صدر مؤخرا كتاب "موسوعة الترجي التونسي في مائة عام 1919-2019 " عن دار النشر سوتيميديا في طبعته الأولى، موسوعة أراد من خلالها مؤلفها د.محمد ضيف الله أن يبرز أهم الأطوار التاريخية التي طالت "شيخ الأندية" طيلة قرن من الزمن فضلا عن أبرز المراحل المتعلقة بتفاصيل فكرة التأسيس..، علما وأن فكرة التوثيق قد خامرت صاحبها منذ 2017 إلى أن أصبحت جاهزة مع انطلاق الاحتفالات بالمائوية..
وعن أسباب اختيار الترجي بالذات لم يخف المؤلف أنها كانت ذاتية وموضوعية في الآن نفسه وأن الإقبال على كتابة "الموسوعة" مرده أن التاريخ الرياضي لم يحظ بالعناية اللازمة من المؤرخين المتخصصين في هذا المجال الزاخر بالأحداث وارتباطه بالتوظيف الإيديولوجي والسياسي كما الإشهار التجاري وغيرها من المسائل المؤثرة في التاريخ والشعوب..، إضافة إلى أن فريق باب سويقة-الحلفاوين "ليس مجرد جمعية رياضية وإنما هو قصة نجاح تستحق الدراسة والتعريف بها على أوسع نطاق"...
من "راسينغ سبور" إلى الترجي
وبما أن التوثيق والتاريخ يتطلبان دقة الطرح وجانب الموضوعية في نقل الأحداث عمد د.محمد ضيف الله سرد أطوار موثقة تجسد بدايات الرياضة بالبلاد التونسية انطلاقا من تأسيس أول جمعية تمارس كرة القدم سنة 1906 تحت تسمية راسينغ سبور Racing Sport والتي استمر نشاطها إلى سنة 1940، وصولا إلى أول جمعية إسلامية لكرة القدم سنة 1913 تحت تسمية نادي الكوميت comète club الذي انحل بمجرد اندلاع الحرب العالمية الأولى، ثم إيقاف النشاط الرياضي سنة 1918 بسبب "صدام بين اليهود والمسلمين.." إلى أن تحصل الترجي التونسي على الترخيص القانوني في 15 جانفي 1919 وتأكدت صبغته الإسلامية التي حالت دون تعيين الموظف الفرنسي لوي مونتاسيي على رأس الهيئة المديرة الأولى والذي أريد أن يفرض على الفريق منذ التأسيس.. وبما أن "شيخ الأندية" اقترن اسمه بـ"الربط" (باب سويقة، باب الخضراء، باب سعدون والحلفاوين) "حيث يوجد مقام سيدي محرز وحيث ولد الحراك الوطني"، فضلا عن دور وكالة العياشي والفنادق الشعبية التي أصبحت ملاذا للكثيرين القادمين من دواخل البلاد، ازداد إشعاع الفريق وكان وراء كشف كرة القدم تحديدا..
127لاعبا من الترجي حملوا الزي الوطني منذ الاستقلال حتى2018
على عكس الأندية الأخرى التي اهتمت برياضات أخرى فردية وجماعية ركز الترجي-حسب محمد ضيف الله- على كرة القدم وكان ضمن قسم الإعدادي للقسم الأول Promotion1 منذ انتظام بطولة كرة القدم سنة 2021 تحت إشراف الرابطة التونسية لكرة القدم التي كانت تنضوي تحت الجامعة الفرنسية لكرة القدم، كما أن فريق باب سويقة "استطاع أن يفرض نفسه ولم يغادر قسم النخبة منذ 1936 وفي تلك السنة دعي لأول مرة لاعبان من صفوفه للالتحاق بالمنتخب التونسي لكرة القدم أولهما يوسف بن عصمان ثم الحارس العروسي التستوري"...
في ذات السياق أبرز د.ضيف الله من خلال جدول ضم أهم اللاعبين الذين حملوا الزي الوطني مسألة تطعيم المنتخب التي أكدت المكانة الهامة للترجي الرياضي، أسماء لامعة على غرار تميم الحزامي(13سنة في المنتخب)، طارق الذياب(17سنة في المنتخب)، خالد بن يحيى (14سنة في المنتخب)... علما وأن جميع الأسماء التي ذكرها المؤلف "لا تتضمن أسماء العديد من اللاعبين الترجيين الذين تقمصوا الزي الوطني سواء من الجيل الأول بعد الاستقلال أو أجيال ما بعد 2000 وذلك يعود إما إلى أن المدة التي قضوها في المنتخب الوطني تقل عن عشر سنوات أو أنهم غادروا الترجي"...
طبعا لم يقتصر المؤلف في كتابه عن تاريخ فرع كرة القدم فحسب بل تحدث كذلك عن كل الفروع المنتمية إلى الفريق، الباقية منها والمندثرة، وأهم الألقاب والتتويجات المحلية والإفريقية والعربية فضلا عن فترات العصور الذهبية منذ التأسيس إلى غاية الاحتفال بالمائوية، كما فترات الفراغ التي مر بها فريق باب سويقة.. هذا إلى جانب ذكر أهم الأسماء التي عززت صفوف المنتخب الوطني في عشرات المقابلات الرسمية والتي تمثل -في محور أول- الرياضات الجماعية على غرار كرة اليد والكرة الطائرة وكرة السلة والبيزبول والرقبي وكرة الماء..، أما المحور الثاني أو الجزء الثاني من التخصصات الرياضية فكان للألعاب الفردية(السباحة،الدراجات، ألعاب القوى،تنس الطاولة، الجمباز، المبارزة، الشطرنج، الجيدو، المصارعة، والملاكمة) اعتمد فيه الكاتب السرد الدقيق لأهم المحطات التاريخية لكل فرع وابرز الأسماء والشخصيات التي لمعت آنذاك أو كانت وراء مرحلة التأسيس سواء كانت تونسية أو أجنبية.
الترجي الرياضي والسياسة..
تفاصيل أخرى كذلك أكدت أن الكاتب محمد ضيف الله كان ملما في "الموسوعة" بكل الجوانب المتعلقة بشيخ الأندية حيث أبرز في الصفحة 32 من الكتاب متانة علاقة الترجي بالحزب الحر الدستوري الجديد بدليل أن "الترجي استطاع أن يفرض نفسه على النوادي الفرنسية في كرة القدم ويحصل على أول كأس له في 1939 وأول بطولة في 1942 قبل النوادي الإسلامية الأخرى وهو ما أثار مشاعر النخوة والاعتزاز لدى جمهور متزايد من التونسيين وأصبح الترجي في نظرهم يجسد الروح الوطنية المنتصرة.. وها أن محمد المزالي الذي قدم من المنستير في الأربعينات للدراسة بالمدرسة الصادقية يعترف بأن الترجي أصبح يسكن قلبه ولا يقتصر الأمر عليه هو وإنما كان "فريق شعب العاصمة بل فريق الشعب التونسي بأكمله" وسبب ذلك أن كل لاعبيه كانوا من التونسيين ثم أيضا لأنه "كان قادرا على منافسة الفرق التونسية في تونس أو الفرق اليهودية"...
شهادات ساقها لنا الكاتب ليبين من خلالها أن الترجي لم يكن بمعزل عن مستجدات الساحة الوطنية ويؤكد أن العلاقة بين الرياضة والسياسة منذ الاستقلال قائمة، لاسيما أن الترجي كان قد "أسند رئاسته الشرفية منذ صائفة 1955 إلى كل من الزعيم الحبيب بورقيبة ومحمد الشاذلي باي نجل محمد الأمين باي"..، ولو أن محمد ضيف الله أشار إلى أن إسناد الرئاسة الشرفية كان تقليدا ليس إلا بدليل أنه حين تم رفت صالح بن يوسف من الأمانة العامة للحزب الحر الدستوري "تمت دعوته من كاهية رئيس الترجي الرياضي إبراهيم بن يدر لحضور المقابلة التي أجراها الترجي مع الاتحاد الرياضي التونسي يوم 16اكتوبر 1955"، أوله مؤرخون بأنه اصطفاف إلى جانب صالح بن يوسف.. إضافة إلى الكثير من الأحداث الهامة الأخرى التي تجعلك تنتبه إلى أن تاريخ النادي كان حافلا وأن الكاتب كان بوسعه أن يثير تفاصيل أخرى من شأنها أن تكون في مؤلف آخر..
وليكون أمينا مع انتقائه لفظ "موسوعة" كجزء من عنوان الكتاب، ذكر المؤلف مواقع الذاكرة للترجي من مقرات وقاعات ومقاهي وملاعب، إلى جانب عرض جذاذات حول المسابقات المحلية والعربية والإفريقية، دون أن يغفل عن التعريف بمجموعات الألتراس الترجية -جميعها- ودورها الكبير في تحفيز اللاعبين، مع متابعة انتشار أنصار الترجي في مختلف ربوع البلاد...
وليد عبداللاوي
صدر مؤخرا كتاب "موسوعة الترجي التونسي في مائة عام 1919-2019 " عن دار النشر سوتيميديا في طبعته الأولى، موسوعة أراد من خلالها مؤلفها د.محمد ضيف الله أن يبرز أهم الأطوار التاريخية التي طالت "شيخ الأندية" طيلة قرن من الزمن فضلا عن أبرز المراحل المتعلقة بتفاصيل فكرة التأسيس..، علما وأن فكرة التوثيق قد خامرت صاحبها منذ 2017 إلى أن أصبحت جاهزة مع انطلاق الاحتفالات بالمائوية..
وعن أسباب اختيار الترجي بالذات لم يخف المؤلف أنها كانت ذاتية وموضوعية في الآن نفسه وأن الإقبال على كتابة "الموسوعة" مرده أن التاريخ الرياضي لم يحظ بالعناية اللازمة من المؤرخين المتخصصين في هذا المجال الزاخر بالأحداث وارتباطه بالتوظيف الإيديولوجي والسياسي كما الإشهار التجاري وغيرها من المسائل المؤثرة في التاريخ والشعوب..، إضافة إلى أن فريق باب سويقة-الحلفاوين "ليس مجرد جمعية رياضية وإنما هو قصة نجاح تستحق الدراسة والتعريف بها على أوسع نطاق"...
من "راسينغ سبور" إلى الترجي
وبما أن التوثيق والتاريخ يتطلبان دقة الطرح وجانب الموضوعية في نقل الأحداث عمد د.محمد ضيف الله سرد أطوار موثقة تجسد بدايات الرياضة بالبلاد التونسية انطلاقا من تأسيس أول جمعية تمارس كرة القدم سنة 1906 تحت تسمية راسينغ سبور Racing Sport والتي استمر نشاطها إلى سنة 1940، وصولا إلى أول جمعية إسلامية لكرة القدم سنة 1913 تحت تسمية نادي الكوميت comète club الذي انحل بمجرد اندلاع الحرب العالمية الأولى، ثم إيقاف النشاط الرياضي سنة 1918 بسبب "صدام بين اليهود والمسلمين.." إلى أن تحصل الترجي التونسي على الترخيص القانوني في 15 جانفي 1919 وتأكدت صبغته الإسلامية التي حالت دون تعيين الموظف الفرنسي لوي مونتاسيي على رأس الهيئة المديرة الأولى والذي أريد أن يفرض على الفريق منذ التأسيس.. وبما أن "شيخ الأندية" اقترن اسمه بـ"الربط" (باب سويقة، باب الخضراء، باب سعدون والحلفاوين) "حيث يوجد مقام سيدي محرز وحيث ولد الحراك الوطني"، فضلا عن دور وكالة العياشي والفنادق الشعبية التي أصبحت ملاذا للكثيرين القادمين من دواخل البلاد، ازداد إشعاع الفريق وكان وراء كشف كرة القدم تحديدا..
127لاعبا من الترجي حملوا الزي الوطني منذ الاستقلال حتى2018
على عكس الأندية الأخرى التي اهتمت برياضات أخرى فردية وجماعية ركز الترجي-حسب محمد ضيف الله- على كرة القدم وكان ضمن قسم الإعدادي للقسم الأول Promotion1 منذ انتظام بطولة كرة القدم سنة 2021 تحت إشراف الرابطة التونسية لكرة القدم التي كانت تنضوي تحت الجامعة الفرنسية لكرة القدم، كما أن فريق باب سويقة "استطاع أن يفرض نفسه ولم يغادر قسم النخبة منذ 1936 وفي تلك السنة دعي لأول مرة لاعبان من صفوفه للالتحاق بالمنتخب التونسي لكرة القدم أولهما يوسف بن عصمان ثم الحارس العروسي التستوري"...
في ذات السياق أبرز د.ضيف الله من خلال جدول ضم أهم اللاعبين الذين حملوا الزي الوطني مسألة تطعيم المنتخب التي أكدت المكانة الهامة للترجي الرياضي، أسماء لامعة على غرار تميم الحزامي(13سنة في المنتخب)، طارق الذياب(17سنة في المنتخب)، خالد بن يحيى (14سنة في المنتخب)... علما وأن جميع الأسماء التي ذكرها المؤلف "لا تتضمن أسماء العديد من اللاعبين الترجيين الذين تقمصوا الزي الوطني سواء من الجيل الأول بعد الاستقلال أو أجيال ما بعد 2000 وذلك يعود إما إلى أن المدة التي قضوها في المنتخب الوطني تقل عن عشر سنوات أو أنهم غادروا الترجي"...
طبعا لم يقتصر المؤلف في كتابه عن تاريخ فرع كرة القدم فحسب بل تحدث كذلك عن كل الفروع المنتمية إلى الفريق، الباقية منها والمندثرة، وأهم الألقاب والتتويجات المحلية والإفريقية والعربية فضلا عن فترات العصور الذهبية منذ التأسيس إلى غاية الاحتفال بالمائوية، كما فترات الفراغ التي مر بها فريق باب سويقة.. هذا إلى جانب ذكر أهم الأسماء التي عززت صفوف المنتخب الوطني في عشرات المقابلات الرسمية والتي تمثل -في محور أول- الرياضات الجماعية على غرار كرة اليد والكرة الطائرة وكرة السلة والبيزبول والرقبي وكرة الماء..، أما المحور الثاني أو الجزء الثاني من التخصصات الرياضية فكان للألعاب الفردية(السباحة،الدراجات، ألعاب القوى،تنس الطاولة، الجمباز، المبارزة، الشطرنج، الجيدو، المصارعة، والملاكمة) اعتمد فيه الكاتب السرد الدقيق لأهم المحطات التاريخية لكل فرع وابرز الأسماء والشخصيات التي لمعت آنذاك أو كانت وراء مرحلة التأسيس سواء كانت تونسية أو أجنبية.
الترجي الرياضي والسياسة..
تفاصيل أخرى كذلك أكدت أن الكاتب محمد ضيف الله كان ملما في "الموسوعة" بكل الجوانب المتعلقة بشيخ الأندية حيث أبرز في الصفحة 32 من الكتاب متانة علاقة الترجي بالحزب الحر الدستوري الجديد بدليل أن "الترجي استطاع أن يفرض نفسه على النوادي الفرنسية في كرة القدم ويحصل على أول كأس له في 1939 وأول بطولة في 1942 قبل النوادي الإسلامية الأخرى وهو ما أثار مشاعر النخوة والاعتزاز لدى جمهور متزايد من التونسيين وأصبح الترجي في نظرهم يجسد الروح الوطنية المنتصرة.. وها أن محمد المزالي الذي قدم من المنستير في الأربعينات للدراسة بالمدرسة الصادقية يعترف بأن الترجي أصبح يسكن قلبه ولا يقتصر الأمر عليه هو وإنما كان "فريق شعب العاصمة بل فريق الشعب التونسي بأكمله" وسبب ذلك أن كل لاعبيه كانوا من التونسيين ثم أيضا لأنه "كان قادرا على منافسة الفرق التونسية في تونس أو الفرق اليهودية"...
شهادات ساقها لنا الكاتب ليبين من خلالها أن الترجي لم يكن بمعزل عن مستجدات الساحة الوطنية ويؤكد أن العلاقة بين الرياضة والسياسة منذ الاستقلال قائمة، لاسيما أن الترجي كان قد "أسند رئاسته الشرفية منذ صائفة 1955 إلى كل من الزعيم الحبيب بورقيبة ومحمد الشاذلي باي نجل محمد الأمين باي"..، ولو أن محمد ضيف الله أشار إلى أن إسناد الرئاسة الشرفية كان تقليدا ليس إلا بدليل أنه حين تم رفت صالح بن يوسف من الأمانة العامة للحزب الحر الدستوري "تمت دعوته من كاهية رئيس الترجي الرياضي إبراهيم بن يدر لحضور المقابلة التي أجراها الترجي مع الاتحاد الرياضي التونسي يوم 16اكتوبر 1955"، أوله مؤرخون بأنه اصطفاف إلى جانب صالح بن يوسف.. إضافة إلى الكثير من الأحداث الهامة الأخرى التي تجعلك تنتبه إلى أن تاريخ النادي كان حافلا وأن الكاتب كان بوسعه أن يثير تفاصيل أخرى من شأنها أن تكون في مؤلف آخر..
وليكون أمينا مع انتقائه لفظ "موسوعة" كجزء من عنوان الكتاب، ذكر المؤلف مواقع الذاكرة للترجي من مقرات وقاعات ومقاهي وملاعب، إلى جانب عرض جذاذات حول المسابقات المحلية والعربية والإفريقية، دون أن يغفل عن التعريف بمجموعات الألتراس الترجية -جميعها- ودورها الكبير في تحفيز اللاعبين، مع متابعة انتشار أنصار الترجي في مختلف ربوع البلاد...