أيّا كانت النتيجة، فإن تونس تعتبر فائزة في مهرجان "كان" السينمائي الدولي في دورته الحالية ( من 16 إلى 27 ماي) وذلك بفضل فريق يتكون من اغلبية نسائية تقوده المخرجة كوثر بن هنية. أنه فريق فيلم "بنات الفة" الذي صعد يوم الجمعة الدرجات المؤدية إلى قاعة "المسرح الكبير " بمدينة "كان" حيث تعرض افلام المسابقة الرسمية وحيث تكون عملية مرور فريق الفيلم على السجاد الأحمر حدثا في حد ذاته.
وليس في الامر مبالغة عندما نقول إن تونس تعتبر فائزة في كل الحالات، لانه ليس من اليسير المشاركة في المسابقة الرسمية بمهرجان "كان". يكفي أن نقول أنه تترشح سنويا مئات الافلام للمهرجان فيتم اختيار ما لا يزيد عن 21 فيلما في المسابقة الرسمية. وشروط الاختيار صعبة جدا ومجحفة احيانا. ولا تقبل الا الافلام ذات الجودة الفنية العالية والتي تعتمد على لغة بصرية استثنائية. صحيح هناك عوامل اخرى من بينها الافكار التي يدافع عنها الفيلم والتي قد تحكم عليه بالرفض حتى إن كان جيدا من الناحية الفنية والتقنية، اذا لم تنسجم هذه الافكار مع سياسة المهرجان ومع الافكار والقيم التي يدافع عنها واساسا هي قيم الغرب ورؤيته لقضايا الحرية والعدالة والديمقراطية، فإن المعايير الفنية والتقنية تبقى هي الغالبة ولا يمكن لاي فيلم ان يشارك في المسابقة الرسمية الا اذا توفرت فيه كل الاسباب من صورة وديكور وسيناريو وحوار وحضور للممثل ورؤية اخراجية مبتكرة دون ان ننسى كل التفاصيل التقنية.
واذ لا ننفي أننا نتمنى أن يكون فيلم " بنات الفة " من بين الفائزين، لكن المهم بالنسبة لنا وفي السياق الذي نعيشه اليوم أن تكون راية تونس مرفوعة في مثل هذه المحافل الدولية. فكل ما بنته تونس منذ عقود من الزمن واساسا منذ نشأة دولة الاستقلال، إنما بنته بفضل ثرواتها البشرية. ورغم الصعوبات التي تمر بها البلاد، فإن التونسيين لم يعرفوا اليأس أبدا وكلما خيمت القتامة، إلا وظهر شعاع من النور بفضل ارادة الكفاءات التونسية وعبقرية فنانينا ورياضيينا وعلمائنا ومبدعينا في كل المجالات، تماما على طريقة ما نراه اليوم بامضاء المخرجة كوثر بن هنية وفريقها.
والجميل من خلال الصور التي بثها الموقع الرسمي لمهرجان "كان" السينمائي الدولي أن المهرجان خص فريق الفيلم بحفاوة بالغة وتعامل معهم على طريقة الكبار. وقد كانت المشاهد التي تلت العرض جد معبرة ، اذ لم تستطع المخرجة كوثر بن هنية أن تحبس دموعها بفعل التأثر ونراهن على أن كثيرا من التونسييين الذين شاهدوا مقاطع الفيديو التي خلدت تلك اللحظات التاريخية، منذ ظهور فريق الفيلم التونسي الذي يسابق من اجل السعفة الذهبية، على السجاد الاحمر، وصولا إلى الحفل الذي تلا العرض، تقاسموا مع كوثر بن هنية نفس المشاعر وربما اكثر. فالفيلم وإن كان يحمل امضاء كوثر بن هنية، فهو في النهاية يمثل تونس. وقد وجب الاعتراف بأنه ما كان للتونسيين أن يشهدوا هذه اللحظة لولا جهود المخرجة التونسية التي تمكنت قبل هذا الانجاز من تحقيق سبق لا يقل اهمية وهو يتمثل في الوصول لاول مرة في تاريخ السينما العربية إلى نهائيات مسابقة جائزة الاوسكار ( 2021) لافضل فيلم اجنبي عن فيلمها " الرجل الذي باع جلده" .
وكوثر بن هنية لا تعتبر غريبة عن مهرجان كان السينمائي الدولي فقد كانت في السنة الماضية عضو لجنة تحكيم المسابقة الرسمية وشاركت من قبل في اقسام مختلفة للمهرجان قبل أن تجد نفسها تراهن بجدية من اجل السعفة الذهبية في الدورة السادسة والسبعين للمهرجان التي تعتبر بالنسبة لنا، اي للجمهور التونسي والجمهور العربي والافريقي ( تم تكريم المخرج المالي سليمان سيسيه) دورة تاريخية.
فالمشاركة العربية في المهرجان تعتبر هامة هذا العام حتى أن دولة مثل السودان تشارك لاول مرة في تاريخها في المهرجان بفيلم بعنوان: وداعا جوليا وذلك في قسم "نظرة ما". وتشارك المغرب بفيلمين في قسم نظرة ما وبفيلم في قسم نصف شهر المخرجين وتم اختيار المخرجة مريم التوزاني عضوا في المسابقة الرسمية للمهرجان. وتشارك الجزائر في عروض منتصف الليل ومصر في قسم " سينما المدارس".
ورغم أن المشاركة في اي قسم من أقسام مهرجان "كان"السينمائي يعتبر هاما، لان المهرجان اسس لنفسه سمعة كبيرة جعلت مجرد المشاركة فيه أو المرور به يعتبر حدثا هاما وتميزا لاصحابه، فإنه لا شيء يعادل فرحة المشاركة في المسابقة الرسمية. فهي تتويج كبير في حد ذاته. وكل شيء فيه مختلف بداية من الاستقبال على السجاد الأحمر.
فأمام عدسات المصورين المصطفين على الجانبين، مرت كوثر بن هنية على هذا السجاد الشهير وهو تقليد انتقل إلى عديد المهرجانات في العالم، وكانت مرفوقة بابطال فيلمها "بنات الفة" الذي يمنح فرصة لتونس للمشاركة في المسابقة الرسمية لاكبر مهرجان سينمائي في العالم، وذلك بعد اكثر من خمسين سنة من الغياب. فقد كانت أول مشاركة لتونس في المسابقة الرسمية بفضل المخرج الراحل عبد اللطيف بن عمار بفيلم "حكاية بسيطة كهذه " وكان ذلك سنة 1970. كانت المخرجة مرفوقة بالخصوص بالنجمة هند صبري والممثلة نور قروي والنجم مجد مستورة وإلى جانبهم الفة الحمروني التي وصف المعلقون حينها اعلانها بنفسها عن وقوع ابنيتها، رحمة وغفران (17 و18 سنة حينذاك)، في فخ الارهاب والتطرف، شجاعة منها. وقد اهتمت وسائل الاعلام المحلية والاجنبية بالحادثة التي تعود إلى سنة 2016، لاسيما بعد اعلان والدة الفتاتان بنفسها عما اسمته بندم ابنتيها وتأكيدها في تصريحات لها نقلتها عدة صحف وطنية أن ابنتيها مستعدتان لتسليم تفسيهما للقضاء التونسي.
وتدور احداث الفيلم المستلهم بالطبع من قصة حقيقية حول مأساة تعيشها عائلة الفة ( الفة الحمروني) بعد تسرب الارهاب إلى بيتها والتحاق ابنتيها بالجماعات المسلحة بليبيا. وقد انتهى بهما الامر بالاعتقال هناك بعد غارات قالت الصحافة الليبية انه تم خلالها تصفية زوجي البنتين وهما وفق ما تناقلته وسائل اعلام عربية واجنبية من العناصر القيادية بجماعات ارهابية بليبيا. إلا ان الفيلم لا يكتفي بذلك ويحاول ان يضع الامور في سياقها وهو بالخصوص يستعرض الوضع العام في البلاد الذي ساعد في وقت ما في تونس وفي المحيط العربي والاقليمي على تهيئة التربة لزرع الارهاب والتطرف في بلدان كانت تتوق للحرية بعد التخلص من الديكتاتورية، فإذا بها ولاسباب سياسية وايديولوجية ولانها في قلب المعارك والصراعات الاقليمية تجد نفسها فريسة سهلة لزارعي الفتنة وتحت براثن الارهاب والتطرف.
وفيلم "بنات ألفة" الذي تشارك فيه النجمة الشهيرة هند صبري وكانت متألقة في "كان" بالمناسبة هو من انتاج مشترك تونسي واجنبي.
واذ اعلن مهرجان "كان" السينمائي الدولي ان الجمهور العريض بفرنسا يمكنه ان يشاهد الفيلم بداية من 5 جويلية القادم، فإنه لم يعلن بعد في تونس عن موعد بداية عرضه في القاعات التونسية. غير أنه من الثابت أن الجهور التونسي لديه فكرة جيدة عن تجربة كوثر بن هنية التي لديها مجموعة هامة من الافلام الناجحة من بينها واضافة إلى ما ذكرنا، فيلم زينب تكره الثلج ويد اللوح واغلب افلامها فازت بجوائز هامة في تونس وخارجها.
حياة السايب
تونس- الصباح
أيّا كانت النتيجة، فإن تونس تعتبر فائزة في مهرجان "كان" السينمائي الدولي في دورته الحالية ( من 16 إلى 27 ماي) وذلك بفضل فريق يتكون من اغلبية نسائية تقوده المخرجة كوثر بن هنية. أنه فريق فيلم "بنات الفة" الذي صعد يوم الجمعة الدرجات المؤدية إلى قاعة "المسرح الكبير " بمدينة "كان" حيث تعرض افلام المسابقة الرسمية وحيث تكون عملية مرور فريق الفيلم على السجاد الأحمر حدثا في حد ذاته.
وليس في الامر مبالغة عندما نقول إن تونس تعتبر فائزة في كل الحالات، لانه ليس من اليسير المشاركة في المسابقة الرسمية بمهرجان "كان". يكفي أن نقول أنه تترشح سنويا مئات الافلام للمهرجان فيتم اختيار ما لا يزيد عن 21 فيلما في المسابقة الرسمية. وشروط الاختيار صعبة جدا ومجحفة احيانا. ولا تقبل الا الافلام ذات الجودة الفنية العالية والتي تعتمد على لغة بصرية استثنائية. صحيح هناك عوامل اخرى من بينها الافكار التي يدافع عنها الفيلم والتي قد تحكم عليه بالرفض حتى إن كان جيدا من الناحية الفنية والتقنية، اذا لم تنسجم هذه الافكار مع سياسة المهرجان ومع الافكار والقيم التي يدافع عنها واساسا هي قيم الغرب ورؤيته لقضايا الحرية والعدالة والديمقراطية، فإن المعايير الفنية والتقنية تبقى هي الغالبة ولا يمكن لاي فيلم ان يشارك في المسابقة الرسمية الا اذا توفرت فيه كل الاسباب من صورة وديكور وسيناريو وحوار وحضور للممثل ورؤية اخراجية مبتكرة دون ان ننسى كل التفاصيل التقنية.
واذ لا ننفي أننا نتمنى أن يكون فيلم " بنات الفة " من بين الفائزين، لكن المهم بالنسبة لنا وفي السياق الذي نعيشه اليوم أن تكون راية تونس مرفوعة في مثل هذه المحافل الدولية. فكل ما بنته تونس منذ عقود من الزمن واساسا منذ نشأة دولة الاستقلال، إنما بنته بفضل ثرواتها البشرية. ورغم الصعوبات التي تمر بها البلاد، فإن التونسيين لم يعرفوا اليأس أبدا وكلما خيمت القتامة، إلا وظهر شعاع من النور بفضل ارادة الكفاءات التونسية وعبقرية فنانينا ورياضيينا وعلمائنا ومبدعينا في كل المجالات، تماما على طريقة ما نراه اليوم بامضاء المخرجة كوثر بن هنية وفريقها.
والجميل من خلال الصور التي بثها الموقع الرسمي لمهرجان "كان" السينمائي الدولي أن المهرجان خص فريق الفيلم بحفاوة بالغة وتعامل معهم على طريقة الكبار. وقد كانت المشاهد التي تلت العرض جد معبرة ، اذ لم تستطع المخرجة كوثر بن هنية أن تحبس دموعها بفعل التأثر ونراهن على أن كثيرا من التونسييين الذين شاهدوا مقاطع الفيديو التي خلدت تلك اللحظات التاريخية، منذ ظهور فريق الفيلم التونسي الذي يسابق من اجل السعفة الذهبية، على السجاد الاحمر، وصولا إلى الحفل الذي تلا العرض، تقاسموا مع كوثر بن هنية نفس المشاعر وربما اكثر. فالفيلم وإن كان يحمل امضاء كوثر بن هنية، فهو في النهاية يمثل تونس. وقد وجب الاعتراف بأنه ما كان للتونسيين أن يشهدوا هذه اللحظة لولا جهود المخرجة التونسية التي تمكنت قبل هذا الانجاز من تحقيق سبق لا يقل اهمية وهو يتمثل في الوصول لاول مرة في تاريخ السينما العربية إلى نهائيات مسابقة جائزة الاوسكار ( 2021) لافضل فيلم اجنبي عن فيلمها " الرجل الذي باع جلده" .
وكوثر بن هنية لا تعتبر غريبة عن مهرجان كان السينمائي الدولي فقد كانت في السنة الماضية عضو لجنة تحكيم المسابقة الرسمية وشاركت من قبل في اقسام مختلفة للمهرجان قبل أن تجد نفسها تراهن بجدية من اجل السعفة الذهبية في الدورة السادسة والسبعين للمهرجان التي تعتبر بالنسبة لنا، اي للجمهور التونسي والجمهور العربي والافريقي ( تم تكريم المخرج المالي سليمان سيسيه) دورة تاريخية.
فالمشاركة العربية في المهرجان تعتبر هامة هذا العام حتى أن دولة مثل السودان تشارك لاول مرة في تاريخها في المهرجان بفيلم بعنوان: وداعا جوليا وذلك في قسم "نظرة ما". وتشارك المغرب بفيلمين في قسم نظرة ما وبفيلم في قسم نصف شهر المخرجين وتم اختيار المخرجة مريم التوزاني عضوا في المسابقة الرسمية للمهرجان. وتشارك الجزائر في عروض منتصف الليل ومصر في قسم " سينما المدارس".
ورغم أن المشاركة في اي قسم من أقسام مهرجان "كان"السينمائي يعتبر هاما، لان المهرجان اسس لنفسه سمعة كبيرة جعلت مجرد المشاركة فيه أو المرور به يعتبر حدثا هاما وتميزا لاصحابه، فإنه لا شيء يعادل فرحة المشاركة في المسابقة الرسمية. فهي تتويج كبير في حد ذاته. وكل شيء فيه مختلف بداية من الاستقبال على السجاد الأحمر.
فأمام عدسات المصورين المصطفين على الجانبين، مرت كوثر بن هنية على هذا السجاد الشهير وهو تقليد انتقل إلى عديد المهرجانات في العالم، وكانت مرفوقة بابطال فيلمها "بنات الفة" الذي يمنح فرصة لتونس للمشاركة في المسابقة الرسمية لاكبر مهرجان سينمائي في العالم، وذلك بعد اكثر من خمسين سنة من الغياب. فقد كانت أول مشاركة لتونس في المسابقة الرسمية بفضل المخرج الراحل عبد اللطيف بن عمار بفيلم "حكاية بسيطة كهذه " وكان ذلك سنة 1970. كانت المخرجة مرفوقة بالخصوص بالنجمة هند صبري والممثلة نور قروي والنجم مجد مستورة وإلى جانبهم الفة الحمروني التي وصف المعلقون حينها اعلانها بنفسها عن وقوع ابنيتها، رحمة وغفران (17 و18 سنة حينذاك)، في فخ الارهاب والتطرف، شجاعة منها. وقد اهتمت وسائل الاعلام المحلية والاجنبية بالحادثة التي تعود إلى سنة 2016، لاسيما بعد اعلان والدة الفتاتان بنفسها عما اسمته بندم ابنتيها وتأكيدها في تصريحات لها نقلتها عدة صحف وطنية أن ابنتيها مستعدتان لتسليم تفسيهما للقضاء التونسي.
وتدور احداث الفيلم المستلهم بالطبع من قصة حقيقية حول مأساة تعيشها عائلة الفة ( الفة الحمروني) بعد تسرب الارهاب إلى بيتها والتحاق ابنتيها بالجماعات المسلحة بليبيا. وقد انتهى بهما الامر بالاعتقال هناك بعد غارات قالت الصحافة الليبية انه تم خلالها تصفية زوجي البنتين وهما وفق ما تناقلته وسائل اعلام عربية واجنبية من العناصر القيادية بجماعات ارهابية بليبيا. إلا ان الفيلم لا يكتفي بذلك ويحاول ان يضع الامور في سياقها وهو بالخصوص يستعرض الوضع العام في البلاد الذي ساعد في وقت ما في تونس وفي المحيط العربي والاقليمي على تهيئة التربة لزرع الارهاب والتطرف في بلدان كانت تتوق للحرية بعد التخلص من الديكتاتورية، فإذا بها ولاسباب سياسية وايديولوجية ولانها في قلب المعارك والصراعات الاقليمية تجد نفسها فريسة سهلة لزارعي الفتنة وتحت براثن الارهاب والتطرف.
وفيلم "بنات ألفة" الذي تشارك فيه النجمة الشهيرة هند صبري وكانت متألقة في "كان" بالمناسبة هو من انتاج مشترك تونسي واجنبي.
واذ اعلن مهرجان "كان" السينمائي الدولي ان الجمهور العريض بفرنسا يمكنه ان يشاهد الفيلم بداية من 5 جويلية القادم، فإنه لم يعلن بعد في تونس عن موعد بداية عرضه في القاعات التونسية. غير أنه من الثابت أن الجهور التونسي لديه فكرة جيدة عن تجربة كوثر بن هنية التي لديها مجموعة هامة من الافلام الناجحة من بينها واضافة إلى ما ذكرنا، فيلم زينب تكره الثلج ويد اللوح واغلب افلامها فازت بجوائز هامة في تونس وخارجها.