في اعتقادنا أنّ السّيرورة النّضاليّة لا يجب ألاّ تعرف التّوقف، بل ينبغي أن تكون على الدّوام مستمرّة. ومن الطّبيعيّ أن تتناقلها الأجيال، فيسلّم كلّ جيل الجيل اللاّحق المشعل. وإنّه لعمري مشعل لا تخلو منه الرّوح الوطنيّة التي لا تكون إلاّ بنكران مصالح الذّات حتّى تبقى عزّة تونس وسيادتها وكرامة أبنائها هدفنا الوحيد. ولنا في شاعرنا العظيم أبي القاسم الشّابّي خير أسوة نتّبعها ونحذو حذوها حيث قال:
لا يخفى على أحد أنّ بلادنا تمرّ بظروف اقتصاديّة حرجة جدّا تنجرّ عنها مصاعب وأزمات تتفاقم يوميّا لا على مستوى الفرد التّونسيّ فقط وإنّما أيضا على مستوى مؤسّسات الدّولة ومصالحها. الكلّ مهدّد: المواطن بمزيد التّفقير والانحدار بمستواه المعيشيّ غذاء ونقلا وصحّة وتعليما، والمؤسّسات الخاصّة والعموميّة بالإفلاس إن لم نسارع الآن وهنا بإصلاح ما أمكن وباغتنام ما تبقّى من بصيص أمل في بعض دواليب الدّولة التي مسّتها أيادي الخراب والهدم والعبث مدّة عقود.
لا يخفى كذلك على أحد أنّ هناك أصواتا ارتفعت، وبالتّحديد منذ أكثر من سنتين، قبل موعد المؤتمر العادّي للاتحاد العام التّونسيّ للشغل وما حام حوله من أخبار حول تعديل الفصل العشرين من النّظام الدّاخلي للمنظّمة، داعية إلى عدم المساس بالقانون الدّاخلي للمنظّمة احتراما لقواعدها وهياكلها الوسطى. وقد أكّدت هذه الأصوات ضرورة عدم تعديل أيّ فصل من فصول النّظام الدّاخلي للمنظمة إلاّ داخل المؤتمر العام العاديّ، فهو سيّد موقفه ولا صوت يعلو فوق صوته. ولكن مع الأسف والحسرة الشّديدين، لم تلق كلّ تلك الأصوات المنادية بعدم الانحراف عن مبادئ الاتحاد والحياد عمّا غرسه فيهم مؤسّسوه ودعوا إليه من تكريس منهج الديمقراطية إلاّ الإعراض والتّعنّت من القيادة المركزيّة والجهويّة وحتّى المحلّية، بل وأكثر، إذ وصل الأمر إلى إخماد أصوات المعارضين الرّافضين التّعدّي على الفصل العشرين والتّمديد في المدّة النّيابية (أكثر من دورتين لأعضاء المكتب التنفيذي أي أكثر من ثماني سنوات). ومن المعارضين لتعديل الفصل العشرين من جرّدوا ومنهم من نوصبوا العداء وأصبحوا ممنوعين حتّى من الولوج إلى دور الاتّحاد. وتمّت مطاردة هؤلاء في المسيرات حين نادوا بالحفاظ على "الشّقف" من خلال احترام صوت القواعد ورفعوا شعار: "الاتّحاد مستقلّ والقواعد هي الكلّ".
ومن ناحية أخرى، نلاحظ اليوم أنّ الأصوات التي دعمت التّمديد وغالطت القواعد النّقابيّة وشجّعت الهياكل العليا والوسطى في المنظّمة على السّير في الطّريق الخاطئة (الإصرار على عقد مؤتمر الاتحاد الاستثنائي غير الانتخابي بسوسة في 8 و9 جويلية 2021 رغم انتشار وباء كورونا وتنظيم مؤتمر الاتحاد العادي بصفاقس أيام 16 و17 و18 فيفري 2022 وتحويل مقرّ انعقاده إلى معسكر في إحدى غابات المدينة حيث كانت أجواء صفاقس أجواء مدينة تعيش على وقع عمليّة إرهابية 2) تتراجع وتخفت مع فتور جليّ لدى النّقابيّات والنّقابيّين تجاه القيادة الحاليّة. وقد هجر كثير من النّقابيّات والنّقابيّين دور الاتّحاد ولم تعد تعني لهم الأخبار النّقابيّة شيئا. ومنهم من انسلخوا عن المنظّمة وهو موقف نعارضه تماما فلا سبيل، في رأينا، إلى الخروج من منظمتنا العريقة التي قاومت الاستعمار المباشر وغير المباشر واصطفّت إلى جانب الأصوات الحرّة في العالم المنادية بالحرّية والكرامة الوطنيّة والدّاعمة لقضايا التّحرّر في العالم والانعتاق الاجتماعي لا سيّما في فلسطين المحتلّة ولا تزال. والسّؤال الذي يطرح نفسه اليوم بإلحاح: هل نبقى على الرّبوة فالجلوس عليها أسلم كما يرى بعضهم؟
نقول بصوت عال لا وألف لا، بل يجب أن يتواصل النّفس النّضاليّ وذلك بإنقاذ وضع المنظّمة المتردّي على جميع الأصعدة: خمد بريق قلعة حشاد ويكاد العقد الثّمين الذي بينها وبين أبنائها ينفرط. يتساءل النّقابيّات والنّقابيّون اليوم: أين دور الاتحاد والأوضاع الماليّة متأزّمة والقدرة الشرائيّة متدهورة وظروف التّعليم والنّقل والصّحة كارثيّة لم تعد تُحتمل؟
كلّ هذا، في رأينا، لا يتجسّد على مستوى الواقع إلاّ بعودة القواعد إلى مقرّات الاتّحادات الجهويّة والمحلّيّة وأخذ القرارات اللاّزمة التي لا يمكن أن تكون إلاّ بالرّجوع إلى ما قبل مؤتمر الاتحاد العام بصفاقس وإعادة بناء مكاتب نقابيّة جهويّة ومحلّيّة ووطنيّة لعقد المؤتمرات من جديد.
أبو القاسم الشّابّي، قصيدة تونس الجميلة.
كنّا نشرنا مقالا في الغرض بجريدة الصّباح تحت عنوان " مؤتمرو الاتحاد العام التونسي للشغل: طعموا من جوع وما أمنوا من خوف" بتاريخ الأحد 20 فيفري 2022.
بقلم:مصدّق الشّريف
في اعتقادنا أنّ السّيرورة النّضاليّة لا يجب ألاّ تعرف التّوقف، بل ينبغي أن تكون على الدّوام مستمرّة. ومن الطّبيعيّ أن تتناقلها الأجيال، فيسلّم كلّ جيل الجيل اللاّحق المشعل. وإنّه لعمري مشعل لا تخلو منه الرّوح الوطنيّة التي لا تكون إلاّ بنكران مصالح الذّات حتّى تبقى عزّة تونس وسيادتها وكرامة أبنائها هدفنا الوحيد. ولنا في شاعرنا العظيم أبي القاسم الشّابّي خير أسوة نتّبعها ونحذو حذوها حيث قال:
لا يخفى على أحد أنّ بلادنا تمرّ بظروف اقتصاديّة حرجة جدّا تنجرّ عنها مصاعب وأزمات تتفاقم يوميّا لا على مستوى الفرد التّونسيّ فقط وإنّما أيضا على مستوى مؤسّسات الدّولة ومصالحها. الكلّ مهدّد: المواطن بمزيد التّفقير والانحدار بمستواه المعيشيّ غذاء ونقلا وصحّة وتعليما، والمؤسّسات الخاصّة والعموميّة بالإفلاس إن لم نسارع الآن وهنا بإصلاح ما أمكن وباغتنام ما تبقّى من بصيص أمل في بعض دواليب الدّولة التي مسّتها أيادي الخراب والهدم والعبث مدّة عقود.
لا يخفى كذلك على أحد أنّ هناك أصواتا ارتفعت، وبالتّحديد منذ أكثر من سنتين، قبل موعد المؤتمر العادّي للاتحاد العام التّونسيّ للشغل وما حام حوله من أخبار حول تعديل الفصل العشرين من النّظام الدّاخلي للمنظّمة، داعية إلى عدم المساس بالقانون الدّاخلي للمنظّمة احتراما لقواعدها وهياكلها الوسطى. وقد أكّدت هذه الأصوات ضرورة عدم تعديل أيّ فصل من فصول النّظام الدّاخلي للمنظمة إلاّ داخل المؤتمر العام العاديّ، فهو سيّد موقفه ولا صوت يعلو فوق صوته. ولكن مع الأسف والحسرة الشّديدين، لم تلق كلّ تلك الأصوات المنادية بعدم الانحراف عن مبادئ الاتحاد والحياد عمّا غرسه فيهم مؤسّسوه ودعوا إليه من تكريس منهج الديمقراطية إلاّ الإعراض والتّعنّت من القيادة المركزيّة والجهويّة وحتّى المحلّية، بل وأكثر، إذ وصل الأمر إلى إخماد أصوات المعارضين الرّافضين التّعدّي على الفصل العشرين والتّمديد في المدّة النّيابية (أكثر من دورتين لأعضاء المكتب التنفيذي أي أكثر من ثماني سنوات). ومن المعارضين لتعديل الفصل العشرين من جرّدوا ومنهم من نوصبوا العداء وأصبحوا ممنوعين حتّى من الولوج إلى دور الاتّحاد. وتمّت مطاردة هؤلاء في المسيرات حين نادوا بالحفاظ على "الشّقف" من خلال احترام صوت القواعد ورفعوا شعار: "الاتّحاد مستقلّ والقواعد هي الكلّ".
ومن ناحية أخرى، نلاحظ اليوم أنّ الأصوات التي دعمت التّمديد وغالطت القواعد النّقابيّة وشجّعت الهياكل العليا والوسطى في المنظّمة على السّير في الطّريق الخاطئة (الإصرار على عقد مؤتمر الاتحاد الاستثنائي غير الانتخابي بسوسة في 8 و9 جويلية 2021 رغم انتشار وباء كورونا وتنظيم مؤتمر الاتحاد العادي بصفاقس أيام 16 و17 و18 فيفري 2022 وتحويل مقرّ انعقاده إلى معسكر في إحدى غابات المدينة حيث كانت أجواء صفاقس أجواء مدينة تعيش على وقع عمليّة إرهابية 2) تتراجع وتخفت مع فتور جليّ لدى النّقابيّات والنّقابيّين تجاه القيادة الحاليّة. وقد هجر كثير من النّقابيّات والنّقابيّين دور الاتّحاد ولم تعد تعني لهم الأخبار النّقابيّة شيئا. ومنهم من انسلخوا عن المنظّمة وهو موقف نعارضه تماما فلا سبيل، في رأينا، إلى الخروج من منظمتنا العريقة التي قاومت الاستعمار المباشر وغير المباشر واصطفّت إلى جانب الأصوات الحرّة في العالم المنادية بالحرّية والكرامة الوطنيّة والدّاعمة لقضايا التّحرّر في العالم والانعتاق الاجتماعي لا سيّما في فلسطين المحتلّة ولا تزال. والسّؤال الذي يطرح نفسه اليوم بإلحاح: هل نبقى على الرّبوة فالجلوس عليها أسلم كما يرى بعضهم؟
نقول بصوت عال لا وألف لا، بل يجب أن يتواصل النّفس النّضاليّ وذلك بإنقاذ وضع المنظّمة المتردّي على جميع الأصعدة: خمد بريق قلعة حشاد ويكاد العقد الثّمين الذي بينها وبين أبنائها ينفرط. يتساءل النّقابيّات والنّقابيّون اليوم: أين دور الاتحاد والأوضاع الماليّة متأزّمة والقدرة الشرائيّة متدهورة وظروف التّعليم والنّقل والصّحة كارثيّة لم تعد تُحتمل؟
كلّ هذا، في رأينا، لا يتجسّد على مستوى الواقع إلاّ بعودة القواعد إلى مقرّات الاتّحادات الجهويّة والمحلّيّة وأخذ القرارات اللاّزمة التي لا يمكن أن تكون إلاّ بالرّجوع إلى ما قبل مؤتمر الاتحاد العام بصفاقس وإعادة بناء مكاتب نقابيّة جهويّة ومحلّيّة ووطنيّة لعقد المؤتمرات من جديد.
أبو القاسم الشّابّي، قصيدة تونس الجميلة.
كنّا نشرنا مقالا في الغرض بجريدة الصّباح تحت عنوان " مؤتمرو الاتحاد العام التونسي للشغل: طعموا من جوع وما أمنوا من خوف" بتاريخ الأحد 20 فيفري 2022.