إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الشيخ الفيلسوف سالم بن حميدة ومطالب إصلاح التعليم الزيتوني

 

 

 بقلم: الصحراوي قمعون(*)

    تتوالى محاولات إصلاح النظام التعليمي في تونس منذ الاستقلال، بدءا ببرنامج محمود المسعدي بداية الاستقلال، ومرورا ببرنامج محمد الشرفي بداية التسعينات، وصولا إلى المحاولات العديدة المتشابهة التي تلته في العشريتين الماضيتين، دون أن تجد المدرسة العمومية ضالتها في تعليم عصري وعلمي نوعي وذي جودة يستجيب لمتطلبات سوق الشغل.

إصلاحات متتالية من اجل مدرسة عصرية

وقبل الاستقلال كانت النقاشات في بداية القرن الماضي منصبة على إصلاح التعليم الزيتوني التقليدي حتى يلتحق بالنظام التعليمي العصري الذي شرعت فيه المدرسة الصادقية الحديثة عام 1875 التي بعثها الوزير الاكبر خيرالدين باشا ضمن اصلاحاته الادارية الشاملة .

 وهذه الأيام تجددت أخر هذه المحاولات الإصلاحية للمنظومة التربوية، بإعطاء اشارة انطلاق استشارة وطنية كبرى حول التعليم وذلك يوم 9 أفريل الجاري خلال زيارة رئيس الدولة قيس سعيد لمعهد سالم بن حميدة الثانوي بمدينة أكودة، تأكيدا للبعد الرمزي لهذا الشيخ الزيتوني الحداثي الذي سخر قلمه وموهبته في الخطابة، للمطالبة منذ عام 1910 بإصلاح التعليم الزيتوني التقليدي ثم تعليم المرأة وتحريرها .

   وقد ظل هذا الشيخ الحداثي يطالب بذلك في مقالاته الصحفية وفي كتابه " الزهريات" الذي خطه عام 1928 . بل إنه قرن القول بالفعل وأرسل بناته الست في ثلاثينات القرن الماضي إلى المدرسة والمعهد فتخرجن استاذات تعليم وجامعيات وكنَّ من أولي التونسيات الحاصلات علي الباكالوريا والشهائد الجامعية، كانت إحداهن السيدة أسيا بن حميدة أستاذة اللغة العربية في ليسي كارنو بالعاصمة ومدرسة الموسيقى وباعثة مهرجان موسيقى المالوف بتستور . وهي زوجة الوزير الأول الأسبق الهادي نويرة. وكان الشيخ سالم بن حميدة المولود عام 1882 بأكودة والملقب بـ"فيلسوف الساحل" ورائد الاصلاح الاجتماعي وتحرير المرأة، يكتب المقالات في صحيفة "التونسي" الناطقة بلسان حركة الشباب التونسى الإصلاحية التي مثلت امتدادا لحركة الإصلاح الوطني التي بدأت مع المصلح خير الدين التونسي وتوقفت بفشل سياسة الإصلاحات الوطنية واحتلال تونس من قبل الاستعمار الفرنسي عام 1881.

    وفي الوقت الذي كان فيه جانب من نخبة الوطنيين يعتقدون في تحرير تونس من طرف السلطنة العثمانية أو بسياسة الحوار والمشاركة مع الإدارة الاستعمارية، كان جانب أخر من الشباب التونسي ومن ضمنهم الشيخ سالم بن حميدة، يركز على إصلاح الأوضاع التونسية من الداخل والتعويل على إمكانيات البلاد الداخلية وتقويم الاعوجاج من الذات التي يمكن بفضلها ، إعداد العدة لاسترجاع السيادة أو التفكير في المطالبة باستقلال.

     واندرجت في هذا السياق المواقف الفكرية والسياسية المعلنة للشيخ الفيلسوف بن حميدة الذي كان يرى في استعمال القلم والصحافة أداة مثلى للإصلاح الاجتماعي وتغيير الأوضاع عبر اصلاح التعليم الزيتوني التقليدي .

    واندراجا في هذا الاعتقاد انخرط بقوة في مطالب حركة الشباب التونسي لإصلاح التعليم الزيتوني منذ 1910 لينتقل بعد ذلك في العشرينات إلى مرحلة أخرى من مطالب الإصلاح الاجتماعي وهي إصلاح أوضاع المرأة والمطالبة بتعليم المرأة التونسية التي ستكون معركته الكبرى طيلة حياته .

مطالب إصلاح التعليم الزيتوني التقليدي

وفي هذا الصدد نشر الشيخ بن حميدة مقالا بعنوان "هواجس الصدور في الجامع المعمور" في جريدة "التونسي " أمضاه بقلم "سالم الأكودي" في عددها ليوم 28 نوفمبر 1910 انتقد فيه بشدة طرق التدريس العقيمة في التعليم الزيتوني وسطحية وثرثرة الشيوخ المدرسين واعتمادهم علي النقل والحفظ وافتقادهم لأي حس نقدي تحليلي. وكتب في هذه المقالة المطولة يقول:

    "زرت بعض إخواني من الطلبة الزيتونيين فألقيته والأسى قد سطّر على صفحات وجهه الكئيب أية من آيات الحزن ....وجدته محتدما غيضا يكاد أن يعدمه الرشد فتنفّلت منه قواه المدركة. نعم وجدته على النحو الذي أبنته. ولكن هل علمتَ ممن يكاد يتميّز من الغيظ؟ وعَلاَمَ أحرق قلبه قبل أن يظهر في أجفانه فيض من الحقد؟ وأيّ فيض أثاره ضياع الوقت وحقد أنجبته في نفسه حياة المقت يغتاظ من شيخ مكْسال أو مهْذار أو مشعوذ في دروسه".

وبعد هذا المقال للشيخ بن حميدة ، نشر علي باش حانبة زعيم حركة الشباب التونسي مقالا انتقاديا في صحيفة "التونسي" تحت عنوان "القضاء الأهلي" انتقد فيه أوضاع التعليم الزيتوني وتخلف أساليب التعليم فيه، بما يمس من مصداقية الشهادات العلمية التي تسلمها الكلية الزيتونية ومن بينها التطويع التي تسمح بالعمل في الجهاز القضائي كحاكم، وأصبحت غير ذات بال بالنسبة للشهائد المسلمة من المدرسة الصادقية التي لها أساليب تدريس عصرية . ولاحظ باش حانبة أن إبداءه هذا الرأي ليس نكالة في الزيتونيين وإنما المقصود منه تنبيههم إلى ضرورة الحرص على توسيع أفاق معارفهم وعلى إحراز شهادة الحقوق.

    وكانت مساهمة الشيخ بن حميدة بارزة ومكثفة في الحملة الصحفية التي نظمتها جريدتا "التونسي" و"المنبر" في سنتي 1910 و 1911 لتوعية الزيتونيين بأهمية إصلاح التعليم الزيتوني . وكان من أبرز المقالات في هذا المجال تلك التي كتبها الشيخ سالم بن حميدة ونشرها في جريدة "المشير" الأسبوعية خلال سنة 1911، وذلك تباعا في إعدادها الستة التالية: ( 3-5-7-8-9-12).

ومثلت هذه المقالات تشريحا مفصلا لنقاط ضعف التعليم الزيتوني، وجاءت في منهج تحليلي منطقي تناول في الجزء الأول منها وضعية التلميذ ومعاناته، وفي الثاني وضعية الشيوخ وضعفهم العلمي. وتناول الجزء الثالث قضية الكتب التعليمية وهزالها . أما الجزء الرابع فتناول المناهج الإدارية في التسيير والمراقبة. وتناول الجزء الخامس موضوع "النظارة والادارة" ثم في الجزء السادس "الغاية من التعليم".

   وكان من نتائج هذه المقالات للشيخ بن حميدة وعلي باش حانبة ورفاقه من جماعة الشباب التونسي أن نشأت حركة للمطالبة بإصلاح التعليم الزيتوني. وتقدم وفد من الطلبة من الشباب التونسي بمجموعة من المطالب في عريضة طالبوا فيها بإصلاحات من أهمها ضبط الدروس وتقييدها بأوقات وأيام محددة وإلزام كل أستاذ يتخلف عن الدروس أن يثبت سبب ذلك وتعويض نظام التعليم الموكول إلى إدارة المدرسين بقانون ملائم للطرق العصرية وتعيين مدرسين يقومون بتدريس التاريخ بشرط أن يكونوا متخصصين في ذلك وإصلاح مدارس الإقامة وتحسينها.

 وقد اضطرت الحكومة إلى تشكيل لجنة للنظر في مطالب إصلاح التعليم . ولكن أمام تردد الإدارة في الاستجابة لمطالبهم قام الطلبة بالاتفاق على مقاطعة الدروس حتى الاستجابة لمطالبهم .

      وانعقد اجتماع احتجاجي في صحن الجامع الأعظم أشرف عليه علي باش حانبة بحضور الشيخ سالم بن حميدة وجموع الطلبة المضربين، قدم خلاله باش جانبه مطالب هؤلاء ، وأبرز فوائد الاجتماعات في إنهاض الأمم وتطوير الشعوب للحصول على الحرية. لكنه أردف بالقول إن "الحرية لا تعطى عفوا وإنما تؤخذ قسرا. لكن يجب قبل كل شيء استعمال الحكمة والرويّة في الحصول عليها".

      وحث الطلبة الزيتونيين على الحرص على طلب العلوم العصرية وعلى إدخال إصلاح جوهري واقترح إحداث معهد جديد يضاف إلى الجامع الأعظم يكون منفتحا على العلوم العصرية أكثر من الكلية الزيتونية .

     وقد تواصلت الاجتماعات الاحتجاجية في الزيتونة طيلة سنة 1910 وامتدت إلى سنة 1911 . وكانت أصداؤها واضحة في سيل المقالات الصحفية الداعية إلى الإصلاح الزيتوني.

وستتجدد وتتبلور هذه المطالب التعليمية عام 1920 بعد بعث الحزب الدستوري الحر ونشأة الحركة العمالية النقابية وبداية العمل السياسي المؤدي إلى الاستقلال الذي ستأتي معه مجانية التعليم ونشر المعرفة علي أوسع نطاق من طرف الدولة الوطنية المستنيرة الفتية التي جسمت في الحقيقة الأفكار الإصلاحية للشيخ سالم بن حميدة وتلميذه الطاهر الحداد في مجال إصلاح التعليم الزيتوني وبناء منظومة تعليمية مافتئت تتجدد عبر إصلاح مناهجها المستمر ضمانا لديمومتها وجودتها العليا واستجابتها لتطور المجتمع الذي تطبق فيه، الي جانب تعليم المرأة وتحريرها باعتبارها جوهر العملية الاصلاحية الشاملة للنهوض الحضاري.

*إعلامي

 

 

 

 الشيخ الفيلسوف سالم بن حميدة ومطالب إصلاح التعليم الزيتوني

 

 

 بقلم: الصحراوي قمعون(*)

    تتوالى محاولات إصلاح النظام التعليمي في تونس منذ الاستقلال، بدءا ببرنامج محمود المسعدي بداية الاستقلال، ومرورا ببرنامج محمد الشرفي بداية التسعينات، وصولا إلى المحاولات العديدة المتشابهة التي تلته في العشريتين الماضيتين، دون أن تجد المدرسة العمومية ضالتها في تعليم عصري وعلمي نوعي وذي جودة يستجيب لمتطلبات سوق الشغل.

إصلاحات متتالية من اجل مدرسة عصرية

وقبل الاستقلال كانت النقاشات في بداية القرن الماضي منصبة على إصلاح التعليم الزيتوني التقليدي حتى يلتحق بالنظام التعليمي العصري الذي شرعت فيه المدرسة الصادقية الحديثة عام 1875 التي بعثها الوزير الاكبر خيرالدين باشا ضمن اصلاحاته الادارية الشاملة .

 وهذه الأيام تجددت أخر هذه المحاولات الإصلاحية للمنظومة التربوية، بإعطاء اشارة انطلاق استشارة وطنية كبرى حول التعليم وذلك يوم 9 أفريل الجاري خلال زيارة رئيس الدولة قيس سعيد لمعهد سالم بن حميدة الثانوي بمدينة أكودة، تأكيدا للبعد الرمزي لهذا الشيخ الزيتوني الحداثي الذي سخر قلمه وموهبته في الخطابة، للمطالبة منذ عام 1910 بإصلاح التعليم الزيتوني التقليدي ثم تعليم المرأة وتحريرها .

   وقد ظل هذا الشيخ الحداثي يطالب بذلك في مقالاته الصحفية وفي كتابه " الزهريات" الذي خطه عام 1928 . بل إنه قرن القول بالفعل وأرسل بناته الست في ثلاثينات القرن الماضي إلى المدرسة والمعهد فتخرجن استاذات تعليم وجامعيات وكنَّ من أولي التونسيات الحاصلات علي الباكالوريا والشهائد الجامعية، كانت إحداهن السيدة أسيا بن حميدة أستاذة اللغة العربية في ليسي كارنو بالعاصمة ومدرسة الموسيقى وباعثة مهرجان موسيقى المالوف بتستور . وهي زوجة الوزير الأول الأسبق الهادي نويرة. وكان الشيخ سالم بن حميدة المولود عام 1882 بأكودة والملقب بـ"فيلسوف الساحل" ورائد الاصلاح الاجتماعي وتحرير المرأة، يكتب المقالات في صحيفة "التونسي" الناطقة بلسان حركة الشباب التونسى الإصلاحية التي مثلت امتدادا لحركة الإصلاح الوطني التي بدأت مع المصلح خير الدين التونسي وتوقفت بفشل سياسة الإصلاحات الوطنية واحتلال تونس من قبل الاستعمار الفرنسي عام 1881.

    وفي الوقت الذي كان فيه جانب من نخبة الوطنيين يعتقدون في تحرير تونس من طرف السلطنة العثمانية أو بسياسة الحوار والمشاركة مع الإدارة الاستعمارية، كان جانب أخر من الشباب التونسي ومن ضمنهم الشيخ سالم بن حميدة، يركز على إصلاح الأوضاع التونسية من الداخل والتعويل على إمكانيات البلاد الداخلية وتقويم الاعوجاج من الذات التي يمكن بفضلها ، إعداد العدة لاسترجاع السيادة أو التفكير في المطالبة باستقلال.

     واندرجت في هذا السياق المواقف الفكرية والسياسية المعلنة للشيخ الفيلسوف بن حميدة الذي كان يرى في استعمال القلم والصحافة أداة مثلى للإصلاح الاجتماعي وتغيير الأوضاع عبر اصلاح التعليم الزيتوني التقليدي .

    واندراجا في هذا الاعتقاد انخرط بقوة في مطالب حركة الشباب التونسي لإصلاح التعليم الزيتوني منذ 1910 لينتقل بعد ذلك في العشرينات إلى مرحلة أخرى من مطالب الإصلاح الاجتماعي وهي إصلاح أوضاع المرأة والمطالبة بتعليم المرأة التونسية التي ستكون معركته الكبرى طيلة حياته .

مطالب إصلاح التعليم الزيتوني التقليدي

وفي هذا الصدد نشر الشيخ بن حميدة مقالا بعنوان "هواجس الصدور في الجامع المعمور" في جريدة "التونسي " أمضاه بقلم "سالم الأكودي" في عددها ليوم 28 نوفمبر 1910 انتقد فيه بشدة طرق التدريس العقيمة في التعليم الزيتوني وسطحية وثرثرة الشيوخ المدرسين واعتمادهم علي النقل والحفظ وافتقادهم لأي حس نقدي تحليلي. وكتب في هذه المقالة المطولة يقول:

    "زرت بعض إخواني من الطلبة الزيتونيين فألقيته والأسى قد سطّر على صفحات وجهه الكئيب أية من آيات الحزن ....وجدته محتدما غيضا يكاد أن يعدمه الرشد فتنفّلت منه قواه المدركة. نعم وجدته على النحو الذي أبنته. ولكن هل علمتَ ممن يكاد يتميّز من الغيظ؟ وعَلاَمَ أحرق قلبه قبل أن يظهر في أجفانه فيض من الحقد؟ وأيّ فيض أثاره ضياع الوقت وحقد أنجبته في نفسه حياة المقت يغتاظ من شيخ مكْسال أو مهْذار أو مشعوذ في دروسه".

وبعد هذا المقال للشيخ بن حميدة ، نشر علي باش حانبة زعيم حركة الشباب التونسي مقالا انتقاديا في صحيفة "التونسي" تحت عنوان "القضاء الأهلي" انتقد فيه أوضاع التعليم الزيتوني وتخلف أساليب التعليم فيه، بما يمس من مصداقية الشهادات العلمية التي تسلمها الكلية الزيتونية ومن بينها التطويع التي تسمح بالعمل في الجهاز القضائي كحاكم، وأصبحت غير ذات بال بالنسبة للشهائد المسلمة من المدرسة الصادقية التي لها أساليب تدريس عصرية . ولاحظ باش حانبة أن إبداءه هذا الرأي ليس نكالة في الزيتونيين وإنما المقصود منه تنبيههم إلى ضرورة الحرص على توسيع أفاق معارفهم وعلى إحراز شهادة الحقوق.

    وكانت مساهمة الشيخ بن حميدة بارزة ومكثفة في الحملة الصحفية التي نظمتها جريدتا "التونسي" و"المنبر" في سنتي 1910 و 1911 لتوعية الزيتونيين بأهمية إصلاح التعليم الزيتوني . وكان من أبرز المقالات في هذا المجال تلك التي كتبها الشيخ سالم بن حميدة ونشرها في جريدة "المشير" الأسبوعية خلال سنة 1911، وذلك تباعا في إعدادها الستة التالية: ( 3-5-7-8-9-12).

ومثلت هذه المقالات تشريحا مفصلا لنقاط ضعف التعليم الزيتوني، وجاءت في منهج تحليلي منطقي تناول في الجزء الأول منها وضعية التلميذ ومعاناته، وفي الثاني وضعية الشيوخ وضعفهم العلمي. وتناول الجزء الثالث قضية الكتب التعليمية وهزالها . أما الجزء الرابع فتناول المناهج الإدارية في التسيير والمراقبة. وتناول الجزء الخامس موضوع "النظارة والادارة" ثم في الجزء السادس "الغاية من التعليم".

   وكان من نتائج هذه المقالات للشيخ بن حميدة وعلي باش حانبة ورفاقه من جماعة الشباب التونسي أن نشأت حركة للمطالبة بإصلاح التعليم الزيتوني. وتقدم وفد من الطلبة من الشباب التونسي بمجموعة من المطالب في عريضة طالبوا فيها بإصلاحات من أهمها ضبط الدروس وتقييدها بأوقات وأيام محددة وإلزام كل أستاذ يتخلف عن الدروس أن يثبت سبب ذلك وتعويض نظام التعليم الموكول إلى إدارة المدرسين بقانون ملائم للطرق العصرية وتعيين مدرسين يقومون بتدريس التاريخ بشرط أن يكونوا متخصصين في ذلك وإصلاح مدارس الإقامة وتحسينها.

 وقد اضطرت الحكومة إلى تشكيل لجنة للنظر في مطالب إصلاح التعليم . ولكن أمام تردد الإدارة في الاستجابة لمطالبهم قام الطلبة بالاتفاق على مقاطعة الدروس حتى الاستجابة لمطالبهم .

      وانعقد اجتماع احتجاجي في صحن الجامع الأعظم أشرف عليه علي باش حانبة بحضور الشيخ سالم بن حميدة وجموع الطلبة المضربين، قدم خلاله باش جانبه مطالب هؤلاء ، وأبرز فوائد الاجتماعات في إنهاض الأمم وتطوير الشعوب للحصول على الحرية. لكنه أردف بالقول إن "الحرية لا تعطى عفوا وإنما تؤخذ قسرا. لكن يجب قبل كل شيء استعمال الحكمة والرويّة في الحصول عليها".

      وحث الطلبة الزيتونيين على الحرص على طلب العلوم العصرية وعلى إدخال إصلاح جوهري واقترح إحداث معهد جديد يضاف إلى الجامع الأعظم يكون منفتحا على العلوم العصرية أكثر من الكلية الزيتونية .

     وقد تواصلت الاجتماعات الاحتجاجية في الزيتونة طيلة سنة 1910 وامتدت إلى سنة 1911 . وكانت أصداؤها واضحة في سيل المقالات الصحفية الداعية إلى الإصلاح الزيتوني.

وستتجدد وتتبلور هذه المطالب التعليمية عام 1920 بعد بعث الحزب الدستوري الحر ونشأة الحركة العمالية النقابية وبداية العمل السياسي المؤدي إلى الاستقلال الذي ستأتي معه مجانية التعليم ونشر المعرفة علي أوسع نطاق من طرف الدولة الوطنية المستنيرة الفتية التي جسمت في الحقيقة الأفكار الإصلاحية للشيخ سالم بن حميدة وتلميذه الطاهر الحداد في مجال إصلاح التعليم الزيتوني وبناء منظومة تعليمية مافتئت تتجدد عبر إصلاح مناهجها المستمر ضمانا لديمومتها وجودتها العليا واستجابتها لتطور المجتمع الذي تطبق فيه، الي جانب تعليم المرأة وتحريرها باعتبارها جوهر العملية الاصلاحية الشاملة للنهوض الحضاري.

*إعلامي