*معرض تونس الدولي للكتاب يقع للمرة الثانية على التوالي في فخ "شبهة الصنصرة"
*ليس هناك ما هو أسوأ من تهمة ممارسة الرقابة على الكتب والحجب والمنع.
*هناك حتما ثغرات تنظيمية تسمح بالتشويش على التظاهرة وتشكيك في نجاعة قائمة عناوين الكتب المعروضة مسبقا
تونس - الصباح
بمجرد أن انطلق معرض تونس الدولي للكتاب في دورته السابعة والثلاثين ( من 28 افريل إلى 7 ماي ) حتى صرخ احد الناشرين بأن احد كتبه سحب واغلق جناحه بالمعرض. الامر بتعلق بكتاب صادر عن دار الكتاب للنشر بتونس يحمل عنوان: فرانكشتاين تونس" للكاتب كمال الرياحي المثير للجدل والذي كان قد اقيل من منصبه على راس بيت الرواية بعد توجيه تهمة له بالتطبيع مع الكيان الاسرائيلي . وقد شدد صاحب دار النشر في تدوينة له على صفحته على موقع الفايسبوك على أنه تعرض للصنصرة وان العملية تمت بتدخل الأمن. كما فند في تصريحات اعلامية أن يكون الكتاب قد سحب لانه لم يقع التنصيص عليه في القائمة التي وجهت لادارة المعرض مشيرا إلى أنه يمكن للعارض أن يظيف قائمة تكميلية.
ومن جهته، قال الروائي كمال الرياحي في تصريح لموقع "الجزيرة نت" أمس " إن منع الكتاب وغلق دار نشر برمتها في معرض للكتاب تعد جريمة تاريخية" ونقل الموقع على لسان نفس المتحدث قوله "إن هذا التضييق سبقه تحريض لأنصار الرئيس قيس سعيد عبر تدوينات بمنصات التواصل تدعو لمصادرة الكتاب واعتقال صاحبه لأنه ضد الرئيس قيس سعيد".
وقد ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بمجرد نشر الخبر، بالتعاليق حول الموضوع ولئن نبه البعض إلى ان الكاتب " مطبّع" في بلد ضد التطبيع، فإن كثيرا منها ندد بـ"الصنصرة" و"المنع" واتهم المنظمين ووزارة الشؤون الثقافية بالرجوع إلى الممارسات القديمة ( التي كانت منتشرة قبل احداث 14 جانفي 2011) المتمثلة في محاولة تكميم الأفواه مرجحين أن ان الكتاب منع من العرض لاسباب لها علاقة بالسياسة لأن الكتاب وحسب تأكيد الكاتب بنفسه يتحدث عن الرئيس قيس سعيد. وطبعا اعتبر كثيرون أن "الصنصرة" التي تعرض لها الكتاب تعتبر هدية مجانية له بما انها تسببت في خلق دعاية لفائدته خاصة أن الصحافة الاجنبية قد تلقفت الخبر باهتمام، مما يرجح أن يزيد الاقبال على الكتاب وهو الهدف الاساسي لصاحب الكتاب ولدار النشر، أي الترويج والتسويق بدرجة اولى.
وفي تصريح اعلامي لها حول الموضوع أكدت زهية جويرو رئيسة لجنة تنظيم معرض تونس الدولي للكتاب أن كتاب " فرانكشتاين تونس" سحب فعلا من المعرض وأن جناح دار الكتاب للنشر قد اغلق فعلا وذلك لمخالفة التراتيب المعمول بها بالمعرض. لكنها نفت في المقابل أن تكون الهيئة قد مارست الصنصرة وقالت انها طبقت القانون. فدار النشر لم تشر إلى وجود الكتاب في قائمة الكتب التي قدمته للجنة القراءة، وفق ما شددت عليه مشيرة إلى أن الكتاب المذكور كان موجودا في زاوية بجناح دار النشر المذكورة ملمحة إلى أنه كان يباع "خلسة".
ولنا أن نشير من جانبنا إلى أن هيئة التنظيم قد اعلنت قبل أيام من انطلاق التظاهرة وتحديدا في اللقاء الاعلامي حول الدورة الجديدة للمعرض إلى أنها ستطبق القانون وأنها ستكون صارمة ولن تسمح بعرض كتب غير موجودة في اللوائح المعروضة على الهيئة مسبقا، الأمر الذي يقودنا للحديث عن حادثة كان قد عاشها معرض تونس الدولي للكتاب في دورته السابقة في نوفمبر 2021 ( المعرض لم ينتظم في العام الفارط لاسباب لها علاقة ببرمجة قصر المعارض بالكرم وفق سلطة الاشراف، اي وزارة الثقافة).
لقد تكرر المشهد تقريبا بنفس الطريقة تقريبا. وكان حينها قد اعلن الكاتب والسياسي رابح الخرايفي ان كتابه سحب من المعرض. وحدثت ضجة بطبيعة الحال قبل أن نكتشف أن هيئة التنظيم وقعت في الفخ لما كانت بصدد مراقبة الكتب التي تدخل إلى فضاء العرض.
وفي حديثنا آنذاك إلى مدير المعرض الأستاذ مبروك المناعي قال لنا ما يلي: " ان اثير حول كتاب رابح الخرايفي الجامعي والنائب السابق، يدخل في إطار العملية التسويقية لا غير. فكتابه موجود في المعرض وكل ما في الأمر أن الكمية من النسخ التي عرضها الناشر في البداية نفدت بالكامل، فجلب كمية أخرى وطلب عون المعرض المكلف بملاحظة الكتب التثبت من الامر، وملاحظة إن كانت مسجلة في قائمة المنشورات المسموح لها بالعرض أم لا، فكان ذلك منطلقا لحملة ضد ادارة المعرض، قبل أن يتبين أنها تدخل في إطار عملية تسويق لا غير، حتى أن الناشر نشر مدونة تفيد بأن الكتاب لم يتعرض لأي محاولة للصنصرة. " ورغم محاولات هيئة التنظيم التوضيح، إلا أن فكرة محاولات المنع والرقابة على الكتاب ظلت هي المسيطرة وكادت ان تعتم على كل المجهودات في التنظيم.
ومن الطبيعي ان يتساءل الملاحظ لماذا تتكرر العملية ولماذا يفشل المعرض في اتقاء مثل هذه الحوادث التي لا يمكن أن ننكر دورها في السلبي وتأثيرها على سمعة التظاهرة وعلى سمعة تونس ككل. فتونس ورغم كل ما حدث منذ احداث 14 جانفي 2011، تبقى من الدول العربية التي حققت قفزة نوعية على مستوى حرية الابداع والتعبير، فلماذا نعطي الانطباع للعالم بأننا نمارس الصنصرة؟ لماذا لا يقع تجنب مثل هذه الحوادث الحزينة التي يمكنها ان تنسف بجرة قلم كل الجهود في التنظيم؟
وبعيدا عن التشكيك في لجنة التنظيم التي تتكون اغلبها من كفاءات جامعية مشهود لها بالنزاهة ومعروف عنها انتصارها للحريات، فإننا نعتقد أنها تتحمل جانبا من المسؤولية فيما حدث. فهناك بالتأكيد ثغرات تنظيمية يمكن لمن اراد ذلك أن يستغلها لاهداف تخصه.
ونعتقد أن سمعة المعرض الذي يعتبر مرآة لما تبلغه تونس من تطور فكري وابداعي وعلمي مهمة وتعتبر من الاولويات. وليس طبيعي أن يقع معرض تونس الدولي للمرة الثانية على التوالي في نفس الفخ. ولنا أن نشير في هذا السياق إلى أنه ليس هناك ما هو اسوأ من تهمة ممارسة الرقابة على الكتب والحجب والمنع. والمشكل في قضية الحال أن هيئة التنظيم ومهما حاولت توضيح الأمر، يظل موقفها ضعيفا. فمن الصعب الاقناع بأن كتابا منع فقط من اجل تراتيب ادارية ومن الصعب الاقناع بأنه يمكن أن نضحي بكتاب وأن نغلق جناحا لدار نشر في معرض للكتاب لمجرد أنه لم يعلم بعنوان الكتاب مسبقا لا سيما أن الكتاب لا يدخل في باب كتب الشعوذة أو الارهاب التي تمنعها كل المعارض. وبالتالي كان من الممكن تجنب هذه الحادثة وكان من الافضل لو ان معرض الكتاب تجنب كل هذه الشوشرة لانه مهما كانت تبريرات هيئة التنظيم ومهما كانت المحاولات لتلافي الأمر، فإن الضرر حاصل لا محالة.
حياة السايب
*معرض تونس الدولي للكتاب يقع للمرة الثانية على التوالي في فخ "شبهة الصنصرة"
*ليس هناك ما هو أسوأ من تهمة ممارسة الرقابة على الكتب والحجب والمنع.
*هناك حتما ثغرات تنظيمية تسمح بالتشويش على التظاهرة وتشكيك في نجاعة قائمة عناوين الكتب المعروضة مسبقا
تونس - الصباح
بمجرد أن انطلق معرض تونس الدولي للكتاب في دورته السابعة والثلاثين ( من 28 افريل إلى 7 ماي ) حتى صرخ احد الناشرين بأن احد كتبه سحب واغلق جناحه بالمعرض. الامر بتعلق بكتاب صادر عن دار الكتاب للنشر بتونس يحمل عنوان: فرانكشتاين تونس" للكاتب كمال الرياحي المثير للجدل والذي كان قد اقيل من منصبه على راس بيت الرواية بعد توجيه تهمة له بالتطبيع مع الكيان الاسرائيلي . وقد شدد صاحب دار النشر في تدوينة له على صفحته على موقع الفايسبوك على أنه تعرض للصنصرة وان العملية تمت بتدخل الأمن. كما فند في تصريحات اعلامية أن يكون الكتاب قد سحب لانه لم يقع التنصيص عليه في القائمة التي وجهت لادارة المعرض مشيرا إلى أنه يمكن للعارض أن يظيف قائمة تكميلية.
ومن جهته، قال الروائي كمال الرياحي في تصريح لموقع "الجزيرة نت" أمس " إن منع الكتاب وغلق دار نشر برمتها في معرض للكتاب تعد جريمة تاريخية" ونقل الموقع على لسان نفس المتحدث قوله "إن هذا التضييق سبقه تحريض لأنصار الرئيس قيس سعيد عبر تدوينات بمنصات التواصل تدعو لمصادرة الكتاب واعتقال صاحبه لأنه ضد الرئيس قيس سعيد".
وقد ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بمجرد نشر الخبر، بالتعاليق حول الموضوع ولئن نبه البعض إلى ان الكاتب " مطبّع" في بلد ضد التطبيع، فإن كثيرا منها ندد بـ"الصنصرة" و"المنع" واتهم المنظمين ووزارة الشؤون الثقافية بالرجوع إلى الممارسات القديمة ( التي كانت منتشرة قبل احداث 14 جانفي 2011) المتمثلة في محاولة تكميم الأفواه مرجحين أن ان الكتاب منع من العرض لاسباب لها علاقة بالسياسة لأن الكتاب وحسب تأكيد الكاتب بنفسه يتحدث عن الرئيس قيس سعيد. وطبعا اعتبر كثيرون أن "الصنصرة" التي تعرض لها الكتاب تعتبر هدية مجانية له بما انها تسببت في خلق دعاية لفائدته خاصة أن الصحافة الاجنبية قد تلقفت الخبر باهتمام، مما يرجح أن يزيد الاقبال على الكتاب وهو الهدف الاساسي لصاحب الكتاب ولدار النشر، أي الترويج والتسويق بدرجة اولى.
وفي تصريح اعلامي لها حول الموضوع أكدت زهية جويرو رئيسة لجنة تنظيم معرض تونس الدولي للكتاب أن كتاب " فرانكشتاين تونس" سحب فعلا من المعرض وأن جناح دار الكتاب للنشر قد اغلق فعلا وذلك لمخالفة التراتيب المعمول بها بالمعرض. لكنها نفت في المقابل أن تكون الهيئة قد مارست الصنصرة وقالت انها طبقت القانون. فدار النشر لم تشر إلى وجود الكتاب في قائمة الكتب التي قدمته للجنة القراءة، وفق ما شددت عليه مشيرة إلى أن الكتاب المذكور كان موجودا في زاوية بجناح دار النشر المذكورة ملمحة إلى أنه كان يباع "خلسة".
ولنا أن نشير من جانبنا إلى أن هيئة التنظيم قد اعلنت قبل أيام من انطلاق التظاهرة وتحديدا في اللقاء الاعلامي حول الدورة الجديدة للمعرض إلى أنها ستطبق القانون وأنها ستكون صارمة ولن تسمح بعرض كتب غير موجودة في اللوائح المعروضة على الهيئة مسبقا، الأمر الذي يقودنا للحديث عن حادثة كان قد عاشها معرض تونس الدولي للكتاب في دورته السابقة في نوفمبر 2021 ( المعرض لم ينتظم في العام الفارط لاسباب لها علاقة ببرمجة قصر المعارض بالكرم وفق سلطة الاشراف، اي وزارة الثقافة).
لقد تكرر المشهد تقريبا بنفس الطريقة تقريبا. وكان حينها قد اعلن الكاتب والسياسي رابح الخرايفي ان كتابه سحب من المعرض. وحدثت ضجة بطبيعة الحال قبل أن نكتشف أن هيئة التنظيم وقعت في الفخ لما كانت بصدد مراقبة الكتب التي تدخل إلى فضاء العرض.
وفي حديثنا آنذاك إلى مدير المعرض الأستاذ مبروك المناعي قال لنا ما يلي: " ان اثير حول كتاب رابح الخرايفي الجامعي والنائب السابق، يدخل في إطار العملية التسويقية لا غير. فكتابه موجود في المعرض وكل ما في الأمر أن الكمية من النسخ التي عرضها الناشر في البداية نفدت بالكامل، فجلب كمية أخرى وطلب عون المعرض المكلف بملاحظة الكتب التثبت من الامر، وملاحظة إن كانت مسجلة في قائمة المنشورات المسموح لها بالعرض أم لا، فكان ذلك منطلقا لحملة ضد ادارة المعرض، قبل أن يتبين أنها تدخل في إطار عملية تسويق لا غير، حتى أن الناشر نشر مدونة تفيد بأن الكتاب لم يتعرض لأي محاولة للصنصرة. " ورغم محاولات هيئة التنظيم التوضيح، إلا أن فكرة محاولات المنع والرقابة على الكتاب ظلت هي المسيطرة وكادت ان تعتم على كل المجهودات في التنظيم.
ومن الطبيعي ان يتساءل الملاحظ لماذا تتكرر العملية ولماذا يفشل المعرض في اتقاء مثل هذه الحوادث التي لا يمكن أن ننكر دورها في السلبي وتأثيرها على سمعة التظاهرة وعلى سمعة تونس ككل. فتونس ورغم كل ما حدث منذ احداث 14 جانفي 2011، تبقى من الدول العربية التي حققت قفزة نوعية على مستوى حرية الابداع والتعبير، فلماذا نعطي الانطباع للعالم بأننا نمارس الصنصرة؟ لماذا لا يقع تجنب مثل هذه الحوادث الحزينة التي يمكنها ان تنسف بجرة قلم كل الجهود في التنظيم؟
وبعيدا عن التشكيك في لجنة التنظيم التي تتكون اغلبها من كفاءات جامعية مشهود لها بالنزاهة ومعروف عنها انتصارها للحريات، فإننا نعتقد أنها تتحمل جانبا من المسؤولية فيما حدث. فهناك بالتأكيد ثغرات تنظيمية يمكن لمن اراد ذلك أن يستغلها لاهداف تخصه.
ونعتقد أن سمعة المعرض الذي يعتبر مرآة لما تبلغه تونس من تطور فكري وابداعي وعلمي مهمة وتعتبر من الاولويات. وليس طبيعي أن يقع معرض تونس الدولي للمرة الثانية على التوالي في نفس الفخ. ولنا أن نشير في هذا السياق إلى أنه ليس هناك ما هو اسوأ من تهمة ممارسة الرقابة على الكتب والحجب والمنع. والمشكل في قضية الحال أن هيئة التنظيم ومهما حاولت توضيح الأمر، يظل موقفها ضعيفا. فمن الصعب الاقناع بأن كتابا منع فقط من اجل تراتيب ادارية ومن الصعب الاقناع بأنه يمكن أن نضحي بكتاب وأن نغلق جناحا لدار نشر في معرض للكتاب لمجرد أنه لم يعلم بعنوان الكتاب مسبقا لا سيما أن الكتاب لا يدخل في باب كتب الشعوذة أو الارهاب التي تمنعها كل المعارض. وبالتالي كان من الممكن تجنب هذه الحادثة وكان من الافضل لو ان معرض الكتاب تجنب كل هذه الشوشرة لانه مهما كانت تبريرات هيئة التنظيم ومهما كانت المحاولات لتلافي الأمر، فإن الضرر حاصل لا محالة.