إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

حسب وكالة "ستاندرد آند بورز" الأمريكية : تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي يضع البنوك التونسية في دائرة الخطر!

 

* مخاطر تخلف تونس عن سداد ديونها في الفترة القادمة سيؤدي إلى انهيار الدينار التونسي

تونس- الصباح

حذرت وكالة "ستاندرد آند بورز"، في احدث تقرير لها صادر منذ يومين، من خطر انهيار البنوك التونسية خلال الفترة القادمة، إذا لم تتحصل تونس على دعم من صندوق النقد الدولي، لافتة إلى أن عدم حصولها على دعم مالي سيؤدي إلى انخفاض كبير في قيمة الدينار التونسي، وأيضا زيادة معدلات التضخم إلى مستويات خطيرة، فضلا عن تعرض البنوك التونسية لخسائر كبيرة ستؤدي حتما إلى إعادة الرسملة.

وقامت وكالة بتقييم الأنظمة المصرفية لخمسة اقتصاديات ناشئة، وهي تونس ومصر وإندونيسيا وقطر وتركيا، والتي يُحتمل أن تكون عرضة للتغيرات في السيولة العالمية. وبحسب هذا التقييم، فإن تونس معرضة بشدة للمخاطر غير المباشرة التي يمكن أن تؤثر على الاقتصاد والنظام المصرفي.

ويرجع هذا الضعف، وفقًا لتقرير ستاندرد آند بورز، إلى عدم الاستقرار السياسي الحالي والصعوبات التي تواجهها الحكومة التونسية في الحصول على الدعم المالي من صندوق النقد الدولي(IMF).

الدينار التونسي في خطر

وجاء في التقرير "إذا فشلت الحكومة التونسية في التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، فقد يؤدي ذلك إلى ضغوط مالية كبيرة على البلاد وتكون له عواقب سلبية على الاقتصاد والبنوك". وبالتالي، لا يبدو أن النظام المصرفي التونسي لديه ديون خارجية كبيرة بما يكفي لإحداث مشاكل مباشرة. ومع ذلك، لا يزال هذا النظام عرضة لضغوط التمويل الخارجي من خلال قنوات غير مباشرة.

وأوضحت مؤسسة الإصدار أن البنوك التونسية لديها أعلى تمويل خارجي، مدعومًا بإيداعات من الشركات الخارجية والمغتربين، واستخدام خطوط تمويل متعددة الأطراف، لكن رغم ذلك، فإن البنوك التونسية لا تزال تواجه ضغوطًا كبيرة على صعيد الاقتصاد الكلي، ويرتبط جزء منها بثورة عام 2011. وقد أثرت هذه المشكلات، جنبًا إلى جنب مع وباء كوفيد -19، على النشاط الاقتصادي، مما أدى إلى نمو اقتصادي متوقع بنسبة 1.3٪ في عام 2023، وفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي.

ووفقًا لـ S&P أيضًا، إذا فشلت تونس في الحصول على برنامج من صندوق النقد الدولي أو دعم ثنائي أو متعدد الأطراف من أطراف أخرى، فإنها تخاطر باختلال ميزان المدفوعات وعدم الاستقرار المالي والنقدي. وأضافت بالقول "إذا لم تتمكن تونس من الحصول على الدعم المالي، فإنها تخاطر أيضًا بالتخلف عن التزاماتها المالية، مما يؤدي إلى انخفاض كبير في قيمة الدينار التونسي وارتفاع حاد في التضخم. نتيجة لذلك، قد تتعرض البنوك التونسية لخسائر كبيرة تتطلب إعادة رسملة". وأوصى محللو "ستاندرد آند بورز" بتنفيذ إصلاحات اقتصادية فعالة وجذب التمويل الخارجي لتجنب عدم الاستقرار المالي الكبير.

اعتماد كلي على الدعم الخارجي

وتعتمد تونس منذ سنوات مضت، على دعم المؤسسات المالية الدولية، لا سيما مع صندوق النقد الدولي، الذي تتفاوض معه على اتفاق لخطة إنقاذ بقيمة 1.9 مليار دولار منذ أكتوبر 2022، يعتمد على تنفيذ إصلاحات هيكلية، بما في ذلك تدابير التقشف، مما يؤدي إلى ضغوط لتقليص عجز الميزانية، إلا أن اشتراط الصندوق رفع الدعم عن المواد الأساسية والطاقة، اصطدم برفض غير قابل للنقاش من رئيس الجمهورية.

وقدر محافظ البنك المركزي مروان العباسي خلال تصريحات إعلامية، احتياجات تونس من صندوق النقد الدولي بقرابة 1.7 مليار دولار أمريكي، ويهدف القرض إلى استعادة الاستقرار الخارجي والمتعلق بالميزانية في البلاد، لتعزيز الحماية الاجتماعية، مع تعزيز القوة والاستدامة والشمول، وكذلك القطاع الخاص، وخلق فرص العمل، إلا أن تواصل تأجيل ملف تونس، والحديث عن سحب الملف من جلسة التداول يطرح العديد من الاستفسارات حول البدائل التي يمكن اعتمادها، في ظل شح للسيولة المالية، وتراجع مخزون البلاد من العملة الصعبة ليصل إلى مستويات تبعث على القلق، أي حوالي 93 يوم توريد بتاريخ أمس، مقارنة بحوالي 124 يوم توريد خلال نفس الفترة من العام الماضي.

ارتفاع احتياجات تونس المالية

وتحتاج تونس قروضا خارجية بقيمة 12.6 مليار دينار لتعبئة عجز ميزانية 2022، مقارنة بـ 12.1 مليار دينار في قانون المالية التكميلي لعام 2022، ووفقا لميزانية 2023، تخطط الحكومة لتعبئة موارد خارجية بقيمة 14.8 مليار دينار، مقابل قروض داخلية بقيمة 9.5 مليار دينار، ولا يمكن لتونس أن تتمكن من تعبئة هذه الموارد المالية والتي في حاجة إليها قبل انقضاء شهر افريل الجاري، إلا بعد الحصول على الموافقة الرسمية من صندوق النقد الدولي، علما وأن الهدف الأساسي، ليس المبلغ الذي ستقترضه تونس من صندوق النقد، وإنما الأموال العالقة مع مجموعة من الدول في إطار قروض ثنائية، والتمويلات التي تتيحها بعض المؤسسات المالية العالمية، مع الإشارة إلى أن تدفق هذه الأموال سينعش فرص الاستثمار، بالإضافة إلى إيفاء تونس بكافة التزاماتها الخارجية.

وأربكت عمليات لجوء البنوك إلى تمويل الدولة عبر القروض عمليات إنقاذ المؤسسات الصغرى والمتوسطة، باعتبار أن جل الأموال المتوفرة في البنوك ذهبت لفائدة الدولة، عوض صرفها في شكل حزمة قروض لفائدة المؤسسات الاقتصادية لتوسيع أنشطتها واستثماراتها وخلق المشاريع والتنمية، وهذه العملية مربحة للبنوك بنقطتين، لكنها في المقابل لديها انعكاسات خطيرة على الدولة التي لن تراوح نسبة النمو المحققة جراء هذه العملية الصفر.

وكانت الحكومة السابقة، قد حصلت على قرض بنكي مجمع بقيمة 465 مليون دولار لدعم الميزانية، شارك فيه 14 بنكا، وقالت وزارة المالية، في بيان لها آنذاك، إن القرض موزع على عملتين، 150 مليون دولار و260 مليون يورو، مؤكدة في البيان أن القرض يأتي في إطار توفير موارد ميزانية الدولة المصادق عليها بمقتضى قانون المالية لسنة 2021، مشيرة إلى أن مدة سداد القرض تصل إلى 5 سنوات، بقسط سنوي أو قسطين متساويين في السنة، على أن يبدأ السداد بعد فترة سماح مدتها 3 سنوات.

وسبق للحكومة، أن لجأت للاقتراض من البنوك التونسية لتمويل الميزانية باعتبار أن الفصل 25 من النظام الأساسي للبنك المركزي يمنعها من الاقتراض من البنك المركزي لسد احتياجاتها المالية، وذلك منذ التعديل الذي طرأ في سنة 2016.

البنوك تزاحم الدولة

ويواجه اقتراض الدولة من البنوك التونسية انتقادات من عديد الخبراء الاقتصاديين الذين اعتبروا أن الدولة أصبحت تزاحم القطاعات المنتجة حيث يفترض أن تعطي البنوك الأولوية لتمويل الاستثمار وتوجيه القروض نحو المشاريع الاستثمارية، واعتبروا أن إقراض البنوك للدولة ليس في صالح الاقتصاد الوطني، خاصّة، أنّ هذه التمويلات لا تذهب إلى القطاعات الاقتصادية، إذ أنّ البنوك أصبحت تميل إلى الاستثمار في حاجيات الدولة من القروض والسّيولة الماليّة المضمونة الدّفع من طرف الدولة عوض الاستثمار في القطاعات المنتجة، وهذا ما ألحق أضرارا كبيرة على الاقتصادي التونسي، وشل إلى الآن عمليات إنقاذ المؤسسات الوطنية، وعطل الاستثمار الداخلي، وزاد في عمق الأزمة المالية والاقتصادية بالبلاد.

*سفيان المهداوي

حسب وكالة "ستاندرد آند بورز" الأمريكية :  تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي يضع البنوك التونسية في دائرة الخطر!

 

* مخاطر تخلف تونس عن سداد ديونها في الفترة القادمة سيؤدي إلى انهيار الدينار التونسي

تونس- الصباح

حذرت وكالة "ستاندرد آند بورز"، في احدث تقرير لها صادر منذ يومين، من خطر انهيار البنوك التونسية خلال الفترة القادمة، إذا لم تتحصل تونس على دعم من صندوق النقد الدولي، لافتة إلى أن عدم حصولها على دعم مالي سيؤدي إلى انخفاض كبير في قيمة الدينار التونسي، وأيضا زيادة معدلات التضخم إلى مستويات خطيرة، فضلا عن تعرض البنوك التونسية لخسائر كبيرة ستؤدي حتما إلى إعادة الرسملة.

وقامت وكالة بتقييم الأنظمة المصرفية لخمسة اقتصاديات ناشئة، وهي تونس ومصر وإندونيسيا وقطر وتركيا، والتي يُحتمل أن تكون عرضة للتغيرات في السيولة العالمية. وبحسب هذا التقييم، فإن تونس معرضة بشدة للمخاطر غير المباشرة التي يمكن أن تؤثر على الاقتصاد والنظام المصرفي.

ويرجع هذا الضعف، وفقًا لتقرير ستاندرد آند بورز، إلى عدم الاستقرار السياسي الحالي والصعوبات التي تواجهها الحكومة التونسية في الحصول على الدعم المالي من صندوق النقد الدولي(IMF).

الدينار التونسي في خطر

وجاء في التقرير "إذا فشلت الحكومة التونسية في التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، فقد يؤدي ذلك إلى ضغوط مالية كبيرة على البلاد وتكون له عواقب سلبية على الاقتصاد والبنوك". وبالتالي، لا يبدو أن النظام المصرفي التونسي لديه ديون خارجية كبيرة بما يكفي لإحداث مشاكل مباشرة. ومع ذلك، لا يزال هذا النظام عرضة لضغوط التمويل الخارجي من خلال قنوات غير مباشرة.

وأوضحت مؤسسة الإصدار أن البنوك التونسية لديها أعلى تمويل خارجي، مدعومًا بإيداعات من الشركات الخارجية والمغتربين، واستخدام خطوط تمويل متعددة الأطراف، لكن رغم ذلك، فإن البنوك التونسية لا تزال تواجه ضغوطًا كبيرة على صعيد الاقتصاد الكلي، ويرتبط جزء منها بثورة عام 2011. وقد أثرت هذه المشكلات، جنبًا إلى جنب مع وباء كوفيد -19، على النشاط الاقتصادي، مما أدى إلى نمو اقتصادي متوقع بنسبة 1.3٪ في عام 2023، وفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي.

ووفقًا لـ S&P أيضًا، إذا فشلت تونس في الحصول على برنامج من صندوق النقد الدولي أو دعم ثنائي أو متعدد الأطراف من أطراف أخرى، فإنها تخاطر باختلال ميزان المدفوعات وعدم الاستقرار المالي والنقدي. وأضافت بالقول "إذا لم تتمكن تونس من الحصول على الدعم المالي، فإنها تخاطر أيضًا بالتخلف عن التزاماتها المالية، مما يؤدي إلى انخفاض كبير في قيمة الدينار التونسي وارتفاع حاد في التضخم. نتيجة لذلك، قد تتعرض البنوك التونسية لخسائر كبيرة تتطلب إعادة رسملة". وأوصى محللو "ستاندرد آند بورز" بتنفيذ إصلاحات اقتصادية فعالة وجذب التمويل الخارجي لتجنب عدم الاستقرار المالي الكبير.

اعتماد كلي على الدعم الخارجي

وتعتمد تونس منذ سنوات مضت، على دعم المؤسسات المالية الدولية، لا سيما مع صندوق النقد الدولي، الذي تتفاوض معه على اتفاق لخطة إنقاذ بقيمة 1.9 مليار دولار منذ أكتوبر 2022، يعتمد على تنفيذ إصلاحات هيكلية، بما في ذلك تدابير التقشف، مما يؤدي إلى ضغوط لتقليص عجز الميزانية، إلا أن اشتراط الصندوق رفع الدعم عن المواد الأساسية والطاقة، اصطدم برفض غير قابل للنقاش من رئيس الجمهورية.

وقدر محافظ البنك المركزي مروان العباسي خلال تصريحات إعلامية، احتياجات تونس من صندوق النقد الدولي بقرابة 1.7 مليار دولار أمريكي، ويهدف القرض إلى استعادة الاستقرار الخارجي والمتعلق بالميزانية في البلاد، لتعزيز الحماية الاجتماعية، مع تعزيز القوة والاستدامة والشمول، وكذلك القطاع الخاص، وخلق فرص العمل، إلا أن تواصل تأجيل ملف تونس، والحديث عن سحب الملف من جلسة التداول يطرح العديد من الاستفسارات حول البدائل التي يمكن اعتمادها، في ظل شح للسيولة المالية، وتراجع مخزون البلاد من العملة الصعبة ليصل إلى مستويات تبعث على القلق، أي حوالي 93 يوم توريد بتاريخ أمس، مقارنة بحوالي 124 يوم توريد خلال نفس الفترة من العام الماضي.

ارتفاع احتياجات تونس المالية

وتحتاج تونس قروضا خارجية بقيمة 12.6 مليار دينار لتعبئة عجز ميزانية 2022، مقارنة بـ 12.1 مليار دينار في قانون المالية التكميلي لعام 2022، ووفقا لميزانية 2023، تخطط الحكومة لتعبئة موارد خارجية بقيمة 14.8 مليار دينار، مقابل قروض داخلية بقيمة 9.5 مليار دينار، ولا يمكن لتونس أن تتمكن من تعبئة هذه الموارد المالية والتي في حاجة إليها قبل انقضاء شهر افريل الجاري، إلا بعد الحصول على الموافقة الرسمية من صندوق النقد الدولي، علما وأن الهدف الأساسي، ليس المبلغ الذي ستقترضه تونس من صندوق النقد، وإنما الأموال العالقة مع مجموعة من الدول في إطار قروض ثنائية، والتمويلات التي تتيحها بعض المؤسسات المالية العالمية، مع الإشارة إلى أن تدفق هذه الأموال سينعش فرص الاستثمار، بالإضافة إلى إيفاء تونس بكافة التزاماتها الخارجية.

وأربكت عمليات لجوء البنوك إلى تمويل الدولة عبر القروض عمليات إنقاذ المؤسسات الصغرى والمتوسطة، باعتبار أن جل الأموال المتوفرة في البنوك ذهبت لفائدة الدولة، عوض صرفها في شكل حزمة قروض لفائدة المؤسسات الاقتصادية لتوسيع أنشطتها واستثماراتها وخلق المشاريع والتنمية، وهذه العملية مربحة للبنوك بنقطتين، لكنها في المقابل لديها انعكاسات خطيرة على الدولة التي لن تراوح نسبة النمو المحققة جراء هذه العملية الصفر.

وكانت الحكومة السابقة، قد حصلت على قرض بنكي مجمع بقيمة 465 مليون دولار لدعم الميزانية، شارك فيه 14 بنكا، وقالت وزارة المالية، في بيان لها آنذاك، إن القرض موزع على عملتين، 150 مليون دولار و260 مليون يورو، مؤكدة في البيان أن القرض يأتي في إطار توفير موارد ميزانية الدولة المصادق عليها بمقتضى قانون المالية لسنة 2021، مشيرة إلى أن مدة سداد القرض تصل إلى 5 سنوات، بقسط سنوي أو قسطين متساويين في السنة، على أن يبدأ السداد بعد فترة سماح مدتها 3 سنوات.

وسبق للحكومة، أن لجأت للاقتراض من البنوك التونسية لتمويل الميزانية باعتبار أن الفصل 25 من النظام الأساسي للبنك المركزي يمنعها من الاقتراض من البنك المركزي لسد احتياجاتها المالية، وذلك منذ التعديل الذي طرأ في سنة 2016.

البنوك تزاحم الدولة

ويواجه اقتراض الدولة من البنوك التونسية انتقادات من عديد الخبراء الاقتصاديين الذين اعتبروا أن الدولة أصبحت تزاحم القطاعات المنتجة حيث يفترض أن تعطي البنوك الأولوية لتمويل الاستثمار وتوجيه القروض نحو المشاريع الاستثمارية، واعتبروا أن إقراض البنوك للدولة ليس في صالح الاقتصاد الوطني، خاصّة، أنّ هذه التمويلات لا تذهب إلى القطاعات الاقتصادية، إذ أنّ البنوك أصبحت تميل إلى الاستثمار في حاجيات الدولة من القروض والسّيولة الماليّة المضمونة الدّفع من طرف الدولة عوض الاستثمار في القطاعات المنتجة، وهذا ما ألحق أضرارا كبيرة على الاقتصادي التونسي، وشل إلى الآن عمليات إنقاذ المؤسسات الوطنية، وعطل الاستثمار الداخلي، وزاد في عمق الأزمة المالية والاقتصادية بالبلاد.

*سفيان المهداوي