إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في الذكرى الثانية لرحيله .. ملامح من نضال القيادي اليساري منجي اللوز

 

بقلم:رشيد خشانة*

كان الرحيل المفاجئ والمبكر للقيادي اليساري منجي اللوز في 4 ماي 2021 خسارة كبرى للحركة التقدمية،  فقد برز، وهو لم يزل تلميذا في السنوات النهائية بصفاقس، بمشاركته في حلقات الفكر التقدمي، واطلع مبكرا على أدبيات Perspectives برسبكتيف/ العامل التونسي. وأتاح له هذا المسار أن يكون، مع أواخر الستينات وبواكير السبعينات، من القرن الماضي، أن يكون قريبا من الجيل الأول لليسار الجديد، وهم المؤسسون، الذين تعرف على كثير منهم بعد مغادرتهم السجن في 1970.

ومرت حركة اليسار الجديد آنذاك بمنعطف مهم، مع مطلع السبعينات، على إثر إطلاق قياداتها من السجون، إذ اتسمت تلك المرحلة بغزارة الجدل الفكري ونشر الثقافة التقدمية في أوساط الشباب، من خلال نوادي السينما والمسرح والآداب. وخلال تلك الفترة، أي بواكير السبعينات، انتمى منجي إلى منظمة "العامل التونسي"، وكان شغوفا بمتابعة الصراعات الفكرية بين فصائل اليسار، الجديد منه والقديم. كما لعب دورا بارزا في الجانب التنظيمي بمن كان يستقطبهم من الشباب إلى التنظيم، مما جعل جهة صفاقس تبرز بوصفها أحد المعاقل الرئيسية لليسار الجديد. لكن سرعان ما وجه النظام ضربة أمنية واسعة للحركة انطلاقا من أكتوبر 1973 شملت قرابة ألف مناضل ومناضلة، بمن فيهم أعضاء القيادة السبعة، ومن بينهم منجي. وقد برهن خلال التحقيق معه على صلابة التزامه النضالي وقوة شكيمته، بالرغم من التعذيب الوحشي الذي تعرض له، وتنكيل الزبانية به شخصيا، من أجل قهر إرادته.

غادر منجي سجن برج الرومي (الناظور حاليا) بعدما قضى هناك أكثر من ست سنوات ظل خلالها صابرا صامدا، وخاض مع رفاقه السجناء السياسيين إضرابات عن الطعام للمطالبة بتحسين أوضاعهم السجنية، وهي الإضرابات التي أضرت بصحة منجي بكل تأكيد، وجعلت المرض يدبُ في جسده منذ وقت مُبكر.

في مطلع التسعينات، ومع انتقاله إلى تونس، اختار الانتماء إلى "التجمع الاشتراكي التقدمي" وكانت تجربة العمل العلني طورا جديدا في مساره النضالي، إذ بات يتنقل إلى الجهات لترؤس اجتماعات سياسية، أو خوض مناقشات مع الراغبين في الانضمام إلى الحزب، بمناسبة تغيير اسمه إلى "الحزب الديمقراطي التقدمي" في 2001 وانتخاب المناضلة الراحلة مية الجريبي لتولي الأمانة العامة للحزب، خلفا للأستاذ أحمد نجيب الشابي. وفي الآن نفسه اختار مؤتمر الحزب ثلاثة أمناء عامين مساعدين هم منجي اللوز وعصام الشابي وكاتب هذه السطور. وخلال تلك الفترة كان منجي مسؤولا عن العلاقات الوطنية للحزب، فأقام علاقات واسعة مع معظم التنظيمات الوطنية وترسخت معرفته بالساحة السياسية بصفة خاصة. كان منجي شغوفا بكتابة المقالات السياسية لصحيفة "الموقف" التي تولى منصب مدير تحريرها، وكثيرا ما كانت مقالاته تثير الجدل وتُنعش الحوارات الفكرية مع باقي مكونات الساحة اليسارية. ومع تنامي تلك الحركية حاول النظام محاصرة "الموقف" بالمصادرة وحجب الاعلانات والتضييق الأمني، مما حمل رئيس تحريرها ومدير التحرير منجي اللوز، على شن إضراب عن الطعام في مقر الصحيفة، لم يتوقف إلا بعدما تعهدت السلطات بالاقلاع عن عرقلة توزيعها.

بعد الثورة تجلى بعدٌ آخر من شخصية منجي من خلال دوره الوطني، أولا في بناء حزب جماهيري والتمهيد لتأسيس "الحزب الجمهوري" سنة 2012، وثانيا كمفاوض صعب المراس، في علاقة مع  الأحزاب والمكونات الجديدة للساحة الوطنية، وخاصة في نطاق الهيأة العليا لتحقيق أهداف الثورة. وظل منجي يلعب دورا محوريا في تعاطي الحزب مع التطورات اللاحقة، وخاصة انتخابات المجلس التأسيسي وانتخابات 2014 التشريعية والرئاسية. وكان من أبرز منتقدي انحراف التجربة الديمقراطية عن مسارها، مُحملا المسؤولية بشكل واضح لمكونات الـ"الترويكا".

رحل منجي وترك لنا إرثا خصبا من التجارب والمحطات النضالية، التي غذاها بعطائه الغزير، وفكره المُنفتح دوما للحوار مع الآخر، فكان قُدوة للشباب وللمناضلين عموما. ومن المؤسف أن ذكرى رحيله تزامنت مع وفاة رفيقه الأستاذ فريد النجار، في حادث سير، وهو صاحب مسيرة نضالية طويلة وخصبة في اليسار، وخاصة في جهة صفاقس، فالاثنان ينهلان من نفس المدرسة، مدرسة النضال الوطني والديمقراطي، الذي ستبقى راياتُه مرفوعة فوق أسوارنا، حتى إرساء مجتمع العدل والحرية.          

* الأمين العام المساعد للحزب الديمقراطي التقدمي (2006-2012) ورئيس تحرير "الموقف" سابقا

في الذكرى الثانية لرحيله .. ملامح من نضال القيادي اليساري منجي اللوز

 

بقلم:رشيد خشانة*

كان الرحيل المفاجئ والمبكر للقيادي اليساري منجي اللوز في 4 ماي 2021 خسارة كبرى للحركة التقدمية،  فقد برز، وهو لم يزل تلميذا في السنوات النهائية بصفاقس، بمشاركته في حلقات الفكر التقدمي، واطلع مبكرا على أدبيات Perspectives برسبكتيف/ العامل التونسي. وأتاح له هذا المسار أن يكون، مع أواخر الستينات وبواكير السبعينات، من القرن الماضي، أن يكون قريبا من الجيل الأول لليسار الجديد، وهم المؤسسون، الذين تعرف على كثير منهم بعد مغادرتهم السجن في 1970.

ومرت حركة اليسار الجديد آنذاك بمنعطف مهم، مع مطلع السبعينات، على إثر إطلاق قياداتها من السجون، إذ اتسمت تلك المرحلة بغزارة الجدل الفكري ونشر الثقافة التقدمية في أوساط الشباب، من خلال نوادي السينما والمسرح والآداب. وخلال تلك الفترة، أي بواكير السبعينات، انتمى منجي إلى منظمة "العامل التونسي"، وكان شغوفا بمتابعة الصراعات الفكرية بين فصائل اليسار، الجديد منه والقديم. كما لعب دورا بارزا في الجانب التنظيمي بمن كان يستقطبهم من الشباب إلى التنظيم، مما جعل جهة صفاقس تبرز بوصفها أحد المعاقل الرئيسية لليسار الجديد. لكن سرعان ما وجه النظام ضربة أمنية واسعة للحركة انطلاقا من أكتوبر 1973 شملت قرابة ألف مناضل ومناضلة، بمن فيهم أعضاء القيادة السبعة، ومن بينهم منجي. وقد برهن خلال التحقيق معه على صلابة التزامه النضالي وقوة شكيمته، بالرغم من التعذيب الوحشي الذي تعرض له، وتنكيل الزبانية به شخصيا، من أجل قهر إرادته.

غادر منجي سجن برج الرومي (الناظور حاليا) بعدما قضى هناك أكثر من ست سنوات ظل خلالها صابرا صامدا، وخاض مع رفاقه السجناء السياسيين إضرابات عن الطعام للمطالبة بتحسين أوضاعهم السجنية، وهي الإضرابات التي أضرت بصحة منجي بكل تأكيد، وجعلت المرض يدبُ في جسده منذ وقت مُبكر.

في مطلع التسعينات، ومع انتقاله إلى تونس، اختار الانتماء إلى "التجمع الاشتراكي التقدمي" وكانت تجربة العمل العلني طورا جديدا في مساره النضالي، إذ بات يتنقل إلى الجهات لترؤس اجتماعات سياسية، أو خوض مناقشات مع الراغبين في الانضمام إلى الحزب، بمناسبة تغيير اسمه إلى "الحزب الديمقراطي التقدمي" في 2001 وانتخاب المناضلة الراحلة مية الجريبي لتولي الأمانة العامة للحزب، خلفا للأستاذ أحمد نجيب الشابي. وفي الآن نفسه اختار مؤتمر الحزب ثلاثة أمناء عامين مساعدين هم منجي اللوز وعصام الشابي وكاتب هذه السطور. وخلال تلك الفترة كان منجي مسؤولا عن العلاقات الوطنية للحزب، فأقام علاقات واسعة مع معظم التنظيمات الوطنية وترسخت معرفته بالساحة السياسية بصفة خاصة. كان منجي شغوفا بكتابة المقالات السياسية لصحيفة "الموقف" التي تولى منصب مدير تحريرها، وكثيرا ما كانت مقالاته تثير الجدل وتُنعش الحوارات الفكرية مع باقي مكونات الساحة اليسارية. ومع تنامي تلك الحركية حاول النظام محاصرة "الموقف" بالمصادرة وحجب الاعلانات والتضييق الأمني، مما حمل رئيس تحريرها ومدير التحرير منجي اللوز، على شن إضراب عن الطعام في مقر الصحيفة، لم يتوقف إلا بعدما تعهدت السلطات بالاقلاع عن عرقلة توزيعها.

بعد الثورة تجلى بعدٌ آخر من شخصية منجي من خلال دوره الوطني، أولا في بناء حزب جماهيري والتمهيد لتأسيس "الحزب الجمهوري" سنة 2012، وثانيا كمفاوض صعب المراس، في علاقة مع  الأحزاب والمكونات الجديدة للساحة الوطنية، وخاصة في نطاق الهيأة العليا لتحقيق أهداف الثورة. وظل منجي يلعب دورا محوريا في تعاطي الحزب مع التطورات اللاحقة، وخاصة انتخابات المجلس التأسيسي وانتخابات 2014 التشريعية والرئاسية. وكان من أبرز منتقدي انحراف التجربة الديمقراطية عن مسارها، مُحملا المسؤولية بشكل واضح لمكونات الـ"الترويكا".

رحل منجي وترك لنا إرثا خصبا من التجارب والمحطات النضالية، التي غذاها بعطائه الغزير، وفكره المُنفتح دوما للحوار مع الآخر، فكان قُدوة للشباب وللمناضلين عموما. ومن المؤسف أن ذكرى رحيله تزامنت مع وفاة رفيقه الأستاذ فريد النجار، في حادث سير، وهو صاحب مسيرة نضالية طويلة وخصبة في اليسار، وخاصة في جهة صفاقس، فالاثنان ينهلان من نفس المدرسة، مدرسة النضال الوطني والديمقراطي، الذي ستبقى راياتُه مرفوعة فوق أسوارنا، حتى إرساء مجتمع العدل والحرية.          

* الأمين العام المساعد للحزب الديمقراطي التقدمي (2006-2012) ورئيس تحرير "الموقف" سابقا