سيكون من المهم وقبل توضيح سبب اختيار هذا العنوان، الإقرار بأنه مقتبس من رسم كاريكاتوري بتوقيع إرمان حمص، نشرته صحيفة النهار اللبنانية، مرفقا برسم كرسي السلطة الفارغ على كفة ممدودة تنتظر صدقة أو منة أو إحسانا، تأخر أكثر مما ينبغي.. والحقيقة أن أكثر من سبب يدفع للتوقف عند هذا الرسم المثير الذي يختزل الأزمة السياسية والمأزق الحاصل في لبنان ولكن وهذا الأهم والذي يعكس خصوصية المجتمع اللبناني الذي لم يجد أفضل من النكت ومن الفن لمواجهة الأزمات التي باتت تتوالد بكثرة وهذا ليس بالأمر الجديد على شعب لبنان متعدد الطوائف والانتماءات والذي واجه الحرب الأهلية الدموية بالموسيقى والفن والإبداع حتى أن بعض من عاشوا أهوال تلك الحرب يتحدثون عن بيروت التي تعيش على وقع القصف والصواريخ نهارا وتتحول ليلا الى ملاه ليلة لا يتوقف فيها الغناء والرقص وكأن الحرب لم تكن .
وقد تكون تلك طريقة للهروب من واقع سوداوي ولا مجال عمليا لعاقل للتطبيع والتعايش معه إلا بالاستخفاف بالمصائب وإنكارها والتهوين من المآسي إلى درجة العبث.. وهي ظاهرة يمكن القول إنها مشتركة بين اللبنانيين والمصريين بشكل خاص وإن كانت بدرجة أقل بين بقية الشعوب العربية الموبوءة بأزماتها.. ويقول الأديب الكبير الراحل الطيب صالح الذي يقول في أحد ندواته أن السودانيين لا يعبرون عن عواطفهم باندفاع وسهولة، عندهم شيء من الحياء إذا قورنا بإخواننا المصريين الذين هم أقدر منا على التعبير عن عواطفهم"... والأكيد أن هناك حاجة ملحة كي يقبل علماء الاجتماع وخبراء علم النفس على قراءة وفهم وتحليل خصوصيات المجتمعات العربية في التفاعل والتعاطي مع الأزمات وفي القدرة على الصبر والتحمل لتفادي الانهيار والصدمات.. ولو كتب للعالم أن يستحدث جائزة لأكثر شعوب الأرض صبرا لكانت من نصيب الشعوب العربية مشتركة بالنظر الى جلدها في تحمل الأذى الداخلي أو الخارجي ..
على أي حال فإن سبب هذه المقدمة مرتبط باستمرار الغياب الحاصل في مؤسسة الرئاسة اللبنانية منذ نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال عون في أكتوبر الماضي وفشل البرلمان اللبناني في التوصل الى توافق في هذا الشأن بعد أكثر من عشر جلسات نيابية انتهت جميعها بالفشل ويبدو أن الفراغ سيستمر الى أجل غير مسمى بالنظر الى التجربة المسجلة في لبنان كلما تعلق الأمر بالانتخابات الرئاسية التي يصح القول إنها أبعد من أن تكون شأنا لبنانيا خالصا مرتبطا بالتيارات والأحزاب القائمة بل هي شأن تتداخل فيه القوى الإقليمية والدولية التي تعتقد أن لبنان تحت وصايتها ويحتاج توجيهاتها ورعايتها قبل اختيار رئيسه.
وحتى هذه المرحلة فلا جديد يذكر في هذه المسألة ويبدو أن كل الوساطات والمبادرات وصلت الى طريق مسدود في برلمان نبيه بري وآخر الأسماء المقترحة كان جهاد أزعور الذي لا يبدو أيضا أنه حظي بأي توافق وهو القادم من عالم المال والأعمال والذي يتمتع بعلاقات خارجية واسعة بالنظر الى موقعه ومسؤوليته في صندوق النقد الدولي.
في هذه الأجواء جاء بيان قمة جدة مذكرا اللبنانيين بضرورة التعجيل بانتخاب رئيس والخروج من دائرة الفراغ الحاصل.. ويبدو أن الأسابيع القليلة القادمة قد تحمل الجديد في شان انتخاب رئيس جديد للبنان مع إدراك مختلف الأطراف والتيارات المعنية أن التعطيل لا يمكن أن يستمر الى ما لا نهاية في بلد يعاني من تعدد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ومن انهيار غير مسبوق للعملة وارتفاع للبطالة وغياب للآفاق والمبادرات مع تصنيف نحو ثمانين بالمائة من اللبنانيين تحت خط الفقر ...
وإذا صدقت الأنباء بشأن اقتراب موعد الحسم فإن ذلك يعني ارتفاع المزايدات والدخول في مرحلة الشد والجذب قبل ترجيح كفة المرشح السعيد لتولي رئاسة لبنان.. رئيس مجلس النواب اللبناني الأطول بقاء في هذا المنصب نبيه بري أشار أكثر من مرة الى قلقه من هذا الوضع ومن الإمعان في تعطيل عمل المؤسسات وتداعياته الكارثية وهو أكثر من يدرك مصدر التعطيل الذي يرافق هذه العملية منذ عقود منذ اعتماد اتفاق الطائف بعد خمسة عشرة عاما من الحرب الأهلية لإنقاذ لبنان من التشظي والانفجار وهو الاتفاق الذي سيمنح كل طرف من الأطراف مجالا للمناورة لفرض شروطه.. يدرك اللبنانيون كما تدرك النخب السياسية أن اتفاق الطائف الذي شكل خلاص لبنان، نقطة حمراء لا يمكن تجاوزها.. ذلك أن هذا الاتفاق بكل تعقيداته منح لبنان العبور إلى شط الأمان للعيش المشترك بين الطوائف اللبنانية المختلفة وتمثيلها السياسي المتجانس ليكون الجميع ممثلين في المشهد السياسي مسألة معقدة وصعبة التحقيق ولكن لا بديل لها على الأقل في هذه المرحلة وهو ما يدركه اللبنانيون الذين يهربون عن واقعهم السياسي ويبحثون لهم في الموروث الفني والأدبي وغيره عن منفذ وفسحة أمل حتى وإن تطلب الأمر استجداء رئيس على الورق في انتظار أن تمنّ الطبقة السياسية على الشعب برئيس يمثل الجميع ويبحث حل القضايا العالقة المكدسة أمام الجميع وإزاحة ما علق من حواجز وسواتر وألغام في طريق اللبنانيين ..
آسيا العتروس
سيكون من المهم وقبل توضيح سبب اختيار هذا العنوان، الإقرار بأنه مقتبس من رسم كاريكاتوري بتوقيع إرمان حمص، نشرته صحيفة النهار اللبنانية، مرفقا برسم كرسي السلطة الفارغ على كفة ممدودة تنتظر صدقة أو منة أو إحسانا، تأخر أكثر مما ينبغي.. والحقيقة أن أكثر من سبب يدفع للتوقف عند هذا الرسم المثير الذي يختزل الأزمة السياسية والمأزق الحاصل في لبنان ولكن وهذا الأهم والذي يعكس خصوصية المجتمع اللبناني الذي لم يجد أفضل من النكت ومن الفن لمواجهة الأزمات التي باتت تتوالد بكثرة وهذا ليس بالأمر الجديد على شعب لبنان متعدد الطوائف والانتماءات والذي واجه الحرب الأهلية الدموية بالموسيقى والفن والإبداع حتى أن بعض من عاشوا أهوال تلك الحرب يتحدثون عن بيروت التي تعيش على وقع القصف والصواريخ نهارا وتتحول ليلا الى ملاه ليلة لا يتوقف فيها الغناء والرقص وكأن الحرب لم تكن .
وقد تكون تلك طريقة للهروب من واقع سوداوي ولا مجال عمليا لعاقل للتطبيع والتعايش معه إلا بالاستخفاف بالمصائب وإنكارها والتهوين من المآسي إلى درجة العبث.. وهي ظاهرة يمكن القول إنها مشتركة بين اللبنانيين والمصريين بشكل خاص وإن كانت بدرجة أقل بين بقية الشعوب العربية الموبوءة بأزماتها.. ويقول الأديب الكبير الراحل الطيب صالح الذي يقول في أحد ندواته أن السودانيين لا يعبرون عن عواطفهم باندفاع وسهولة، عندهم شيء من الحياء إذا قورنا بإخواننا المصريين الذين هم أقدر منا على التعبير عن عواطفهم"... والأكيد أن هناك حاجة ملحة كي يقبل علماء الاجتماع وخبراء علم النفس على قراءة وفهم وتحليل خصوصيات المجتمعات العربية في التفاعل والتعاطي مع الأزمات وفي القدرة على الصبر والتحمل لتفادي الانهيار والصدمات.. ولو كتب للعالم أن يستحدث جائزة لأكثر شعوب الأرض صبرا لكانت من نصيب الشعوب العربية مشتركة بالنظر الى جلدها في تحمل الأذى الداخلي أو الخارجي ..
على أي حال فإن سبب هذه المقدمة مرتبط باستمرار الغياب الحاصل في مؤسسة الرئاسة اللبنانية منذ نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال عون في أكتوبر الماضي وفشل البرلمان اللبناني في التوصل الى توافق في هذا الشأن بعد أكثر من عشر جلسات نيابية انتهت جميعها بالفشل ويبدو أن الفراغ سيستمر الى أجل غير مسمى بالنظر الى التجربة المسجلة في لبنان كلما تعلق الأمر بالانتخابات الرئاسية التي يصح القول إنها أبعد من أن تكون شأنا لبنانيا خالصا مرتبطا بالتيارات والأحزاب القائمة بل هي شأن تتداخل فيه القوى الإقليمية والدولية التي تعتقد أن لبنان تحت وصايتها ويحتاج توجيهاتها ورعايتها قبل اختيار رئيسه.
وحتى هذه المرحلة فلا جديد يذكر في هذه المسألة ويبدو أن كل الوساطات والمبادرات وصلت الى طريق مسدود في برلمان نبيه بري وآخر الأسماء المقترحة كان جهاد أزعور الذي لا يبدو أيضا أنه حظي بأي توافق وهو القادم من عالم المال والأعمال والذي يتمتع بعلاقات خارجية واسعة بالنظر الى موقعه ومسؤوليته في صندوق النقد الدولي.
في هذه الأجواء جاء بيان قمة جدة مذكرا اللبنانيين بضرورة التعجيل بانتخاب رئيس والخروج من دائرة الفراغ الحاصل.. ويبدو أن الأسابيع القليلة القادمة قد تحمل الجديد في شان انتخاب رئيس جديد للبنان مع إدراك مختلف الأطراف والتيارات المعنية أن التعطيل لا يمكن أن يستمر الى ما لا نهاية في بلد يعاني من تعدد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ومن انهيار غير مسبوق للعملة وارتفاع للبطالة وغياب للآفاق والمبادرات مع تصنيف نحو ثمانين بالمائة من اللبنانيين تحت خط الفقر ...
وإذا صدقت الأنباء بشأن اقتراب موعد الحسم فإن ذلك يعني ارتفاع المزايدات والدخول في مرحلة الشد والجذب قبل ترجيح كفة المرشح السعيد لتولي رئاسة لبنان.. رئيس مجلس النواب اللبناني الأطول بقاء في هذا المنصب نبيه بري أشار أكثر من مرة الى قلقه من هذا الوضع ومن الإمعان في تعطيل عمل المؤسسات وتداعياته الكارثية وهو أكثر من يدرك مصدر التعطيل الذي يرافق هذه العملية منذ عقود منذ اعتماد اتفاق الطائف بعد خمسة عشرة عاما من الحرب الأهلية لإنقاذ لبنان من التشظي والانفجار وهو الاتفاق الذي سيمنح كل طرف من الأطراف مجالا للمناورة لفرض شروطه.. يدرك اللبنانيون كما تدرك النخب السياسية أن اتفاق الطائف الذي شكل خلاص لبنان، نقطة حمراء لا يمكن تجاوزها.. ذلك أن هذا الاتفاق بكل تعقيداته منح لبنان العبور إلى شط الأمان للعيش المشترك بين الطوائف اللبنانية المختلفة وتمثيلها السياسي المتجانس ليكون الجميع ممثلين في المشهد السياسي مسألة معقدة وصعبة التحقيق ولكن لا بديل لها على الأقل في هذه المرحلة وهو ما يدركه اللبنانيون الذين يهربون عن واقعهم السياسي ويبحثون لهم في الموروث الفني والأدبي وغيره عن منفذ وفسحة أمل حتى وإن تطلب الأمر استجداء رئيس على الورق في انتظار أن تمنّ الطبقة السياسية على الشعب برئيس يمثل الجميع ويبحث حل القضايا العالقة المكدسة أمام الجميع وإزاحة ما علق من حواجز وسواتر وألغام في طريق اللبنانيين ..