تعتبر العملة الأمريكية الدولار ضرورة لا مناص منها، ففي حال عدم ضخها في الأسواق العالمية سيشهد العالم ركوداً وانكماشاً في الأسواق الدولية لا نظير لهما، وسيؤدي إلى اضطرابات وقلاقل.
ولقد حلت هذه العملة محل الذهب الذي كان سائداً حتى وقتٍ قريب، فكتلة الذهب ليس بمقدروها تغطية الأسواق الدولية ولقد كانت الحاجة الى الذهب في التجارة حينما كان العالم لا يتعدى 500 مليون نسمة.
ومن خلال الدولار و انسيابه في الأسواق أسس لتطور التجارة الدولية ومن خلفها الصناعة التي شهدت تطوراً مضطرداً منذ العام 1975م ويعتبر الدولار السلعة الأهم على الاطلاق لارتباطه ارتباطاً وثيقاً بالبترول و مشتقاته، فكل مشتريات البترول في العالم تتم بالدولار وتتعدى 90% والعشرة بالمائة الباقية بعملات مختلفة وهو شرط أساسي بين المنتجين والأسواق وهكذا جاء مصطلح "بيترو دولار" للدلالة على سيطرة أمريكا على منابع النفط.
إذا كان البترول المحرك الأساسي للحضارة البشرية وبدونه سيعود العالم إلى العصور الوسطى فإن الدولار هو الشريان الحيوي الذي يتدفق من خلاله النفط للأسواق العالمية، لذا لا غرابة أن تسيطر أمريكا على العالم سيطرة مطلقة، الأمر الذي جعل أوروبا تُسرِّع في الذهاب إلى وحدة نقدية كانت مضطرة لها خوفاً على مصالحها ومحاولة منها لإيجاد موطئ قدم لها في الأسواق.
خوفا من أن تتحول عملتها إلى عملة محلية لا قيمة لها وتصبح هيمنة الدولار داخل أوروبا مسألة وقت لا غير.
فهذه الحرب على تخوم أوروبا لاستنزاف اقتصادها وإخراجها من دائرة المنافسة، لذا زاد الأمر من هيمنة فرنسا على مناطق نفوذها خوفاً مما هو آت..! ولقد ارتبطت هذه الأسواق عبر التاريخ برباط -اقتصادي تجاري ونقدي- وكذلك ثقافي من خلال المنظمة الفرنكوفونية ومن خلال سياسة خبيثة وذلك بدعمها للصادرات - والإغراق - وتخفيض التعرفة الجمركية، ومن خلال الترفيع على السلع الغير فرنسية، وهو الأمر الذي يخالف صراحةً إتفاقية الجات وما تلاها من تعديلات فالسلع الفرنسية غير قابلة للمنافسة في الأسواق الفرنكوفونية.
تعقيباً على ما ذكرناه حول الدولار فإن لأمريكا القدرة على امتصاص فائض القيمة من الشعوب قاطبةً وخاصةً المغلوبة منها، وتقوم أمريكا سنوياً بامتصاص فائض يتعدى ترليون دولار، وحينما تبدأ هذه الكتلة بالتدفق عائدة إلى أمريكا وهي غير قادرة على تلبية طلبات الموردين، وحتى لا يحدث أي تضخم تقوم بتبديدها وامتصاصها بطرائق عديدة، وقيل: لو عادت الكتلة النقدية الأمريكية التي تجوب العالم لملأت "المسسبي" من منبعه إلى مصبه، وإن كان هذا التعبير تعبيراً مجازياً ويحمل صيغ المبالغة إلا أنه لا يخلو من الحقيقة، لكن لا مناص للاقتصاد العالمي وتطوره من هذه العملة.
أما الطرائق فهي عديدة أهمها إثارة القلاقل عند المعابر المائية وافتعال الحروب هنا وهناك، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع أسعار البترول أولاً.. وثانياً العملات الإلكترونية المشفرة، وهي شركات تابعة للفدرالي المركزي، وإن كانت أمريكا تُعتِّم على صلتها بتلك الشركات، والجزء المتبقي يذهب مدخرات للأفراد والعائلات النافذة، كما يوضع ضمن الأموال السيادية للدول، وبعبارةٍ أدق أموال مجمدة.
وهنا لا يبقى سوى 11% التي تدخل السوق الأمريكية فتقوم بالترفيع في سعر الفائدة حتى تمتص ما يقارب 8% وبذلك يتبقى فقط 3% وهكذا تتكافأ السلع مع طلبات الموردين.
كما أن أهم المضائق والممرات الإدارية والتي تعتبر "سويفت" على رأسها وهي المؤسسة العملاقة التي يمر عبرها جُلَّ الناتج الإجمالي العالمي فهناك تتم الغربلة النهائية.
وهي أداة الضغط الأولى على الدول المارقة والمشكوك في ولائها، ولعل خير مثال فنزويلا التي تحولت إلى عصر المقايضة بعد أن جمدت أمريكا عضويتها في نظام "سويفت" وجعلتها تغرق في التضخم ولم يشفع لها كونها دولة بترولية تستحوذ على خامس احتياطي نفطي عالمي، فأمريكا لن تقبل بالشيوعية في العالم فما بالكم بأمريكا اللاتينية الحديقة الخلفية لأمريكا، وخير مثال كوبا التي عانت من الحصار لعقود إلا أنها استمرت بفضل الإتحاد السوفيتي، فالأمر اليوم لم يتوفر لفنزويلا.
إن المؤسسات الدولية "كالبنك الدولي، وسويفت، وصندوق النقد الدولي" تقوم بامتصاص الجزء الأكبر من النقد الفائض الذي يتعدى الناتج الإجمالي العالمي بمراتٍ ومرات، فهذه الأموال تسببت في افتقار دول الجنوب من خلال الأموال المنهوبة والتي تعود للساسة، الأمر الذي جعل دول الجنوب غير قادرة على تحقيق اكتفاءها الذاتي حتى من أبسط السلع، فالأسواق ما زالت حكراً على الدول العظمى على الرغم من اتفاقية الجات "GATT" 1947م . وكلها طرائق مدروسة لافتقار دول الجنوب.
وتعمل أمريكا على نشر قيماً ماديةً وما المغزى الحقيقي من الحرية إلا حرية التجارة، وتدفق الدولار عبر شرايين الاقتصاد العالمي، فمنذ الكساد العظيم تلاعبت أمريكا بعملات الدول الأوربية الأمر الذي أدى إلى الركود والانكماش في السلع والتضخم وعانت أوروبا من الفوضى واختفاء معظم السلع والبطالة وذلك لسنوات، الأمر الذي أفضى في نهاية المطاف إلى حربٍ عالمية كان من نتائجها التبعية لأمريكا، ناهيك اليوم عن الإفلاس المُتعمد للبنوك والذي يتكرر باستمرار في عدة دول وبأساليب تقنية معقدة يطول شرحها، كل هذا وذاك يؤدي في نهاية المطاف إلى امتصاص الكتلة النقدية "الدولار".
ويبقى الدولار عُملة غير قابلة للمنافسة، حتى وحدة النقد الأوربية ستبقى مترهلة في حال لم يكن لها إطار سياسي قوي كالوحدة الفيدرالية، وهذا ضرباً من ضروب الخيال لأنها قوميات متنافرة عبر التاريخ، ولقد تنبه منظرو الاقتصاد الأمريكي أن الوحدة مع الجنوب والذي كان مطلبه "الكونفيدرالية" لن تؤدي إلى قوة اقتصادية وليس للدولار أي معنى لذا وضعت الحرب "أوارها" مع الجنوب لسنواتٍ وسنوات ولم تضع "أوزارها" إلا بعد أن قبل الجنوب بالفيدرالية مهزوماً، لأن الكونفيدرالية لن تجعل لأمريكا أي تأثير دولي في عصرنا الراهن، ولن يكون للدولار تأثيره خارج جغرافية أمريكا.
أما أوروبا التي تلاعبت أمريكا بعملاتها كما ذكرنا منذ الكساد العظيم فإن هناك مخاطر تنتظرها وستكون انعكاساتها على وحدة نقدها ليس أقلها الحرب التي تقع على أبوابها، وتبقى وحدة النقد الأوروبية غير قادرة على المنافسة وربما حتى زوالها حسب رأي كل مُنظري النقد في العالم.
إن أمريكا الدولة الوحيدة مهما عانى ميزانها التجاري من العجز أو زاد حجم المديونية لا ينعكس البتة على نموها بخلاف كل دول العالم، فالعجز في الميزان التجاري لأي دولة ينعكس سلباً على ميزان مدفوعاتها وينعكس على النمو، الأمر الذي قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية وقلاقل سياسية، لأن أمريكا وبكل بساطة تُصدِّر للعالم أهم سلعة وهي "الدولار" الذي وبدونه تتوقف حركة التجارة الدولية، ولولا هذه العملة ما شهد العالم هذا التطور وهذا النمو.
وتبقى الحرب الروسية الأوكرانية سيفاً مسلطاً على أوروبا وعلى وحدتها المتعثرة أصلاً، وربما على الدول المرتبطة اقتصادياً بوحدة النقد الأوروبية، ولعل ما ينتظر أوروبا الاضطرابات والقلاقل ولا يعلم مآلات هذه الحرب ونهايتها إلا الله.
وبدأت تتجلى هذه الأزمة على أوروبا الأمر الذي يُعرِّض عملتها إلى مزالق خطيرة مثل التضخم، كما أن الحرب الروسية الأوكرانية تعود إلى أيام تفكك الإتحاد السوفيتي حيث رفضت أوكرانيا حينها تسليم السلاح النووي الذي ورثته عن الإتحاد السوفيتي، إلا أنه وبعد الضغط الأمريكي قبلت أوكرانيا بتسليم سلاحها النووي لروسيا مقابل ضمانات أمريكية جاءت وفق اتفاقية "ستارت2" 1991م التزمت أمريكا بموجبها بضمان وحدة أوكرانيا.
وهذه الحرب التي تدور على مشارف أوروبا هي من السيناريوهات الأمريكية المؤجلة، وليس أقلها بأن تذهب بوحدة النقد الأوروبية بعد استنزافها اقتصادياً.
ولقد استشعرت بريطانيا باكراً ما يُدبَّر لأوروبا والتي سيُستنزف اقتصادها وإعادتها إلى ما قبل عصر "اليورو" الأمر الذي جعلها ترفض القبول بوحدة النقد الأوروبية بديلاً عن عملتها.
وهكذا سيكون في حال ما صدقت التنبؤات السياسية لجل الإقتصاديين سترتبط عملات أوروبا بعد تفكك اليورو ارتباطاً وثيقاً بالدولار.
ولو عدنا بالزمن قليلاً إلى الوراء وتحديداً سنة 1975م حينما ألغى نيكسون العمل باتفاقية "بروتون ووتز" قال: إمبراطورية واحدة -وعملة واحدة- في حين كان الإتحاد السوفيتي لا يزال قائماً آنذاك...؟
*ناشط سياسي
بقلم:جبران العكرمي (*)
تعتبر العملة الأمريكية الدولار ضرورة لا مناص منها، ففي حال عدم ضخها في الأسواق العالمية سيشهد العالم ركوداً وانكماشاً في الأسواق الدولية لا نظير لهما، وسيؤدي إلى اضطرابات وقلاقل.
ولقد حلت هذه العملة محل الذهب الذي كان سائداً حتى وقتٍ قريب، فكتلة الذهب ليس بمقدروها تغطية الأسواق الدولية ولقد كانت الحاجة الى الذهب في التجارة حينما كان العالم لا يتعدى 500 مليون نسمة.
ومن خلال الدولار و انسيابه في الأسواق أسس لتطور التجارة الدولية ومن خلفها الصناعة التي شهدت تطوراً مضطرداً منذ العام 1975م ويعتبر الدولار السلعة الأهم على الاطلاق لارتباطه ارتباطاً وثيقاً بالبترول و مشتقاته، فكل مشتريات البترول في العالم تتم بالدولار وتتعدى 90% والعشرة بالمائة الباقية بعملات مختلفة وهو شرط أساسي بين المنتجين والأسواق وهكذا جاء مصطلح "بيترو دولار" للدلالة على سيطرة أمريكا على منابع النفط.
إذا كان البترول المحرك الأساسي للحضارة البشرية وبدونه سيعود العالم إلى العصور الوسطى فإن الدولار هو الشريان الحيوي الذي يتدفق من خلاله النفط للأسواق العالمية، لذا لا غرابة أن تسيطر أمريكا على العالم سيطرة مطلقة، الأمر الذي جعل أوروبا تُسرِّع في الذهاب إلى وحدة نقدية كانت مضطرة لها خوفاً على مصالحها ومحاولة منها لإيجاد موطئ قدم لها في الأسواق.
خوفا من أن تتحول عملتها إلى عملة محلية لا قيمة لها وتصبح هيمنة الدولار داخل أوروبا مسألة وقت لا غير.
فهذه الحرب على تخوم أوروبا لاستنزاف اقتصادها وإخراجها من دائرة المنافسة، لذا زاد الأمر من هيمنة فرنسا على مناطق نفوذها خوفاً مما هو آت..! ولقد ارتبطت هذه الأسواق عبر التاريخ برباط -اقتصادي تجاري ونقدي- وكذلك ثقافي من خلال المنظمة الفرنكوفونية ومن خلال سياسة خبيثة وذلك بدعمها للصادرات - والإغراق - وتخفيض التعرفة الجمركية، ومن خلال الترفيع على السلع الغير فرنسية، وهو الأمر الذي يخالف صراحةً إتفاقية الجات وما تلاها من تعديلات فالسلع الفرنسية غير قابلة للمنافسة في الأسواق الفرنكوفونية.
تعقيباً على ما ذكرناه حول الدولار فإن لأمريكا القدرة على امتصاص فائض القيمة من الشعوب قاطبةً وخاصةً المغلوبة منها، وتقوم أمريكا سنوياً بامتصاص فائض يتعدى ترليون دولار، وحينما تبدأ هذه الكتلة بالتدفق عائدة إلى أمريكا وهي غير قادرة على تلبية طلبات الموردين، وحتى لا يحدث أي تضخم تقوم بتبديدها وامتصاصها بطرائق عديدة، وقيل: لو عادت الكتلة النقدية الأمريكية التي تجوب العالم لملأت "المسسبي" من منبعه إلى مصبه، وإن كان هذا التعبير تعبيراً مجازياً ويحمل صيغ المبالغة إلا أنه لا يخلو من الحقيقة، لكن لا مناص للاقتصاد العالمي وتطوره من هذه العملة.
أما الطرائق فهي عديدة أهمها إثارة القلاقل عند المعابر المائية وافتعال الحروب هنا وهناك، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع أسعار البترول أولاً.. وثانياً العملات الإلكترونية المشفرة، وهي شركات تابعة للفدرالي المركزي، وإن كانت أمريكا تُعتِّم على صلتها بتلك الشركات، والجزء المتبقي يذهب مدخرات للأفراد والعائلات النافذة، كما يوضع ضمن الأموال السيادية للدول، وبعبارةٍ أدق أموال مجمدة.
وهنا لا يبقى سوى 11% التي تدخل السوق الأمريكية فتقوم بالترفيع في سعر الفائدة حتى تمتص ما يقارب 8% وبذلك يتبقى فقط 3% وهكذا تتكافأ السلع مع طلبات الموردين.
كما أن أهم المضائق والممرات الإدارية والتي تعتبر "سويفت" على رأسها وهي المؤسسة العملاقة التي يمر عبرها جُلَّ الناتج الإجمالي العالمي فهناك تتم الغربلة النهائية.
وهي أداة الضغط الأولى على الدول المارقة والمشكوك في ولائها، ولعل خير مثال فنزويلا التي تحولت إلى عصر المقايضة بعد أن جمدت أمريكا عضويتها في نظام "سويفت" وجعلتها تغرق في التضخم ولم يشفع لها كونها دولة بترولية تستحوذ على خامس احتياطي نفطي عالمي، فأمريكا لن تقبل بالشيوعية في العالم فما بالكم بأمريكا اللاتينية الحديقة الخلفية لأمريكا، وخير مثال كوبا التي عانت من الحصار لعقود إلا أنها استمرت بفضل الإتحاد السوفيتي، فالأمر اليوم لم يتوفر لفنزويلا.
إن المؤسسات الدولية "كالبنك الدولي، وسويفت، وصندوق النقد الدولي" تقوم بامتصاص الجزء الأكبر من النقد الفائض الذي يتعدى الناتج الإجمالي العالمي بمراتٍ ومرات، فهذه الأموال تسببت في افتقار دول الجنوب من خلال الأموال المنهوبة والتي تعود للساسة، الأمر الذي جعل دول الجنوب غير قادرة على تحقيق اكتفاءها الذاتي حتى من أبسط السلع، فالأسواق ما زالت حكراً على الدول العظمى على الرغم من اتفاقية الجات "GATT" 1947م . وكلها طرائق مدروسة لافتقار دول الجنوب.
وتعمل أمريكا على نشر قيماً ماديةً وما المغزى الحقيقي من الحرية إلا حرية التجارة، وتدفق الدولار عبر شرايين الاقتصاد العالمي، فمنذ الكساد العظيم تلاعبت أمريكا بعملات الدول الأوربية الأمر الذي أدى إلى الركود والانكماش في السلع والتضخم وعانت أوروبا من الفوضى واختفاء معظم السلع والبطالة وذلك لسنوات، الأمر الذي أفضى في نهاية المطاف إلى حربٍ عالمية كان من نتائجها التبعية لأمريكا، ناهيك اليوم عن الإفلاس المُتعمد للبنوك والذي يتكرر باستمرار في عدة دول وبأساليب تقنية معقدة يطول شرحها، كل هذا وذاك يؤدي في نهاية المطاف إلى امتصاص الكتلة النقدية "الدولار".
ويبقى الدولار عُملة غير قابلة للمنافسة، حتى وحدة النقد الأوربية ستبقى مترهلة في حال لم يكن لها إطار سياسي قوي كالوحدة الفيدرالية، وهذا ضرباً من ضروب الخيال لأنها قوميات متنافرة عبر التاريخ، ولقد تنبه منظرو الاقتصاد الأمريكي أن الوحدة مع الجنوب والذي كان مطلبه "الكونفيدرالية" لن تؤدي إلى قوة اقتصادية وليس للدولار أي معنى لذا وضعت الحرب "أوارها" مع الجنوب لسنواتٍ وسنوات ولم تضع "أوزارها" إلا بعد أن قبل الجنوب بالفيدرالية مهزوماً، لأن الكونفيدرالية لن تجعل لأمريكا أي تأثير دولي في عصرنا الراهن، ولن يكون للدولار تأثيره خارج جغرافية أمريكا.
أما أوروبا التي تلاعبت أمريكا بعملاتها كما ذكرنا منذ الكساد العظيم فإن هناك مخاطر تنتظرها وستكون انعكاساتها على وحدة نقدها ليس أقلها الحرب التي تقع على أبوابها، وتبقى وحدة النقد الأوروبية غير قادرة على المنافسة وربما حتى زوالها حسب رأي كل مُنظري النقد في العالم.
إن أمريكا الدولة الوحيدة مهما عانى ميزانها التجاري من العجز أو زاد حجم المديونية لا ينعكس البتة على نموها بخلاف كل دول العالم، فالعجز في الميزان التجاري لأي دولة ينعكس سلباً على ميزان مدفوعاتها وينعكس على النمو، الأمر الذي قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية وقلاقل سياسية، لأن أمريكا وبكل بساطة تُصدِّر للعالم أهم سلعة وهي "الدولار" الذي وبدونه تتوقف حركة التجارة الدولية، ولولا هذه العملة ما شهد العالم هذا التطور وهذا النمو.
وتبقى الحرب الروسية الأوكرانية سيفاً مسلطاً على أوروبا وعلى وحدتها المتعثرة أصلاً، وربما على الدول المرتبطة اقتصادياً بوحدة النقد الأوروبية، ولعل ما ينتظر أوروبا الاضطرابات والقلاقل ولا يعلم مآلات هذه الحرب ونهايتها إلا الله.
وبدأت تتجلى هذه الأزمة على أوروبا الأمر الذي يُعرِّض عملتها إلى مزالق خطيرة مثل التضخم، كما أن الحرب الروسية الأوكرانية تعود إلى أيام تفكك الإتحاد السوفيتي حيث رفضت أوكرانيا حينها تسليم السلاح النووي الذي ورثته عن الإتحاد السوفيتي، إلا أنه وبعد الضغط الأمريكي قبلت أوكرانيا بتسليم سلاحها النووي لروسيا مقابل ضمانات أمريكية جاءت وفق اتفاقية "ستارت2" 1991م التزمت أمريكا بموجبها بضمان وحدة أوكرانيا.
وهذه الحرب التي تدور على مشارف أوروبا هي من السيناريوهات الأمريكية المؤجلة، وليس أقلها بأن تذهب بوحدة النقد الأوروبية بعد استنزافها اقتصادياً.
ولقد استشعرت بريطانيا باكراً ما يُدبَّر لأوروبا والتي سيُستنزف اقتصادها وإعادتها إلى ما قبل عصر "اليورو" الأمر الذي جعلها ترفض القبول بوحدة النقد الأوروبية بديلاً عن عملتها.
وهكذا سيكون في حال ما صدقت التنبؤات السياسية لجل الإقتصاديين سترتبط عملات أوروبا بعد تفكك اليورو ارتباطاً وثيقاً بالدولار.
ولو عدنا بالزمن قليلاً إلى الوراء وتحديداً سنة 1975م حينما ألغى نيكسون العمل باتفاقية "بروتون ووتز" قال: إمبراطورية واحدة -وعملة واحدة- في حين كان الإتحاد السوفيتي لا يزال قائماً آنذاك...؟