إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

صباح الجمعة.. مرّة في حيينا.. مرات في بلادنا

 

يكتبها: محمد معمري

 

 

من الذكريات الجميلة التي بقيت عالقة بوجداني وبوجدان الكثير من أصدقائي تلك السنوات التي قضيناها في المبيت الجامعي حمام الشط وتحديدا من سنة 1991 إلى 1994، ذكريات ظللنا لسنوات نحكيها ونرددها وتذكرنا بشبابنا الذي ودعناه، فقد كانت تلك السنوات حُبلى بالاندفاع وثورة الشباب، وكنا نلتقي فيها لنقد النظام القائم حينها وغناء بعض الأغاني الثورية وهي أغاني الشيخ إمام ومارسيل خليفة والزين الصافي ومحمد بحر والهادي قلة وغيرهم من الذين شكلوا أفق انتظارنا لغد أجمل وأفضل، فكانت روح الشباب محركنا في كل ما نعمل اعتقاد منا بأننا شباب له القدرة على تغيير واقع يرفضه ويعتبره لا يستجيب لأماله وأحلامه. ومن الطرائف أن المبيت الجامعي بحمام الشط كان كثيرا ما ينقطع عنه التيار الكهربائي فيتحول حينها إلى مهرجان موسيقي ترتفع فيه الأهازيج من غرف الطلبة وتُرفع فيه الشعارات الثورية، وكان لنا صديق له عادة غريبة بعض الشيء فقد كان كلما انقطع التيار الكهربائي ينزل من غرفته في المدرج (Bloc) الثالث ويأخذ في العدو وهو يصيح "لا تراجع لا حرية للعصابة الدستورية" حتى يصل إلى المدرج الثامن ثمّ يعود إلى غرفته فرحا مسرورا بما أنجز .

هل كنا بما نفعل نريد حمل السلاح وتغيير طبيعة النظام ؟ وهل كان النظام رغم كثرة العسس في المبيت يولينا اهتماما؟ لا أعتقد هذا ولا ذاك بل كانت مجرد حماسة شباب واندفاع طلابي من طبيعة المرحلة التي نعيشها نفسيا وفيزيولوجيا واجتماعيا .

نعم هو كذلك وأعتقد جازما أن الشباب الذين أعادوا صياغة شارة الرسوم المتحركة "بابار فيل" وحولوها إلى أغنية ساخرة "مرة في حيينا" مثلنا نحن عندما كنّا في مثل سنهم يحكمهم الاندفاع والرفض لما هو قائم وهو سلوك نفسي سليم وعكسه هو السلوك غير السليم الذي يستدعي تدخل طبيب نفسي، هل هؤلاء الشبان بما غنوا فكروا في تغيير النظام القائم والإطاحة به أو المس من هيبة الدولة، هو شيء من الترويح عن الذات في فترة الإعداد للامتحانات وهي واحدة من أكثر الفترات التي يعرف فيها الشاب ضغطا نفسيا يبحث عن طريقة ما لتفريغه عنه حتى لا ينفجر أو تختل مداركه العقلية .

هل هذا يستدعي السجن والمحاكمة والمنع من إجراء الامتحانات؟ أعتقد أن السلطة التقديرية لما أتاه هؤلاء الشبان جانبت الصواب ولم تنظر للأمر بأنه مجرد ترويح عن النفس وشكلا من أشكال المزاح تمّ نشره على منصة تيك توك من باب الفذلكة لا غير، فهؤلاء طلبة علم مكانهم مدارج الجامعات لا المعتقلات فهم لم يأتوا جرما يستحق مثل هذا العقاب، وعلى القائمين على سلطاتنا القضائية أن يستعملوا سلطتهم التقديرية في تقييم الأشياء لا تطبيق النصوص القانونية بشكل حرفي، كما أن على المؤسسة الأمنية مثل غيرها من المؤسسات عليها أن تتقبل النقد مثلما تتقبل الإشادة بها كلما قامت بعمل جيد في حماية الوطن وآخرها حسن التعاطي الميداني مع عملية جربة الإرهابية .

وكما بدأنا بالذكريات نختمها بالذكريات، عندما كنا ندرس مادة الأدب عند الأستاذ الراحل منجي الشملي، كان رحمه الله محبا لطه حسين وكثيرا ما يذكر لقاءاته معه ومع أساتذة أجلاء في جامعة السربون، وكان هناك زميل في مدرج ابن خلدون بكلية 9 أفريل يشاكس الأستاذ خفية ويقول: زعمه، فيتوتر الأستاذ رحمه الله ويقول جملته الشهيرة: والله العظيم لا تستحقون ما فعلت من أجلكم فعندما اعتقل بورقيبة (ينطقها بالقاف) الطلبة ذهبت إليه في قصره وقلت له يا سيادة الرئيس هؤلاء طلبة مكانهم الطبيعي مدرجات الدرس لا المعتقلات، فاستجاب بورقيبة لطلبي وأطلق سراحهم .

صباح الجمعة.. مرّة في حيينا.. مرات في بلادنا

 

يكتبها: محمد معمري

 

 

من الذكريات الجميلة التي بقيت عالقة بوجداني وبوجدان الكثير من أصدقائي تلك السنوات التي قضيناها في المبيت الجامعي حمام الشط وتحديدا من سنة 1991 إلى 1994، ذكريات ظللنا لسنوات نحكيها ونرددها وتذكرنا بشبابنا الذي ودعناه، فقد كانت تلك السنوات حُبلى بالاندفاع وثورة الشباب، وكنا نلتقي فيها لنقد النظام القائم حينها وغناء بعض الأغاني الثورية وهي أغاني الشيخ إمام ومارسيل خليفة والزين الصافي ومحمد بحر والهادي قلة وغيرهم من الذين شكلوا أفق انتظارنا لغد أجمل وأفضل، فكانت روح الشباب محركنا في كل ما نعمل اعتقاد منا بأننا شباب له القدرة على تغيير واقع يرفضه ويعتبره لا يستجيب لأماله وأحلامه. ومن الطرائف أن المبيت الجامعي بحمام الشط كان كثيرا ما ينقطع عنه التيار الكهربائي فيتحول حينها إلى مهرجان موسيقي ترتفع فيه الأهازيج من غرف الطلبة وتُرفع فيه الشعارات الثورية، وكان لنا صديق له عادة غريبة بعض الشيء فقد كان كلما انقطع التيار الكهربائي ينزل من غرفته في المدرج (Bloc) الثالث ويأخذ في العدو وهو يصيح "لا تراجع لا حرية للعصابة الدستورية" حتى يصل إلى المدرج الثامن ثمّ يعود إلى غرفته فرحا مسرورا بما أنجز .

هل كنا بما نفعل نريد حمل السلاح وتغيير طبيعة النظام ؟ وهل كان النظام رغم كثرة العسس في المبيت يولينا اهتماما؟ لا أعتقد هذا ولا ذاك بل كانت مجرد حماسة شباب واندفاع طلابي من طبيعة المرحلة التي نعيشها نفسيا وفيزيولوجيا واجتماعيا .

نعم هو كذلك وأعتقد جازما أن الشباب الذين أعادوا صياغة شارة الرسوم المتحركة "بابار فيل" وحولوها إلى أغنية ساخرة "مرة في حيينا" مثلنا نحن عندما كنّا في مثل سنهم يحكمهم الاندفاع والرفض لما هو قائم وهو سلوك نفسي سليم وعكسه هو السلوك غير السليم الذي يستدعي تدخل طبيب نفسي، هل هؤلاء الشبان بما غنوا فكروا في تغيير النظام القائم والإطاحة به أو المس من هيبة الدولة، هو شيء من الترويح عن الذات في فترة الإعداد للامتحانات وهي واحدة من أكثر الفترات التي يعرف فيها الشاب ضغطا نفسيا يبحث عن طريقة ما لتفريغه عنه حتى لا ينفجر أو تختل مداركه العقلية .

هل هذا يستدعي السجن والمحاكمة والمنع من إجراء الامتحانات؟ أعتقد أن السلطة التقديرية لما أتاه هؤلاء الشبان جانبت الصواب ولم تنظر للأمر بأنه مجرد ترويح عن النفس وشكلا من أشكال المزاح تمّ نشره على منصة تيك توك من باب الفذلكة لا غير، فهؤلاء طلبة علم مكانهم مدارج الجامعات لا المعتقلات فهم لم يأتوا جرما يستحق مثل هذا العقاب، وعلى القائمين على سلطاتنا القضائية أن يستعملوا سلطتهم التقديرية في تقييم الأشياء لا تطبيق النصوص القانونية بشكل حرفي، كما أن على المؤسسة الأمنية مثل غيرها من المؤسسات عليها أن تتقبل النقد مثلما تتقبل الإشادة بها كلما قامت بعمل جيد في حماية الوطن وآخرها حسن التعاطي الميداني مع عملية جربة الإرهابية .

وكما بدأنا بالذكريات نختمها بالذكريات، عندما كنا ندرس مادة الأدب عند الأستاذ الراحل منجي الشملي، كان رحمه الله محبا لطه حسين وكثيرا ما يذكر لقاءاته معه ومع أساتذة أجلاء في جامعة السربون، وكان هناك زميل في مدرج ابن خلدون بكلية 9 أفريل يشاكس الأستاذ خفية ويقول: زعمه، فيتوتر الأستاذ رحمه الله ويقول جملته الشهيرة: والله العظيم لا تستحقون ما فعلت من أجلكم فعندما اعتقل بورقيبة (ينطقها بالقاف) الطلبة ذهبت إليه في قصره وقلت له يا سيادة الرئيس هؤلاء طلبة مكانهم الطبيعي مدرجات الدرس لا المعتقلات، فاستجاب بورقيبة لطلبي وأطلق سراحهم .