هناك ما يشبه الإجماع على أن منوال التنمية الذي وقع اعتماده في تونس منذ الاستقلال قد استنفذ أغراضه ولم يعد قادرا إلا على توليد الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. ولم يكن 14 جانفي 2011 في العمق إلا تأكيدا على هذه الحقيقة ودعوة إلى إرساء منوال تنمية بديل. ولكن غياب الرؤية الإستراتيجية والانغماس في الصراعات السياسوية قد حال دون ذلك وأبقى الوضع على ما هو عليه من حيث اعتماد منوال طارد للقدرات ومفكك الأوصال وغير منتج.
ومن أهم ملامح منوال التنمية المعطل وغير المنتج أنه لم يقدر على توظيف الكفاءات البشرية ومن بينها الكفاءات النسائية رغم توفر منظومة تشريعية توفر أرضية لتوظيف هذه الكفاءات وأيضا ما يتوفر من كفاءات نسائية قادرة على أن تفرض نفسها وأن تكون في مواقع القرار المتقدمة. وغالبا ما يقع التركيز عند الحديث عن هذه الظاهرة على الحقل السياسي خاصة في ظل الجدل حول مردودية فرض التناصف بقوة القانون في حين أن المسألة أعمق بذلك لأن الانخراط في الشأن السياسي يقوم في المنطلق على قاعدة التطوع وعدم البحث عن " مردودية مالية أو رمزية ."
مظاهر هدر الكفاءات النسائية، في علاقة بمنوال التنمية المعطل، يمكن رصدها حاليا في مستويات ثلاث على الأقل.
المستوى الأول في واقع المرأة الريفية في ظل مزيد تراجع دور الأرياف في تونس في التنمية نتيجة عدة عوامل من أبرزها تراجع جاذبية العمل الفلاحي وغياب سياسات عمومية تعنى بالريف وتنامي الهجرة من الريف إلى المدن أو إلى خارج تونس. هذا الوضع زاد في معاناة المرأة التونسية في الريف وأدى إلى تعطيل أو على الأقل سوء توظيف للطاقات النسائية رغم حاجة المجتمع لمساهمة المرأة في النهوض بالريف.
المستوى الثاني يتمثل في تنامي هجرة الكفاءات النسائية للخارج. لا يمكن بكل تأكيد فصل الأمر عن ظاهرة هجرة الكفاءات ونزيف العقول ولكن من المهم التوقف عند هجرة الكفاءات النسائية للخارج لأن تداعياتها الواقعية والرمزية كبيرة وخطيرة في ظل ما أنبنى عليه " النموذج التونسي " من حضور متميز للمرأة في أهم مفاصل الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
المستوى الثالث لهدر الكفاءات النسائية يتجلى في أن تميز المساهمة النسائية في مستوى الحصول على الشهادات العلمية العليا لا ينعكس في التواجد فى مراكز القرار والتأثير في الإدارة والحياة الاقتصادية سواء في القطاع الخاص أو القطاع العام وهذا أمر تنجر عنه خسارة كبيرة للكفاءات وتغييبا لمقاربة أخرى قد يكون لها انعكاس على التقدم والتطور.
بقلم:هشام الحاجي
هناك ما يشبه الإجماع على أن منوال التنمية الذي وقع اعتماده في تونس منذ الاستقلال قد استنفذ أغراضه ولم يعد قادرا إلا على توليد الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. ولم يكن 14 جانفي 2011 في العمق إلا تأكيدا على هذه الحقيقة ودعوة إلى إرساء منوال تنمية بديل. ولكن غياب الرؤية الإستراتيجية والانغماس في الصراعات السياسوية قد حال دون ذلك وأبقى الوضع على ما هو عليه من حيث اعتماد منوال طارد للقدرات ومفكك الأوصال وغير منتج.
ومن أهم ملامح منوال التنمية المعطل وغير المنتج أنه لم يقدر على توظيف الكفاءات البشرية ومن بينها الكفاءات النسائية رغم توفر منظومة تشريعية توفر أرضية لتوظيف هذه الكفاءات وأيضا ما يتوفر من كفاءات نسائية قادرة على أن تفرض نفسها وأن تكون في مواقع القرار المتقدمة. وغالبا ما يقع التركيز عند الحديث عن هذه الظاهرة على الحقل السياسي خاصة في ظل الجدل حول مردودية فرض التناصف بقوة القانون في حين أن المسألة أعمق بذلك لأن الانخراط في الشأن السياسي يقوم في المنطلق على قاعدة التطوع وعدم البحث عن " مردودية مالية أو رمزية ."
مظاهر هدر الكفاءات النسائية، في علاقة بمنوال التنمية المعطل، يمكن رصدها حاليا في مستويات ثلاث على الأقل.
المستوى الأول في واقع المرأة الريفية في ظل مزيد تراجع دور الأرياف في تونس في التنمية نتيجة عدة عوامل من أبرزها تراجع جاذبية العمل الفلاحي وغياب سياسات عمومية تعنى بالريف وتنامي الهجرة من الريف إلى المدن أو إلى خارج تونس. هذا الوضع زاد في معاناة المرأة التونسية في الريف وأدى إلى تعطيل أو على الأقل سوء توظيف للطاقات النسائية رغم حاجة المجتمع لمساهمة المرأة في النهوض بالريف.
المستوى الثاني يتمثل في تنامي هجرة الكفاءات النسائية للخارج. لا يمكن بكل تأكيد فصل الأمر عن ظاهرة هجرة الكفاءات ونزيف العقول ولكن من المهم التوقف عند هجرة الكفاءات النسائية للخارج لأن تداعياتها الواقعية والرمزية كبيرة وخطيرة في ظل ما أنبنى عليه " النموذج التونسي " من حضور متميز للمرأة في أهم مفاصل الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
المستوى الثالث لهدر الكفاءات النسائية يتجلى في أن تميز المساهمة النسائية في مستوى الحصول على الشهادات العلمية العليا لا ينعكس في التواجد فى مراكز القرار والتأثير في الإدارة والحياة الاقتصادية سواء في القطاع الخاص أو القطاع العام وهذا أمر تنجر عنه خسارة كبيرة للكفاءات وتغييبا لمقاربة أخرى قد يكون لها انعكاس على التقدم والتطور.