إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

عدم الحسم في الشغورات في السفراء والقناصل | سياسة تونس الخارجية.. وضرورة تعديل البوصلة

 

تونس – الصباح

منذ تعيين نبيل عمار وزيرا للشؤون الخارجية والتونسيين بالخارج في بداية فيفري الماضي خلفا للوزير السابق عثمان الجرندي، الذي تمت إقالته من قبل رئيس الجمهورية، لم تتضح بعد معالم سياسة تونس الخارجية ولم يتم بعد سد الشغورات والنقائص المسجلة في أجهزة الدبلوماسية التونسية، رغم تأكيد ومناداة العديد بضرورة الإسراع بسد تلك الشغورات في مستوى السفراء والقناصل ورؤساء البعثات الدبلوماسية نظرا لتأثيرها السلبي على سياسة تونس الخارجية والموازنات الاقتصادية والسياسية لاسيما في ظل التغيرات الجيوسياسية والإستراتيجية والتحالفات الدولية وما ينبثق عنها من اتفاقيات ومصالح وبرامج. إذ حافظ نبيل عمار على نفس التمشي المعتمد في سياسة تونس الخارجية في معالجة والتعاطي مع المستجدات والقضايا التي تقوم بالأساس على التفاعل السريع مع الأحداث وردود الأفعال الحينية في بعض المسائل التي تكون فيها بلدنا طرفا أو معنية بها بشكل مباشر. وتتجه الأنظار في هذا الجانب إلى ما يمكن أن تفرزه الحركة الدبلوماسية التي طال انتظارها وكانت سببا في تفاقم أزمة الشغورات في السنوات الأخيرة خاصة أن ذلك شكل أحد الملفات الحارقة لنبيل عمار.

فرغم المجهودات الكبيرة التي ما انفك يبذلها منذ توليه حقيبة الخارجية على تخفيف الضغط الخارجي المسلط على بلادنا من ناحية، والسعي لفرض وجودها واستقلالية قرارها وسيادتها وطنيا وإقليميا وقاريا ودوليا من ناحية أخرى إلا أن ذلك يظل دون انتظارات الجميع ومتطلبات المرحلة من سياسة تونس الخارجية التي يجب أن تكون محددة ببرنامج متكامل وتتداخل فيه عديد الهياكل والمجالات وتضطلع بتنفيذها وفق خطط قصيرة أو بعيدة المدى أجهزة متكاملة.

فملف الهجرة غير النظامية أو تسوية وضعية التونسيين بالخارج وملف تدفق الأفارقة جنوب الصحراء إلى بلادنا بطرق غير شرعية وما أثاره من جدل وخلفه من قراءات وتأويلات وردود أفعال داخلية وخارجية مختلفة، لا يمكن أن يتم اختزال مهام حلها ومعالجتها في ما يقوم به وزير الخارجية بمفرده. كما هو الشأن تقريبا بالنسبة للملف الاقتصادي والاستثمار المتشعب والتشبيك الاقتصادي والسياسي. لأن ذلك يتطلب برامج شاملة ومتكاملة، محددة المعالم والأهداف والتوجهات والخيارات. خاصة أن بلادنا في حاجة إلى حلول ورؤى عاجلة في هذا الجانب لاسيما في ظل ما تعيشه من ضغوطات داخلية وخارجية في ظل الصعوبات والأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة التي لا تزال تلقي بثقل وقعها على الوضع العام في الدولة.

لذلك بدت مهمة وزير الشؤون الخارجية والتونسيين بالخارج خلال زيارته الأخيرة إلى إيطاليا لإيجاد حلول لأزمة الهجرة غير النظامية مع الجانبين الإيطالي بشكل خاص والأوروبي بشكل عام جد صعبة نظرا لحالة الشغور في خطة سفير وفي عدد من القنصليات يقارب عددها الأربعين، لعل أبرزها الشغور الحاصل بإيطاليا تحديدا وتواصل الشغور في خطة سفير وفي أربع قنصليات لأشهر طويلة دون حلول الأمر الذي خلق فراغا في بعض السفارات. وهي تقريبا نفس الشغورات التي تتواصل على رأس سفارات عدد من البلدان الأخرى التي تربطها ببلادنا علاقات مصالح مشتركة ويوجد بها أعداد كبيرة من الجالية التونسية، أوروبية كانت أم غيرها على غرار إيطاليا وألمانيا وتركيا والصين وقطر وبلجيكا وغيرها من البلدان الإفريقية الأخرى.

فتحرك نبيل عمار في إطار بلورة مواقف ودور بلادنا على مستوى دولي بنسق ماراطوني، ودون أن يكون في سياق برنامج مدروس للوضعيات والملفات، غير كاف لحل الإشكاليات والرهانات المطروحة أمام تونس اليوم. خاصة أن بلادنا تدخل مرحلة جديدة في مسارها تحمل تطلعات أغلب التونسيين لوضع أفضل ومراجعة الأهداف والاستراتيجيات والاتفاقيات مع البلدان والمنظمات الدولية بما يضمن مصلحة الدولة والتونسيين.

وهو تقريبا ما أكده وزير الشؤون الخارجية والتونسيين بالخارج في عديد المناسبات وفي تصريحاته وحواراته لإعلامية، على اعتبار أن بلادنا تراهن على برامج تشاركية مع البلدان الأوروبية وغيرها تهدف لتنمية الاستثمار في مختلف المجالات والقطاعات التي تتوفر فيها تونس على ثروات وتسعى لضمان فرص تشغيل أعلى وأكبر للكفاءات التونسية في بلادنا وذلك عبر توفير ظروف العمل المطلوبة وليس أن تكتفي بلادنا بلعب دور "الشرطي الحارس" للضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط لمنع الهجرة غير النظامية بعد أن أصبحت تونس أرض عبور وقبلة أبناء البلدان الإفريقية جنوب الصحراء، في المقابل يتم استنزاف الثروات البشرية من الكفاءات دون مقابل.

ومثل هذه المسائل لا يمكن حلها إلا عبر وضع خطط عمل وبرامج مدروسة، لكن يبدو أن ذلك سيكون مستحيلا في هذه المرحلة لاسيما في ظل الشغورات المطروحة في السلك الدبلوماسي وما يشهده العالم من تسابق على إعادة التموقع في سوق الموازنات الاقتصادية والسياسية الإقليمية والعالمية.

فحسم الجهات الرسمية في سياسة الدولة الخارجية واكتفائها بالتفاعل ورد الفعل في بعض الملفات والقضايا فتح المجال للبعض للخوض وطرح مسألة تغير خيارات وسياسة تونس الخارجية لاسيما بعد تواصل مماطلة صندوق النقد الدولي منحها القرض الذي طال انتظاره ورفض بلادنا الشروط الإصلاحية المفروضة على اعتبار أنه لا مجال للمساس بالحقوق الاجتماعية والتضحية بالطبقات الفقيرة والمتوسطة، فيما يتحدث البعض الآخر عن توجه بلادنا ودخولها في تحالفات وقوى عالمية أخرى مثل "بريكس" كحل للخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة وما أثاره من جدل.

نزيهة الغضباني

 

 

  عدم الحسم في الشغورات في السفراء والقناصل | سياسة تونس الخارجية.. وضرورة تعديل البوصلة

 

تونس – الصباح

منذ تعيين نبيل عمار وزيرا للشؤون الخارجية والتونسيين بالخارج في بداية فيفري الماضي خلفا للوزير السابق عثمان الجرندي، الذي تمت إقالته من قبل رئيس الجمهورية، لم تتضح بعد معالم سياسة تونس الخارجية ولم يتم بعد سد الشغورات والنقائص المسجلة في أجهزة الدبلوماسية التونسية، رغم تأكيد ومناداة العديد بضرورة الإسراع بسد تلك الشغورات في مستوى السفراء والقناصل ورؤساء البعثات الدبلوماسية نظرا لتأثيرها السلبي على سياسة تونس الخارجية والموازنات الاقتصادية والسياسية لاسيما في ظل التغيرات الجيوسياسية والإستراتيجية والتحالفات الدولية وما ينبثق عنها من اتفاقيات ومصالح وبرامج. إذ حافظ نبيل عمار على نفس التمشي المعتمد في سياسة تونس الخارجية في معالجة والتعاطي مع المستجدات والقضايا التي تقوم بالأساس على التفاعل السريع مع الأحداث وردود الأفعال الحينية في بعض المسائل التي تكون فيها بلدنا طرفا أو معنية بها بشكل مباشر. وتتجه الأنظار في هذا الجانب إلى ما يمكن أن تفرزه الحركة الدبلوماسية التي طال انتظارها وكانت سببا في تفاقم أزمة الشغورات في السنوات الأخيرة خاصة أن ذلك شكل أحد الملفات الحارقة لنبيل عمار.

فرغم المجهودات الكبيرة التي ما انفك يبذلها منذ توليه حقيبة الخارجية على تخفيف الضغط الخارجي المسلط على بلادنا من ناحية، والسعي لفرض وجودها واستقلالية قرارها وسيادتها وطنيا وإقليميا وقاريا ودوليا من ناحية أخرى إلا أن ذلك يظل دون انتظارات الجميع ومتطلبات المرحلة من سياسة تونس الخارجية التي يجب أن تكون محددة ببرنامج متكامل وتتداخل فيه عديد الهياكل والمجالات وتضطلع بتنفيذها وفق خطط قصيرة أو بعيدة المدى أجهزة متكاملة.

فملف الهجرة غير النظامية أو تسوية وضعية التونسيين بالخارج وملف تدفق الأفارقة جنوب الصحراء إلى بلادنا بطرق غير شرعية وما أثاره من جدل وخلفه من قراءات وتأويلات وردود أفعال داخلية وخارجية مختلفة، لا يمكن أن يتم اختزال مهام حلها ومعالجتها في ما يقوم به وزير الخارجية بمفرده. كما هو الشأن تقريبا بالنسبة للملف الاقتصادي والاستثمار المتشعب والتشبيك الاقتصادي والسياسي. لأن ذلك يتطلب برامج شاملة ومتكاملة، محددة المعالم والأهداف والتوجهات والخيارات. خاصة أن بلادنا في حاجة إلى حلول ورؤى عاجلة في هذا الجانب لاسيما في ظل ما تعيشه من ضغوطات داخلية وخارجية في ظل الصعوبات والأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة التي لا تزال تلقي بثقل وقعها على الوضع العام في الدولة.

لذلك بدت مهمة وزير الشؤون الخارجية والتونسيين بالخارج خلال زيارته الأخيرة إلى إيطاليا لإيجاد حلول لأزمة الهجرة غير النظامية مع الجانبين الإيطالي بشكل خاص والأوروبي بشكل عام جد صعبة نظرا لحالة الشغور في خطة سفير وفي عدد من القنصليات يقارب عددها الأربعين، لعل أبرزها الشغور الحاصل بإيطاليا تحديدا وتواصل الشغور في خطة سفير وفي أربع قنصليات لأشهر طويلة دون حلول الأمر الذي خلق فراغا في بعض السفارات. وهي تقريبا نفس الشغورات التي تتواصل على رأس سفارات عدد من البلدان الأخرى التي تربطها ببلادنا علاقات مصالح مشتركة ويوجد بها أعداد كبيرة من الجالية التونسية، أوروبية كانت أم غيرها على غرار إيطاليا وألمانيا وتركيا والصين وقطر وبلجيكا وغيرها من البلدان الإفريقية الأخرى.

فتحرك نبيل عمار في إطار بلورة مواقف ودور بلادنا على مستوى دولي بنسق ماراطوني، ودون أن يكون في سياق برنامج مدروس للوضعيات والملفات، غير كاف لحل الإشكاليات والرهانات المطروحة أمام تونس اليوم. خاصة أن بلادنا تدخل مرحلة جديدة في مسارها تحمل تطلعات أغلب التونسيين لوضع أفضل ومراجعة الأهداف والاستراتيجيات والاتفاقيات مع البلدان والمنظمات الدولية بما يضمن مصلحة الدولة والتونسيين.

وهو تقريبا ما أكده وزير الشؤون الخارجية والتونسيين بالخارج في عديد المناسبات وفي تصريحاته وحواراته لإعلامية، على اعتبار أن بلادنا تراهن على برامج تشاركية مع البلدان الأوروبية وغيرها تهدف لتنمية الاستثمار في مختلف المجالات والقطاعات التي تتوفر فيها تونس على ثروات وتسعى لضمان فرص تشغيل أعلى وأكبر للكفاءات التونسية في بلادنا وذلك عبر توفير ظروف العمل المطلوبة وليس أن تكتفي بلادنا بلعب دور "الشرطي الحارس" للضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط لمنع الهجرة غير النظامية بعد أن أصبحت تونس أرض عبور وقبلة أبناء البلدان الإفريقية جنوب الصحراء، في المقابل يتم استنزاف الثروات البشرية من الكفاءات دون مقابل.

ومثل هذه المسائل لا يمكن حلها إلا عبر وضع خطط عمل وبرامج مدروسة، لكن يبدو أن ذلك سيكون مستحيلا في هذه المرحلة لاسيما في ظل الشغورات المطروحة في السلك الدبلوماسي وما يشهده العالم من تسابق على إعادة التموقع في سوق الموازنات الاقتصادية والسياسية الإقليمية والعالمية.

فحسم الجهات الرسمية في سياسة الدولة الخارجية واكتفائها بالتفاعل ورد الفعل في بعض الملفات والقضايا فتح المجال للبعض للخوض وطرح مسألة تغير خيارات وسياسة تونس الخارجية لاسيما بعد تواصل مماطلة صندوق النقد الدولي منحها القرض الذي طال انتظاره ورفض بلادنا الشروط الإصلاحية المفروضة على اعتبار أنه لا مجال للمساس بالحقوق الاجتماعية والتضحية بالطبقات الفقيرة والمتوسطة، فيما يتحدث البعض الآخر عن توجه بلادنا ودخولها في تحالفات وقوى عالمية أخرى مثل "بريكس" كحل للخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة وما أثاره من جدل.

نزيهة الغضباني