تصدر مصير الاتفاق المالي المعلق بين تونس وصندوق النقد الدولي اهتمام الإعلام المحلي والدولي خلال الأسبوع المنقضي، وكان أيضا من أبرز محاور أنشطة الدبلوماسية التونسية في الداخل والخارج.. منها مشاركة وفد مكون من وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد، ومحافظ البنك المركزي مروان العباسي في اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن، وأيضا زيارة وزير الخارجية نبيل عمار لروما وسط الأسبوع المنقضي، وفي الداخل، لقاءات رئيسة الحكومة نجلاء بودن مع سفراء دول مؤثرة مثل فرنسا واليابان قبل يومين..
وجاء التطورات الحاصلة في موضوع تقدم المفاوضات بين تونس وصندوق النقد، والتي اتجهت جلها في منحى ايجابي، رغم موجة تشكيك وانتقاد واسعة للموقف التونسي الرسمي الذي تميز بتردد على مستوى الحكومة في تنفيذ الإصلاحات وبرمجتها، وفي تخوف وغموض ورفض ضمني على مستوى رئاسة الجمهورية..
ومعلوم أن المفاوضات توقفت عند مشروع الاتفاق الأولي على مستوى خبراء الصندوق في أكتوبر 2022، وبعد سحب ملف تونس من أمام الهيئة التنفيذية للصندوق في ديسمبر الماضي، وذلك بسبب اشتراط مجلس إدارة الصندوق مرور الحكومة التونسية إلى مستوى متقدم من تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي وردت في مشروع الاتفاق.
وتؤكد التطورات الأخيرة، التي تميزت بتحركات دولية أوروبية تقودها ايطاليا، للضغط على صناع القرار داخل مجلس إدارة صندوق النقد، مرة أخرى على أهمية حصول تونس على موافقة نهائية من صندوق النقد للخروج من الأزمة المالية والاقتصادية التي تعاني منها منذ أشهر عديدة..، لكن أيضا تؤكد على أن ملف علاقة تونس بصندوق النقد والمؤسسات المالية الدولية المانحة، وحتى التعاون الثنائي مع دول صديقة وشقيقة، لا يخلو من أبعاد سياسية إلى جانب الاقتصادية.
وبناء على ما تحركات الدبلوماسية التونسية وتصريحات مسؤولو صندوق النقد الدولي عن الاتفاق المالي المعلق مع تونس، والتي أكدت على أمرين، الأول عدم ورود مطلب تغيير أو مراجعة لمشروع الاتفاق المالي الأولي مع السلطات التونسية، والثاني في تأكيد صندوق النقد والمجتمع الدولي على أن مساعدة تونس وإنقاذ اقتصادها وانتشالها من الأزمة من أولويات عملها في الفترة المقبلة.
فرضيات
وعليه، فإن ثلاث فرضيات مختلفة تطرح في موضوع مصير الاتفاق المالي بين تونس وصندوق النقد خلال الفترة المقبلة وهي:
أولا، إمكانية تقدم السلطات التونسية بطلب رسمي لمراجعة الجدول الزمني لتنفيذ الإصلاحات الواردة بمشروع الاتفاقية كأن يتم طلب مهلة زمنية بسنة إضافية للتمهيد لبعض الإصلاحات التي سيكون لها كلفة اجتماعية مثل إصلاح منظومة الدعم (المحروقات والمواد الأساسية والغذائية) وهذا التأجيل يتناغم مع مقترح ايطالي قيد الدرس يتمثل في إسناد تونس قسطا أول من القرض المقدر بـ1.9 مليار دولار، دون شروط، على أن يتم التثبت في مدى التقدم في تنفيذ الإصلاحات المبرمجة قبل تسليم القسط الثاني..
ثانيا، عدم تقديم السلطات التونسية لأي طلب مراجعة لمشروع الاتفاق، وبقاء الأمر على حاله، أي التزام بتنفيذ الإصلاحات تدريجيا بعد الحصول على موافقة نهائية من صندوق النقد، وعدم قبول أي شروط تدفع بتنفيذ الإصلاحات حتى قبل الحصول على أقساط مالية من القرض.. وفي هذه الحالة يمكن أن تستفيد تونس من ضغوطات أوروبية لإقناع مجلس إدارة الصندوق بوجاهة ملفها وموقفها بناء على قاعدة احترام مبدأ السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشأن الوطني. وفي هذه الحالة تطرح أهمية استغلال ورقة الهجرة في علاقة بإيطاليا والاتحاد الأوروبي لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية في هذا الاتجاه.
ثالثا، إمكانية مراجعة جزئية لمشروع الاتفاق المالي، شرط تقديم صندوق النقد الضوء الأخضر لمؤسسات مالية مانحة والدول الشريكة لتونس تقديم مساعدات مالية واقتصادية وقروض ميسرة في خطة إنعاش عاجلة للمالية العمومية والاقتصاد الوطني، يتم تنفيذها بالتوازي مع القيام بإصلاحات هيكلية..
يذكر أن وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيّد، أجرى في إطار مشاركته في اجتماعات الربيع للبنك وصندوق النقد الدوليين المنعقدة بواشنطن من 11 إلى 14 أفريل الجاري، سلسلة من اللقاءات جمعته بعدد من مسؤولي مؤسسات مالية دولية وإقليمية وهيئات تنشط في المجالات التنموية والاستثمارية إلى جانب لقاءات مع عدد من نظرائه من عدة بلدان.
وكانت هذه اللقاءات، وفق بلاغ صدر أمس عن وزارة الاقتصاد والتخطيط، مناسبة للتداول حول التعاون القائم مع هذه المؤسسات وفرصة كذلك لحشد الدعم لتونس في مسارها الإصلاحي والتنموي .
وأكد سعيّد خلال هذه اللقاءات حرص الحكومة التونسية على المضي قدما في تنفيذ برامجها الإصلاحية تدريجيا، مع العمل في هذا التمشي على ضمان التلازم بين الانتعاش الاقتصادي والاستقرار والسلم الاجتماعية. وأكد في ذات السياق على أهمية التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي في أفضل الآجال حتى ينطلق العمل مع باقي الشركاء في تنفيذ برامج التعاون التي تم تدارسها.
من جانبهم عبر مسؤولو المؤسسات المالية الدولية والإقليمية على استعداد مؤسساتهم لمواصلة مرافقة تونس في مسارها الإصلاحي والتنموي، مؤكدين على ضرورة استكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والتوصل إلى اتفاق معه حتى تتمكن مؤسساتهم من التقدم في تجسيم البرامج التي تمت مناقشتها.
وفي سياق متصل، كان لرئيسة الحكومة لقاءين مع كل من سفير اليابان وسفير فرنسا بتونس، أول أمس بقصر الحكومة بالقصبة.
ووفق بلاغين منفصلين لرئاسة الحكومة، فقد تصدر المحادثات موضوع التعاون الثنائي، ودعم تونس في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي، وكان مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي جهاد ازعور، قد كشف أن الصندوق لم يفرض املاءات على تونس في إطار برنامج الإصلاحات الذي تقدمت به للحصول على تمويل، مشددا على انه برنامج تونسي بحت .
وقال أزعور، خلال ندوة صحفية انتظمت في إطار اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين، إن كل إصلاحات لها انعكاسات في إشارة إلى التداعيات المحتملة لبعض الإجراءات الاجتماعية والاقتصادية التي تضمنها البرنامج..
وكانت رئاسة الجمهورية قد عبرت عن مخاوفها من أن يدفع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي إلى غليان اجتماعي مع تأكيد رفضها إملاءات من الخارج في علاقة بالإصلاحات الاقتصادية الهيكلية التي يطلبها صندوق النقد الدولي بما في ذلك رفع الدعم على عدد من المواد الاستهلاكية الأساسية مقابل منحها التمويل.
وكان وزير الخارجية الإيطالي أنتونيو تاياني، قد أكد أن بلاده تريد من صندوق النقد الدولي البدء في صرف قرض لتونس من دون شروط.
وأوضح خلال مؤتمر صحافي مع نظيره التونسي نبيل عمار يوم الخميس الماضي، أن "مقترحنا هو البدء بتمويل تونس من خلال صندوق النقد الدولي ثم دفع قسط ثاني، بعد القسط الأول، مع تقدم الإصلاحات".
وشدد تاياني على أن القسطين يجب ألا يكونا "مشروطين بالكامل باختتام مسار الإصلاحات".
رفيق بن عبد الله
تونس-الصباح
تصدر مصير الاتفاق المالي المعلق بين تونس وصندوق النقد الدولي اهتمام الإعلام المحلي والدولي خلال الأسبوع المنقضي، وكان أيضا من أبرز محاور أنشطة الدبلوماسية التونسية في الداخل والخارج.. منها مشاركة وفد مكون من وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد، ومحافظ البنك المركزي مروان العباسي في اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن، وأيضا زيارة وزير الخارجية نبيل عمار لروما وسط الأسبوع المنقضي، وفي الداخل، لقاءات رئيسة الحكومة نجلاء بودن مع سفراء دول مؤثرة مثل فرنسا واليابان قبل يومين..
وجاء التطورات الحاصلة في موضوع تقدم المفاوضات بين تونس وصندوق النقد، والتي اتجهت جلها في منحى ايجابي، رغم موجة تشكيك وانتقاد واسعة للموقف التونسي الرسمي الذي تميز بتردد على مستوى الحكومة في تنفيذ الإصلاحات وبرمجتها، وفي تخوف وغموض ورفض ضمني على مستوى رئاسة الجمهورية..
ومعلوم أن المفاوضات توقفت عند مشروع الاتفاق الأولي على مستوى خبراء الصندوق في أكتوبر 2022، وبعد سحب ملف تونس من أمام الهيئة التنفيذية للصندوق في ديسمبر الماضي، وذلك بسبب اشتراط مجلس إدارة الصندوق مرور الحكومة التونسية إلى مستوى متقدم من تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي وردت في مشروع الاتفاق.
وتؤكد التطورات الأخيرة، التي تميزت بتحركات دولية أوروبية تقودها ايطاليا، للضغط على صناع القرار داخل مجلس إدارة صندوق النقد، مرة أخرى على أهمية حصول تونس على موافقة نهائية من صندوق النقد للخروج من الأزمة المالية والاقتصادية التي تعاني منها منذ أشهر عديدة..، لكن أيضا تؤكد على أن ملف علاقة تونس بصندوق النقد والمؤسسات المالية الدولية المانحة، وحتى التعاون الثنائي مع دول صديقة وشقيقة، لا يخلو من أبعاد سياسية إلى جانب الاقتصادية.
وبناء على ما تحركات الدبلوماسية التونسية وتصريحات مسؤولو صندوق النقد الدولي عن الاتفاق المالي المعلق مع تونس، والتي أكدت على أمرين، الأول عدم ورود مطلب تغيير أو مراجعة لمشروع الاتفاق المالي الأولي مع السلطات التونسية، والثاني في تأكيد صندوق النقد والمجتمع الدولي على أن مساعدة تونس وإنقاذ اقتصادها وانتشالها من الأزمة من أولويات عملها في الفترة المقبلة.
فرضيات
وعليه، فإن ثلاث فرضيات مختلفة تطرح في موضوع مصير الاتفاق المالي بين تونس وصندوق النقد خلال الفترة المقبلة وهي:
أولا، إمكانية تقدم السلطات التونسية بطلب رسمي لمراجعة الجدول الزمني لتنفيذ الإصلاحات الواردة بمشروع الاتفاقية كأن يتم طلب مهلة زمنية بسنة إضافية للتمهيد لبعض الإصلاحات التي سيكون لها كلفة اجتماعية مثل إصلاح منظومة الدعم (المحروقات والمواد الأساسية والغذائية) وهذا التأجيل يتناغم مع مقترح ايطالي قيد الدرس يتمثل في إسناد تونس قسطا أول من القرض المقدر بـ1.9 مليار دولار، دون شروط، على أن يتم التثبت في مدى التقدم في تنفيذ الإصلاحات المبرمجة قبل تسليم القسط الثاني..
ثانيا، عدم تقديم السلطات التونسية لأي طلب مراجعة لمشروع الاتفاق، وبقاء الأمر على حاله، أي التزام بتنفيذ الإصلاحات تدريجيا بعد الحصول على موافقة نهائية من صندوق النقد، وعدم قبول أي شروط تدفع بتنفيذ الإصلاحات حتى قبل الحصول على أقساط مالية من القرض.. وفي هذه الحالة يمكن أن تستفيد تونس من ضغوطات أوروبية لإقناع مجلس إدارة الصندوق بوجاهة ملفها وموقفها بناء على قاعدة احترام مبدأ السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشأن الوطني. وفي هذه الحالة تطرح أهمية استغلال ورقة الهجرة في علاقة بإيطاليا والاتحاد الأوروبي لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية في هذا الاتجاه.
ثالثا، إمكانية مراجعة جزئية لمشروع الاتفاق المالي، شرط تقديم صندوق النقد الضوء الأخضر لمؤسسات مالية مانحة والدول الشريكة لتونس تقديم مساعدات مالية واقتصادية وقروض ميسرة في خطة إنعاش عاجلة للمالية العمومية والاقتصاد الوطني، يتم تنفيذها بالتوازي مع القيام بإصلاحات هيكلية..
يذكر أن وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيّد، أجرى في إطار مشاركته في اجتماعات الربيع للبنك وصندوق النقد الدوليين المنعقدة بواشنطن من 11 إلى 14 أفريل الجاري، سلسلة من اللقاءات جمعته بعدد من مسؤولي مؤسسات مالية دولية وإقليمية وهيئات تنشط في المجالات التنموية والاستثمارية إلى جانب لقاءات مع عدد من نظرائه من عدة بلدان.
وكانت هذه اللقاءات، وفق بلاغ صدر أمس عن وزارة الاقتصاد والتخطيط، مناسبة للتداول حول التعاون القائم مع هذه المؤسسات وفرصة كذلك لحشد الدعم لتونس في مسارها الإصلاحي والتنموي .
وأكد سعيّد خلال هذه اللقاءات حرص الحكومة التونسية على المضي قدما في تنفيذ برامجها الإصلاحية تدريجيا، مع العمل في هذا التمشي على ضمان التلازم بين الانتعاش الاقتصادي والاستقرار والسلم الاجتماعية. وأكد في ذات السياق على أهمية التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي في أفضل الآجال حتى ينطلق العمل مع باقي الشركاء في تنفيذ برامج التعاون التي تم تدارسها.
من جانبهم عبر مسؤولو المؤسسات المالية الدولية والإقليمية على استعداد مؤسساتهم لمواصلة مرافقة تونس في مسارها الإصلاحي والتنموي، مؤكدين على ضرورة استكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والتوصل إلى اتفاق معه حتى تتمكن مؤسساتهم من التقدم في تجسيم البرامج التي تمت مناقشتها.
وفي سياق متصل، كان لرئيسة الحكومة لقاءين مع كل من سفير اليابان وسفير فرنسا بتونس، أول أمس بقصر الحكومة بالقصبة.
ووفق بلاغين منفصلين لرئاسة الحكومة، فقد تصدر المحادثات موضوع التعاون الثنائي، ودعم تونس في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي، وكان مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي جهاد ازعور، قد كشف أن الصندوق لم يفرض املاءات على تونس في إطار برنامج الإصلاحات الذي تقدمت به للحصول على تمويل، مشددا على انه برنامج تونسي بحت .
وقال أزعور، خلال ندوة صحفية انتظمت في إطار اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين، إن كل إصلاحات لها انعكاسات في إشارة إلى التداعيات المحتملة لبعض الإجراءات الاجتماعية والاقتصادية التي تضمنها البرنامج..
وكانت رئاسة الجمهورية قد عبرت عن مخاوفها من أن يدفع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي إلى غليان اجتماعي مع تأكيد رفضها إملاءات من الخارج في علاقة بالإصلاحات الاقتصادية الهيكلية التي يطلبها صندوق النقد الدولي بما في ذلك رفع الدعم على عدد من المواد الاستهلاكية الأساسية مقابل منحها التمويل.
وكان وزير الخارجية الإيطالي أنتونيو تاياني، قد أكد أن بلاده تريد من صندوق النقد الدولي البدء في صرف قرض لتونس من دون شروط.
وأوضح خلال مؤتمر صحافي مع نظيره التونسي نبيل عمار يوم الخميس الماضي، أن "مقترحنا هو البدء بتمويل تونس من خلال صندوق النقد الدولي ثم دفع قسط ثاني، بعد القسط الأول، مع تقدم الإصلاحات".
وشدد تاياني على أن القسطين يجب ألا يكونا "مشروطين بالكامل باختتام مسار الإصلاحات".