- الوحدة الوطنية الفلسطينية يجب أن تكون مقدمة لحملة وطنية شاملة للتصدي للمخططات والمشاريع الاستعمارية
-هكذا اعتبرت الحركة الصهيونية أن الدبلوماسية النظيفة لا تكفي..
-انتقلنا من موقع اللاءات إلى موقع النعمات في التعاطي مع المشروع الصهيوني
تونس- الصباح
مجددا تعود ذكرى النكبة بعد مضي75عاما لتهيمن على الأحداث وتستقطب الأنظار على وقع العدوان على غزة..، إذ ورغم كل محاولات الاحتلال لإسقاط القضية الفلسطينية من اهتمام الرأي العام الدولي والإعلام الدولي والمنظمات الدولية، ورغم كل المساعي لتزوير الرواية وإسقاط حق الشعب الفلسطيني من الذاكرة والرهان على تلك المقولة التي أكدت إفلاسها بـ"أن الكبار يموتون والصغار ينسون وبان فلسطين ارض بلا شعب لشعب بلا ارض"، تأبى القضية الفلسطينية النسيان وتصر بفضل أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشتات على كسر الحواجز وفي فضح ممارسات الاحتلال وتواصل عبر الأحداث القادمة من فلسطين المحتلة وفي الذكرى الخامسة والسبعين للاحتلال تؤكد للإسرائيليين أولا وللعالم ثانيا على أن هذا الشعب وبرغم ما يواجهه من قيود وبرغم حملات القتل البطيء والتصفية العرقية وعمليات التهجير المستمرة والأسر والاغتيالات فقد ظل طائر الفينيق الذي كلما بدا وانه وقع واندثر إلا وعاد متحديا ليحلق من جديد معلنا تمسكه بحقوق المشروعة على أرضه.. لأول مرة منذ نكبة1948 وبحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس أحيت الأمم المتحدة، أمس ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني بفعالية رسمية، بمقر الهيئة الدولية في نيويورك، وذلك وفقاً للتفويض الممنوح من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، 2022، بما يعني أن حقوق الشعب الفلسطيني لا تسقط بالتقادم ولا تقبل بالنسيان.. ولا نعرف ما إذا سيكون لهذه الخطوة التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة لإحياء ذكرى النكبة في الأمم المتحدة، بأغلبية90 صوتاً مقابل 30 معارضاً، فيما امتنعت 47 دولة عن التصويت على المبادرة أبعاد قانونية وسياسية على ارض الواقع لردع الاحتلال.. لكننا نعلم جيدا في خضم ما سبق وما يتواتر أيضا كل ساعة من الضفة إلى غزة التي تواصل رسم الملاحم النضالية أن إرادة الشعب الفلسطيني باقية لا تنكسر..ومن هذا المنطلق كان هذا اللقاء قبل أيام على موعد القمة العربية في الرياض نهاية الأسبوع الحالي مع الكاتب والمناضل والباحث الفلسطيني والمؤرخ نواف الزرو وهو الأسير السابق الذي خبر سجون الاحتلال على مدى سنوات طويلة قبل أن يستعيد حريته في عملية تبادل أسرى.. نواف الزرو صاحب اكبر موسوعة فلسطينية وهو شاهد على بشاعة وجرائم الاحتلال في مصافحة مع الصباح في ذكرى النكبة..
حوار: أسيا العتروس
خمسة وسبعون عاما على ذكرى النكبة ماذا يعني إحياء هذه الذكرى اليوم وكيف يمكن تجاوز اجترار الماضي إلى ما يمكن خدمة القضية وتغيير واقع الشعب الفلسطيني؟
-مع الذكرى الـ75 للنكبة واستعمار فلسطين، نعود مجددا لننبش في التاريخ ونستحضر ما حدث لفلسطين وللشعب العربي الفلسطيني، ولنبش الذاكرة والوعي العام كي لا ننسى، فالحقيقة الكبرى في المشهد الفلسطيني منذ ما قبل النكبة، في إسرائيل هي الدولة التي يعج فيها لصوص التاريخ والأوطان والحقوق، وهي دولة السطو المسلح والإرهاب والإجرام في وضح النهار، وهي الدولة التي تحوي وتحمي اكبر عدد من جنرالات وقادة الإرهاب والإجرام في العالم، وكل ذلك بالمعطيات والاعترافات والشهادات الموثقة حتى على ألسنتهم، فمن أفواههم ندينهم والاهم أن يعتبر العرب المهرولون من مثل هذه الاعترافات والشهادات إن بقيت لديهم بقية من ماء الوجه. ويجب ان يدينهم العالم والامم المتحدة أيضا، بل ان اعترافاتهم تستدعي جلبهم الى محكمة الجنايات الدولية…
نحن امام اكبر واخطر دولة خارجة على كل القوانين والتشريعات الأممية..، فلدينا اليوم إضافات نوعية توثق تلك الحقيقة الكبيرة، ولدينا اعترافات موثقة عن أكبر عملية سطو مسلح في التاريخ، فالعصابات الصهيونية مارست التطهير العرقي والمجازر والتهجير الجماعي والسطو المسلح على كل الممتلكات الخاصة بالشعب الفلسطيني برمته، من الوطن والارض والمدن والبلدات والقرى والمزارع والمقتنيات العائلية والشخصية على اختلافها.
ولدينا احدث الوثائق التي تبين ذلك، وهذه تضاف الى كم هائل من الوثائق والشهادات السابقة، فقد كشفت صحيفة هآرتس العبرية الأحد 3 /10/ 2020 مثلا بعض ما جاء في كتاب إسرائيلي جديد يرصد جرائم السلب والنهب لكل الممتلكات المتنقلة في فلسطين خلال وعقب نكبة 1948، ويروي مشاهد أكبر سطو مسلح في التاريخ ويقدم اعترافات تاريخية عن الفضيحة المثيرة للخجل التي تعكس “حضيضا أخلاقيا” كما جاء في كتاب للمؤلف الباحث والمؤرخ آدم راز الذي يقول “إن الكتاب عبارة دراسة واسعة تكشف مقدار السلب والنهب للممتلكات الفلسطينية من قبل الإسرائيليين في نكبة 1948".
يقدم لنا راز هنا وثيقة تاريخية هامة كونها من نوعية وشهد شاهد من أهله مثلا، وتستند دراسة راز على وثائق من عشرات الأرشيفات ومقاطع من الصحف العبرية، وهو يؤكد أن الحديث عن حدث فريد ما زالت تبعاته وآثاره مستمرة حتى اليوم. ويستذكر المؤرخ راز ما قاله بن غوريون في 24 جويلية 1948 عن الإسرائيليين ويشكل دليلا قاطعا على أكبر عملية سطو مسلح ربما في التاريخ، وذلك في وثيقة داخل أرشيف حزب العمل توثق إحدى جلسات حزب مباي”، حيث اعترف بن غوريون "اتضح لي أن معظم اليهود هم لصوص، وأنا أقول ذلك ببساطة وعن قصد لأن هذه هي الحقيقة للأسف. رجالنا في مرج بن عامر رواد المستوطنين آباء الجنود في الهغاناه شاركوا كافتهم في السلب والنهب، وهذه ظاهرة مرعبة لأنها تكشف عن خلل أساسي. بن غورين استخدم صيغة الجمع بقوله: "معظم اليهود لصوص"، و”ابناء البلاد وبناتها ورواد استيطانها…، ويوثق”هذه هي الحقيقة مع الأسف…!".
* كيف يتعاطى نواف الزرو مع صعود نفوذ المستوطنين ودورهم في الجريمة؟
-تشير أحدث واقرب التقارير الفلسطينية في أنحاء الضفة الغربية إلى "أن المستوطنين في حالة فلتان جنوني على الأرض، يعيثون فسادا كما يشاؤون، يصولون ويجولون ويدمرون ويقتلون ويقتحمون ويداهمون ويقتلعون ويحرقون مئات وآلاف الاشجار والحقول وينهبون الارض الفلسطينية على طريقة الكاوبوي الامريكي في عهده، ويدمرون مقومات الصمود والاستقلال الفلسطيني وكل ذلك بدعم وغطاء وحماية جيش الاحتلال، ودون اي ردع كبير يوقفهم عند حدودهم وهم عمليا بلا حدود بل وتجاوزوا كافة الحدود والخطوط في ارهابهم المفتوح ضد الفلسطينيين.
وهنا على سبيل المثال جاء في تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية في 3 ماي الحالي تحت عنوان "الاحتلال الإسرائيلي 50 عاماً من السلب"، يتحدث عن اعمال السلب والنهب التي يقوم بها المستعمرون في الضفة الغربية ويقول التقرير "ان استيلاء إسرائيل على الأراضي بلا توقف: المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية: والحياة اليومية في ظل الاحتلال: معاناة من الحصار والقمع، و50عاماً من عمليات الإخلاء القسري والهدم والنقل القسري و50 عاماً من الاعتقالات التعسفية والمحاكمات الجائرة و50عاماً من أعمال القتل غير المشروع".
وفي حقيقة المشهد فان كل الأماكن والمدن والقرى الفلسطينية، بل ربما كل بيت فلسطيني يتأذى من إرهاب هؤلاء المستعمرين المستوطنين.
وفي التفاصيل ايضا: فقد جاء في تقرير تحت عنوان "الضفة الغربية صراع ونهب ثروات وضم واستيطان" حيث تعد الضفة المحتلة ساحة الصراع الحقيقي على الأرض؛ فقد تحوّل كل متر فيها منذ احتلالها عام 1967 إلى عنوان لشكل من أشكال المواجهة مع جيش الاحتلال ومستوطنيه وعملائه، وتشكل الضفة الغربية 21% من أرض فلسطين التاريخية بمساحة (5860) كلم مربع.
وطبعا هناك المزيد والمزيد من التقارير والمعطيات التي تتحدث عن حالة انفلات هستيري للمستعمرين الصهاينة على الأرض وعلى الشعب الفلسطيني، وأصبح الفلسطينيون هناك امام ما يمكن ان نطلق عليه الحرب الاستعمارية الاستيطانية الثالثة وهي الاخطر من سابقاتها الاولى بدأت عام1948 والثانية بعد العدوان عام 1967 كل ذلك في الوقت الذي يتسابق فيه بعض الزعماء والوزراء والمدراء وبعض المثقفين والإعلاميين والتجار العرب على التطبيع المجاني مع الاحتلال الصهيوني، يسارع عدد كبير من أعضاء “الكنيست” والوزراء من حزب “الليكود” وأحزاب يمينية أخرى الى التوقيع على وثيقة تعهدوا فيها بدعم الاستعمار الاستيطاني والعمل على بناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية.
ووفقاً لصحيفة "إسرائيل اليوم" فإن الحديث يدور عن وثيقة بادرت بطرحها حركة “نحلا” الاستيطانية، حيث تهدف إلى جمع تعهدات من وزراء وأعضاء كنيست بالعمل على توطين أكثر من مليونَيْ مستعمر أو مستوطن من الغزاة في الضفة الغربية.
اليوم في ظل هشاشة الجسم العربي وتفاقم الصراعات والأزمات وفي ظل الانقسام الفلسطيني كيف تتم مواجهة هذا السرطان وأين يكمن المخرج من هذا المأزق؟
-نعتقد أن المخرج الوحيد من هذا المأزق الاستعماري الصهيوني هو الوحدة الوطنية الفلسطينية على كل المستويات، والتي يجب ان تكون مقدمة لحملة وطنية فلسطينية شاملة للتصدي للمخططات والمشاريع الاستعمارية الاستيطانية على امتداد الوطن المحتل.
يستحضر الفلسطينيون ومعهم العروبيون كلما حلت ذكرى النكبة واغتصاب فلسطين واقامة تلك الدولة الصهيونية على خرابها، في مقدمة ما يستحضرونه ما سمي بـ"وعد بلفور" وبعده بثلاثين عاما "قرار التقسيم"، وكلاهما نتاج بريطاني كامل الدسم لصالح المشروع الصهيوني، فالعلاقة الجدلية ما بين الوعد والقرار قوية عميقة إستراتيجية، فلولا الوعد لما جاء التقسيم، ولولاهما معا لما كانت دولة "إسرائيل"، ولولا الاحتضان البريطاني الاستعماري الكامل الشامل للمشروع الصهيوني لما ضاعت فلسطين.
تبدأ حكاية الغرام والعشق البريطاني بالمشروع الصهيوني و"الوطن القومي لليهود" في 1840 حينما عقد المؤتمر الأوروبي الذي تبنى شعار "ارض بلا شعب لشعب بلا ارض" في لندن، وجاءت تجليات هذا المؤتمر والشعار في 1917، حينما اصدر وزير الخارجية البريطاني جيمس آرثر بلفور يوم 2 نوفمبر 1917 تصريحا مكتوبا وجهه باسم الحكومة البريطانية إلى اللورد ليونيل والتر روتشيلد (1868-1937)، يتعهد فيه بإنشاء "وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين"، ثم جاء صك الانتداب وقرار التقسيم البريطانيين. لذلك يمكن أن نوثق بداية "أن دولة اليهود أسست في لندن"، فبيان وزير الخارجية البريطاني بلفور الصادر في الثاني من نوفمبر 1917 في ذروة الحرب العالمية الأولى، منح اليهود- رغم أنهم شكلوا أقلية صغيرة في فلسطين في ذلك الحين-"وطنا قوميا ودولة مصطنعة مخترعة على حساب فلسطين"، وفي نظرة إلى الوراء كان هذا البيان البلفوري هو الانجاز التاريخي الأهم الذي أحرزته الحركة الصهيونية في عملها من اجل إقامة الدولة، والوعد حرف وزور التاريخ والجغرافيا في الشرق الأوسط وطرح الفكرة الصهيونية الهامشية كخيار واقعي في السياسة العالمية، واستمرارية ذلك تجسدت في الانجاز الصهيوني الثاني حيث قامت الجمعية العمومية للأمم المتحدة بعد ذلك بثلاثين عاما في نوفمبر 1947 بتأييد قرار التقسيم وإقامة دولة يهودية" و"كان الوعد حاضرا بعد ذلك في مختلف المؤتمرات والتحالفات الاستعمارية من مؤتمر سان ريمو 1920 الذي منح فيه الحلفاء بريطانيا حق الانتداب على فلسطين، إلى عصبة الأمم التي صادقت في جويلية 1922 على صك إقرار الانتداب البريطاني، فالصك كان يتضمن في مقدمته نص تصريح وعد بلفور مع تخويل لبريطانيا بتنفيذ الوعد، كما كان الوعد حاضرا في دستور فلسطين الذي أصدرته بريطانيا بعد أسبوعين من إقرار انتدابها أمميا، حيث ضمنت مقدمته نص تصريح وعد بلفور أيضا". ليصل إلى ذروته التطبيقية بتمرير قرار التقسيم في التاسع والعشرين من نوفمبر 1947.
طالت المظلمة ولا يبدو أن الحقائق التاريخية كافية لاستعادة ما سلب؟
-تفيد الوثائق المتسربة من أرشيف الأمم المتحدة، أن تلك المنظمة الأممية وقفت سرا إلى جانب قرار التقسيم البريطاني والى جانب تلك الدولة الصهيونية المصطنعة بالقوة، بل أن المؤرخ الإسرائيلي إلعاد بن دروركان كشف النقاب في ذكرى صدور "قرار التقسيم" في 29 نوفمبر العام 1947، عن "أن الأمم المتحدة أعدت مخططا لتشكيل ميليشيا يهودية مسلحة ومزودة بطائرات حربية بهدف تنفيذ القرار بتقسيم فلسطين وإقامة دولة يهودية فقط"، وكشف المؤرخ الإسرائيلي عن ذلك بعد اطّلاعه على وثائق سرية في الأمم المتحدة، على مدى العام2007، وكانت مصنفة على أنها سرية لكن الأمم المتحدة أزالت مؤخرا صفة السرية عنها وفتحتها أمام الجمهور. وأكد بن درور على أن "الأمم المتحدة أهملت نصف قرار التقسيم أي أنها أهملت فكرة إقامة الدولة العربية، وقد كانت الفكرة تنفيذ إقامة الدولة اليهودية فقط وأن تعمل الأمم المتحدة في وقت لاحق على إقامة الدولة العربية"، وقال بن درور "إنه بموجب مخطط اللجنة التنفيذية فإن المهمة الأساس للمليشيا اليهودية كان فرض سيطرة الدولة اليهودية على العرب الذين بقوا فيها والذين كان عددهم في الدولة اليهودية، وفقا لخارطة التقسيم، مطابقا تقريبا لعدد اليهود".
أخطر ما في تلك الحقائق يمكن تسجيله للتاريخ؟
-في مقابلة مع المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس، أجرتها معه "يديعوت أحرونوت"، يكشف من خلال بحث، وصف بأنه واسع النطاق، عن وثائق نشرت في كتاب جديد "1948 – تاريخ الحرب العربية الإسرائيلية الأولى"، تؤكد أن مندوبين في الأمم المتحدة حصلوا على رشاوى من أجل التصويت إلى جانب قرار التقسيم في نهاية نوفمبر1947، وبالعودة إلى الأجواء التي سبقت التصويت على قرار تقسيم فلسطين التاريخية، فإن توترا انتاب قادة الحركة الصهيونية، من جهة أن التصويت إلى جانب القرار يعني قيام "دولة إسرائيل"، وأن عدم التصويت سيشكل ضربة قاصمة للصهيونية، الأمر الذي دفع قادة الحركة الصهيونية إلى "عدّ الرؤوس"، وتبين أن نتائج التصويت لن تكون جيدة، "في هذه النقطة قرر أحدهم أن الدبلوماسية النظيفة لا تكفي، ولأن الغاية تبرر الوسيلة، يجب الانتقال إلى وسائل ظلامية، بما في ذلك الرشوة وممارسة الضغوط". الاعتبارات المالية كان لها تأثير على تصويت مندوبي دول أمريكا الجنوبية.. ومن ذلك أن بعثة من جنوب أمريكا حصلت على 75 ألف دولار مقابل التصويت على القرار.. كوستاريكا صوتت إلى جانب القرار رغم أنها لم تأخذ مبلغ 45 ألف دولار عرض عليها.. مندوب غواتيمالا أبدى حماسا زائدا في تأييده للصهيونية ووثائق بريطانية تؤكد أنه تلقى أموالا من منظمات يهودية أمريكية كما تشير تقارير لدبلوماسيين أمريكيين أنه كان على علاقة بفتاة يهودية.. ومن الممكن أن تكون هناك حالات أخرى ولكن لا يوجد وثائق تؤكد ذلك. ورغم أن موريس لا يعتبر الوثيقة جيدة، إلا أن رسائل ومذكرات موظفين ومسؤولين بريطانيين تشير إلى وجود هذه القضايا بشأن عدد من الدول في أمريكا الجنوبية، والتي تم إقناع مندوبيها بواسطة الأموال بالتصويت إلى جانب قرار التقسيم، كما يشير إلى حالات ابتزاز، حيث قامت جهات صهيونية بممارسة الضغوط وتهديد مندوب ليبيريا بعدم شراء المطاط، وتمت أيضا ممارسة ضغوط اقتصادية شديدة على عدد من الدول، وخاصة تلك التي رفضت أن تأخذ رشاوى مثل كوستاريكا، وصوتت في نهاية المطاف مع التقسيم...
ولولا النشاط البريطاني في فلسطين والمنطقة وضغوط يهود الولايات المتحدة لما قامت إسرائيل، ولتغيّر وجه التاريخ في المنطقة.. وكما قال وزير الخارجية الإسرائيلي الأول موشيه شريت"انه لولا قرار الامم المتحدة في العام 1947 لما قامت الدولة في العام 1948". وكما هو معلوم في اعقاب القرار انقضت التنظيمات الارهابية الصهيونية تحت مظلة القرار الاممي وبحماية ودعم البريطانيين على كامل فلسطين، فسطت سطوا مسلحا اجراميا مجازريا في وضح النهار على الوطن العربي الفلسطيني... فقامت التنظيمات والدولة الصهيونية على خراب وتدمير فلسطين وتهجير اهلها، وما تزال تواصل تدمير وشطب عروبة فلسطين تاريخا وحضارة وتراثا، وتواصل تهجير الشعب الفلسطيني وتهويد ارضه ووطنه وتحويله الى "دولة يهودية نقية" يسعون في هذه الايام باستماتة من اجل ابتزاز الشرعيات الفلسطينية والعربية لها...
تغير وجه خريطة فلسطين...
-الحقيقة الكبيرة الساطعة التي نوثقها ونحن اليوم امام ذكرى النكبة، ان ذلك القرار الصادر عن الامم المتحدة الذي استند بالاصل الى "اعلان- وعد بلفور" اعطى ما لا يملك لمن لا يستحق"، وانه كان قرارا ظالما مجحفا وقف وراءه الانتداب الاستعماري البريطاني بكل ثقله، واسفر عن قضية نكبة القرن المتواصلة والمفتوحة والمركبة اضعافا مع الزمن، وما بين والتقسيم تراكمت عوامل تغيير وجه فلسطين وقلب الموازين الجغرافية والسكانية عبر سياسات الاقتلاع والترحيل والاحتلال المستندة الى سياسات التطهير العرقي. واليوم ونحن في فضاء الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة، تحت السيطرة الصهيونية الإستراتيجية الكاملة من البحر الى النهر.
وتؤكد كل التقارير والدراسات العربية والعبرية على "ان الحركة الصهيونية مجسدة بدولة اسرائيل تواصل "عبرنة" و"تهويد" اكثر من 8400 اسم عربي لمواقع جغرافية وتاريخية". وحسب كتاب "المواقع الجغرافية في فلسطين - الاسماء العربية والتسميات العبرية" وهو من تأليف الدكتور شكري عراف لم يكن في فلسطين حتى غزو الصهيونية لها سوى 50 اسما عبريا فقط، وان التوراة اليهودية لا تشمل بالاصل سوى 550 اسما لأمكنة مختلفة في فلسطين وهي في الاصل اسماء كنعانية وبادر الصهاينة الى تحوير الاسماء الاصلية او وضع اسماء عبرية على المواقع الفلسطينية، وهكذا تحولت "بئر السبع" مثلا الى "بئير شيبع" وطبريا الى "طبيريا" والخضيرة الى "حديرة" والمطلة الى "مطولة" وصفورية الى "تسيبوري" وعكا الى "عكو" وهكذا، ويتحدث الكتاب عن ان "الصهيونية غيرت وهودت 90% من اسماء المواقع في فلسطين".
* كيف يتراءى المستقبل إزاء هذا المشهد القاتم؟
-لا شك أن كبرى الكبائر العربية هنا في ظل هذا المشهد المترامي الابعاد ان الدول والسياسات العربية الرسمية تأقلمت مع الامر الواقع البريطاني اولا، ثم الامريكي الصهيوني ثانيا، لتنتقل في السنوات الاخيرة ثالثا من موقع اللاءات الى موقع النعمات في التعاطي مع المشروع الصهيوني ونتاجه على الأرض. ولم تكن فلسطين لتقسم وتضيع وتغتصب وتهوّد، لو تصدى العرب للوعد ولمشروع التقسيم البريطاني - الصهيوني كما يجب... ولو تحملوا مسؤولياتهم التاريخية والعروبية كما يجب...
التطهير العرقي في فلسطين هو من أهم وأخطر العناوين التي يذكرنا بها نتنياهو وسموترتش وبن غفير واليمين الصهيوني الفاشي نظرا لأفكارهم ومواقفهم ومقترحاتهم ودعواتهم العنصرية اليمينية الفاشية التطهيرية التي يطلقونها تباعا، وينسحب ذلك على المجتمع الصهيوني كله، وكان من أبرز دعواتهم للتخلص من العرب الباقين في فلسطين 48 ما قال ليبرمان على سبيل المثال:"أنه يرغب في أن تكون إسرائيل دولة يهودية وصهيونية.. وأنه يجب التخلص من العرب"، وكذلك دعوته لشطب القضية الفلسطينية من القواميس"، يضاف إلى ذلك طبعا تلك الفتاوى التي يطلقها كبار حاخاماتهم وصغارهم على حد سواء، والتي تبيح الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين لتبقى فلسطين يهودية نظيفة من العرب .
بعد خمسة وسبعين عاما، ما زلنا نتابع البلدوزرات الصهيونية تواصل مهماتها.. ونتابع سياسات التطهير العرقي والمجازر الجماعية… فمن العراقيب في النقب العربي المحتل في اقصى الجنوب الفلسطيني التي قامت جرافات الاحتلال بهدمها حتى الآن 190 مرة وأعاد أهلها بناءها 213 مرة في معركة وجودية صريحة، مرورا بمسافر يطا الخليلية التي لم تتوقف بلدوزرات التهديم والاستيطان عن العمل فيها، ومرورا أيضا بالأغوار المحتلة التي تبلغ ثلثي مساحة الضفة، وصولا إلى طانا الواقعة على مقربة من نابلس شمالي الضفة الغربية… فالهدف الكبير لديهم هو هدم وتدمير وتنظيف الارض من معالمها واهلها وتمهيدها للتهويد الشامل بلا عرب.
نأمل أن تكون كافة القوى والفصائل الفلسطينية، قد استخلصت العبر اللازمة.. فالوحدة والمصالحة الوطنية الفلسطينية هي الممر الإجباري نحو هزيمة المشروع الصهيوني والتحرير والاستقلال..
- الوحدة الوطنية الفلسطينية يجب أن تكون مقدمة لحملة وطنية شاملة للتصدي للمخططات والمشاريع الاستعمارية
-هكذا اعتبرت الحركة الصهيونية أن الدبلوماسية النظيفة لا تكفي..
-انتقلنا من موقع اللاءات إلى موقع النعمات في التعاطي مع المشروع الصهيوني
تونس- الصباح
مجددا تعود ذكرى النكبة بعد مضي75عاما لتهيمن على الأحداث وتستقطب الأنظار على وقع العدوان على غزة..، إذ ورغم كل محاولات الاحتلال لإسقاط القضية الفلسطينية من اهتمام الرأي العام الدولي والإعلام الدولي والمنظمات الدولية، ورغم كل المساعي لتزوير الرواية وإسقاط حق الشعب الفلسطيني من الذاكرة والرهان على تلك المقولة التي أكدت إفلاسها بـ"أن الكبار يموتون والصغار ينسون وبان فلسطين ارض بلا شعب لشعب بلا ارض"، تأبى القضية الفلسطينية النسيان وتصر بفضل أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشتات على كسر الحواجز وفي فضح ممارسات الاحتلال وتواصل عبر الأحداث القادمة من فلسطين المحتلة وفي الذكرى الخامسة والسبعين للاحتلال تؤكد للإسرائيليين أولا وللعالم ثانيا على أن هذا الشعب وبرغم ما يواجهه من قيود وبرغم حملات القتل البطيء والتصفية العرقية وعمليات التهجير المستمرة والأسر والاغتيالات فقد ظل طائر الفينيق الذي كلما بدا وانه وقع واندثر إلا وعاد متحديا ليحلق من جديد معلنا تمسكه بحقوق المشروعة على أرضه.. لأول مرة منذ نكبة1948 وبحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس أحيت الأمم المتحدة، أمس ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني بفعالية رسمية، بمقر الهيئة الدولية في نيويورك، وذلك وفقاً للتفويض الممنوح من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، 2022، بما يعني أن حقوق الشعب الفلسطيني لا تسقط بالتقادم ولا تقبل بالنسيان.. ولا نعرف ما إذا سيكون لهذه الخطوة التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة لإحياء ذكرى النكبة في الأمم المتحدة، بأغلبية90 صوتاً مقابل 30 معارضاً، فيما امتنعت 47 دولة عن التصويت على المبادرة أبعاد قانونية وسياسية على ارض الواقع لردع الاحتلال.. لكننا نعلم جيدا في خضم ما سبق وما يتواتر أيضا كل ساعة من الضفة إلى غزة التي تواصل رسم الملاحم النضالية أن إرادة الشعب الفلسطيني باقية لا تنكسر..ومن هذا المنطلق كان هذا اللقاء قبل أيام على موعد القمة العربية في الرياض نهاية الأسبوع الحالي مع الكاتب والمناضل والباحث الفلسطيني والمؤرخ نواف الزرو وهو الأسير السابق الذي خبر سجون الاحتلال على مدى سنوات طويلة قبل أن يستعيد حريته في عملية تبادل أسرى.. نواف الزرو صاحب اكبر موسوعة فلسطينية وهو شاهد على بشاعة وجرائم الاحتلال في مصافحة مع الصباح في ذكرى النكبة..
حوار: أسيا العتروس
خمسة وسبعون عاما على ذكرى النكبة ماذا يعني إحياء هذه الذكرى اليوم وكيف يمكن تجاوز اجترار الماضي إلى ما يمكن خدمة القضية وتغيير واقع الشعب الفلسطيني؟
-مع الذكرى الـ75 للنكبة واستعمار فلسطين، نعود مجددا لننبش في التاريخ ونستحضر ما حدث لفلسطين وللشعب العربي الفلسطيني، ولنبش الذاكرة والوعي العام كي لا ننسى، فالحقيقة الكبرى في المشهد الفلسطيني منذ ما قبل النكبة، في إسرائيل هي الدولة التي يعج فيها لصوص التاريخ والأوطان والحقوق، وهي دولة السطو المسلح والإرهاب والإجرام في وضح النهار، وهي الدولة التي تحوي وتحمي اكبر عدد من جنرالات وقادة الإرهاب والإجرام في العالم، وكل ذلك بالمعطيات والاعترافات والشهادات الموثقة حتى على ألسنتهم، فمن أفواههم ندينهم والاهم أن يعتبر العرب المهرولون من مثل هذه الاعترافات والشهادات إن بقيت لديهم بقية من ماء الوجه. ويجب ان يدينهم العالم والامم المتحدة أيضا، بل ان اعترافاتهم تستدعي جلبهم الى محكمة الجنايات الدولية…
نحن امام اكبر واخطر دولة خارجة على كل القوانين والتشريعات الأممية..، فلدينا اليوم إضافات نوعية توثق تلك الحقيقة الكبيرة، ولدينا اعترافات موثقة عن أكبر عملية سطو مسلح في التاريخ، فالعصابات الصهيونية مارست التطهير العرقي والمجازر والتهجير الجماعي والسطو المسلح على كل الممتلكات الخاصة بالشعب الفلسطيني برمته، من الوطن والارض والمدن والبلدات والقرى والمزارع والمقتنيات العائلية والشخصية على اختلافها.
ولدينا احدث الوثائق التي تبين ذلك، وهذه تضاف الى كم هائل من الوثائق والشهادات السابقة، فقد كشفت صحيفة هآرتس العبرية الأحد 3 /10/ 2020 مثلا بعض ما جاء في كتاب إسرائيلي جديد يرصد جرائم السلب والنهب لكل الممتلكات المتنقلة في فلسطين خلال وعقب نكبة 1948، ويروي مشاهد أكبر سطو مسلح في التاريخ ويقدم اعترافات تاريخية عن الفضيحة المثيرة للخجل التي تعكس “حضيضا أخلاقيا” كما جاء في كتاب للمؤلف الباحث والمؤرخ آدم راز الذي يقول “إن الكتاب عبارة دراسة واسعة تكشف مقدار السلب والنهب للممتلكات الفلسطينية من قبل الإسرائيليين في نكبة 1948".
يقدم لنا راز هنا وثيقة تاريخية هامة كونها من نوعية وشهد شاهد من أهله مثلا، وتستند دراسة راز على وثائق من عشرات الأرشيفات ومقاطع من الصحف العبرية، وهو يؤكد أن الحديث عن حدث فريد ما زالت تبعاته وآثاره مستمرة حتى اليوم. ويستذكر المؤرخ راز ما قاله بن غوريون في 24 جويلية 1948 عن الإسرائيليين ويشكل دليلا قاطعا على أكبر عملية سطو مسلح ربما في التاريخ، وذلك في وثيقة داخل أرشيف حزب العمل توثق إحدى جلسات حزب مباي”، حيث اعترف بن غوريون "اتضح لي أن معظم اليهود هم لصوص، وأنا أقول ذلك ببساطة وعن قصد لأن هذه هي الحقيقة للأسف. رجالنا في مرج بن عامر رواد المستوطنين آباء الجنود في الهغاناه شاركوا كافتهم في السلب والنهب، وهذه ظاهرة مرعبة لأنها تكشف عن خلل أساسي. بن غورين استخدم صيغة الجمع بقوله: "معظم اليهود لصوص"، و”ابناء البلاد وبناتها ورواد استيطانها…، ويوثق”هذه هي الحقيقة مع الأسف…!".
* كيف يتعاطى نواف الزرو مع صعود نفوذ المستوطنين ودورهم في الجريمة؟
-تشير أحدث واقرب التقارير الفلسطينية في أنحاء الضفة الغربية إلى "أن المستوطنين في حالة فلتان جنوني على الأرض، يعيثون فسادا كما يشاؤون، يصولون ويجولون ويدمرون ويقتلون ويقتحمون ويداهمون ويقتلعون ويحرقون مئات وآلاف الاشجار والحقول وينهبون الارض الفلسطينية على طريقة الكاوبوي الامريكي في عهده، ويدمرون مقومات الصمود والاستقلال الفلسطيني وكل ذلك بدعم وغطاء وحماية جيش الاحتلال، ودون اي ردع كبير يوقفهم عند حدودهم وهم عمليا بلا حدود بل وتجاوزوا كافة الحدود والخطوط في ارهابهم المفتوح ضد الفلسطينيين.
وهنا على سبيل المثال جاء في تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية في 3 ماي الحالي تحت عنوان "الاحتلال الإسرائيلي 50 عاماً من السلب"، يتحدث عن اعمال السلب والنهب التي يقوم بها المستعمرون في الضفة الغربية ويقول التقرير "ان استيلاء إسرائيل على الأراضي بلا توقف: المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية: والحياة اليومية في ظل الاحتلال: معاناة من الحصار والقمع، و50عاماً من عمليات الإخلاء القسري والهدم والنقل القسري و50 عاماً من الاعتقالات التعسفية والمحاكمات الجائرة و50عاماً من أعمال القتل غير المشروع".
وفي حقيقة المشهد فان كل الأماكن والمدن والقرى الفلسطينية، بل ربما كل بيت فلسطيني يتأذى من إرهاب هؤلاء المستعمرين المستوطنين.
وفي التفاصيل ايضا: فقد جاء في تقرير تحت عنوان "الضفة الغربية صراع ونهب ثروات وضم واستيطان" حيث تعد الضفة المحتلة ساحة الصراع الحقيقي على الأرض؛ فقد تحوّل كل متر فيها منذ احتلالها عام 1967 إلى عنوان لشكل من أشكال المواجهة مع جيش الاحتلال ومستوطنيه وعملائه، وتشكل الضفة الغربية 21% من أرض فلسطين التاريخية بمساحة (5860) كلم مربع.
وطبعا هناك المزيد والمزيد من التقارير والمعطيات التي تتحدث عن حالة انفلات هستيري للمستعمرين الصهاينة على الأرض وعلى الشعب الفلسطيني، وأصبح الفلسطينيون هناك امام ما يمكن ان نطلق عليه الحرب الاستعمارية الاستيطانية الثالثة وهي الاخطر من سابقاتها الاولى بدأت عام1948 والثانية بعد العدوان عام 1967 كل ذلك في الوقت الذي يتسابق فيه بعض الزعماء والوزراء والمدراء وبعض المثقفين والإعلاميين والتجار العرب على التطبيع المجاني مع الاحتلال الصهيوني، يسارع عدد كبير من أعضاء “الكنيست” والوزراء من حزب “الليكود” وأحزاب يمينية أخرى الى التوقيع على وثيقة تعهدوا فيها بدعم الاستعمار الاستيطاني والعمل على بناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية.
ووفقاً لصحيفة "إسرائيل اليوم" فإن الحديث يدور عن وثيقة بادرت بطرحها حركة “نحلا” الاستيطانية، حيث تهدف إلى جمع تعهدات من وزراء وأعضاء كنيست بالعمل على توطين أكثر من مليونَيْ مستعمر أو مستوطن من الغزاة في الضفة الغربية.
اليوم في ظل هشاشة الجسم العربي وتفاقم الصراعات والأزمات وفي ظل الانقسام الفلسطيني كيف تتم مواجهة هذا السرطان وأين يكمن المخرج من هذا المأزق؟
-نعتقد أن المخرج الوحيد من هذا المأزق الاستعماري الصهيوني هو الوحدة الوطنية الفلسطينية على كل المستويات، والتي يجب ان تكون مقدمة لحملة وطنية فلسطينية شاملة للتصدي للمخططات والمشاريع الاستعمارية الاستيطانية على امتداد الوطن المحتل.
يستحضر الفلسطينيون ومعهم العروبيون كلما حلت ذكرى النكبة واغتصاب فلسطين واقامة تلك الدولة الصهيونية على خرابها، في مقدمة ما يستحضرونه ما سمي بـ"وعد بلفور" وبعده بثلاثين عاما "قرار التقسيم"، وكلاهما نتاج بريطاني كامل الدسم لصالح المشروع الصهيوني، فالعلاقة الجدلية ما بين الوعد والقرار قوية عميقة إستراتيجية، فلولا الوعد لما جاء التقسيم، ولولاهما معا لما كانت دولة "إسرائيل"، ولولا الاحتضان البريطاني الاستعماري الكامل الشامل للمشروع الصهيوني لما ضاعت فلسطين.
تبدأ حكاية الغرام والعشق البريطاني بالمشروع الصهيوني و"الوطن القومي لليهود" في 1840 حينما عقد المؤتمر الأوروبي الذي تبنى شعار "ارض بلا شعب لشعب بلا ارض" في لندن، وجاءت تجليات هذا المؤتمر والشعار في 1917، حينما اصدر وزير الخارجية البريطاني جيمس آرثر بلفور يوم 2 نوفمبر 1917 تصريحا مكتوبا وجهه باسم الحكومة البريطانية إلى اللورد ليونيل والتر روتشيلد (1868-1937)، يتعهد فيه بإنشاء "وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين"، ثم جاء صك الانتداب وقرار التقسيم البريطانيين. لذلك يمكن أن نوثق بداية "أن دولة اليهود أسست في لندن"، فبيان وزير الخارجية البريطاني بلفور الصادر في الثاني من نوفمبر 1917 في ذروة الحرب العالمية الأولى، منح اليهود- رغم أنهم شكلوا أقلية صغيرة في فلسطين في ذلك الحين-"وطنا قوميا ودولة مصطنعة مخترعة على حساب فلسطين"، وفي نظرة إلى الوراء كان هذا البيان البلفوري هو الانجاز التاريخي الأهم الذي أحرزته الحركة الصهيونية في عملها من اجل إقامة الدولة، والوعد حرف وزور التاريخ والجغرافيا في الشرق الأوسط وطرح الفكرة الصهيونية الهامشية كخيار واقعي في السياسة العالمية، واستمرارية ذلك تجسدت في الانجاز الصهيوني الثاني حيث قامت الجمعية العمومية للأمم المتحدة بعد ذلك بثلاثين عاما في نوفمبر 1947 بتأييد قرار التقسيم وإقامة دولة يهودية" و"كان الوعد حاضرا بعد ذلك في مختلف المؤتمرات والتحالفات الاستعمارية من مؤتمر سان ريمو 1920 الذي منح فيه الحلفاء بريطانيا حق الانتداب على فلسطين، إلى عصبة الأمم التي صادقت في جويلية 1922 على صك إقرار الانتداب البريطاني، فالصك كان يتضمن في مقدمته نص تصريح وعد بلفور مع تخويل لبريطانيا بتنفيذ الوعد، كما كان الوعد حاضرا في دستور فلسطين الذي أصدرته بريطانيا بعد أسبوعين من إقرار انتدابها أمميا، حيث ضمنت مقدمته نص تصريح وعد بلفور أيضا". ليصل إلى ذروته التطبيقية بتمرير قرار التقسيم في التاسع والعشرين من نوفمبر 1947.
طالت المظلمة ولا يبدو أن الحقائق التاريخية كافية لاستعادة ما سلب؟
-تفيد الوثائق المتسربة من أرشيف الأمم المتحدة، أن تلك المنظمة الأممية وقفت سرا إلى جانب قرار التقسيم البريطاني والى جانب تلك الدولة الصهيونية المصطنعة بالقوة، بل أن المؤرخ الإسرائيلي إلعاد بن دروركان كشف النقاب في ذكرى صدور "قرار التقسيم" في 29 نوفمبر العام 1947، عن "أن الأمم المتحدة أعدت مخططا لتشكيل ميليشيا يهودية مسلحة ومزودة بطائرات حربية بهدف تنفيذ القرار بتقسيم فلسطين وإقامة دولة يهودية فقط"، وكشف المؤرخ الإسرائيلي عن ذلك بعد اطّلاعه على وثائق سرية في الأمم المتحدة، على مدى العام2007، وكانت مصنفة على أنها سرية لكن الأمم المتحدة أزالت مؤخرا صفة السرية عنها وفتحتها أمام الجمهور. وأكد بن درور على أن "الأمم المتحدة أهملت نصف قرار التقسيم أي أنها أهملت فكرة إقامة الدولة العربية، وقد كانت الفكرة تنفيذ إقامة الدولة اليهودية فقط وأن تعمل الأمم المتحدة في وقت لاحق على إقامة الدولة العربية"، وقال بن درور "إنه بموجب مخطط اللجنة التنفيذية فإن المهمة الأساس للمليشيا اليهودية كان فرض سيطرة الدولة اليهودية على العرب الذين بقوا فيها والذين كان عددهم في الدولة اليهودية، وفقا لخارطة التقسيم، مطابقا تقريبا لعدد اليهود".
أخطر ما في تلك الحقائق يمكن تسجيله للتاريخ؟
-في مقابلة مع المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس، أجرتها معه "يديعوت أحرونوت"، يكشف من خلال بحث، وصف بأنه واسع النطاق، عن وثائق نشرت في كتاب جديد "1948 – تاريخ الحرب العربية الإسرائيلية الأولى"، تؤكد أن مندوبين في الأمم المتحدة حصلوا على رشاوى من أجل التصويت إلى جانب قرار التقسيم في نهاية نوفمبر1947، وبالعودة إلى الأجواء التي سبقت التصويت على قرار تقسيم فلسطين التاريخية، فإن توترا انتاب قادة الحركة الصهيونية، من جهة أن التصويت إلى جانب القرار يعني قيام "دولة إسرائيل"، وأن عدم التصويت سيشكل ضربة قاصمة للصهيونية، الأمر الذي دفع قادة الحركة الصهيونية إلى "عدّ الرؤوس"، وتبين أن نتائج التصويت لن تكون جيدة، "في هذه النقطة قرر أحدهم أن الدبلوماسية النظيفة لا تكفي، ولأن الغاية تبرر الوسيلة، يجب الانتقال إلى وسائل ظلامية، بما في ذلك الرشوة وممارسة الضغوط". الاعتبارات المالية كان لها تأثير على تصويت مندوبي دول أمريكا الجنوبية.. ومن ذلك أن بعثة من جنوب أمريكا حصلت على 75 ألف دولار مقابل التصويت على القرار.. كوستاريكا صوتت إلى جانب القرار رغم أنها لم تأخذ مبلغ 45 ألف دولار عرض عليها.. مندوب غواتيمالا أبدى حماسا زائدا في تأييده للصهيونية ووثائق بريطانية تؤكد أنه تلقى أموالا من منظمات يهودية أمريكية كما تشير تقارير لدبلوماسيين أمريكيين أنه كان على علاقة بفتاة يهودية.. ومن الممكن أن تكون هناك حالات أخرى ولكن لا يوجد وثائق تؤكد ذلك. ورغم أن موريس لا يعتبر الوثيقة جيدة، إلا أن رسائل ومذكرات موظفين ومسؤولين بريطانيين تشير إلى وجود هذه القضايا بشأن عدد من الدول في أمريكا الجنوبية، والتي تم إقناع مندوبيها بواسطة الأموال بالتصويت إلى جانب قرار التقسيم، كما يشير إلى حالات ابتزاز، حيث قامت جهات صهيونية بممارسة الضغوط وتهديد مندوب ليبيريا بعدم شراء المطاط، وتمت أيضا ممارسة ضغوط اقتصادية شديدة على عدد من الدول، وخاصة تلك التي رفضت أن تأخذ رشاوى مثل كوستاريكا، وصوتت في نهاية المطاف مع التقسيم...
ولولا النشاط البريطاني في فلسطين والمنطقة وضغوط يهود الولايات المتحدة لما قامت إسرائيل، ولتغيّر وجه التاريخ في المنطقة.. وكما قال وزير الخارجية الإسرائيلي الأول موشيه شريت"انه لولا قرار الامم المتحدة في العام 1947 لما قامت الدولة في العام 1948". وكما هو معلوم في اعقاب القرار انقضت التنظيمات الارهابية الصهيونية تحت مظلة القرار الاممي وبحماية ودعم البريطانيين على كامل فلسطين، فسطت سطوا مسلحا اجراميا مجازريا في وضح النهار على الوطن العربي الفلسطيني... فقامت التنظيمات والدولة الصهيونية على خراب وتدمير فلسطين وتهجير اهلها، وما تزال تواصل تدمير وشطب عروبة فلسطين تاريخا وحضارة وتراثا، وتواصل تهجير الشعب الفلسطيني وتهويد ارضه ووطنه وتحويله الى "دولة يهودية نقية" يسعون في هذه الايام باستماتة من اجل ابتزاز الشرعيات الفلسطينية والعربية لها...
تغير وجه خريطة فلسطين...
-الحقيقة الكبيرة الساطعة التي نوثقها ونحن اليوم امام ذكرى النكبة، ان ذلك القرار الصادر عن الامم المتحدة الذي استند بالاصل الى "اعلان- وعد بلفور" اعطى ما لا يملك لمن لا يستحق"، وانه كان قرارا ظالما مجحفا وقف وراءه الانتداب الاستعماري البريطاني بكل ثقله، واسفر عن قضية نكبة القرن المتواصلة والمفتوحة والمركبة اضعافا مع الزمن، وما بين والتقسيم تراكمت عوامل تغيير وجه فلسطين وقلب الموازين الجغرافية والسكانية عبر سياسات الاقتلاع والترحيل والاحتلال المستندة الى سياسات التطهير العرقي. واليوم ونحن في فضاء الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة، تحت السيطرة الصهيونية الإستراتيجية الكاملة من البحر الى النهر.
وتؤكد كل التقارير والدراسات العربية والعبرية على "ان الحركة الصهيونية مجسدة بدولة اسرائيل تواصل "عبرنة" و"تهويد" اكثر من 8400 اسم عربي لمواقع جغرافية وتاريخية". وحسب كتاب "المواقع الجغرافية في فلسطين - الاسماء العربية والتسميات العبرية" وهو من تأليف الدكتور شكري عراف لم يكن في فلسطين حتى غزو الصهيونية لها سوى 50 اسما عبريا فقط، وان التوراة اليهودية لا تشمل بالاصل سوى 550 اسما لأمكنة مختلفة في فلسطين وهي في الاصل اسماء كنعانية وبادر الصهاينة الى تحوير الاسماء الاصلية او وضع اسماء عبرية على المواقع الفلسطينية، وهكذا تحولت "بئر السبع" مثلا الى "بئير شيبع" وطبريا الى "طبيريا" والخضيرة الى "حديرة" والمطلة الى "مطولة" وصفورية الى "تسيبوري" وعكا الى "عكو" وهكذا، ويتحدث الكتاب عن ان "الصهيونية غيرت وهودت 90% من اسماء المواقع في فلسطين".
* كيف يتراءى المستقبل إزاء هذا المشهد القاتم؟
-لا شك أن كبرى الكبائر العربية هنا في ظل هذا المشهد المترامي الابعاد ان الدول والسياسات العربية الرسمية تأقلمت مع الامر الواقع البريطاني اولا، ثم الامريكي الصهيوني ثانيا، لتنتقل في السنوات الاخيرة ثالثا من موقع اللاءات الى موقع النعمات في التعاطي مع المشروع الصهيوني ونتاجه على الأرض. ولم تكن فلسطين لتقسم وتضيع وتغتصب وتهوّد، لو تصدى العرب للوعد ولمشروع التقسيم البريطاني - الصهيوني كما يجب... ولو تحملوا مسؤولياتهم التاريخية والعروبية كما يجب...
التطهير العرقي في فلسطين هو من أهم وأخطر العناوين التي يذكرنا بها نتنياهو وسموترتش وبن غفير واليمين الصهيوني الفاشي نظرا لأفكارهم ومواقفهم ومقترحاتهم ودعواتهم العنصرية اليمينية الفاشية التطهيرية التي يطلقونها تباعا، وينسحب ذلك على المجتمع الصهيوني كله، وكان من أبرز دعواتهم للتخلص من العرب الباقين في فلسطين 48 ما قال ليبرمان على سبيل المثال:"أنه يرغب في أن تكون إسرائيل دولة يهودية وصهيونية.. وأنه يجب التخلص من العرب"، وكذلك دعوته لشطب القضية الفلسطينية من القواميس"، يضاف إلى ذلك طبعا تلك الفتاوى التي يطلقها كبار حاخاماتهم وصغارهم على حد سواء، والتي تبيح الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين لتبقى فلسطين يهودية نظيفة من العرب .
بعد خمسة وسبعين عاما، ما زلنا نتابع البلدوزرات الصهيونية تواصل مهماتها.. ونتابع سياسات التطهير العرقي والمجازر الجماعية… فمن العراقيب في النقب العربي المحتل في اقصى الجنوب الفلسطيني التي قامت جرافات الاحتلال بهدمها حتى الآن 190 مرة وأعاد أهلها بناءها 213 مرة في معركة وجودية صريحة، مرورا بمسافر يطا الخليلية التي لم تتوقف بلدوزرات التهديم والاستيطان عن العمل فيها، ومرورا أيضا بالأغوار المحتلة التي تبلغ ثلثي مساحة الضفة، وصولا إلى طانا الواقعة على مقربة من نابلس شمالي الضفة الغربية… فالهدف الكبير لديهم هو هدم وتدمير وتنظيف الارض من معالمها واهلها وتمهيدها للتهويد الشامل بلا عرب.
نأمل أن تكون كافة القوى والفصائل الفلسطينية، قد استخلصت العبر اللازمة.. فالوحدة والمصالحة الوطنية الفلسطينية هي الممر الإجباري نحو هزيمة المشروع الصهيوني والتحرير والاستقلال..