هذه الخطوة العملية تأكيد لفك عزلة سوريا دوليا وما يمكن أن تحمله من رسائل على مستويين وطني ودولي وأهمية هذا التقارب في فك "شيفرة" الصندوق الأسود لتسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتر.
تونس – الصباح
توجت المساعي والإرادة الرسمية لتونس وسوريا بتجديد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد قطيعة لأكثر من 11 سنة، بالاتفاق رسميا على إعادة فتح سفارتي البلدين في كل من تونس ودمشق. وكانت الزيارة الرسمية التي أداها وزير الخارجية والمغتربين السوري د. فيصل المقداد يوم أمس إلى تونس بدعوة من وزير الشؤون الخارجية والتونسيين بالخارج نبيل عمار والتي ستتواصل إلى غاية 19 من الشهر الجاري، وفق ما تضمنه البلاغ الرسمي في الغرض، تأكيد لهذه الخطوة العملية لفك عزلة سوريا دوليا من ناحية وما يمكن أن تحمله من رسائل على مستويين وطني ودولي وأهمية هذا التقارب في فك "شيفرة الصندوق الأسود لتسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتر الإرهابية أساسا منها سوريا والعراق"، ورسائل أخرى مضمونها مسار التعافي لسياسة تونس الخارجية من ناحية أخرى لاسيما أن هذه الزيارة تأتي قبل شهر من موعد انعقاد القمة السنوية لجامعة الدول العربية المقررة في الرياض في 19 ماي المقبل، خاصة في ظل الجدل والمباحثات والشروط المطروحة لعودة سوريا إلى الانضمام إلى جامعة الدول العربية من جديد.
وقد حظيت هذه الزيارة بردود أفعال داخلية وخارجية مختلفة خاصة أنها تأتي بعد أيام قليلة من إعلان البلدين في بيان مشترك عن إعادة فتح سفارتي تونس وسوريا في كلتا البلدين وتعيين سفراء لتونس في دمشق وسوري في تونس خلال الفترة القليلة القادمة وذلك في إطار التجاوب مع مبادرة قيس سعيد رئيس الجمهورية التونسية، باعتبار أن رئاسة الجمهورية أعلنت مؤخراً أن الرئيس سعيد أعطى تعليمات لوزير الخارجية نبيل عمار بالشروع في إجراءات تعيين سفير لتونس في دمشق ثم أنه سبق أن أكد "أنه ليس هناك ما يبرر ألا يكون هناك سفير لتونس في سوريا وسفير لدمشق في تونس". علما أن د. فيصل المقداد حل بتونس قادما من الجزائر التي تحول لها في إطار زيارة رسمية منذ يوم السبت المنقضي، وذلك بعد قيامه في بحر الأسبوع الماضي بزيارة رسمية إلى السعودية أسفرت عن اتفاق حول عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين أيضا.
ويذكر أن الرئيس المؤقت للجمهورية التونسي منصف المرزوقي كان قد أعلن في فيفري 2012 عن قطع العلاقات مع سوريا ودعا في نفس الوقت إلى احتضان بلادنا لمؤتمر أصدقاء سوريا الذي هندس قرارات قطع العلاقات معها و"طردها" من بيت الجامعة العربية كردة فعل على التعاطي القمعي لسياسة بشار الأسد مع التحركات الشعبية آنذاك.
وعبرت بعض الجهات عن ترحيبها بهذه الزيارة على اعتبار أنها تأكيد لسياسية تونس الخارجية الجديدة المبنية على مراجعة وتدارك قرارات ومواقف الماضي والتوجه إلى الإصلاح والتأسيس لتوطيد علاقات الصداقة والتعاون والشراكة بما يخدم المصالح المشتركة. ووضع عودة العلاقات بعد وضع حد للخلاف القائم بين تونس والمغرب ضمن سياسة نبيل عمار المنفتحة على التواصل والحوار والاتفاق.
ملف التسفير
ولئن رحبت عديد القوى والقراءات بعودة العلاقات التونسية السورية، في هذه المرحلة على اعتبار أنها تتزامن مع التغيرات التي يشهدها العالم جيوسياسيا واستراتيجيا عامة والمنطقة العربية بشكل خاص بعد تداعيات الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على الشعوب والبلدان، فإن البعض الآخر يعتبرها خطوة هامة للجانب التونسي بالأساس في سياق حل إلغاز ملف التسفير الذي يعد الشغل الشاغل للمؤسسة القضائية اليوم، لتمكين آلاف من التونسيين المقيمين بسوريا من التواصل مع عائلاتهم والوطن كما هو الشأن بالنسبة للسوريين في تونس.
ويعد حل الغاز ملف التسفير الحارق في تونس اليوم وكشف الغموض ووضع حد لمحاولات التستر والتعطيل في التعاطي مع هذا الملف، من بين العوامل والدوافع التي جعلت أعدادا كبيرة ترحب بعودة هذه العلاقات، خاصة أن المبادرة تأتي بعد أشهر قليلة من فتح القضاء التونسي لهذا الملف الشائك، بعد إيقاف بعض رموز المنظومة السابقة وبعض قياديي حركة النهضة وأبناء المؤسسة الأمنية وغيرها على ذمة هذا التحقيق في هذا الملف من بينهم علي العريض وزير الداخلية ورئيس الحكومة السابق، وتواصل دعوة والاستماع إلى أسماء أخرى في نفس القضية ومن بينهم رئيس حرك النهضة راشد الغونشي.
ويذكر أن عديد المنظمات والهياكل الدولية والوطنية أكدت أن عدد التونسيين الذين التحقوا بما يسمى بـ"الجهاد" في سوريا بلغ ذروته في الفترة 2012 /2014 فترة حكم "الترويكا". وأكدت نفس الجهات أن العدد تجاوز 6 آلاف تونسي في حين أكدت وزارة الداخلية التونسية أن العدد تجاوز خمسة آلاف لقي أغلبهم حتفهم في المعارك هناك حسب ما تتداوله بعض وسائل الإعلام في ظل غياب المعلومة والمعطيات الرسمية الدقيقة سواء من الجانب السوري أو التونسي. ولم يقتصر الأمر على استقطاب وتسفير الشباب بعد تلقيهم التدريب على القتال واستعمال السلاح سواء من تونس أو من غيرها من البلدان العربية والإفريقية والأوروبية بل شمل أيضا استقطاب العنصر النسائي في ما عرف بـ"جهاد النكاح". إذ كان لتحرك منظمات وهياكل مدنية في تونس ضد تلك الممارسات دور في "تعرية" الظاهرة والتشهير بها على نطاق عالمي وكشف نوعية أخرى من الاتجار بالبشر فيما سكتت بلدان أخرى عن ذلك لأسباب مختلفة.
وشكلت مسألة عودة الإرهابيين من بؤر التوتر إلى تونس بداية من 2015 مصدر خوف وجدل في مختلف الأوساط، باعتبار أن عددا منهم شارك في عدة أحداث واعتداءات إرهابية في تونس. ورغم محاولات التعطيل والتعتيم على هذا الملف الذي كان سببا في فقدان آلاف الأسر التونسية لأبنائها، ضحية عمليات استقطاب وتسفير ممنهجة من قبل شبكات عديدة يتداخل فيها الوطني الحزبي والجمعياتي والدولي، من قبل المنظومة الحاكمة التي تقودها حركة النهضة في النصف الثاني من العشرية الماضية، إلا أن "ماكينة" المحاسبة والقضاء تحركت بشكل منتظر منذ بداية العام الجاري في فتح هذا الملف، الذي لا يزال يكتنفه الغموض. خاصة ن ملف التونسيين القابعين في السجون السورية لا يزال غير محسوم أيضا، وتراهن بعض الجهات على أهمية هذه الورقة في كشف جوانب من الحقائق في قضية "التسفير".
من جانب آخر من المنتظر أن يتم الاتفاق بين الوزيرين التونسي والسوري والوفود المرافقة لهما في هذه الزيارة الرسمية إلى الاتفاق على برامج تعاون وشراكة بين البلدين في مجالات ثقافية وسياسية واقتصادية بما يمهد لعودة نسق التعاون إلى الوضع الذي كان عليه قبل 2012، خاصة أن كلا البلدين تراهنان على النهوض والدخول في مسارات إصلاحية بعد المرور بوضع اقتصادي متأزم متشابه.
نزيهة الغضباني
هذه الخطوة العملية تأكيد لفك عزلة سوريا دوليا وما يمكن أن تحمله من رسائل على مستويين وطني ودولي وأهمية هذا التقارب في فك "شيفرة" الصندوق الأسود لتسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتر.
تونس – الصباح
توجت المساعي والإرادة الرسمية لتونس وسوريا بتجديد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد قطيعة لأكثر من 11 سنة، بالاتفاق رسميا على إعادة فتح سفارتي البلدين في كل من تونس ودمشق. وكانت الزيارة الرسمية التي أداها وزير الخارجية والمغتربين السوري د. فيصل المقداد يوم أمس إلى تونس بدعوة من وزير الشؤون الخارجية والتونسيين بالخارج نبيل عمار والتي ستتواصل إلى غاية 19 من الشهر الجاري، وفق ما تضمنه البلاغ الرسمي في الغرض، تأكيد لهذه الخطوة العملية لفك عزلة سوريا دوليا من ناحية وما يمكن أن تحمله من رسائل على مستويين وطني ودولي وأهمية هذا التقارب في فك "شيفرة الصندوق الأسود لتسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتر الإرهابية أساسا منها سوريا والعراق"، ورسائل أخرى مضمونها مسار التعافي لسياسة تونس الخارجية من ناحية أخرى لاسيما أن هذه الزيارة تأتي قبل شهر من موعد انعقاد القمة السنوية لجامعة الدول العربية المقررة في الرياض في 19 ماي المقبل، خاصة في ظل الجدل والمباحثات والشروط المطروحة لعودة سوريا إلى الانضمام إلى جامعة الدول العربية من جديد.
وقد حظيت هذه الزيارة بردود أفعال داخلية وخارجية مختلفة خاصة أنها تأتي بعد أيام قليلة من إعلان البلدين في بيان مشترك عن إعادة فتح سفارتي تونس وسوريا في كلتا البلدين وتعيين سفراء لتونس في دمشق وسوري في تونس خلال الفترة القليلة القادمة وذلك في إطار التجاوب مع مبادرة قيس سعيد رئيس الجمهورية التونسية، باعتبار أن رئاسة الجمهورية أعلنت مؤخراً أن الرئيس سعيد أعطى تعليمات لوزير الخارجية نبيل عمار بالشروع في إجراءات تعيين سفير لتونس في دمشق ثم أنه سبق أن أكد "أنه ليس هناك ما يبرر ألا يكون هناك سفير لتونس في سوريا وسفير لدمشق في تونس". علما أن د. فيصل المقداد حل بتونس قادما من الجزائر التي تحول لها في إطار زيارة رسمية منذ يوم السبت المنقضي، وذلك بعد قيامه في بحر الأسبوع الماضي بزيارة رسمية إلى السعودية أسفرت عن اتفاق حول عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين أيضا.
ويذكر أن الرئيس المؤقت للجمهورية التونسي منصف المرزوقي كان قد أعلن في فيفري 2012 عن قطع العلاقات مع سوريا ودعا في نفس الوقت إلى احتضان بلادنا لمؤتمر أصدقاء سوريا الذي هندس قرارات قطع العلاقات معها و"طردها" من بيت الجامعة العربية كردة فعل على التعاطي القمعي لسياسة بشار الأسد مع التحركات الشعبية آنذاك.
وعبرت بعض الجهات عن ترحيبها بهذه الزيارة على اعتبار أنها تأكيد لسياسية تونس الخارجية الجديدة المبنية على مراجعة وتدارك قرارات ومواقف الماضي والتوجه إلى الإصلاح والتأسيس لتوطيد علاقات الصداقة والتعاون والشراكة بما يخدم المصالح المشتركة. ووضع عودة العلاقات بعد وضع حد للخلاف القائم بين تونس والمغرب ضمن سياسة نبيل عمار المنفتحة على التواصل والحوار والاتفاق.
ملف التسفير
ولئن رحبت عديد القوى والقراءات بعودة العلاقات التونسية السورية، في هذه المرحلة على اعتبار أنها تتزامن مع التغيرات التي يشهدها العالم جيوسياسيا واستراتيجيا عامة والمنطقة العربية بشكل خاص بعد تداعيات الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على الشعوب والبلدان، فإن البعض الآخر يعتبرها خطوة هامة للجانب التونسي بالأساس في سياق حل إلغاز ملف التسفير الذي يعد الشغل الشاغل للمؤسسة القضائية اليوم، لتمكين آلاف من التونسيين المقيمين بسوريا من التواصل مع عائلاتهم والوطن كما هو الشأن بالنسبة للسوريين في تونس.
ويعد حل الغاز ملف التسفير الحارق في تونس اليوم وكشف الغموض ووضع حد لمحاولات التستر والتعطيل في التعاطي مع هذا الملف، من بين العوامل والدوافع التي جعلت أعدادا كبيرة ترحب بعودة هذه العلاقات، خاصة أن المبادرة تأتي بعد أشهر قليلة من فتح القضاء التونسي لهذا الملف الشائك، بعد إيقاف بعض رموز المنظومة السابقة وبعض قياديي حركة النهضة وأبناء المؤسسة الأمنية وغيرها على ذمة هذا التحقيق في هذا الملف من بينهم علي العريض وزير الداخلية ورئيس الحكومة السابق، وتواصل دعوة والاستماع إلى أسماء أخرى في نفس القضية ومن بينهم رئيس حرك النهضة راشد الغونشي.
ويذكر أن عديد المنظمات والهياكل الدولية والوطنية أكدت أن عدد التونسيين الذين التحقوا بما يسمى بـ"الجهاد" في سوريا بلغ ذروته في الفترة 2012 /2014 فترة حكم "الترويكا". وأكدت نفس الجهات أن العدد تجاوز 6 آلاف تونسي في حين أكدت وزارة الداخلية التونسية أن العدد تجاوز خمسة آلاف لقي أغلبهم حتفهم في المعارك هناك حسب ما تتداوله بعض وسائل الإعلام في ظل غياب المعلومة والمعطيات الرسمية الدقيقة سواء من الجانب السوري أو التونسي. ولم يقتصر الأمر على استقطاب وتسفير الشباب بعد تلقيهم التدريب على القتال واستعمال السلاح سواء من تونس أو من غيرها من البلدان العربية والإفريقية والأوروبية بل شمل أيضا استقطاب العنصر النسائي في ما عرف بـ"جهاد النكاح". إذ كان لتحرك منظمات وهياكل مدنية في تونس ضد تلك الممارسات دور في "تعرية" الظاهرة والتشهير بها على نطاق عالمي وكشف نوعية أخرى من الاتجار بالبشر فيما سكتت بلدان أخرى عن ذلك لأسباب مختلفة.
وشكلت مسألة عودة الإرهابيين من بؤر التوتر إلى تونس بداية من 2015 مصدر خوف وجدل في مختلف الأوساط، باعتبار أن عددا منهم شارك في عدة أحداث واعتداءات إرهابية في تونس. ورغم محاولات التعطيل والتعتيم على هذا الملف الذي كان سببا في فقدان آلاف الأسر التونسية لأبنائها، ضحية عمليات استقطاب وتسفير ممنهجة من قبل شبكات عديدة يتداخل فيها الوطني الحزبي والجمعياتي والدولي، من قبل المنظومة الحاكمة التي تقودها حركة النهضة في النصف الثاني من العشرية الماضية، إلا أن "ماكينة" المحاسبة والقضاء تحركت بشكل منتظر منذ بداية العام الجاري في فتح هذا الملف، الذي لا يزال يكتنفه الغموض. خاصة ن ملف التونسيين القابعين في السجون السورية لا يزال غير محسوم أيضا، وتراهن بعض الجهات على أهمية هذه الورقة في كشف جوانب من الحقائق في قضية "التسفير".
من جانب آخر من المنتظر أن يتم الاتفاق بين الوزيرين التونسي والسوري والوفود المرافقة لهما في هذه الزيارة الرسمية إلى الاتفاق على برامج تعاون وشراكة بين البلدين في مجالات ثقافية وسياسية واقتصادية بما يمهد لعودة نسق التعاون إلى الوضع الذي كان عليه قبل 2012، خاصة أن كلا البلدين تراهنان على النهوض والدخول في مسارات إصلاحية بعد المرور بوضع اقتصادي متأزم متشابه.