* التعليم العمومي يتعرّض الى نكسة أخرى من خارج منظومة الإصلاح حيث بات منذ 2011 لعبة يبد النقابات التعليمية
بات واضحا أن التعليم العمومي قد تعرّض لعملية تدمير تكاد تذهب بآخر مكتسباته التي وضعت لبناته سنة 1958 كأول عملية اصلاح ناجحة و ناجعة أسست أركان المدرسة الوطنية التي تخرّجت منها أجيال بنت الدولة الحديثة و شرّفت تونس في الخارج .
هذا الصّرح الوطني الذي كان ثروة تونس الحقيقية مهدّد بالانهيار في ظل أزمة اقتصادية تعيشها البلاد كانت البنية التحتية للمؤسسات التعليمية أكبر المتضررين منها فضلا عن الظروف المادية الصعبة التي يعيشها المعلّمون والأساتذة والتي أثرت على المناخ العام و علاقة وزارة التربية بمنظوريها الذين يقاربون 250 الف موظف في مختلف الاختصاصات.
وبالتالي فقد تعطّلت كل محاولات اصلاح للتعليم وهي ضرورة حتمية تقتضيها لا عدم نجاعة المنظومة التعليمية الحالية و انّما التطورات المتسارعة في العالم والتي يجب أن تسايرها البرامج التعليمية .
التعليم العمومي وعمليات الإصلاح
يعدّ محمود المسعدي الذي شغل كتابة الدولة للتربية القومية لمدة عشر سنوات كاملة. أهمّ شخصية وطنية ساهمت في تأسيس أركان التعليم العمومي حيث أصدر أول قانون ينظم التعليم بعد الاستقلال، وهو القانون عدد 118 لسنة 1958 المتعلق بالتعليم.
وقد وضع أربعة أهداف جوهرية وهي “تزكية الشخصية وتنمية المواهب الطبيعية عند جميع الأطفال ذكورا وإناثا دون أي تمييز بينهم لاعتبار جنسي أو ديني أو اجتماعي”.فضلا عن إقرار إجبارية التعليم من سن السادسة إلى سن الثانية عشر. كما أقر الفصل الثالث من هذا القانون مجانية التعليم في جميع درجاته، ضمانا لتكافؤ الفرص. وقد صاحب هذا الإقرار التشريعي استثمار كبير في البنية التحتية التربوية، إذ لم تكن المدارس الموجودة قادرة على استيعاب عدد الأطفال في سن التمدرس. فاستحوذ التعليم على ما بين خمس وثلث الميزانية كل سنة، وارتفع عدد المدارس في 20سنة من 889 إلى 2423 مدرسة، وارتفع عدد قاعات التدريس من 4495 إلى 14441. أي أن تلك الفترة شهدت زيادة بقاعة درس جديدة كل 17 ساعة. ولم يقتصر الاستثمار في التعليم على المدن، بل أن ثلاثة أرباع المدارس الابتدائية الجديدة وقع تشييدها في الأرياف. وهو ما مكن من زيادة عدد تلاميذ الابتدائي، بين 1960 و1970، من 360 إلى أكثر من 900 ألف، وعدد تلاميذ الثانوي من 35 إلى 180 ألف.
وهذا الإصلاح القائم على مراحل ثلاث (ابتدائي وثانوي وجامعي مع فرع للتكوين المهني) جعل من تونس قبلة للعديد من الطلبة الأفارقة والعرب وكان له الأثر الجيد في ترتيب مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا .
وقد شهدت البلاد التونسيَّة منذ استقلالها ثلاث تجارب إصلاحيَّة في مجال التعليم بداية من سنة 1958مرورا بسنة 1991 فإصلاح سنة 2002 معمول به الى اليوم وهو نظام هجين وفاسد أضرّ كثيرا بصورة التعليم وساهم في تخلّفه .
كما تعرّض التعليم العمومي الى نكسة أخرى من خارج منظومة الإصلاح حيث بات منذ 2011 لعبة يبد النقابات التعليمية التي استقوت على وزارة التربية والتعليم وعطّلت كل عملية اصلاح شاملة للتعليم لا تتماشى مع رؤيتها النقابية .
وبالتالي فلم تعد المدارس والمعاهد فضاء للتربية والتعليم بل أصبحت فضاءات للصراعات النقابية والمطالب الاجتماعية ما ساهم في النفور منها مقابل انتعاش التعليم الخاص الذي شهد تطورا كبيرا ومريبا في العدد وهو ما يقتضي فورا مراجعة التراخيص الممنوحة في العشرية الأخيرة وسن قانون جديد لهذا القطاع كي لا تصبح فيه التجارة أوّل والتعليم ثانيا .
عملية أصلاح التعليم في 1958 تعرّضنا لما أنتجته من فوائد كمية ونوعية أمّا آخر عملية اصلاح (2002) فقد كانت أشبه بالتخريب للتعليم العمومي فنتج عنها ضعف في التكوين. كما أنتجت ظاهرة خطيرة وهي الانقطاع عن التعليم في سنّ مبكّرة وبما أنه تمّ الغاء نظام التعليم المهني فالمنقطعون يجدون انفسهم في الشارع . فمعلوم أن حوالي 100ألف تلميذ ينقطعون عن الدراسة سنويا وأكثر من مليون خلال العقد الفارط وهؤلاء يمثلون عبئا كبيرا على الدولة والكثير منهم قنابل موقوتة منهاما تفجّر اجراما وانحرافا ومنها الكثير الذي لم يتفجّر بعد.
وسبب هذا النزيف هو أن التعليم لم يعد يمثّل مصعدا اجتماعيا ولم يعد ضامنا للوظيفة في ظل وجود أكثر من 300ألف عاطل عن العمل من أصحاب الشهائد العليا من جملة 655,8 ألف العاطلين .
حلول سهلة لا تتطلب عبقرية
إصلاح التعليم العمومي لا يتطلّب عبقرية ولا أموالا كثيرة وإنما إرادة ورؤية وايمان بأن لا سبيل لتقدمنا سوى بإعادة الإشعاع للمدرسة الوطنية وتمثل عموما باعتقادنا إجمالا دون تفصيل في:
* أوّلا: تحييد العمل النقابي عن التلاميذ وعدم استعمالهم أدوات للابتزاز المطالبة بالحقوق.مع مراجعة أجور المعلمين والأساتذة والمنح المرصودة لهم لضمان الحدّ الأدنى للاستقرار المادّي لهم.
*ثانيا: مراجعة الزمن المدرسي ليكون 5 أيام بدل 6 مع إيقاف الدروس بداية من الساعة الرابعة يوميا.
*ثالثا :مراجعة البرامج التعليمية مع التركيز على المواد العلمية والتكنولوجية وتمتيعها بضوارب كبيرة والتخلّي عن بعض المواد التي لا تشكّل قيمة مضافة للتلاميذ وتعويضها بنوادي ثقافية كالمسرح والموسيقى والفنون التشكيلية .
*رابعا:التخفيض في عدد التلاميذ في القسم الواحد لتكون بمعدل 20 تلميذا على الأقصى بدل 30 40 حاليا.
*خامسا:مراجعة العمل النقابي داخل المؤسسات التربوية ومراجعة سلم العقوبات للتلاميذ حيث أنّ هذه العقوبات لم تعد تتماشى وعقلية التلاميذ اليوم وتصرّفاتهم.
* سادسا: تفعيل قانون منع المدرسين من إعطاء دروس خصوصية وسنّ عقوبات واضحة للمخالفين حيث أنّ الدروس الخصوصية أصبحت قطاعا موازيا ساهم كثيرا في إضعاف التعليم العمومي.
*رئيسة المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسّط
بقلم: ريم بالخذيري(*)
* التعليم العمومي يتعرّض الى نكسة أخرى من خارج منظومة الإصلاح حيث بات منذ 2011 لعبة يبد النقابات التعليمية
بات واضحا أن التعليم العمومي قد تعرّض لعملية تدمير تكاد تذهب بآخر مكتسباته التي وضعت لبناته سنة 1958 كأول عملية اصلاح ناجحة و ناجعة أسست أركان المدرسة الوطنية التي تخرّجت منها أجيال بنت الدولة الحديثة و شرّفت تونس في الخارج .
هذا الصّرح الوطني الذي كان ثروة تونس الحقيقية مهدّد بالانهيار في ظل أزمة اقتصادية تعيشها البلاد كانت البنية التحتية للمؤسسات التعليمية أكبر المتضررين منها فضلا عن الظروف المادية الصعبة التي يعيشها المعلّمون والأساتذة والتي أثرت على المناخ العام و علاقة وزارة التربية بمنظوريها الذين يقاربون 250 الف موظف في مختلف الاختصاصات.
وبالتالي فقد تعطّلت كل محاولات اصلاح للتعليم وهي ضرورة حتمية تقتضيها لا عدم نجاعة المنظومة التعليمية الحالية و انّما التطورات المتسارعة في العالم والتي يجب أن تسايرها البرامج التعليمية .
التعليم العمومي وعمليات الإصلاح
يعدّ محمود المسعدي الذي شغل كتابة الدولة للتربية القومية لمدة عشر سنوات كاملة. أهمّ شخصية وطنية ساهمت في تأسيس أركان التعليم العمومي حيث أصدر أول قانون ينظم التعليم بعد الاستقلال، وهو القانون عدد 118 لسنة 1958 المتعلق بالتعليم.
وقد وضع أربعة أهداف جوهرية وهي “تزكية الشخصية وتنمية المواهب الطبيعية عند جميع الأطفال ذكورا وإناثا دون أي تمييز بينهم لاعتبار جنسي أو ديني أو اجتماعي”.فضلا عن إقرار إجبارية التعليم من سن السادسة إلى سن الثانية عشر. كما أقر الفصل الثالث من هذا القانون مجانية التعليم في جميع درجاته، ضمانا لتكافؤ الفرص. وقد صاحب هذا الإقرار التشريعي استثمار كبير في البنية التحتية التربوية، إذ لم تكن المدارس الموجودة قادرة على استيعاب عدد الأطفال في سن التمدرس. فاستحوذ التعليم على ما بين خمس وثلث الميزانية كل سنة، وارتفع عدد المدارس في 20سنة من 889 إلى 2423 مدرسة، وارتفع عدد قاعات التدريس من 4495 إلى 14441. أي أن تلك الفترة شهدت زيادة بقاعة درس جديدة كل 17 ساعة. ولم يقتصر الاستثمار في التعليم على المدن، بل أن ثلاثة أرباع المدارس الابتدائية الجديدة وقع تشييدها في الأرياف. وهو ما مكن من زيادة عدد تلاميذ الابتدائي، بين 1960 و1970، من 360 إلى أكثر من 900 ألف، وعدد تلاميذ الثانوي من 35 إلى 180 ألف.
وهذا الإصلاح القائم على مراحل ثلاث (ابتدائي وثانوي وجامعي مع فرع للتكوين المهني) جعل من تونس قبلة للعديد من الطلبة الأفارقة والعرب وكان له الأثر الجيد في ترتيب مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا .
وقد شهدت البلاد التونسيَّة منذ استقلالها ثلاث تجارب إصلاحيَّة في مجال التعليم بداية من سنة 1958مرورا بسنة 1991 فإصلاح سنة 2002 معمول به الى اليوم وهو نظام هجين وفاسد أضرّ كثيرا بصورة التعليم وساهم في تخلّفه .
كما تعرّض التعليم العمومي الى نكسة أخرى من خارج منظومة الإصلاح حيث بات منذ 2011 لعبة يبد النقابات التعليمية التي استقوت على وزارة التربية والتعليم وعطّلت كل عملية اصلاح شاملة للتعليم لا تتماشى مع رؤيتها النقابية .
وبالتالي فلم تعد المدارس والمعاهد فضاء للتربية والتعليم بل أصبحت فضاءات للصراعات النقابية والمطالب الاجتماعية ما ساهم في النفور منها مقابل انتعاش التعليم الخاص الذي شهد تطورا كبيرا ومريبا في العدد وهو ما يقتضي فورا مراجعة التراخيص الممنوحة في العشرية الأخيرة وسن قانون جديد لهذا القطاع كي لا تصبح فيه التجارة أوّل والتعليم ثانيا .
عملية أصلاح التعليم في 1958 تعرّضنا لما أنتجته من فوائد كمية ونوعية أمّا آخر عملية اصلاح (2002) فقد كانت أشبه بالتخريب للتعليم العمومي فنتج عنها ضعف في التكوين. كما أنتجت ظاهرة خطيرة وهي الانقطاع عن التعليم في سنّ مبكّرة وبما أنه تمّ الغاء نظام التعليم المهني فالمنقطعون يجدون انفسهم في الشارع . فمعلوم أن حوالي 100ألف تلميذ ينقطعون عن الدراسة سنويا وأكثر من مليون خلال العقد الفارط وهؤلاء يمثلون عبئا كبيرا على الدولة والكثير منهم قنابل موقوتة منهاما تفجّر اجراما وانحرافا ومنها الكثير الذي لم يتفجّر بعد.
وسبب هذا النزيف هو أن التعليم لم يعد يمثّل مصعدا اجتماعيا ولم يعد ضامنا للوظيفة في ظل وجود أكثر من 300ألف عاطل عن العمل من أصحاب الشهائد العليا من جملة 655,8 ألف العاطلين .
حلول سهلة لا تتطلب عبقرية
إصلاح التعليم العمومي لا يتطلّب عبقرية ولا أموالا كثيرة وإنما إرادة ورؤية وايمان بأن لا سبيل لتقدمنا سوى بإعادة الإشعاع للمدرسة الوطنية وتمثل عموما باعتقادنا إجمالا دون تفصيل في:
* أوّلا: تحييد العمل النقابي عن التلاميذ وعدم استعمالهم أدوات للابتزاز المطالبة بالحقوق.مع مراجعة أجور المعلمين والأساتذة والمنح المرصودة لهم لضمان الحدّ الأدنى للاستقرار المادّي لهم.
*ثانيا: مراجعة الزمن المدرسي ليكون 5 أيام بدل 6 مع إيقاف الدروس بداية من الساعة الرابعة يوميا.
*ثالثا :مراجعة البرامج التعليمية مع التركيز على المواد العلمية والتكنولوجية وتمتيعها بضوارب كبيرة والتخلّي عن بعض المواد التي لا تشكّل قيمة مضافة للتلاميذ وتعويضها بنوادي ثقافية كالمسرح والموسيقى والفنون التشكيلية .
*رابعا:التخفيض في عدد التلاميذ في القسم الواحد لتكون بمعدل 20 تلميذا على الأقصى بدل 30 40 حاليا.
*خامسا:مراجعة العمل النقابي داخل المؤسسات التربوية ومراجعة سلم العقوبات للتلاميذ حيث أنّ هذه العقوبات لم تعد تتماشى وعقلية التلاميذ اليوم وتصرّفاتهم.
* سادسا: تفعيل قانون منع المدرسين من إعطاء دروس خصوصية وسنّ عقوبات واضحة للمخالفين حيث أنّ الدروس الخصوصية أصبحت قطاعا موازيا ساهم كثيرا في إضعاف التعليم العمومي.