* قامت القوات المتمردة بمهاجمة "سجن الهدى" وسجن "سوبا" وإطلاق سراح الآلاف من المسجونين داخله وجُلّهم من القتلة والمجرمين وتجار المخدرات بغرض نشر الفوضى في البلاد
بدءاً أود أن أشير أننا قد لاحظنا بكثير من الأسف خلال الأيام الماضية بعض اللبس في التغطية الإعلامية لبعض الكتاب والصحفيين التونسيين الذين نُكن لهم احتراما كبيرا، وربما نجد لهم العذر بسبب الشائعات والأكاذيب التي تنشرها قوات الدعم السريع في وسائل الإعلام الأجنبية المتآمرة معهم وأذرُعها الداخلية والمتمثلة في قوى الحرية والتغيير وبعض الحلفاء الإقليميين، وذلك عندما عمدوا إلى تزييف الحقائق بهدف استقطاب الدعم الدولي للمتمردين، ونحن إذ نحاول هنا توضيح الحقائق للرأي العام التونسي، نربأ بأشقائنا في تونس من الانجرار إلى مؤامرة تقسيم السودان بالانسياق للدعاية المضللة التي يبثها المتمردون ومن يقف خلفهم.
خيوط المؤامرة
كانت المؤامرة الفاشلة تتلخص في القيام بانقلاب عسكري خاطف بواسطة حميدتي وقواته التي تبلغ أكثر من 120 ألف جندي للاستيلاء على السلطة في البلاد وحل الجيش السوداني لإحلال مليشيا الدعم السريع مكانه لتمكين حميدتي ومن يقف خلفه من السيطرة على بلاد ومواردها الضخمة، وتم التخطيط لتلك المؤامرة بواسطة بعض القوى الإقليمية والدولية، حيث بدأت قوات الدعم السريع منذ العام 2019 عقب سقوط حكم الرئيس السابق عمر البشير في الانتشار قرب المواقع العسكرية والمؤسسات الحكومية الحساسة، وبدأت حملة تجنيد محمومة منذ ذلك التاريخ لتجنيد عناصر جديدة خاصة من بعض الدول الأفريقية حيث تم منحهم الجنسية السودانية.
فَزّاعة الإسلاميين
أعدت قوات الدعم السريع المتمردة عدة سيناريوهات واستراتيجيات لمخاطبة الرأي العام الداخلي والخارجي قبل الشروع في الخطة، وهي تستخدم تلك السيناريوهات بمهارة تُحسد عليها، حيث خاطب المتمردون الساحة السياسية الداخلية في إطار حملتهم في التحضير للمؤامرة بتسويقهم لخطاب يركز على رعايتهم لعملية التحول الديمقراطي وقد صرح حميدتي عدة مرات برغبته في تسليم السلطة للمدنيين حتى لو اضطر لاستخدام القوة، باعتبار أن الجيش هو من يعارض ذلك، مع العلم أن الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان كان قد دعى حميدتي عدة مرات لانسحابهما معاً من الساحة السياسية وتسليم السلطة للمدنيين وكان رد حميدتي الذي تناقلته وسائل التواصل السودانية بقوله "انسحب أنت، أنا ما بنسحب".
كذلك ادعت مليشيات آل دقو في خطابها للمجتمع الدولي أنها تقاتل الإرهابيين والإسلاميين المتطرفين داخل المؤسسة العسكرية في محاولة لاستدرار الدعم الدولي.
ومعلوم بالضرورة أن الجيش السوداني هو من أنهى حكم الإسلاميين في السودان بانحيازه لثورة ديسمبر المجيدة في العام 2019، لذلك فإن المزايدات من قبل آل دقلو باستخدام فزّاعة الإسلاميين لن تقنع أحداً، لأن الكل يعلم أن الجيش السوداني عمره أكثر من مائة عام ، أي أنه تأسس قبل أكثر من ستين عاما من استيلاء الإسلاميين على السلطة في السودان في العام 1989 ، بينما كان الإسلاميون أنفسهم هم من كونوا مليشيا الدعم السريع في العام 2013.
كما تجدر الإشارة هنا أن الكثير من قيادات الجيش الحالية انضمت للقوات المسلحة قبل أكثر من عشر سنوات من تأسيس حكم الإسلاميين في البلاد، ولذلك فإن مثل هذه الاتهامات هي من قبيل الاتهامات التي وُجهت من قبل للجيش العراقي في تسعينيات القرن الماضي باعتبار أن الجيش العراقي كله من البعثيين كمقدمة لخطة تفكيكه لإغراق البلاد في الفوضى.
الاتفاق الإطاري
برعاية من الآلية الرباعية التي تضم كل من الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، المملكة العربية السعودية والإمارات تم طرح "الاتفاق الإطاري" والذي حظي بدعم قوى الحرية والتغيير "المجلس المركزي" وحزب المؤتمر الشعبي، بينما رفضته الكثير من القوى السياسية الأخرى كالكتلة الديمقراطية وحزب البعث والحزب الشيوعي وتجمع المهنيين، وقد احتدم الخلاف داخل المؤسسة العسكرية بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع عندما أصر الجيش على دمج قوات الدعم السريع في الجيش في مدة أقصاها عامين كشرط للتوقيع على الاتفاق الإطاري، بينما أصر حميدتي على دمج قواته في الجيش خلال عشر سنوات، في محاولة للتشبث بسلطته كقائد لأكبر قوة عسكرية خارج مظلة الجيش السوداني وذلك لحماية مصالحة المالية وعلاقاته وتحالفاته الخارجية التي تصب في مصلحته الشخصية ومصلحة قواته المكونة من أبناء قبيلته الممتدة عبر الحدود السودانية للدول المجاورة.
الإعداد للمؤامرة
عقب تفجر الأوضاع داخل المؤسسة العسكرية بدأ حميدتي في إنفاذ مؤامرته الرامية للاستيلاء على السلطة، فقام باستقدام الآلاف من رجال القبائل الداعمة له من دول الجوار وتجميعهم في ولاية دارفور غربي السودان تمهيداً لإرسالهم إلى الخرطوم، وعقب وصولهم إلى العاصمة قام بنشرهم في المواقع العسكرية والإستراتيجية تحت أنظار ومسامع الجيش والشعب السوداني لتصبح جملة القوات التابعة لـ "حميدتي" داخل ولاية الخرطوم وحدها أكثر من 80 ألف جندي ، إضافة إلى تحريكه قبل يومين فقط من الحرب لعدد 100 عربة عسكرية مدججة بالسلاح والجنود من الخرطوم إلى مدينة مروي شمالي السودان بغرض السيطرة على المطار والقاعدة العسكرية لتمهيد الطريق أمام طائرات حلفائه الإقليميين، وبدأت أبواق المؤامرة تنطلق في منصاتهم الإعلامية تنادي بطرد الجنود المصريين "المحتلين" من مدينة مروي، كما بدأت الشائعات بشأن تحركات للإسلاميين داخل الجيش بغرض الانقضاض على السلطة، وطبعاً كان الغرض من كل ذلك تهيئة الرأي العام لما سيحدث وتعبئه الشعب ضد قواته المسلحة.
اندلاع الحرب
في تمام الساعة التاسعة من صباح السبت الموافق 15 أبريل ، تحركت قوة من الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي" إلى القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة ودخلت كالعادة عبر البوابة الرئيسية للقيادة بطريقة عادية للغاية باعتبار أنها أصلا جزء من القوات المسلحة ومشاركة في تأمين مقر القيادة العامة، ولكن فاجأت الضباط والعسكريين بقيامها بحملة اعتقالات مفاجئة، وكان من ضمن الضباط المعتقلين المفتش العام لقوات الشعب المسلحة، وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال: إذا كان الجيش يخطط للاعتداء على الدعم السريع فكيف تم اعتقال المفتش العام للجيش وعدد من قيادات الجيش دون إطلاق رصاصة واحدة ؟ لأن الطبيعي أن المفتش العام هو الذي يعتقل "حميدتي" عندما يدخل الأخير لمقر القيادة بقوة صغيرة لا تتجاوز الخمسين جندياً !!!
في ذات الوقت كان هناك هجوم متزامن على مقر سكن القائد العام رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، فاشتبكت معها القوة الصغيرة المكلفة بحراسة القائد ، وكان لاستبسال هذه القوة الصغيرة الفضل في إفشال المؤامرة وتمكين القائد العام عبد الفتاح البرهان من الانسحاب إلى مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، حيث تمكنت قوة الحراسة من قتل أكثر من 200 متمرد قبل أن تتمكن القوة المهاجمة من الدخول إلى مقر السكن عقب استشهاد جميع أفراد الحراسة.
نتيجة لذلك ، استجابت القوات المسلحة السودانية، بناءً على واجبها ومسؤوليتها الوطنية في الحفاظ على الأمن والاستقرار في البلاد بمحاولة إخماد التمرد مستخدمة في ذلك "القوة الضرورية" في محاولة لتقليل الخسائر وسط المدنيين. وقد استهدف المتمردون طوال الأيام الماضية المؤسسات الخدمية كمحطات المياه والكهرباء ونهب البنوك والمصارف والمحلات التجارية لرفع كُلفة الحرب وإثارة السخط الشعبي للمواطنين لإجبار القوات المسلحة على الجلوس لطاولة المفاوضات في محاولة لتخليص قادتها وإيجاد ملاذات آمنة للخروج من البلاد.
ظلت مليشيا الدعم السريع خلال الأسبوعين الماضيين تدعو المجتمع الدولي للضغط على الحكومة السودانية للقبول بوقف مؤقت لإطلاق النار، كذريعة لتحريك قواتها وكسب الوقت انتظاراً لأرتال القوات القادمة من تشاد والنيجر وأفريقيا الوسطى.
تواصلت مساعي المليشيا لرفع فاتورة الحرب باستهدافها للبعثات الدبلوماسية، فقامت بالاعتداء على سفارات الولايات المتحدة، فرنسا، سلطنة عمان، أندونيسيا، السفارة الهندية، بعثة الاتحاد الأوروبي بالإضافة لعدد آخر من البعثات الدبلوماسية وقتلت عاملين في المنظمات الدولية وكان القاسم المشترك في كل تلك التعدّيات هو محاولة نهب السيارات للهروب بها من الخرطوم. كما قامت المليشيا بإخلاء العديد من المستشفيات والمرافق الصحية في ولاية الخرطوم من المرضى لاستخدامها كثكنات عسكرية وتم اختطاف الأطباء والكوادر الطبية بغرض معالجة مصابي الدعم السريع. كذلك تم طرد المواطنين في عدد من الأحياء بالعاصمة من منازلهم ما دفع هؤلاء إلى النزوح إلى خارج ولاية الخرطوم.
كذلك قامت القوات المتمردة بمهاجمة "سجن الهدى" وسجن "سوبا" وإطلاق سراح الآلاف من المسجونين داخله وجُلّهم من القتلة والمجرمين وتجار المخدرات بغرض نشر الفوضى في البلاد، كما قامت قوة أخرى بمهاجمة سجن "كوبر" وإطلاق سراح السجناء السياسيين من الإسلاميين لتثبيت التهمة التي كانت قد أطلقتها القوة المتمردة وادعوا أن قادة الجيش هم من أطلقوا سراحهم. ولكن كل ذلك لم ينطلي على الشعب السوداني الذي يتمتع بوعي سياسي كبير أفشل كل المخططات التي كان يرمي لها المتآمرون، فالتفت جموع السودانيين خلف قواتهم المسلحة إلا من فئة قليلة من ناشطي قوى الحرية والتغيير الذين كان يأملون في الاستفراد بالحكم عقب وصول حميدتي للسلطة.
بقي أن نؤكد أن الحكومة السودانية كانت قد أعربت عبر وزارة الخارجية عن تقديرها للجهود المخلصة التي تبذلها الدول العربية والأفريقية إضافة لجهود المجتمعين الإقليمي والدولي لتهدئة الوضع لتوفير ملاذات آمنة لخروج الأجانب وأعضاء البعثات الدبلوماسية من البلاد، كما طلبت عدم التدخل في الأزمة الحالية باعتبار أن ما يجري شأن سوداني داخلي مؤكدةً قدرة القوات المسلحة على حسم التمرد.
كان من نتائج هذا التمرد أن أعلن القائد العام للقوات المسلحة، أن قوات الدعم السريع قوات متمردة وخارجة على سلطة الدولة، كما أعلن العفو عن كافة القوات المتمردة التي تضع السلاح طوعاً ووعد بالنظر في إمكانية دمج هؤلاء في الجيش السوداني.
نشير أخيراً أن قوات الشعب المسلحة بصدد عمليات التمشيط العسكري النهائي لحسم ما تبقى من جيوب للمتمردين المنتشرين في بعض الأحياء السكنية بالعاصمة، وسيتم إعلان نهاية المؤامرة في الفترة القليلة القادمة، وما النصر إلا صبر ساعة، وما النصر إلا من عند الله.
رضا حسين العطا
نائب السفير السوداني في تونس
* قامت القوات المتمردة بمهاجمة "سجن الهدى" وسجن "سوبا" وإطلاق سراح الآلاف من المسجونين داخله وجُلّهم من القتلة والمجرمين وتجار المخدرات بغرض نشر الفوضى في البلاد
بدءاً أود أن أشير أننا قد لاحظنا بكثير من الأسف خلال الأيام الماضية بعض اللبس في التغطية الإعلامية لبعض الكتاب والصحفيين التونسيين الذين نُكن لهم احتراما كبيرا، وربما نجد لهم العذر بسبب الشائعات والأكاذيب التي تنشرها قوات الدعم السريع في وسائل الإعلام الأجنبية المتآمرة معهم وأذرُعها الداخلية والمتمثلة في قوى الحرية والتغيير وبعض الحلفاء الإقليميين، وذلك عندما عمدوا إلى تزييف الحقائق بهدف استقطاب الدعم الدولي للمتمردين، ونحن إذ نحاول هنا توضيح الحقائق للرأي العام التونسي، نربأ بأشقائنا في تونس من الانجرار إلى مؤامرة تقسيم السودان بالانسياق للدعاية المضللة التي يبثها المتمردون ومن يقف خلفهم.
خيوط المؤامرة
كانت المؤامرة الفاشلة تتلخص في القيام بانقلاب عسكري خاطف بواسطة حميدتي وقواته التي تبلغ أكثر من 120 ألف جندي للاستيلاء على السلطة في البلاد وحل الجيش السوداني لإحلال مليشيا الدعم السريع مكانه لتمكين حميدتي ومن يقف خلفه من السيطرة على بلاد ومواردها الضخمة، وتم التخطيط لتلك المؤامرة بواسطة بعض القوى الإقليمية والدولية، حيث بدأت قوات الدعم السريع منذ العام 2019 عقب سقوط حكم الرئيس السابق عمر البشير في الانتشار قرب المواقع العسكرية والمؤسسات الحكومية الحساسة، وبدأت حملة تجنيد محمومة منذ ذلك التاريخ لتجنيد عناصر جديدة خاصة من بعض الدول الأفريقية حيث تم منحهم الجنسية السودانية.
فَزّاعة الإسلاميين
أعدت قوات الدعم السريع المتمردة عدة سيناريوهات واستراتيجيات لمخاطبة الرأي العام الداخلي والخارجي قبل الشروع في الخطة، وهي تستخدم تلك السيناريوهات بمهارة تُحسد عليها، حيث خاطب المتمردون الساحة السياسية الداخلية في إطار حملتهم في التحضير للمؤامرة بتسويقهم لخطاب يركز على رعايتهم لعملية التحول الديمقراطي وقد صرح حميدتي عدة مرات برغبته في تسليم السلطة للمدنيين حتى لو اضطر لاستخدام القوة، باعتبار أن الجيش هو من يعارض ذلك، مع العلم أن الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان كان قد دعى حميدتي عدة مرات لانسحابهما معاً من الساحة السياسية وتسليم السلطة للمدنيين وكان رد حميدتي الذي تناقلته وسائل التواصل السودانية بقوله "انسحب أنت، أنا ما بنسحب".
كذلك ادعت مليشيات آل دقو في خطابها للمجتمع الدولي أنها تقاتل الإرهابيين والإسلاميين المتطرفين داخل المؤسسة العسكرية في محاولة لاستدرار الدعم الدولي.
ومعلوم بالضرورة أن الجيش السوداني هو من أنهى حكم الإسلاميين في السودان بانحيازه لثورة ديسمبر المجيدة في العام 2019، لذلك فإن المزايدات من قبل آل دقلو باستخدام فزّاعة الإسلاميين لن تقنع أحداً، لأن الكل يعلم أن الجيش السوداني عمره أكثر من مائة عام ، أي أنه تأسس قبل أكثر من ستين عاما من استيلاء الإسلاميين على السلطة في السودان في العام 1989 ، بينما كان الإسلاميون أنفسهم هم من كونوا مليشيا الدعم السريع في العام 2013.
كما تجدر الإشارة هنا أن الكثير من قيادات الجيش الحالية انضمت للقوات المسلحة قبل أكثر من عشر سنوات من تأسيس حكم الإسلاميين في البلاد، ولذلك فإن مثل هذه الاتهامات هي من قبيل الاتهامات التي وُجهت من قبل للجيش العراقي في تسعينيات القرن الماضي باعتبار أن الجيش العراقي كله من البعثيين كمقدمة لخطة تفكيكه لإغراق البلاد في الفوضى.
الاتفاق الإطاري
برعاية من الآلية الرباعية التي تضم كل من الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، المملكة العربية السعودية والإمارات تم طرح "الاتفاق الإطاري" والذي حظي بدعم قوى الحرية والتغيير "المجلس المركزي" وحزب المؤتمر الشعبي، بينما رفضته الكثير من القوى السياسية الأخرى كالكتلة الديمقراطية وحزب البعث والحزب الشيوعي وتجمع المهنيين، وقد احتدم الخلاف داخل المؤسسة العسكرية بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع عندما أصر الجيش على دمج قوات الدعم السريع في الجيش في مدة أقصاها عامين كشرط للتوقيع على الاتفاق الإطاري، بينما أصر حميدتي على دمج قواته في الجيش خلال عشر سنوات، في محاولة للتشبث بسلطته كقائد لأكبر قوة عسكرية خارج مظلة الجيش السوداني وذلك لحماية مصالحة المالية وعلاقاته وتحالفاته الخارجية التي تصب في مصلحته الشخصية ومصلحة قواته المكونة من أبناء قبيلته الممتدة عبر الحدود السودانية للدول المجاورة.
الإعداد للمؤامرة
عقب تفجر الأوضاع داخل المؤسسة العسكرية بدأ حميدتي في إنفاذ مؤامرته الرامية للاستيلاء على السلطة، فقام باستقدام الآلاف من رجال القبائل الداعمة له من دول الجوار وتجميعهم في ولاية دارفور غربي السودان تمهيداً لإرسالهم إلى الخرطوم، وعقب وصولهم إلى العاصمة قام بنشرهم في المواقع العسكرية والإستراتيجية تحت أنظار ومسامع الجيش والشعب السوداني لتصبح جملة القوات التابعة لـ "حميدتي" داخل ولاية الخرطوم وحدها أكثر من 80 ألف جندي ، إضافة إلى تحريكه قبل يومين فقط من الحرب لعدد 100 عربة عسكرية مدججة بالسلاح والجنود من الخرطوم إلى مدينة مروي شمالي السودان بغرض السيطرة على المطار والقاعدة العسكرية لتمهيد الطريق أمام طائرات حلفائه الإقليميين، وبدأت أبواق المؤامرة تنطلق في منصاتهم الإعلامية تنادي بطرد الجنود المصريين "المحتلين" من مدينة مروي، كما بدأت الشائعات بشأن تحركات للإسلاميين داخل الجيش بغرض الانقضاض على السلطة، وطبعاً كان الغرض من كل ذلك تهيئة الرأي العام لما سيحدث وتعبئه الشعب ضد قواته المسلحة.
اندلاع الحرب
في تمام الساعة التاسعة من صباح السبت الموافق 15 أبريل ، تحركت قوة من الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي" إلى القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة ودخلت كالعادة عبر البوابة الرئيسية للقيادة بطريقة عادية للغاية باعتبار أنها أصلا جزء من القوات المسلحة ومشاركة في تأمين مقر القيادة العامة، ولكن فاجأت الضباط والعسكريين بقيامها بحملة اعتقالات مفاجئة، وكان من ضمن الضباط المعتقلين المفتش العام لقوات الشعب المسلحة، وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال: إذا كان الجيش يخطط للاعتداء على الدعم السريع فكيف تم اعتقال المفتش العام للجيش وعدد من قيادات الجيش دون إطلاق رصاصة واحدة ؟ لأن الطبيعي أن المفتش العام هو الذي يعتقل "حميدتي" عندما يدخل الأخير لمقر القيادة بقوة صغيرة لا تتجاوز الخمسين جندياً !!!
في ذات الوقت كان هناك هجوم متزامن على مقر سكن القائد العام رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، فاشتبكت معها القوة الصغيرة المكلفة بحراسة القائد ، وكان لاستبسال هذه القوة الصغيرة الفضل في إفشال المؤامرة وتمكين القائد العام عبد الفتاح البرهان من الانسحاب إلى مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، حيث تمكنت قوة الحراسة من قتل أكثر من 200 متمرد قبل أن تتمكن القوة المهاجمة من الدخول إلى مقر السكن عقب استشهاد جميع أفراد الحراسة.
نتيجة لذلك ، استجابت القوات المسلحة السودانية، بناءً على واجبها ومسؤوليتها الوطنية في الحفاظ على الأمن والاستقرار في البلاد بمحاولة إخماد التمرد مستخدمة في ذلك "القوة الضرورية" في محاولة لتقليل الخسائر وسط المدنيين. وقد استهدف المتمردون طوال الأيام الماضية المؤسسات الخدمية كمحطات المياه والكهرباء ونهب البنوك والمصارف والمحلات التجارية لرفع كُلفة الحرب وإثارة السخط الشعبي للمواطنين لإجبار القوات المسلحة على الجلوس لطاولة المفاوضات في محاولة لتخليص قادتها وإيجاد ملاذات آمنة للخروج من البلاد.
ظلت مليشيا الدعم السريع خلال الأسبوعين الماضيين تدعو المجتمع الدولي للضغط على الحكومة السودانية للقبول بوقف مؤقت لإطلاق النار، كذريعة لتحريك قواتها وكسب الوقت انتظاراً لأرتال القوات القادمة من تشاد والنيجر وأفريقيا الوسطى.
تواصلت مساعي المليشيا لرفع فاتورة الحرب باستهدافها للبعثات الدبلوماسية، فقامت بالاعتداء على سفارات الولايات المتحدة، فرنسا، سلطنة عمان، أندونيسيا، السفارة الهندية، بعثة الاتحاد الأوروبي بالإضافة لعدد آخر من البعثات الدبلوماسية وقتلت عاملين في المنظمات الدولية وكان القاسم المشترك في كل تلك التعدّيات هو محاولة نهب السيارات للهروب بها من الخرطوم. كما قامت المليشيا بإخلاء العديد من المستشفيات والمرافق الصحية في ولاية الخرطوم من المرضى لاستخدامها كثكنات عسكرية وتم اختطاف الأطباء والكوادر الطبية بغرض معالجة مصابي الدعم السريع. كذلك تم طرد المواطنين في عدد من الأحياء بالعاصمة من منازلهم ما دفع هؤلاء إلى النزوح إلى خارج ولاية الخرطوم.
كذلك قامت القوات المتمردة بمهاجمة "سجن الهدى" وسجن "سوبا" وإطلاق سراح الآلاف من المسجونين داخله وجُلّهم من القتلة والمجرمين وتجار المخدرات بغرض نشر الفوضى في البلاد، كما قامت قوة أخرى بمهاجمة سجن "كوبر" وإطلاق سراح السجناء السياسيين من الإسلاميين لتثبيت التهمة التي كانت قد أطلقتها القوة المتمردة وادعوا أن قادة الجيش هم من أطلقوا سراحهم. ولكن كل ذلك لم ينطلي على الشعب السوداني الذي يتمتع بوعي سياسي كبير أفشل كل المخططات التي كان يرمي لها المتآمرون، فالتفت جموع السودانيين خلف قواتهم المسلحة إلا من فئة قليلة من ناشطي قوى الحرية والتغيير الذين كان يأملون في الاستفراد بالحكم عقب وصول حميدتي للسلطة.
بقي أن نؤكد أن الحكومة السودانية كانت قد أعربت عبر وزارة الخارجية عن تقديرها للجهود المخلصة التي تبذلها الدول العربية والأفريقية إضافة لجهود المجتمعين الإقليمي والدولي لتهدئة الوضع لتوفير ملاذات آمنة لخروج الأجانب وأعضاء البعثات الدبلوماسية من البلاد، كما طلبت عدم التدخل في الأزمة الحالية باعتبار أن ما يجري شأن سوداني داخلي مؤكدةً قدرة القوات المسلحة على حسم التمرد.
كان من نتائج هذا التمرد أن أعلن القائد العام للقوات المسلحة، أن قوات الدعم السريع قوات متمردة وخارجة على سلطة الدولة، كما أعلن العفو عن كافة القوات المتمردة التي تضع السلاح طوعاً ووعد بالنظر في إمكانية دمج هؤلاء في الجيش السوداني.
نشير أخيراً أن قوات الشعب المسلحة بصدد عمليات التمشيط العسكري النهائي لحسم ما تبقى من جيوب للمتمردين المنتشرين في بعض الأحياء السكنية بالعاصمة، وسيتم إعلان نهاية المؤامرة في الفترة القليلة القادمة، وما النصر إلا صبر ساعة، وما النصر إلا من عند الله.