تستمر المعادلة المفقودة في الانسجام بين المقدرة الشرائية للمواطن التونسي المهترئة بسبب الارتفاع الكبير للأسعار من جهة والسلوك الاستهلاكي السليم في ظل أرقام مفزعة للهدر الغدائي في بلادنا من جهة أخرى.
فهل تنجح بعض برامج التحسيس والتوعية في تغيير هذه السلوكيات المترسخة للهدر الغذائي في العائلات التونسية؟
يطرح هذا التساؤل تزامنا مع إطلاق منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو" مشروع يستهدف تحديدا ظاهرة الهدر الغذائي في مدينتي تونس وحلق الوادي. وقبل التعرف على ملامح هذا المشروع وأهدافه وسبل تنفيذه تجدر الإشارة إلى أن ظاهرة تبذير وهدر الغذاء تسيطر بشكل كبير على سلوك التونسي وفق ما كشفته الدراسات والأرقام.
والغريب في الأمر أن هذا السلوك تواصل ويستمر حتى في ظل الضغوط المسلطة على المقدرة الشرائية للتونسيين مع تتالي الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والشطط الكبير في الأسعار في جميع المواد الاستهلاكية في السنوات الأخيرة ونسب التضخم التي فاقت كل الخطوط الحمراء.
مفارقة
آخر هذه المؤشرات التي كشف عنها أمس المعهد الوطني للإحصاء تبين أن مؤشر أسعار الاستهلاك شهد ارتفاعا بنسبة 2ر1 % خلال شهر أفريل 2023 مقارنة بشهر مارس بعد الارتفاع بنسبة 7ر0 % خلال شهر فيفري 2023.
ومن أسباب هذا التطور نجد الارتفاع في أسعار مجموعة التغذية والمشروبات بنسبة 5ر1 % ويعود ذلك بالأساس الى ارتفاع أسعار الخضر الطازجة والأسماك والغلال الطازجة وأسعار لحم الضأن .
وبعيدا عن لغة الأرقام يلاحظ أن أغلب الفئات الاجتماعية تتذمر باستمرار من عدم قدرتها على تأمين حاجياتها الأساسية حتى من الغذاء في ظل مستوى الرواتب ودخل العائلات الضعيف مقارنة بالأسعار وتكلفة العيش اليوم.
لكن في المقابل ومن المفارقات أن المتأمل في الإحصائيات والدراسات يجد أن التونسي مبذر وغير واع ولا يحسن التصرف في طعامه.
وقد أظهر آخر تقرير يتعلق بإهدار الطعام في العالم نشره برنامج الأمم المتحدة البيئي، الخاص بعام 2021، أن" نصيب الفرد في تونس يقدر ب 91 كيلوغراماً من الطعام المهدر سنوياً".
كما تشير معطيات المعهد الوطني للاستهلاك، أن "مادة الخبز تتصدر قائمة المواد الغذائية المبذرة في البلاد، حيث يتم إلقاء 113 ألف طن منها سنوياً، بمعدل 42 كيلوغراماً لكل أسرة والأسر التونسية تخسر ما قيمته 321 دولار سنوياً من تبذير الخبز"
تشير الأرقام والإحصائيات أيضا أن التبذير "يكلف التونسيين 5 بالمائة من ميزانية الإنفاق الغذائي كما تقدر قيمة الأغذية المهدورة من الأسر سنويا بنحو 576 مليون دينار (184.74 مليون دولار) " وفق المعهد الوطني للاستهلاك.
وتتنامى ظاهرة تبذير الطعام في سلوك التونسيين، خاصة خلال شهر رمضان، " بإتلاف 66 بالمائة من المأكولات حيث يحل الخبز على رأس قائمة المواد التي تلقى في القمامة، بنسبة 46 بالمائة. ثم الغلال في المرتبة الثانية بـ30 بالمائة، والحلويات بـ20 بالمائة، واللحوم بـ19 بالمائة، والحليب ومشتقاته بـ18 بالمائة، والخضر بـ14 بالمائة، والمشروبات بـ13.4 بالمائة، والبيض بـ5.5 بالمائة.."
التحسيس والتوعية
لا يمكن التأمل في هذه المعطيات دون التأكيد على ان مسألة الحد من هذا النزيف من التبذير تعد أولية اليوم يجب انخراط الجميع فيها لا للحد فقط من هدر الطعام وإنما للتفكير بجدية في الحد من تبذير الماء والإفراط في استهلاك الكهرباء والقطع مع سلوك الاستهتار في ظل الظروف الصعبة التي تشهدها البلاد جراء أزمة شح ونقص المياه وتراجع إنتاج الخضر والغلال وتنامي الحاجة أكثر إلى التصدير لتأمين احتياجاتنا الاستهلاكية من قمح وشعير وأعلاف وغيرها .
ولعل مثل هذه البرامج التحسيسية على غرار مشروع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو" تعد بوادر يجب تعزيزها وتعميها . ويهف مشروع فاو الذي يحمل عنوان "الحد من الهدر الغذائي في الوسط الحضري من أجل أنظمة غذائية حضرية أكثر استدامة" غلى إرساء إطار استراتيجي وحوكمة للتقليص في كميات الغذاء المهدر في مدينة تونس وحلق الوادي والتصرف فيها.
وأكدت المنظمة الأممية "فاو"، في بلاغ لها، أن هذا المشروع الذي سيمتد حتّى جانفي 2025، بكلفة 350 ألف دولار، يهدف الى تعزيز الأمن الغذائي في الوسط الحضري والاستدامة البيئية والاجتماعية من خلال عمليات التحسيس والحوكمة وتنفيذ إجراءات نموذجية للحد من الخسائر والهدر وفق مقاربة تنسيق متعددة القطاعات والمستويات بين بلديتي تونس وحلق الوادي.
ويشمل المشروع توزيع المعلومات المجمعة بخصوص النقاط الحرجة وأسباب خسائر وهدر الغذاء لتحديد الإجراءات المستدامة للتوقي والحد من ذلك.
يذكر أن بلدية حلق الوادي قد انضمت، أول أمس ، الى هذا المشروع في حين انطلقت بلدية تونس منذ سنة 2019 في تعاونها مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة لتحويل الأنظمة الغذائية في الوسط الحضري.
وتسعي بلدية تونس على مضاعفة الحملات التحسيسية في رياض الأطفال والمدارس الابتدائية باعتبار أن هذه الأجيال الناشئة هي القادرة على إحداث تغيير فعلي للوضع الراهن.
م.ي
تونس-الصباح
تستمر المعادلة المفقودة في الانسجام بين المقدرة الشرائية للمواطن التونسي المهترئة بسبب الارتفاع الكبير للأسعار من جهة والسلوك الاستهلاكي السليم في ظل أرقام مفزعة للهدر الغدائي في بلادنا من جهة أخرى.
فهل تنجح بعض برامج التحسيس والتوعية في تغيير هذه السلوكيات المترسخة للهدر الغذائي في العائلات التونسية؟
يطرح هذا التساؤل تزامنا مع إطلاق منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو" مشروع يستهدف تحديدا ظاهرة الهدر الغذائي في مدينتي تونس وحلق الوادي. وقبل التعرف على ملامح هذا المشروع وأهدافه وسبل تنفيذه تجدر الإشارة إلى أن ظاهرة تبذير وهدر الغذاء تسيطر بشكل كبير على سلوك التونسي وفق ما كشفته الدراسات والأرقام.
والغريب في الأمر أن هذا السلوك تواصل ويستمر حتى في ظل الضغوط المسلطة على المقدرة الشرائية للتونسيين مع تتالي الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والشطط الكبير في الأسعار في جميع المواد الاستهلاكية في السنوات الأخيرة ونسب التضخم التي فاقت كل الخطوط الحمراء.
مفارقة
آخر هذه المؤشرات التي كشف عنها أمس المعهد الوطني للإحصاء تبين أن مؤشر أسعار الاستهلاك شهد ارتفاعا بنسبة 2ر1 % خلال شهر أفريل 2023 مقارنة بشهر مارس بعد الارتفاع بنسبة 7ر0 % خلال شهر فيفري 2023.
ومن أسباب هذا التطور نجد الارتفاع في أسعار مجموعة التغذية والمشروبات بنسبة 5ر1 % ويعود ذلك بالأساس الى ارتفاع أسعار الخضر الطازجة والأسماك والغلال الطازجة وأسعار لحم الضأن .
وبعيدا عن لغة الأرقام يلاحظ أن أغلب الفئات الاجتماعية تتذمر باستمرار من عدم قدرتها على تأمين حاجياتها الأساسية حتى من الغذاء في ظل مستوى الرواتب ودخل العائلات الضعيف مقارنة بالأسعار وتكلفة العيش اليوم.
لكن في المقابل ومن المفارقات أن المتأمل في الإحصائيات والدراسات يجد أن التونسي مبذر وغير واع ولا يحسن التصرف في طعامه.
وقد أظهر آخر تقرير يتعلق بإهدار الطعام في العالم نشره برنامج الأمم المتحدة البيئي، الخاص بعام 2021، أن" نصيب الفرد في تونس يقدر ب 91 كيلوغراماً من الطعام المهدر سنوياً".
كما تشير معطيات المعهد الوطني للاستهلاك، أن "مادة الخبز تتصدر قائمة المواد الغذائية المبذرة في البلاد، حيث يتم إلقاء 113 ألف طن منها سنوياً، بمعدل 42 كيلوغراماً لكل أسرة والأسر التونسية تخسر ما قيمته 321 دولار سنوياً من تبذير الخبز"
تشير الأرقام والإحصائيات أيضا أن التبذير "يكلف التونسيين 5 بالمائة من ميزانية الإنفاق الغذائي كما تقدر قيمة الأغذية المهدورة من الأسر سنويا بنحو 576 مليون دينار (184.74 مليون دولار) " وفق المعهد الوطني للاستهلاك.
وتتنامى ظاهرة تبذير الطعام في سلوك التونسيين، خاصة خلال شهر رمضان، " بإتلاف 66 بالمائة من المأكولات حيث يحل الخبز على رأس قائمة المواد التي تلقى في القمامة، بنسبة 46 بالمائة. ثم الغلال في المرتبة الثانية بـ30 بالمائة، والحلويات بـ20 بالمائة، واللحوم بـ19 بالمائة، والحليب ومشتقاته بـ18 بالمائة، والخضر بـ14 بالمائة، والمشروبات بـ13.4 بالمائة، والبيض بـ5.5 بالمائة.."
التحسيس والتوعية
لا يمكن التأمل في هذه المعطيات دون التأكيد على ان مسألة الحد من هذا النزيف من التبذير تعد أولية اليوم يجب انخراط الجميع فيها لا للحد فقط من هدر الطعام وإنما للتفكير بجدية في الحد من تبذير الماء والإفراط في استهلاك الكهرباء والقطع مع سلوك الاستهتار في ظل الظروف الصعبة التي تشهدها البلاد جراء أزمة شح ونقص المياه وتراجع إنتاج الخضر والغلال وتنامي الحاجة أكثر إلى التصدير لتأمين احتياجاتنا الاستهلاكية من قمح وشعير وأعلاف وغيرها .
ولعل مثل هذه البرامج التحسيسية على غرار مشروع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو" تعد بوادر يجب تعزيزها وتعميها . ويهف مشروع فاو الذي يحمل عنوان "الحد من الهدر الغذائي في الوسط الحضري من أجل أنظمة غذائية حضرية أكثر استدامة" غلى إرساء إطار استراتيجي وحوكمة للتقليص في كميات الغذاء المهدر في مدينة تونس وحلق الوادي والتصرف فيها.
وأكدت المنظمة الأممية "فاو"، في بلاغ لها، أن هذا المشروع الذي سيمتد حتّى جانفي 2025، بكلفة 350 ألف دولار، يهدف الى تعزيز الأمن الغذائي في الوسط الحضري والاستدامة البيئية والاجتماعية من خلال عمليات التحسيس والحوكمة وتنفيذ إجراءات نموذجية للحد من الخسائر والهدر وفق مقاربة تنسيق متعددة القطاعات والمستويات بين بلديتي تونس وحلق الوادي.
ويشمل المشروع توزيع المعلومات المجمعة بخصوص النقاط الحرجة وأسباب خسائر وهدر الغذاء لتحديد الإجراءات المستدامة للتوقي والحد من ذلك.
يذكر أن بلدية حلق الوادي قد انضمت، أول أمس ، الى هذا المشروع في حين انطلقت بلدية تونس منذ سنة 2019 في تعاونها مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة لتحويل الأنظمة الغذائية في الوسط الحضري.
وتسعي بلدية تونس على مضاعفة الحملات التحسيسية في رياض الأطفال والمدارس الابتدائية باعتبار أن هذه الأجيال الناشئة هي القادرة على إحداث تغيير فعلي للوضع الراهن.