إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الاقتصاد التونسي..السناريوهات المتوقعة والحلول الممكنة

 

بقلم:د.ريم بالخذيري(*)

شهر أفريل 2023 سيظل محفورا في ذاكرة الاقتصاديين والسياسيين وعموم التونسيين لسنوات قادمة ففيه سيكون المنعرج نحو اليسر أو نحو العسر.

فهو الشهر الاخطر الذي يعيشه الاقتصاد التونسي منذ عقود وهو محمّل بالصعوبات التي لم تعرفها البلاد في كل أزماتها ولم تعرفها حتى في الكورونا.

بداية لابد من الاشارة الى أن خطورة شهر أفريل هذا لا تكمن فيه بحد ذاته وانما فيما سيترتب عنه في قادم الأشهر نظرا للالتزامات المحمولة على الدولة التونسية والمتمثلة في سداد ديون داخلية وأخرى خارجية.

البداية كانت منذ 13 أفريل حيث هنالك مواعيد هامة لتسديد بعض الديون الداخلية والخارجية، واهمها تسديد لسندات الديون السيادية طويلة المدى التي حلّ أجلها بمبلغ هو 950 مليون دينار تقريبا 300 مليون دولار وهو عبارة عن قسط مستوجب الدفع من الحكومة الى البنوك الداخلية من جملة 9 مليار دينار للسوق الداخلية.

وهذا الشهر سيكون فاصلا في مسار تونس الاقتصادي والاجتماعي بل سيكون محددا لاختيارات سياسية وربما تحالفات اقليمية وهو سيمثل اختبارا لقدرة تونس على تسديد هذه الديون وفي حالة التعثر وهو الاقرب للواقع سيبدأ المواطنون والمؤسسات بتحسس هذه الوضعية الصعبة.

وان كنّا لا نعرف هل نجحت الحكومة في تسديد القسط المستوجب دفعه فانّ ذلك لا يعد المشكل الحقيقي فالدولة التونسية في حال عدم الخلاص يمكن أن تلتجئ للبنك المركزي.رغم ما ينطوي على ذلك من مخاطر أقلها تخطّي التضخّم لحاجز 10 او 11 بالمائة. اضافة الى عجز البنوك على تمويل المشاريع الاستثمارية وكذلك اقراض الحرفاء حيث سيقتصر دورها في هذه الحالة على اقراض الدولة وترميم داعيات تعثّرها في السداد.

لكن الاخطر هو ضرورة الشروع في تسديد 6 مليار دينار للسوق الخارجية بالعملة الأجنبية، وهو ما يحتّم على حكومة بودنّ ايجاد طريقة للتمويل والدفع.

وفي ظلّ المعطيات الحالية فمن شبه المؤكّد ان يقع تعثّر في السداد بحكم ضعف الاستثمار وشحّ العملة الصعبة التي لاتكفي للتوريد لاكثر من 95 يوما فما بالك بتسديد جزء من القروض .وبلوغ ديوننا الخارجية حوالى 80% من ناتجها المحلي الإجمالي.

بريكس ..الانقاذ المستحيل

ومع احساس الكثيرين بخطورة الوضع الاقتصادي وصعوبة ايجاد اتفاق مع صندوق النقد الدولي تحمّس البعض ودعوا لمقاطعته و البحث عن مصادر تمويل واقراض أخرى .وطفا اسم "بريكس" على السطح وبدأ التسويق على أنه سفينة الانقاذ التي يجب أن نركبها .والواقع أن ّ ذلك يبقى مجرد حلم لن يتحقّق.

فيما يبدو أنّه خبر مؤكّد تسعى تونس الى الانضمام لمجموعة "بريكس" بحثا عن تمويل للميزانية أصبح في عداد الماضي من صندوق النقد الدولي بعد تصريح الرئيس سعيّد الأخير والذي رفض فيه كل تدخّل للصندوق في الخيارات الاقتصادية التونسية.

غير أنّ الانضمام لهاته المجموعة ليس بالأمر الهيّن ولن يحلّ المشاكل الاقتصادية الآنية وذلك لعدة اعتبارات:

أوّلها :ليس بالسهولة التي يسوّق لها البعض بل يستوجب شروطا صارمة لمن يريد الانضمام اليها .

ثانيها:الانضمام لا يحدث الاب عد موافقة كل الأعضاء و يقتضي ذلك من سنتين الى ثلاث.

ثالثها: مجموعة"بريكس" ليست جهة تمويل مباشر وعدد من دولها مدينة لصندوق النقد الدولي.

كما أن ديون تونس أخذت بالدولار وترد أيضا بالدولار.

وبريكس عبارة عن تكتل سياسي واقتصادي يضم كلا من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا وتسعى كل من الجزائر والسعودية وايران الانضمام اليها.

بمعنى أنها تطرح نفسها بديلا عن مجموعة الدول السبعة وبالتالي لا تقبل دولا متعثّرة اقتصاديّا

الانقاذ الممكن

برغم ما سلف ذكره فان الحكومة قادرة على انقاذ الاقتصاد من التهاوي حتى في ظل استمرار غياب تمويل صندوق النقد الدولي بالقرض الموعود اذا ما تمّ توحيد الرؤية الاقتصادية مع السياسيّة واذا ما تحلّت بالقوّة المطلوبة في حلّ الملفات الشائكة والتي تعيق النمو وتحرم من التمتع بالقروض وأهمّها ملف المؤسسات العمومية وكتلة الاجور والدعم . وهنا لابدّ من تكثيف الديبلوماسية الاقتصادية وتنويع مصادر الاقتراض وان بنسب مشطة لكنها ضرورية في انتظار عودة الاستثمار لنسقه الطبيعي كما وجب استغلال هذه العلاقات للتحصّل على أكبر قدر من الودائع البنكية والتي تعدّ كضمانات للمعاملات التجارية للدولة خاصة فيما يتعلّق بالتوريد للمواد الغذائية و الطاقة والأدوية.

كما باتت الحاجة ملحّة الى مراجعة مجلة الصّرف ولم لا العفو عن جزء من جرائم الصرّف المفتعل منها خاصة وذلك لحث المتحوزين على مئات المليارات من العملة الصعبة والتي يخزنونها في البيوت وفي محلات الصرف غير القانونية لادخالها الى المنظومة البنكية . وهي الخطوة المهمة التي وجب أن تسبق ادماج السوق الموازية في السوق الرسمية.

كما أن اصلاح النظام البنكي وتنقيح قانون الصكوك أصبح أمرا ملحّا لا يمكن الحديث عن نمو اقتصادي بدونه فهو المكبّل للاستثمار الداخلي خاصة.

ولأنّ الحلول للانقاذ وجب أن تكون سريعة وذاتية فانّه لم يعد ممكنا تجاهل الجالية التونسية وما تموّل به المالية العمومية من عملة صعبة والتي وفرت 20 بالمائة من الاحتياطي الوطني من العملة الصعبة، ومكّنت من تغطية الدين الخارجي خلال الأشهر السبعة الأولى من سنة 2022، وتفوقت على عائدات القطاع السياحي خلال نفس الفترة من سنة 2022.

ومع مزيد من العناية بهذا الجانب والعمل على تطويره فسيكون حلّا سريعا وفعّالا خاصة وأن نوايا الاستثمار لدى جاليتنا في بلادهم مرتفعة .

عود على بدء

المحصّلة أنّ الوقت يمرّ بسرعة ولا يسمح باصلاحات متوسطة المدى وحتى الاصلاحات السريعة لن تؤتي أكلها في خلال الأشهر القادمة لكنها يمكن أن تكون نوايا طيبة يحتاجها صندوق النقد الدولي والوسطاء من الأصدقاء والشركاء الذين أعربوا صراحة أن مصلحتهم تقتضي منح تونس القرض المنشود وهذا ما عبرّ عنه أكثر من مسؤول أوربي آخرهم وزير الخارجية الإيطالي أنتونيو تاياني منذ أيام.

*رئيسة المنتدى التونسي للاستشعار والتوقي من الجريمة الاقتصادية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الاقتصاد التونسي..السناريوهات المتوقعة والحلول الممكنة

 

بقلم:د.ريم بالخذيري(*)

شهر أفريل 2023 سيظل محفورا في ذاكرة الاقتصاديين والسياسيين وعموم التونسيين لسنوات قادمة ففيه سيكون المنعرج نحو اليسر أو نحو العسر.

فهو الشهر الاخطر الذي يعيشه الاقتصاد التونسي منذ عقود وهو محمّل بالصعوبات التي لم تعرفها البلاد في كل أزماتها ولم تعرفها حتى في الكورونا.

بداية لابد من الاشارة الى أن خطورة شهر أفريل هذا لا تكمن فيه بحد ذاته وانما فيما سيترتب عنه في قادم الأشهر نظرا للالتزامات المحمولة على الدولة التونسية والمتمثلة في سداد ديون داخلية وأخرى خارجية.

البداية كانت منذ 13 أفريل حيث هنالك مواعيد هامة لتسديد بعض الديون الداخلية والخارجية، واهمها تسديد لسندات الديون السيادية طويلة المدى التي حلّ أجلها بمبلغ هو 950 مليون دينار تقريبا 300 مليون دولار وهو عبارة عن قسط مستوجب الدفع من الحكومة الى البنوك الداخلية من جملة 9 مليار دينار للسوق الداخلية.

وهذا الشهر سيكون فاصلا في مسار تونس الاقتصادي والاجتماعي بل سيكون محددا لاختيارات سياسية وربما تحالفات اقليمية وهو سيمثل اختبارا لقدرة تونس على تسديد هذه الديون وفي حالة التعثر وهو الاقرب للواقع سيبدأ المواطنون والمؤسسات بتحسس هذه الوضعية الصعبة.

وان كنّا لا نعرف هل نجحت الحكومة في تسديد القسط المستوجب دفعه فانّ ذلك لا يعد المشكل الحقيقي فالدولة التونسية في حال عدم الخلاص يمكن أن تلتجئ للبنك المركزي.رغم ما ينطوي على ذلك من مخاطر أقلها تخطّي التضخّم لحاجز 10 او 11 بالمائة. اضافة الى عجز البنوك على تمويل المشاريع الاستثمارية وكذلك اقراض الحرفاء حيث سيقتصر دورها في هذه الحالة على اقراض الدولة وترميم داعيات تعثّرها في السداد.

لكن الاخطر هو ضرورة الشروع في تسديد 6 مليار دينار للسوق الخارجية بالعملة الأجنبية، وهو ما يحتّم على حكومة بودنّ ايجاد طريقة للتمويل والدفع.

وفي ظلّ المعطيات الحالية فمن شبه المؤكّد ان يقع تعثّر في السداد بحكم ضعف الاستثمار وشحّ العملة الصعبة التي لاتكفي للتوريد لاكثر من 95 يوما فما بالك بتسديد جزء من القروض .وبلوغ ديوننا الخارجية حوالى 80% من ناتجها المحلي الإجمالي.

بريكس ..الانقاذ المستحيل

ومع احساس الكثيرين بخطورة الوضع الاقتصادي وصعوبة ايجاد اتفاق مع صندوق النقد الدولي تحمّس البعض ودعوا لمقاطعته و البحث عن مصادر تمويل واقراض أخرى .وطفا اسم "بريكس" على السطح وبدأ التسويق على أنه سفينة الانقاذ التي يجب أن نركبها .والواقع أن ّ ذلك يبقى مجرد حلم لن يتحقّق.

فيما يبدو أنّه خبر مؤكّد تسعى تونس الى الانضمام لمجموعة "بريكس" بحثا عن تمويل للميزانية أصبح في عداد الماضي من صندوق النقد الدولي بعد تصريح الرئيس سعيّد الأخير والذي رفض فيه كل تدخّل للصندوق في الخيارات الاقتصادية التونسية.

غير أنّ الانضمام لهاته المجموعة ليس بالأمر الهيّن ولن يحلّ المشاكل الاقتصادية الآنية وذلك لعدة اعتبارات:

أوّلها :ليس بالسهولة التي يسوّق لها البعض بل يستوجب شروطا صارمة لمن يريد الانضمام اليها .

ثانيها:الانضمام لا يحدث الاب عد موافقة كل الأعضاء و يقتضي ذلك من سنتين الى ثلاث.

ثالثها: مجموعة"بريكس" ليست جهة تمويل مباشر وعدد من دولها مدينة لصندوق النقد الدولي.

كما أن ديون تونس أخذت بالدولار وترد أيضا بالدولار.

وبريكس عبارة عن تكتل سياسي واقتصادي يضم كلا من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا وتسعى كل من الجزائر والسعودية وايران الانضمام اليها.

بمعنى أنها تطرح نفسها بديلا عن مجموعة الدول السبعة وبالتالي لا تقبل دولا متعثّرة اقتصاديّا

الانقاذ الممكن

برغم ما سلف ذكره فان الحكومة قادرة على انقاذ الاقتصاد من التهاوي حتى في ظل استمرار غياب تمويل صندوق النقد الدولي بالقرض الموعود اذا ما تمّ توحيد الرؤية الاقتصادية مع السياسيّة واذا ما تحلّت بالقوّة المطلوبة في حلّ الملفات الشائكة والتي تعيق النمو وتحرم من التمتع بالقروض وأهمّها ملف المؤسسات العمومية وكتلة الاجور والدعم . وهنا لابدّ من تكثيف الديبلوماسية الاقتصادية وتنويع مصادر الاقتراض وان بنسب مشطة لكنها ضرورية في انتظار عودة الاستثمار لنسقه الطبيعي كما وجب استغلال هذه العلاقات للتحصّل على أكبر قدر من الودائع البنكية والتي تعدّ كضمانات للمعاملات التجارية للدولة خاصة فيما يتعلّق بالتوريد للمواد الغذائية و الطاقة والأدوية.

كما باتت الحاجة ملحّة الى مراجعة مجلة الصّرف ولم لا العفو عن جزء من جرائم الصرّف المفتعل منها خاصة وذلك لحث المتحوزين على مئات المليارات من العملة الصعبة والتي يخزنونها في البيوت وفي محلات الصرف غير القانونية لادخالها الى المنظومة البنكية . وهي الخطوة المهمة التي وجب أن تسبق ادماج السوق الموازية في السوق الرسمية.

كما أن اصلاح النظام البنكي وتنقيح قانون الصكوك أصبح أمرا ملحّا لا يمكن الحديث عن نمو اقتصادي بدونه فهو المكبّل للاستثمار الداخلي خاصة.

ولأنّ الحلول للانقاذ وجب أن تكون سريعة وذاتية فانّه لم يعد ممكنا تجاهل الجالية التونسية وما تموّل به المالية العمومية من عملة صعبة والتي وفرت 20 بالمائة من الاحتياطي الوطني من العملة الصعبة، ومكّنت من تغطية الدين الخارجي خلال الأشهر السبعة الأولى من سنة 2022، وتفوقت على عائدات القطاع السياحي خلال نفس الفترة من سنة 2022.

ومع مزيد من العناية بهذا الجانب والعمل على تطويره فسيكون حلّا سريعا وفعّالا خاصة وأن نوايا الاستثمار لدى جاليتنا في بلادهم مرتفعة .

عود على بدء

المحصّلة أنّ الوقت يمرّ بسرعة ولا يسمح باصلاحات متوسطة المدى وحتى الاصلاحات السريعة لن تؤتي أكلها في خلال الأشهر القادمة لكنها يمكن أن تكون نوايا طيبة يحتاجها صندوق النقد الدولي والوسطاء من الأصدقاء والشركاء الذين أعربوا صراحة أن مصلحتهم تقتضي منح تونس القرض المنشود وهذا ما عبرّ عنه أكثر من مسؤول أوربي آخرهم وزير الخارجية الإيطالي أنتونيو تاياني منذ أيام.

*رئيسة المنتدى التونسي للاستشعار والتوقي من الجريمة الاقتصادية