف من جديد، ومازالت القضية تراوح مكانها أمام العدالة الانتقالية.

توفيا تحت التعذيب قبل 32 عاما..  رشيد الشماخي وفيصل بركات.. ملفان عالقان أمام العدالة الانتقالية منذ 5 سنوات.. فهل يتم حسمهما اليوم؟

  

 

تونس-الصباح

من المنتظر أن تنظر اليوم الدائرة القضائية المختصة بالنظر في قضايا العدالة بنابل في ملفي وفاة رشيد الشماخي وفيصل بركات تحت التعذيب قبل 32 عاما، والملفان من أولى الملفات التي تم نشرها أمام دوائر العدالة الانتقالية في 2018.

مفيدة القيزاني

 انطلقت أولى الجلسات في قضية رشيد الشماخي بتاريخ 29 جوان 2018 امام أنظار الدائرة الجنائية المتخصصة في العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية بنابل  بعد أن احالتها عليها هيئة الحقيقة والكرامة ويتضمن الملف انتهاكات القتل العمد والتعذيب المؤدي للموت وتضم لائحة  الاتهام 33 متهمّا من بينهم وزراء سابقين ومن بين المتهمين  عبد الله القلال والصادق شعبان وعزّ الدين جنيّح ومحمّد علي القنزوعي وغيرهم وقد وجهت اليهم تهم قتل نفس بشرية عمدًا المسبوق والمَتْبوع بجريمة والتعذيب الناجِم عنه موت والاختفاء القسري والإيقاف التعسّفي وإلقاء القبض على شخص واحتجازه دون إذن قانوني صاحَبَهُ العنف والتهديد وتبِعَهُ الموت والتدليس ومسك واستعمال مُدَلَّس  والمشاركة في ذلك. 

المسار القضائي.. 

اثر اندلاع الثورة تقدمت عائلة  رشيد الشماخي بشكاية لكشف المورطين في عملية قتله وقد أذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بقرمبالية بفتح بحث تعهد به أحد قضاة التحقيق بابتدائية قرمبالية وقد بلغ عدد الذين تم استنطاقهم في قضية  الشماخي 13 متهما من أجل تهمة التعذيب الصادر من موظف عمومي الناتج عنه الموت والمشاركة في ذلك من بينهم أربعة وزراء في النظام السابق وهم الصادق شعبان الذي كان يشغل زمن الحادثة مستشارا لدى رئيس الجمهورية وعبد الله القلال وزير داخلية في تلك الفترة وعبد الرحيم الزواري وزير العدل في تلك الفترة والبشير التكاري وزير عدل سابق الذي تم سماعه فيما بعد كشاهد ومحمد علي القنزوعي مدير عام المصالح المختصة بوزارة الداخلية في تلك الفترة كما استنطق قاضي التحقيق في ذات السياق ثلاثة أطباء ورئيس الفرقة المركزية الأولى للأبحاث والتفتيش بالعوينة سنة 1991 وآمر الحرس الوطني حينها ومديرادارة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بالعوينة سنة 1991 ومرشد بفرقة الأبحاث والتفتيش للحرس زمن الحادثة وكلّهم محالون بحالة سراح َكما استنطق رئيس فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بنابل سنة 1991 ثم أصدر في شأنه بطاقة جلب بعد فراره من مكتب التحقيق كما أصدر بطاقتي جلب في شأن الرئيس المخلوع ومدير المستشفى الجهوي محمد الطاهر المعموري بنابل خلال شهر أكتوبر1991 قبل ان تتم احالة الملف على دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بنابل التي وجهت الاتهام الى21 متهما بينهم وزراء سابقون واطارات أمنية قاموا بتعقيب قرار الدائرة قبل ان تعود القضية من التعقيب لتنظر فيها دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بنابل بهيئة مغايرة.

شهادات.. 

قاضي التحقيق المتعهد بالتحقيق في قضية رشيد الشماخي استمع أيضا إلى عديد الشهادات منها شهادة مستشار أول لدى رئيس الجمهورية وشهادة وكيل جمهورية وحاكم تحقيق سابقين وأمنيين وطبيب إضافة إلى سماع شهادة عائلة الشهيد وأقاربه وموقوفين كانوا شاهدوا حادثة وفاته سنة1991 بمركز ايقافه.

كما تم في نفس الاطار استخراج جثة رشيد الشماخي لإعادة فحصها من جديد وقد ورد في التقرير الطبي الصادر عن لجنة طبية متكونة من ثلاثة أطباء عيّنتهم المحكمة أن أسباب الوفاة ناتجة عن قصور كلوي مع حبس تبول مع قصور كبدي ناتج عن افراز العضلات لمادة عضوية سامة نتيجة اعتداء مما يؤكد فرضية التعذيب.

الشهود.. 

 التومي الحمروني أحد الشهود الرئيسيين في قضية مقتل الشهيد رشيد الشماخي والذي كان آنذاك طالب علم الإجتماع وعضو في الاتجاه الاسلامي وفي تصريح سابق "للصباح" أكد على أن الإشكال الحقيقي هو صعوبة جلب المنسوب اليهم الانتهاك جراء عدم بلوغ الإستدعاءات تحت مبررات عدة ويطالب اهالي الضحايا بأهمية التبليغ عن طريق عدول تنفيذ لعدم تعطيل الإجراءات.

وأضاف التومي الذي كان ثالث الموقوفين مع الشهيدين فيصل بركات ورشيد الشماخي والشاهد على قتلهما تحت التعذيب وهو ما أدلى به في شهاداته لدى هيئة الحقيقة والكرامة وحاكم التحقيق الرابع في ملف الشهيد رشيد الشماخي وكذلك حاكم التحقيق الأول المتعهد بملف الشهيد فيصل بركات باعتباره كان متواجدا في نفس الغرفة التي تم فيها تعذيب الشهيدين أمامه  وتواصل أيقافه قرابة الشهرين. وأكد التومي الحمروني أنه عند جلب  الشماخي كان منهكا من التعذيب الذي تلقاه طيلة الطريق وكان مغلول اليدين والرجلين مضيفا بأنه سأله عن فيصل بركات فأجابه بأنه قد تم قتله.

شهادات العائلة وأحد الموقوفين..

بدورهم قاسم ووسيلة الشماخي إخوة الشهيد رشيد الشماخي تحدثا عن اعلامهم بوفاته يوم 28 اكتوبر من قبل الجهات الامنية وبينت اخته وسيلة بأنه الى غاية يوم قبل اعلامهم بالوفاة كان الأمن يداهم منزلهم لايهامهم بالبحث عنه في وقت كان قد قتل تحت التعذيب.

وقد حضر جنازة الشماخي عددا كبيرا من الأهالي رغم التواجد الأمني المكثف وقتها.

كذلك أحد الشهود حسين العمري الذي تم ايقافه بقربة من قبل فرقة العوينة قبل خمسة ايام من ايقاف الشماخي على خلفية انتمائه للاتجاه الاسلامي وكانت عملية مداهمة وحشية تم خلالها التنكيل بزوجته وابنه رضيع لم يتجاوز 7 اشهر بوضعه في حوض ماء وتم نقله الى فرقة الابحاث والتفتيش بنابل وتم عزله عن بقية الموقوفين مقيدا ومعصب العينين وشهد عملية جلب رشيد الشماخي وتم نزع ملابسه أمامه ووضع الأصفاد في يديه ووضع الشماخي في وضعية الدجاجة "المصلية" بحضور رئيس الفرقة آنذاك فتحي الأديب وناجي العايدي مكلف من طرف الفرقة المركزية بالعوينة في إطار عملية اسناد وبحضور عدد من الأعوان وطلب الأمنيون من الحسين العمري التعرف على رشيد الشماخي موجهين اليه أسئلة حول ما اذا  كان يعرف مكان تواجد السلاح او مواد اخرى وتواصلت عملية الاستجواب تحت التعذيب لساعات.

شهادة تاريخية..

كان وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بقرمبالية الذي تم سماع أقواله في وقت سابق ذكر في شهادته خلال الأبحاث انه بتاريخ 31 اكتوبر 1991 وردت على كتابة ابتدائية قرمبالية برقية رفقة ضلع محضر تفيد وفاة شخص وهو الشهيد رشيد الشماخي وذلك بمستشفى نابل ونظرا لعدم قيام الباحث الابتدائي بما يوجبه القانون من اعلام اذ تم ايداع البرقية وضلع المحضر بعد خمسة ايام من وفاة الشماخي لذلك اذن بفتح بحث تحقيقي مع العلم وان البرقية وضلع المحضر ضمنا بدفتر الانابات ودفتر ضبط الحرس وقد تفطن أحد المساعدين الى ذلك اذ كان من المفروض توجيه برقية اعلامية في تاريخ الاحتفاظ بالهالك واعلامهم بحالته الصحية حتى يتسنى لهم اتخاذ ما يقتضيه القانون ولقد اذن بفتح بحث تحقيقي من اجل القتل العمد مع سابقية القصد والاضمار وتم حفظ القضية استنادا الى التقرير الطبي الذي تمت اضافته فيما بعد.

وفد من المنظمة العالمية لحقوق الانسان.. 

وفي صائفة 1992 طلب منه من قبل وكيل الدولة العام مدير المصالح العدلية حينها استقبال وفد من المنظمة العالمية لحقوق الانسان فقام باستقبال وفد يتركب من ثلاثة أشخاص وكانت تترأسه امرأة استفسرت عن سير القضاء بولاية نابل وعلاقة النيابة العمومية بالضابطة العدلية فأعلمها انذاك انه ليس للنيابة رقابة مباشرة على اعوان الضابطة العدلية الا في حدود ما يقدم من محاضر وليس لها الحق في الرقابة الادارية وتطرقت الى موضوع الشهيد فيصل بركات فبسط عليها وقائع القضية استنادا الى اوراق القضية، عندها اعلمته أن اطباء شرعيين اسكتلنديين تابعين لمنظمة العفو الدولية درسوا التقرير الطبي الصادر عن الطبيبين المسخرين في القضية وانتهوا الى ان وفاة بركات كانت بفعل فاعل ونتيجة تعذيب عندها اطلعها على احكام الفصل 121 من المجلة الجزائية وتلاه عليها فاستغربت من وجود نص قانوني يسمح بالقيام بذلك.

دعوة من الصادق شعبان.. 

وعلى اثر تلك الجلسة تم استدعاؤه من قبل وزير العدل الصادق شعبان والذي طلب منه الحضور رفقة حاكم التحقيق وجلب الملف التحقيقي الخاص بالشهيد فيصل بركات وبحلوله بوزارة العدل وقع استقباله من قبل وزير العدل الذي كان بمكتبه وكيل الدولة العام مدير المصالح العدلية فأطلعهما على فحوى المقابلة مع وفد منظمة العفو الدولية وقد علق وزير العدل الصادق شعبان انذاك بقوله "فرحت بيهم برشا" فيما علق وكيل الدولة بقوله" لماذا فتحت بحث تحقيقي وكان عليك الحفظ ولا وجه للتتبع ومن هنا فصاعدا فان هذه القضية وقضية رشيد الشماخي لا يمكنك اتخاذ اي قرار الا بعد الاذن لك" واعلمه ان هناك منظمات حقوقية وبعض من المعارضة التونسية تريد الاساءة الى تونس في المحافل الدولية وقد توجه وكيل الدولة العام باللوم لحاكم التحقيق عن صيغة القرار الذي اتخذ في خصوص الحفظ لعدم التوصل لمعرفة الجاني واضاف ان منظمة العفو الدولية قدمت تقرير اختبار طبي يطعن في مصداقية الاختبار الصادر عن الطبيبين المسخرين ورغم ذلك فقد أشار عليه وكيل الدولة العام بمواصلة التحقيق كما طلب من حاكم التحقيق تكليف ثلاثة خبراء وذلك للوصول الى نتيجة فنية حول التقرير الطبي الصادر عن الطبيبين المسخرين والتقرير الطبي الصادر عن منظمة العفو الدولية وبعد مدة ورد عليه التقرير الطبي الاخير وذلك عن طريق الوكيل العام للجمهورية حينها واستأنف التحقيق وقد جاء في تقرير الخبراء الذين تم تعيينهم ان ما توصلت اليه اعمال الخبراء الاجانب لم يكن مؤسسا على ادلة فتم حفظ القضية باعتبار انه لا وجه للتتبع.

وخلال سنة 1994 احيلت عليه عريضة من قبل الوكيل العام للجمهورية وردت من منظمة حقوقية على وزارة العدل وطلب منه الوكيل استئناف التحقيق لظهور ادلة جديدة وهي العريضة التي كانت تحتوي على تصريحات شهود فاذن بفتح تحقيق للمرة الثالثة وبعد اجراء الابحاث من قبل قاضي التحقيق اتخذ قرارت بالحفظ لعدم وجاهة التتبع باعتبار ان التصريحات الصادرة عن الشهود نفت ما ورد بالعريضة وكذلك لعدم تطابق تواريخ ايقافهم.

تعذيب حتى الموت.. 

وكان رشيد الشماخي ألقي عليه القبض  واقتيد إلى مقر فرقة الأبحاث والتفتيش بمنطقة الحرس الوطني بنابل صباح يوم24 أكتوبر1991 حيث بدأت عملية تعذيبه منذ وصوله إلى المقر الأمني ودون توجيه أية أسئلة له، إذ كانت النية منصبّة على الانتقام والقتل وجعله عبرة للآخرين بتعذيبه بشكل وحشي أمام بقية الموقوفين ولم يكن للاستجواب وهو ما تؤكده شهادة الموقوف حينها كمال الحميدي التي ذكر فيها أنه سمع رئيس الفرقة يقول للأعوان منذ أن جلب رشيد «أقتلوه»، وهو ما حصل فعلا إذ ُجّرد رشيد من جميع ملابسه و ُعلّق عاريا على طريقة «الروتي» وبدأ أحدهم بضربه بكل عنف على مؤخرته بواسطة عصا غليظة (دبوس) وكان عون ثان يضربه في نفس الوقت على رأسه قبل أن يتناوب على ضربه وتعذيبه عديد الأعوان، حتى انسلخ جلده ولم يعد يحتمل حتى الوقوف على رجليه ثم اقتيد الشماخي في مساء نفس اليوم إلى روضة البلدية الكائنة بحي غرة جوان بسليمان للبحث عن أسلحة مزعومة، ولم يقع العثور على أي سلاح ونقلوه إلى مركز لتربية النحل على ملك العائلة بمنطقة الشريفات أيضا لم يعثروا على أسلحة أثبتت كل التحريات المختلفة فيما بعد أنه لا وجود لها أصلا.

بعد ذلك أعادوه إلى مقر فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بنابل أين مارسوا عليه أساليب تعذيب وحشية وكان الشهيد ينادي بما تبقّى له من قوة وصوت خافت "ارحموني.. ارحموني» الى أن فارق الحياة في الليلة الفاصلة بين يومي26 و27 أكتوبر1991 حين حاول الذهاب إلى دورة المياه. وهو مقيد بالأغلال.

ملف فيصل بركات..

،من المنتظر أن تنظر اليوم أيضا دائرة العدالة الانتقالية في ملف فيصل بركات الذي فارق الحياة هو الآخر تحت التعذيب قبل 32 عاما  بمركز الأبحاث والتفتيش بنابل وقد شملت الأبحاث في قضية الشهيد فيصل بركات  الرئيس الراحل  بن علي وعبد الله القلال والصادق شعبان والبشير التكاري وكمال مرجان ورفيق الحاج قاسم ومستشارين سابقين  وكوادر أمنية.  

وفي جلسة سابقة ذكر محامو المتهمين بان الدستور الجديد ليس فيه أحكام متعلقة بالعدالة الانتقالية لذلك يعتبرون بأنه لا سند ولا اساس قانوني لها وطلبوا  إيقاف المحاكمات في كل الدوائر المتخصصة في العدالة الانتقالية  في حين تمسكت هيئة الدفاع في حق الشهيد فيصل بركات بأنه بالرغم من ان  الدستور القديم  الغي وتم ارساء دستور جديد فان القانون المنظم للعدالة الانتقالية ما زال ساري المفعول ولم يتم الغاؤه وطلبت هيئة الدفاع في حق الشهيد مكاتبة وزارة الداخلية حول مآل بطاقات الجلب الصادرة منذ سنوات في حق البعض من المنسوب إليهم الإنتهاك والذين لم يحضروا خلال الجلسات. 

وقد تم ايقاف فيصل بركات يوم 8 أكتوبر1991 بمدينة نابل واقتياده إلى مركز الحرس الوطني بنابل وتحديدا إلى مقر فرقة الأبحاث والتفتيش أين تم تعذيبه أشد التعذيب إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة تحت أنظار أكثر من 60 موقوفا من بينهم شقيقه جمال بركات يوم 11 أكتوبر1991 وقد تم الإعلام عن حادث مرور ووفاة لمترجل مجهول الهوية  بتاريخ11 أكتوبر1991 بطريق «الغرابي» الرابطة بين منزل بوزلفة وشاطئ «سيدي الرايس» والايهام بأن الشهيد توفي اثر حادث مرور سجل ضد مجهول وتم حفظ القضية بتاريخ 30 مارس1992 لعدم التوصل للجاني.

قبل ان يتم سنة 2009 وبأمر من وزير العدل إلى الوكيل العام بنابل فتح تحقيق للمرة الرابعة في القضية بمحكمة قرمبالية كلف به قاضي التحقيق الأول الذي استقر رأيه على رفض إخراج الجثة متعللا بتحللها لمرور الزمن ولكن بعد الثورة قررت دائرة الاتهام إرجاع الملف إلى مكتب التحقيق المذكور الذي استدعى ستة شهود أكدوا أن فيصل بركات تعرض للتعذيب الوحشي طيلة ست ساعات تقريبا بمقر فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بنابل مما تسبب في وفاته على عين المكان وتم فتح الملف من جديد، ومازالت القضية تراوح مكانها أمام العدالة الانتقالية.