التعامل مع هذه الملفات الحارقة على مستوى القرارات والإجراءات يظل بعيدا عن اعتبارها أمنا غذائيا وقوميا.
تونس-الصباح
يطرح شح المياه الذي تشهده تونس حاليا تحديات جمة وخطيرة على مستقبل القطاع الفلاحي والأمن الغذائي للتونسيين. وما لم تستنفر جميع أجهزة الدولة لمواجهة هذه المعضلة وإعطائها الأولية والاهتمام اللازم ستكون النتائج كارثية أكثر فأكثر في المستقبل القريب. ويطالب الخبراء وأهل القطاع بضرورة الإسراع في تدارك التأخير المسجل في الوعي بحجم الأخطار المحدقة التي لطالما حذرت منها الدراسات والمختصين منذ سنوات والعمل فورا على اتخاذ إجراءات عاجلة وناجعة لوقف نزيف التداعيات على فلاحتنا الناجم عن شح الموارد المائية إلى جانب مواصل العمل بجدية على جملة من الملفات المهمة ذات العلاقة بالأمن الغذائي والأمن القومي وفي مقدمتها مسالة البذور الأصلية وتغيير جذري في سياساتنا الفلاحية.
منذ فترة طويلة بدأ الحديث عن التحديات أمام قطاع الزراعة في تونس بسبب التغيرات المناخية المتزايدة في العالم وفي البحر المتوسط بشكل أدق مع ارتفاع درجات الحرارة وشح المياه وكانت التحذيرات جدية والتحديات مضاعفة على بلد يعلم القائمون على رسم سياساته وكل الحكومات المتعاقبة أنه بلد يستورد نحو 70 في المائة من حاجاتها سنوياً من الحبوب، أي ما يزيد على 30 مليون قنطار، ولا ينتج إلا نحو 10 ملايين قنطار فقط ومع ذلك لم يتغير شيء على أرض الواقع وظل الوضع على ما هو عليه ربما في انتظار حلول "الأسوأ".
تحذيرات وتداعيات
وحذر المختصون والدراسات الدولية والمحلية مما نعيش على وقعه اليوم ففي تصريح له مؤخرا اعتبر المهندس البيئي والخبير في الشأن المناخي حمدي حشاد أن "تونس كغيرها من بقية دول العالم تعيش على وقع تغيرات مناخية وانحباس الأمطار ويوجد دراسة خلصت لكون احتمال حدوث الجفاف جراء التغيرات المناخية في بعض البلدان ومن بينها تونس تضاعفت في حدود 20 مرة".
هذه التوقعات تحدثت أيضا عن الآثار الجانبية المحتملة وهنا يقول حشاد أن "..احتباس الأمطار في تونس ستكون له تأثيرات سلبية نظرا لكونها دولة تعيش تحت الفقر المائي وتعتمد على الفلاحة والموارد المائية وبالتالي ستكون له تداعيات اقتصادية".
وزيادة على ما تطرحه أزمة المياه حاليا من تداعيات على مياه الشرب في ظل اضطراب التزويد واعتماد نظام المحاصصة بسبب النقص المسجل في إيرادات السدود بحوالي مليار متر مكعب، فإن الأخطر يطرح اليوم على مستوى ديمومة فلاحتنا وقدرتها على مواجهة شح المياه الذي يهدد عديد الزراعات وبالتالي تهديد قوت التونسيين مع ما يطرحه أيضا من زيادة في الأسعار بدأت تسجل على مستوى عديد المنتوجات منها الغلال لان شح المياه ونقص الإنتاج سيؤدي حتما إلى ارتفاع الأسعار.
في التصريح ذاته يقول الخبير في الشأن المناخي حشاد إن "القطاع الفلاحي سيشهد فترة صعبة وسيكون له تأثير على النشاط الاقتصادي الفلاحي وقد تتقلص المساحات السقوية وسيتم تسجيل نقص في عدد من المنتوجات الفلاحية مثل القوارص وبعض أنواع الخضر أو الغلال المستهلكة للمياه".
ويعتبر حشاد أن الجفاف الزراعي الذي تعيشه تونس يتطلب "بصفة استعجالية مراجعة اعتماد بعض الزراعات المستهلكة للمياه الموجهة للتصدير وتعويضها بأخرى أقل استهلاكا للمياه وعائداتها الاقتصادية أفضل" مضيفا "أنّ التغيرات المناخية لن تكون فترة عابرة بل ستكون طويلة في الزمن وستغير الخارطة الزراعية في تونس ويجب التعايش معها ".
ما يطالب به المختصون والخبراء وأهل القطاع من تغيير للسياسات المتبعة للتأقلم مع تحديات التغيرات المناخية وشح المياه يحتاج دون شك إلى إرادة سياسية قوية وواضحة وتتطلب أيضا توفر الإطار المناسب أين تكون الدولة ماسكة فعلا بزمام القرار والمبادرة . لكن هل هذا هو الحال اليوم؟
ارتهان القرار الفلاحي
الإجابة عن هذا التساؤل المحوري يمكن الوصول إليها من خلال مسألة تبدو فرعية في علاقة بموضوع الحال لكنها تعبر خير تعبير عن أصل الداء المتمثل في عدم خضوع المنظومة الحالية للإنتاج الفلاحي في تونس لسياسات واضحة للدولة وارتهانها لإرادات أخرى .
المقصود هنا قطاع البذور وتحديدا سياسات تشجيع البدور التونسية الأصلية مقابل تلك المستوردة التي تؤثر سلبا على منظومة الإنتاج وتكبدها خسائر كبيرة أولا بسبب أثمانها الباهظة وثانيا بسبب ما تخلفه من أمراض وما تحتاجه من أدوية وتكلفة عناية تعمق التبعية للشركات المصدرة.
ومنذ فترة طفا على السطح موضوع البذور المستوردة واستنفر الفلاحين وهياكلهم والعديد من المختصين في المجال للتشجيع على دعم البذور التونسية الأصيلة ومواجهة مخططات اندثارها رغم ما تؤكده الدراسات والتجارب من أنها الأكثر تلاؤما مع مناخنا ونوعية تربتنا، فضلا عن عدم حاجتها إلى الأدوية والعقاقير ومردوديتها الجيدة.
يؤكد العارفون بالقطاع الفلاحي أن قطاع البذور تتحكم فيه شركات كبرى، تسعى للرفع من أرباحها على حساب المصلحة الوطنية والأمن الغذائي وعادة ما تقف جهات نافذة وراء هذه الشركات .
وفي تصريح إعلامي أكد عضو الهيئة المديرة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منير حسين، أن "منظومة الإنتاج التونسية على مستوى البذور الفلاحية مرتبطة بنسبة 95 في المائة ببذور موردة من الخارج عن طريق شركات خاصة، في حين أن البذور التونسية لا توفر إلا 5 في المائة من الإنتاج، وهو ما يجعل منظومة الإنتاج في قطاع الزراعات الكبرى تخضع كلياً لتبعية الشركات العالمية".
ومن هنا تتأكد الحاجة إلى أهمية التوجه نحو مزيد التعويل على البذور التونسية الأصلية للحفاظ على الأمن الغذائي حيث تعالت عديد الدعوات للمطالبة منذ فترة ببعث مخزون استراتيجي من البذور المحلية، ومساعدة الشركات الوطنية للبذور واعتبار ذلك ضمن دائرة الأمن القومي للبلاد.
مبادرات وصعوبات
رغم أهمية موضوع البذور التونسية الأصيلة وتأكد الحاجة إليه مع تنامي ضغوط التغيرات المناخية والتطورات الجيو إستراتيجية لم يحز على الاهتمام اللازم ولم تصدر قرارات فارقة بحجم إدراج المسألة على جدول الأمن العذائي والأمن القومي.
وحتى بعض الجهود والمبادرات على غرار ما يقوم به المعهد الوطني للبحوث الزراعية على مستوى تطوير بذور الحبوب من خلال ملاءمتها للتغيرات المناخية ونوعية التربة وكذلك مسالة استرجاع البذور التونسية التي يشرف عليها البنك الوطني للجينات تظل دون المأمول وهي تواجه صعوبات على مستوى توفر الدعم والإمكانيات.
يقدر المختصون حجم البذور المحلية التونسية الموجود حول العالم بأكثر من 11 ألف. ويعمل بنك الجينات منذ سنوات على تحديد أماكن تواجدها والعمل على استرجاعها بأطر قانونية وضمن ما تسمه به الاتفاقيات الدولية لهذا الخصوص.
وقد أعلن البنك الوطني للجينات، منذ سنتين عن تمكنه من استرجاع" 49 عينة من بذور الحمص ومن بذور الدرع المحلي، في إطار مواصلة جهوده لاسترجاع البذور التونسية الأصيلة من بنوك الجينات الأجنبية".
وأكد البنك في بلاغ بالمناسبة أنه استرجع " 7754 عينة من البذور المحلية منذ انطلاقه في العمل إلى حد الآن".
قبل ذلك تحدث أيضا البنك الوطني للجينات، "عن استعاد 1705 من بذور الأعلاف المحلية من أستراليا، كما استرجع في فترة سابقة أكثر من ستة آلاف من بذور القمح المحلية من الولايات المتحدة الأميركية".
من جهته كان مدير عام البنك الوطني للجينات ناصر بن مبارك قد صرح أنه رغم التمكن خلال السنوات القليلة السابقة من استرجاع آلاف الأصناف من البذور المنهوبة والموجودة ببنوك جينات أجنبية إلا أن الدعم الحكومي مازال ضعيفا في هذا المجال كما لم يصدر بعد قانون يحول دون سرقتها وفق تصريحه.
تواجه أيضا الشركة التعاونية المركزية للبذور والمشاتل، عدة عراقيل وصعوبات تحول دون الانكباب على ملف البذور بشكل ناجع وهي تواجه مشكلات حوكمة وسوء تصرف. وكانت الشركة قد دعت بداية السنة في بلاغ لها الدولة "لإنقاذ الشركة والمحافظة على البذور الأصلية لضمان الأمن الغذائي.." وعبرت الشركة في بلاغها"عن استغرابها مما اعتبرته تخلي الدولة عن الشركة وعدم البحث عن حل مستعجل لإنقاذها بالرغم من المراسلات العديدة إلى كل من رئاستي الجمهورية والحكومة ووزارة الفلاحة خاصة وأن الشركة لا تخضع لمجلة الشركات التجارية حسب قرار رئاسة الحكومة باعتبارها مؤسسة تابعة للدولة" .
كما أكد حينها عبد الرزاق حواص الناطق الرسمي باسم الجمعية الوطنية للمؤسّسات الصغرى والمتوسطة، أن الشركة التعاونية المركزية للبذور والمشاتل الممتازة، تمر بظروف صعبة جدا ومهددة بالاندثار.
وأضاف حواص، في تصريح إذاعي أنه" رغم تواتر عديد المديرين على الشركة إلا أنه لم تكن هناك سياسة بنّاءة للحفاظ على البذور ولا سياسة إنتاجية، بل يتم استيراد البذور الهجينة، وذلك هو برنامج صندوق النقد الدولي".
التفاعل الرسمي
تطرق رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى موضوع البذور بشكل خاص وموضوع الفلاحة وأزمة المياه في أكثر من مناسبة واجتماع آخرها في فيفري الفارط عندما استقبل عبد المنعم بلعاتي، وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري.
وأكّد رئيس الجمهورية على أن الفلاحة، على غرار عدد من القطاعات الأخرى، هي "قطاع يتصل بسيادة الدولة والأمن الغذائي هو جزء من الأمن القومي، ويجب إيلاء هذا القطاع المكانة التي تستحق كما يجب إحاطة الفلاحين ومن يعملون في الصيد البحري بالعناية اللازمة".
كما تم التطرق مطوّلا لمشكلة المياه وخاصة في المناطق التي تشكو من ندرتها، وملف الحفاظ على البذور التونسية وضرورة توفير العلف إلى جانب المحافظة على الغابات ومزيد توسيع مساحاتها والإحاطة بأعوانها.
وشدّد رئيس الجمهورية على ضرورة مقاومة الفساد والمفسدين الذين عاثوا في البرّ والبحر فسادا منذ عقود.
ولدى استقباله سابقا عدد من أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، أكد حينها رئيس الجمهورية على أنه "لا بد من تحقيق الاكتفاء الذاتي والرجوع إلى البذور التونسية حتى لا تبقى بلادنا رهينة من يبيع البذور التي لا تثمر إلا لموسم واحد،" وفق تصريحه. وفي اجتماع سابق أيضا لمجلس الوزراء بإشراف رئيس الجمهورية، تحدث أيضا عن مسألة البذور وقال الرئيس حينها أنه يعتبرها "مقوما من مقومات سيادة الدولة وأشار إلى أنه سيتم تحميل المسؤوليات لكلّ من تسبّب في ما آلت إليه الأوضاع في هذا القطاع".
لكن على أرض الواقع ووفق شهادة المختصين وأهل القطاع لم يرق التفاعل الرسمي إلى مستوى التحديات والمخاطر المطروحة وأهمية موضوع البذور وتغيير السياسات الفلاحية للتأقلم مع تحديات شح المياه. كما يظل التعامل مع هذه الملفات الحارقة على مستوى القرارات والإجراءات بعيدا عن اعتبارها أمنا غذائيا وقوميا كما في التصريحات.
فوزي الزياني الخبير في السياسيات الفلاحية لـ"الصباح": الهجرة المناخية خطر حقيقي بسبب شح المياه
أشار الخبير في السياسات الفلاحية والتنمية المستدامة، فوزي الزياني، في حديثه مع "الصباح" إلى أن تونس ومنذ الرومان عرفت بالمناخ الجاف وشبه الجاف مما فرض ومنذ القدم العناية بموضوع تخزين المياه ووضع استراتيجيات لذلك، تثبتها الآثار والحفريات على غرار الحنايا وغيرها ثم مع الدولة الوطنية تم التركيز أيضا على تخزين المياه عبر السدود والبحيرات..لكن بعد الثورة تم التغافل تماما على كل هذه الجوانب ولم ينجز شيء على امتداد سنوات رغم أن مفهوم الثورة كان يعني بالضرورة تغيير منوال معين وسياسات جديدة، وهذا ما لم يحدث للأسف.
ويضيف الزياني أن مشكلة الماء وتهديدها للإنتاج الفلاحي كانت معروفة منذ سنوات وفي ظل وضع جيو سياسي عالمي متأزم وتغيرات مناخية حادة تسارعت وتيرة الضغوطات والتداعيات مما كان يتطلب التحرك والاستعداد لكن في المقابل ماذا فعلنا في تونس؟ لم نفعل شيئا وعلى امتداد 15 سنة لم ننجز أي سد ولا بحيرة جبلية.. ورغم أنه ضمن ميزانية وزارة الفلاحة يتم رصد قسط موجه للماء لكن السؤال المطروح على امتداد الـ12 سنة الأخيرة كيف وأين صرفت هذه الأموال وهل وجهت بشكل ناجع؟؟
تساءل محدثنا أيضا عن انجازات المسؤولين المتعاقبين على امتداد الحكومات السابقة على مستوى السياسات الفلاحية مقرا بأنه لم يخرج أحد منهم لا على مستوى رأس الحكومة ولا المشرفين على وزارة الفلاحة ليقول بكل وضوح هذه سياستي الفلاحية التي سأعمل على تنفيذها.
وإجابة عن تساؤل "الصباح" بشأن المخاطر التي تتهددنا اليوم في ظل تغافل الدولة عن التدخل في الوقت المناسب لتجنب الأسوأ، يقول الزياني إن التهديد يمس الجميع تقريبا وأول هذه المخاطر هي تنامي الهجرة المناخية وفقدان الفلاحين لمواطن رزقهم إضافة إلى شح ونقص العديد من المنتوجات والانعكاس سلبا على الأسعار التي بدأت تشهد شططا في عديد المنتوجات وفي مقدمتها الغلال (على سبيل المثال سعر المشماش بـ10 د للكلغ) وبالتالي التأثير على المقدرة الشرائية للمواطن هذا بالإضافة إلى التداعيات على الموسم السياحي المرتبط آليا بالإنتاج الفلاحي والماء.
وأشار محدثنا، أنّه كان يفترض أن تكون هناك إجراءات استباقية لكن للأسف ظل تحرك المسؤولين والحكومات على مستوى التصريح والندوات والاجتماعات التي يصرف عليها أموال دون أن تكون ذات جدوى ودون ان تتلوها إجراءات عملية وقرارات واضحة وجريئة على أرض الواقع . وشدد الزياني بأننا بحاجة فعلية إلى الإنجاز والتحرّك خاصة مع وجود الكثير من الملفات التي يجب معالجتها كأزمة الأعلاف والقطعان المهددة بالجوع ومنظومة اللحوم الحمراء والبيضاء التي باتت بدورها مهددة مع ضرورة وضع حد لنزيف إهدار الإمكانيات كتبذير المياه المستعملة المعالجة باعتبار أننا نستغل 5% منها فقط في حين أننا نستطيع توفير 25% من حاجياتنا العلفية من خلالها، إلى جانب غياب الصيانة اللازمة لوضع حد لمعضلة المياه الضائعة والمقدرة نسبتها بحوالي 32 بالمائة وهذا الأمر لم يعد مقبولا في بلد يواجه شح كبير في موارده المائية .
ويشير الزياني هنا إلى وجود إجراءات بسيطة ممكنة في مجال الصيانة وترشيد الاستهلاك وحسن التصرف لكن الحكومات لا تهتم ولا تتحرك.
وردا على سؤالنا حول سياسة الحكومة ووزارة الفلاحة الحالية قال الزياني إن الحكومة الحالية تدير فقط الأزمة بأقل التكاليف والمقاربات.
وأكّد الزياني أنّ الحلول موجودة، من بينها إنشاء السدود الصغيرة واستخدام محطات التحلية المتنقلة وإرساء لجنة يقظة أو خلية أزمة تضم مجموعة من الكفاءات العلمية والمجتمع المدني والإعلام وسلط الإشراف لرسم السياسات الكبرى قصيرة المدى ومتوسطة المدى وطويلة المدى. مقرا بأن اجتماع وزاري أخير اقر تشكيل خلية أزمة لكن دون أي إيضاحات بشأن دورها وتركيبتها والخوف أن تكون مثل بقية اللجان والهيئات التي تحدث دون جدوى تذكر.
وحول موضوع الأمن الغذائي والحبوب والبذور التونسية الأصلية يقول محدثنا إنّ تونس لا تولي قطاع الحبوب الأهميّة الكافية منذ 15 سنة علما وإننا نستورد سنويا 65% من احتياجاتنا وهذا الرقم مرجح لأن يصل إلى أكثر من 90% في ظل أزمة المياه وفي ظل غياب إستراتيجية عمل واضحة وغياب برنامج وطني.
وتساءل الزياني ماذا تنتظر الحكومة للإحاطة بالفلاحين ممن بلغت خسارتهم هذا الموسم 100 بالمائة داعيا إلى ضرورة تأطير الفلاحة ودعمهم لضمان مواصلتهم لعملهم ولتعويض الخسائر التي لحقت بهم مؤكدا أنّ التجهيز للموسم الزراعي الجديد يفترض أن يبدأ من الآن خلال شهري أفريل وماي عن طريق توفير البذور والأسمدة وسن حالة طوارئ فلاحية ومائية لضمان جزء من الأمن الغذائي والتقليص من التوريد لضمان السيادة والحد من التبعية للخارج وتوفير العملة الصعبة.
وشدد الزياني أيضا على أهمية موضوع الرجوع إلى البذور المحلية التي تتأقلم مع المناخ الجاف معتبرا أن نقص الإمكانيات المرصودة للجهات المعنية بهذا الموضوع يحول دون تحقيق النتائج المرجوة.
كما أقر الزياني بوجود تأثير فاعل للوبيات التوريد من أجل تهميش دور الشركات الوطنية وإضعافها.
ودعا محدثنا غلى دعم البنك الوطني للجينات وإلحاقه برئاسة الحكومة عوضا عن وزارة البيئة حاليا.
ميداني الضاوي رئيس نقابة الفلاحين لـ"الصباح": نحن في عنق الزجاجة ونحتاج حلولا عاجلة
قال ميداين الضاوي رئيس النقابة التونسية للفلاحين في حديثه مع "الصباح" حول موضوع تأثير شح المياه على القطاع الفلاحي أن التشخيص والتهديد واضح ومتفق عليه ويعلمه الجميع واصفا الوضع الراهن بأننا في عنق الزجاجة ونحتاج إلى الحلول العاجلة.
ويعتبر محدثنا أن الوضع يحتم تشكيل خلايا أزمة في كل القطاعات ذات العلاقة.
واستغرب رئيس نقابة الفلاحيين من تواصل صمت الدولة إلى حد الآن وعدم اتخاذها اي إجراءات رغم أن موسم الحصاد على الأبواب وكل التقديرات تؤكد أن الصابة لن تتجاوز 3 ملايين قنطار على أقصى تقدير.
وطالب محدثنا بتشكيل لجنة تتحد إجراءات عاجلة لطمأنة الفلاحين ومرافقتهم من أجل الموسم الزراعي القادم والاعتراف بالظروف الاستثنائية التي يمر بها الفلاح وإقرار زيادة في السعر في شكل منحة مع تفعيل صندوق الجوائح الطبيعية الذي لا يعد منة من أحد بل هو هيكل يساهم فيه الفلاح زمن الوفرة وهو يحتاجه اليوم زمن القحط.
ويشير الميداني إلى ان إنهاك دائرة الإنتاج والقضاء عليها ستكون عواقبه وخيمة فالموضوع يتعلق بالأمن الغذائي والأمن القومي.
وإجابة عن تساؤل "الصباح" بشأن مدى تفاعل الجهات الرسمية مع مطالبهم والأزمة الراهنة يقول محدثنا "نحن نطالب وهم فقط ينصتون".
وتساءل الميداني هل أن أزمة شح المياه دخلية ومفاجئة؟ مضيفا أن جميع الخبراء حذروا منها منذ سنوات وهناك تقارير تعود لسنة 2008 صادرة عن الاتحاد الأوربي والبنك العالمي حذرت ودعت لاستغلال الطاقات البديلة لكننا لم نستعد ولم نكترث وواصلنا الرهان على قطاعات أخرى.
ويعتبر محدثنا أن القرار في بلادنا مطوع لخدمة قطاعات أخرى على حساب الفلاحة وحان الوقت بل تأخر كثيرا لتغيير ذلك .
م.ي
التعامل مع هذه الملفات الحارقة على مستوى القرارات والإجراءات يظل بعيدا عن اعتبارها أمنا غذائيا وقوميا.
تونس-الصباح
يطرح شح المياه الذي تشهده تونس حاليا تحديات جمة وخطيرة على مستقبل القطاع الفلاحي والأمن الغذائي للتونسيين. وما لم تستنفر جميع أجهزة الدولة لمواجهة هذه المعضلة وإعطائها الأولية والاهتمام اللازم ستكون النتائج كارثية أكثر فأكثر في المستقبل القريب. ويطالب الخبراء وأهل القطاع بضرورة الإسراع في تدارك التأخير المسجل في الوعي بحجم الأخطار المحدقة التي لطالما حذرت منها الدراسات والمختصين منذ سنوات والعمل فورا على اتخاذ إجراءات عاجلة وناجعة لوقف نزيف التداعيات على فلاحتنا الناجم عن شح الموارد المائية إلى جانب مواصل العمل بجدية على جملة من الملفات المهمة ذات العلاقة بالأمن الغذائي والأمن القومي وفي مقدمتها مسالة البذور الأصلية وتغيير جذري في سياساتنا الفلاحية.
منذ فترة طويلة بدأ الحديث عن التحديات أمام قطاع الزراعة في تونس بسبب التغيرات المناخية المتزايدة في العالم وفي البحر المتوسط بشكل أدق مع ارتفاع درجات الحرارة وشح المياه وكانت التحذيرات جدية والتحديات مضاعفة على بلد يعلم القائمون على رسم سياساته وكل الحكومات المتعاقبة أنه بلد يستورد نحو 70 في المائة من حاجاتها سنوياً من الحبوب، أي ما يزيد على 30 مليون قنطار، ولا ينتج إلا نحو 10 ملايين قنطار فقط ومع ذلك لم يتغير شيء على أرض الواقع وظل الوضع على ما هو عليه ربما في انتظار حلول "الأسوأ".
تحذيرات وتداعيات
وحذر المختصون والدراسات الدولية والمحلية مما نعيش على وقعه اليوم ففي تصريح له مؤخرا اعتبر المهندس البيئي والخبير في الشأن المناخي حمدي حشاد أن "تونس كغيرها من بقية دول العالم تعيش على وقع تغيرات مناخية وانحباس الأمطار ويوجد دراسة خلصت لكون احتمال حدوث الجفاف جراء التغيرات المناخية في بعض البلدان ومن بينها تونس تضاعفت في حدود 20 مرة".
هذه التوقعات تحدثت أيضا عن الآثار الجانبية المحتملة وهنا يقول حشاد أن "..احتباس الأمطار في تونس ستكون له تأثيرات سلبية نظرا لكونها دولة تعيش تحت الفقر المائي وتعتمد على الفلاحة والموارد المائية وبالتالي ستكون له تداعيات اقتصادية".
وزيادة على ما تطرحه أزمة المياه حاليا من تداعيات على مياه الشرب في ظل اضطراب التزويد واعتماد نظام المحاصصة بسبب النقص المسجل في إيرادات السدود بحوالي مليار متر مكعب، فإن الأخطر يطرح اليوم على مستوى ديمومة فلاحتنا وقدرتها على مواجهة شح المياه الذي يهدد عديد الزراعات وبالتالي تهديد قوت التونسيين مع ما يطرحه أيضا من زيادة في الأسعار بدأت تسجل على مستوى عديد المنتوجات منها الغلال لان شح المياه ونقص الإنتاج سيؤدي حتما إلى ارتفاع الأسعار.
في التصريح ذاته يقول الخبير في الشأن المناخي حشاد إن "القطاع الفلاحي سيشهد فترة صعبة وسيكون له تأثير على النشاط الاقتصادي الفلاحي وقد تتقلص المساحات السقوية وسيتم تسجيل نقص في عدد من المنتوجات الفلاحية مثل القوارص وبعض أنواع الخضر أو الغلال المستهلكة للمياه".
ويعتبر حشاد أن الجفاف الزراعي الذي تعيشه تونس يتطلب "بصفة استعجالية مراجعة اعتماد بعض الزراعات المستهلكة للمياه الموجهة للتصدير وتعويضها بأخرى أقل استهلاكا للمياه وعائداتها الاقتصادية أفضل" مضيفا "أنّ التغيرات المناخية لن تكون فترة عابرة بل ستكون طويلة في الزمن وستغير الخارطة الزراعية في تونس ويجب التعايش معها ".
ما يطالب به المختصون والخبراء وأهل القطاع من تغيير للسياسات المتبعة للتأقلم مع تحديات التغيرات المناخية وشح المياه يحتاج دون شك إلى إرادة سياسية قوية وواضحة وتتطلب أيضا توفر الإطار المناسب أين تكون الدولة ماسكة فعلا بزمام القرار والمبادرة . لكن هل هذا هو الحال اليوم؟
ارتهان القرار الفلاحي
الإجابة عن هذا التساؤل المحوري يمكن الوصول إليها من خلال مسألة تبدو فرعية في علاقة بموضوع الحال لكنها تعبر خير تعبير عن أصل الداء المتمثل في عدم خضوع المنظومة الحالية للإنتاج الفلاحي في تونس لسياسات واضحة للدولة وارتهانها لإرادات أخرى .
المقصود هنا قطاع البذور وتحديدا سياسات تشجيع البدور التونسية الأصلية مقابل تلك المستوردة التي تؤثر سلبا على منظومة الإنتاج وتكبدها خسائر كبيرة أولا بسبب أثمانها الباهظة وثانيا بسبب ما تخلفه من أمراض وما تحتاجه من أدوية وتكلفة عناية تعمق التبعية للشركات المصدرة.
ومنذ فترة طفا على السطح موضوع البذور المستوردة واستنفر الفلاحين وهياكلهم والعديد من المختصين في المجال للتشجيع على دعم البذور التونسية الأصيلة ومواجهة مخططات اندثارها رغم ما تؤكده الدراسات والتجارب من أنها الأكثر تلاؤما مع مناخنا ونوعية تربتنا، فضلا عن عدم حاجتها إلى الأدوية والعقاقير ومردوديتها الجيدة.
يؤكد العارفون بالقطاع الفلاحي أن قطاع البذور تتحكم فيه شركات كبرى، تسعى للرفع من أرباحها على حساب المصلحة الوطنية والأمن الغذائي وعادة ما تقف جهات نافذة وراء هذه الشركات .
وفي تصريح إعلامي أكد عضو الهيئة المديرة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منير حسين، أن "منظومة الإنتاج التونسية على مستوى البذور الفلاحية مرتبطة بنسبة 95 في المائة ببذور موردة من الخارج عن طريق شركات خاصة، في حين أن البذور التونسية لا توفر إلا 5 في المائة من الإنتاج، وهو ما يجعل منظومة الإنتاج في قطاع الزراعات الكبرى تخضع كلياً لتبعية الشركات العالمية".
ومن هنا تتأكد الحاجة إلى أهمية التوجه نحو مزيد التعويل على البذور التونسية الأصلية للحفاظ على الأمن الغذائي حيث تعالت عديد الدعوات للمطالبة منذ فترة ببعث مخزون استراتيجي من البذور المحلية، ومساعدة الشركات الوطنية للبذور واعتبار ذلك ضمن دائرة الأمن القومي للبلاد.
مبادرات وصعوبات
رغم أهمية موضوع البذور التونسية الأصيلة وتأكد الحاجة إليه مع تنامي ضغوط التغيرات المناخية والتطورات الجيو إستراتيجية لم يحز على الاهتمام اللازم ولم تصدر قرارات فارقة بحجم إدراج المسألة على جدول الأمن العذائي والأمن القومي.
وحتى بعض الجهود والمبادرات على غرار ما يقوم به المعهد الوطني للبحوث الزراعية على مستوى تطوير بذور الحبوب من خلال ملاءمتها للتغيرات المناخية ونوعية التربة وكذلك مسالة استرجاع البذور التونسية التي يشرف عليها البنك الوطني للجينات تظل دون المأمول وهي تواجه صعوبات على مستوى توفر الدعم والإمكانيات.
يقدر المختصون حجم البذور المحلية التونسية الموجود حول العالم بأكثر من 11 ألف. ويعمل بنك الجينات منذ سنوات على تحديد أماكن تواجدها والعمل على استرجاعها بأطر قانونية وضمن ما تسمه به الاتفاقيات الدولية لهذا الخصوص.
وقد أعلن البنك الوطني للجينات، منذ سنتين عن تمكنه من استرجاع" 49 عينة من بذور الحمص ومن بذور الدرع المحلي، في إطار مواصلة جهوده لاسترجاع البذور التونسية الأصيلة من بنوك الجينات الأجنبية".
وأكد البنك في بلاغ بالمناسبة أنه استرجع " 7754 عينة من البذور المحلية منذ انطلاقه في العمل إلى حد الآن".
قبل ذلك تحدث أيضا البنك الوطني للجينات، "عن استعاد 1705 من بذور الأعلاف المحلية من أستراليا، كما استرجع في فترة سابقة أكثر من ستة آلاف من بذور القمح المحلية من الولايات المتحدة الأميركية".
من جهته كان مدير عام البنك الوطني للجينات ناصر بن مبارك قد صرح أنه رغم التمكن خلال السنوات القليلة السابقة من استرجاع آلاف الأصناف من البذور المنهوبة والموجودة ببنوك جينات أجنبية إلا أن الدعم الحكومي مازال ضعيفا في هذا المجال كما لم يصدر بعد قانون يحول دون سرقتها وفق تصريحه.
تواجه أيضا الشركة التعاونية المركزية للبذور والمشاتل، عدة عراقيل وصعوبات تحول دون الانكباب على ملف البذور بشكل ناجع وهي تواجه مشكلات حوكمة وسوء تصرف. وكانت الشركة قد دعت بداية السنة في بلاغ لها الدولة "لإنقاذ الشركة والمحافظة على البذور الأصلية لضمان الأمن الغذائي.." وعبرت الشركة في بلاغها"عن استغرابها مما اعتبرته تخلي الدولة عن الشركة وعدم البحث عن حل مستعجل لإنقاذها بالرغم من المراسلات العديدة إلى كل من رئاستي الجمهورية والحكومة ووزارة الفلاحة خاصة وأن الشركة لا تخضع لمجلة الشركات التجارية حسب قرار رئاسة الحكومة باعتبارها مؤسسة تابعة للدولة" .
كما أكد حينها عبد الرزاق حواص الناطق الرسمي باسم الجمعية الوطنية للمؤسّسات الصغرى والمتوسطة، أن الشركة التعاونية المركزية للبذور والمشاتل الممتازة، تمر بظروف صعبة جدا ومهددة بالاندثار.
وأضاف حواص، في تصريح إذاعي أنه" رغم تواتر عديد المديرين على الشركة إلا أنه لم تكن هناك سياسة بنّاءة للحفاظ على البذور ولا سياسة إنتاجية، بل يتم استيراد البذور الهجينة، وذلك هو برنامج صندوق النقد الدولي".
التفاعل الرسمي
تطرق رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى موضوع البذور بشكل خاص وموضوع الفلاحة وأزمة المياه في أكثر من مناسبة واجتماع آخرها في فيفري الفارط عندما استقبل عبد المنعم بلعاتي، وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري.
وأكّد رئيس الجمهورية على أن الفلاحة، على غرار عدد من القطاعات الأخرى، هي "قطاع يتصل بسيادة الدولة والأمن الغذائي هو جزء من الأمن القومي، ويجب إيلاء هذا القطاع المكانة التي تستحق كما يجب إحاطة الفلاحين ومن يعملون في الصيد البحري بالعناية اللازمة".
كما تم التطرق مطوّلا لمشكلة المياه وخاصة في المناطق التي تشكو من ندرتها، وملف الحفاظ على البذور التونسية وضرورة توفير العلف إلى جانب المحافظة على الغابات ومزيد توسيع مساحاتها والإحاطة بأعوانها.
وشدّد رئيس الجمهورية على ضرورة مقاومة الفساد والمفسدين الذين عاثوا في البرّ والبحر فسادا منذ عقود.
ولدى استقباله سابقا عدد من أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، أكد حينها رئيس الجمهورية على أنه "لا بد من تحقيق الاكتفاء الذاتي والرجوع إلى البذور التونسية حتى لا تبقى بلادنا رهينة من يبيع البذور التي لا تثمر إلا لموسم واحد،" وفق تصريحه. وفي اجتماع سابق أيضا لمجلس الوزراء بإشراف رئيس الجمهورية، تحدث أيضا عن مسألة البذور وقال الرئيس حينها أنه يعتبرها "مقوما من مقومات سيادة الدولة وأشار إلى أنه سيتم تحميل المسؤوليات لكلّ من تسبّب في ما آلت إليه الأوضاع في هذا القطاع".
لكن على أرض الواقع ووفق شهادة المختصين وأهل القطاع لم يرق التفاعل الرسمي إلى مستوى التحديات والمخاطر المطروحة وأهمية موضوع البذور وتغيير السياسات الفلاحية للتأقلم مع تحديات شح المياه. كما يظل التعامل مع هذه الملفات الحارقة على مستوى القرارات والإجراءات بعيدا عن اعتبارها أمنا غذائيا وقوميا كما في التصريحات.
فوزي الزياني الخبير في السياسيات الفلاحية لـ"الصباح": الهجرة المناخية خطر حقيقي بسبب شح المياه
أشار الخبير في السياسات الفلاحية والتنمية المستدامة، فوزي الزياني، في حديثه مع "الصباح" إلى أن تونس ومنذ الرومان عرفت بالمناخ الجاف وشبه الجاف مما فرض ومنذ القدم العناية بموضوع تخزين المياه ووضع استراتيجيات لذلك، تثبتها الآثار والحفريات على غرار الحنايا وغيرها ثم مع الدولة الوطنية تم التركيز أيضا على تخزين المياه عبر السدود والبحيرات..لكن بعد الثورة تم التغافل تماما على كل هذه الجوانب ولم ينجز شيء على امتداد سنوات رغم أن مفهوم الثورة كان يعني بالضرورة تغيير منوال معين وسياسات جديدة، وهذا ما لم يحدث للأسف.
ويضيف الزياني أن مشكلة الماء وتهديدها للإنتاج الفلاحي كانت معروفة منذ سنوات وفي ظل وضع جيو سياسي عالمي متأزم وتغيرات مناخية حادة تسارعت وتيرة الضغوطات والتداعيات مما كان يتطلب التحرك والاستعداد لكن في المقابل ماذا فعلنا في تونس؟ لم نفعل شيئا وعلى امتداد 15 سنة لم ننجز أي سد ولا بحيرة جبلية.. ورغم أنه ضمن ميزانية وزارة الفلاحة يتم رصد قسط موجه للماء لكن السؤال المطروح على امتداد الـ12 سنة الأخيرة كيف وأين صرفت هذه الأموال وهل وجهت بشكل ناجع؟؟
تساءل محدثنا أيضا عن انجازات المسؤولين المتعاقبين على امتداد الحكومات السابقة على مستوى السياسات الفلاحية مقرا بأنه لم يخرج أحد منهم لا على مستوى رأس الحكومة ولا المشرفين على وزارة الفلاحة ليقول بكل وضوح هذه سياستي الفلاحية التي سأعمل على تنفيذها.
وإجابة عن تساؤل "الصباح" بشأن المخاطر التي تتهددنا اليوم في ظل تغافل الدولة عن التدخل في الوقت المناسب لتجنب الأسوأ، يقول الزياني إن التهديد يمس الجميع تقريبا وأول هذه المخاطر هي تنامي الهجرة المناخية وفقدان الفلاحين لمواطن رزقهم إضافة إلى شح ونقص العديد من المنتوجات والانعكاس سلبا على الأسعار التي بدأت تشهد شططا في عديد المنتوجات وفي مقدمتها الغلال (على سبيل المثال سعر المشماش بـ10 د للكلغ) وبالتالي التأثير على المقدرة الشرائية للمواطن هذا بالإضافة إلى التداعيات على الموسم السياحي المرتبط آليا بالإنتاج الفلاحي والماء.
وأشار محدثنا، أنّه كان يفترض أن تكون هناك إجراءات استباقية لكن للأسف ظل تحرك المسؤولين والحكومات على مستوى التصريح والندوات والاجتماعات التي يصرف عليها أموال دون أن تكون ذات جدوى ودون ان تتلوها إجراءات عملية وقرارات واضحة وجريئة على أرض الواقع . وشدد الزياني بأننا بحاجة فعلية إلى الإنجاز والتحرّك خاصة مع وجود الكثير من الملفات التي يجب معالجتها كأزمة الأعلاف والقطعان المهددة بالجوع ومنظومة اللحوم الحمراء والبيضاء التي باتت بدورها مهددة مع ضرورة وضع حد لنزيف إهدار الإمكانيات كتبذير المياه المستعملة المعالجة باعتبار أننا نستغل 5% منها فقط في حين أننا نستطيع توفير 25% من حاجياتنا العلفية من خلالها، إلى جانب غياب الصيانة اللازمة لوضع حد لمعضلة المياه الضائعة والمقدرة نسبتها بحوالي 32 بالمائة وهذا الأمر لم يعد مقبولا في بلد يواجه شح كبير في موارده المائية .
ويشير الزياني هنا إلى وجود إجراءات بسيطة ممكنة في مجال الصيانة وترشيد الاستهلاك وحسن التصرف لكن الحكومات لا تهتم ولا تتحرك.
وردا على سؤالنا حول سياسة الحكومة ووزارة الفلاحة الحالية قال الزياني إن الحكومة الحالية تدير فقط الأزمة بأقل التكاليف والمقاربات.
وأكّد الزياني أنّ الحلول موجودة، من بينها إنشاء السدود الصغيرة واستخدام محطات التحلية المتنقلة وإرساء لجنة يقظة أو خلية أزمة تضم مجموعة من الكفاءات العلمية والمجتمع المدني والإعلام وسلط الإشراف لرسم السياسات الكبرى قصيرة المدى ومتوسطة المدى وطويلة المدى. مقرا بأن اجتماع وزاري أخير اقر تشكيل خلية أزمة لكن دون أي إيضاحات بشأن دورها وتركيبتها والخوف أن تكون مثل بقية اللجان والهيئات التي تحدث دون جدوى تذكر.
وحول موضوع الأمن الغذائي والحبوب والبذور التونسية الأصلية يقول محدثنا إنّ تونس لا تولي قطاع الحبوب الأهميّة الكافية منذ 15 سنة علما وإننا نستورد سنويا 65% من احتياجاتنا وهذا الرقم مرجح لأن يصل إلى أكثر من 90% في ظل أزمة المياه وفي ظل غياب إستراتيجية عمل واضحة وغياب برنامج وطني.
وتساءل الزياني ماذا تنتظر الحكومة للإحاطة بالفلاحين ممن بلغت خسارتهم هذا الموسم 100 بالمائة داعيا إلى ضرورة تأطير الفلاحة ودعمهم لضمان مواصلتهم لعملهم ولتعويض الخسائر التي لحقت بهم مؤكدا أنّ التجهيز للموسم الزراعي الجديد يفترض أن يبدأ من الآن خلال شهري أفريل وماي عن طريق توفير البذور والأسمدة وسن حالة طوارئ فلاحية ومائية لضمان جزء من الأمن الغذائي والتقليص من التوريد لضمان السيادة والحد من التبعية للخارج وتوفير العملة الصعبة.
وشدد الزياني أيضا على أهمية موضوع الرجوع إلى البذور المحلية التي تتأقلم مع المناخ الجاف معتبرا أن نقص الإمكانيات المرصودة للجهات المعنية بهذا الموضوع يحول دون تحقيق النتائج المرجوة.
كما أقر الزياني بوجود تأثير فاعل للوبيات التوريد من أجل تهميش دور الشركات الوطنية وإضعافها.
ودعا محدثنا غلى دعم البنك الوطني للجينات وإلحاقه برئاسة الحكومة عوضا عن وزارة البيئة حاليا.
ميداني الضاوي رئيس نقابة الفلاحين لـ"الصباح": نحن في عنق الزجاجة ونحتاج حلولا عاجلة
قال ميداين الضاوي رئيس النقابة التونسية للفلاحين في حديثه مع "الصباح" حول موضوع تأثير شح المياه على القطاع الفلاحي أن التشخيص والتهديد واضح ومتفق عليه ويعلمه الجميع واصفا الوضع الراهن بأننا في عنق الزجاجة ونحتاج إلى الحلول العاجلة.
ويعتبر محدثنا أن الوضع يحتم تشكيل خلايا أزمة في كل القطاعات ذات العلاقة.
واستغرب رئيس نقابة الفلاحيين من تواصل صمت الدولة إلى حد الآن وعدم اتخاذها اي إجراءات رغم أن موسم الحصاد على الأبواب وكل التقديرات تؤكد أن الصابة لن تتجاوز 3 ملايين قنطار على أقصى تقدير.
وطالب محدثنا بتشكيل لجنة تتحد إجراءات عاجلة لطمأنة الفلاحين ومرافقتهم من أجل الموسم الزراعي القادم والاعتراف بالظروف الاستثنائية التي يمر بها الفلاح وإقرار زيادة في السعر في شكل منحة مع تفعيل صندوق الجوائح الطبيعية الذي لا يعد منة من أحد بل هو هيكل يساهم فيه الفلاح زمن الوفرة وهو يحتاجه اليوم زمن القحط.
ويشير الميداني إلى ان إنهاك دائرة الإنتاج والقضاء عليها ستكون عواقبه وخيمة فالموضوع يتعلق بالأمن الغذائي والأمن القومي.
وإجابة عن تساؤل "الصباح" بشأن مدى تفاعل الجهات الرسمية مع مطالبهم والأزمة الراهنة يقول محدثنا "نحن نطالب وهم فقط ينصتون".
وتساءل الميداني هل أن أزمة شح المياه دخلية ومفاجئة؟ مضيفا أن جميع الخبراء حذروا منها منذ سنوات وهناك تقارير تعود لسنة 2008 صادرة عن الاتحاد الأوربي والبنك العالمي حذرت ودعت لاستغلال الطاقات البديلة لكننا لم نستعد ولم نكترث وواصلنا الرهان على قطاعات أخرى.
ويعتبر محدثنا أن القرار في بلادنا مطوع لخدمة قطاعات أخرى على حساب الفلاحة وحان الوقت بل تأخر كثيرا لتغيير ذلك .