إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ترهلت منظومته وتعمقت أزمته .. هل يفعّل سعيد إصلاح التعليم في تونس؟

تونس – الصباح

يعيش قطاع التعليم في تونس على وقع الأزمات ورغم خطورة الفشل التربوي فإن محاولات الإصلاح لا تزال تراوح مكانها والى غاية اليوم لا تزال معظم البرامج والكتب المدرسية على حالها منذ سنوات.

وفي تشخيص للمنظومة التعليمية الحالية شدد العديد من المختصين في المجال التربوي على أن المنظومة الحالية دخلت منذ أكثر من ثلاثة عقود مرحلة اللاجودة وصارت خاضعة لمصالح شخصية وتجاذبات معلنة بين الوزارة والنقابات في المقابل تم إقصاء تام لجميع الأطراف ذات العلاقة كمنظمات المجتمع المدني والتلاميذ والأولياء.

وقد يكون هذا الوضع الذي دفع رئيس الدولة الى الحديث عن استشارة تشمل كل المعنيين بالشأن التربوي من المدرسة وصولا الى الجامعة وأنه يمكن للوزارات المعنية إطلاق هذه الاستشارات من أجل الوصول إلى إرساء إصلاح شامل لمنظومة التربية والتعليم في تونس خلال إحيائه لذكرى وفاة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة.

وأشرف رئيس الجمهورية قيس سعيّد، أول أمس الجمعة بقصر قرطاج، على جلسة عمل مع كل من نجلاء بودن رمضان، رئيسة الحكومة، ومحمد علي البوغديري، وزير التربية، ومنصف بوكثير، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، وكمال قديش، وزير الشباب والرياضة، وحياة قطاط القرمازي، وزيرة الشؤون الثقافية، وآمال بالحاج موسى، وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن.

وتناول الاجتماع وفق بلاغ للرئاسة موضوع الاستشارة الالكترونية التي أعلن رئيس الجمهورية عن تنظيمها حول إصلاح التربية والتعليم.

وأكّد رئيس الدولة على أن الإصلاح لا يمكن أن يكون كاملا إلا إذا تمّ وفق مقاربة شاملة تهمّ كل مراحل التعليم، وأن أي خطأ يمكن أن يحصل ليس من السهل تداركه إلا بعد سنوات، وأن أي ثمار لهذا الإصلاح لا يُمكن جَنْيها إلا بعد عقود.

وأشار رئيس الدولة، أيضا، إلى أن التربية والتعليم من قطاعات السيادة ولكن للأسف عرفا الكثير من التجاوزات حين تم توظيفهما لأهداف لا علاقة لها بالعلم وبالتربية، فقد تُحذف مواد أو تُغيّر ضوارب أو تُستبدل العطل إلى غير ذلك من الممارسات التي أدّت إلى تراجع واضح في مكاسب كانت تحققت وكان لها الأثر البالغ في كل مظاهر الحياة.

وأكّد رئيس الجمهورية على أن إدراج المجلس الأعلى للتربية والتعليم في نصّ الدستور لم يكن من قبيل الصدفة على الإطلاق، بل جاء انطلاقا من قناعة راسخة بأهمية العلم والتربية في حياة المجتمعات.

كما أذن رئيس الجمهورية بتكوين لجنة مكلفة بإعداد مشروع نصّ الاستشارة حول إصلاح التربية والتعليم ستنطلق في أشغالها الأسبوع القادم وستضمّ في عضويتها ممثلين عن الوزارات الحاضرة في هذا الاجتماع إضافة إلى ممثلين عن وزارة الشؤون الدينية ووزارة التكوين المهني والتشغيل، علاوة على مختصين في علم الاجتماع.

إصلاح التعليم

وللإشارة فقد شدد زيارة رئيس الجمهورية قيس سعيد الخميس الماضي على هامش زيارة أداها إلى معهد سالم بن حميدة بأكودة على أهمية إصلاح التعليم، واعتبر أن سالم بن حميدة قام بدعوات للإصلاح وله مواقف وعديد الكتابات التي لم تلقى حظها في تونس.

وكان سعيد تطرق خلال لقاء جمعه، الخميس الماضي بعدد من الأساتذة العاملين بمعهد سالم بن حميدة باكودة، ولاية سوسة الى أن الاستشارة وبناء منظومة تعليمية يمكن ان تحول دون إقدام أي وزير على استبدال النظام التعليمي وتحول دون ربط الحصول على القروض بتغيير المناهج التعليمية.

وأبرز أن الأمر لا يتعلق بوزارة التربية أو التعليم العالي بل يشمل مختلف الوزارات على غرار وزارة التكوين المهني والتشغيل ووزارة المرأة والأسرة والطفولة.

كما اعتبر أن أهمية التربية والتعليم في تونس تطلب إدراج المجلس الأعلى للتربية والتعليم ضمن الدستور خاصة وان التعليم يعد أهم ركيزة من ركائز النمو في تونس وان المجلس يشكل بناء على مقترحات الأولويات والمتدخلين .

ولاحظ ان إصلاح التعليم يتطلب مراجعة المناهج الى جانب تفعيل دور المدرسة العليا لترشيح المعلمين ومدارس ترشيح المعلمين الأخرى وإدخال مجموعة من البرامج التعليمية منذ الصفوف الأولى، التي تدعو أساسا الى حرية الفكر وتغرس قيم العمل والمواطنة.

وشدد على أن التعليم يقف سدا منيعا أمام التطرف في المجتمعات وأن تونس كانت تخصص خلال سبعينات القرن الماضي، زهاء 30 بالمائة من ميزانيتها للتعليم وانه يتعين المحافظة على الكفاءات المتوفرة اليوم وعلى الفكر الحر.

محورية المسألة التربوية..

وفي نفس السياق قال المختص في الشأن التربوي سليم قاسم انه لا بدّ أن نشير بداية إلى الإطار الذي تمّ فيه الإعلان عن جملة من التّوجّهات التي تهمّ مستقبل قطاع التّربية والتّعليم في بلادنا، ومن ثمّة مستقبل البلاد بأسرها، لأنّه إطار بالغ الرّمزيّة والأهمّيّة، فزمانا، كان التّاريخ هو موعد الاحتفاء بالزّعيم بورقيبة الذي لا يختلف اثنان في مراهنته على التّعليم ونجاحه في جعله إحدى ركائز دولة الاستقلال، أمّا مكانا فلابدّ من الانتباه إلى ثلاثة مستويات لا يقلّ أحدها قيمة وأهمّيّة عن الآخر: فنحن في مؤسّسة تربويّة، مع ما في ذلك من رسالة بالغة العمق والوضوح، وهي مؤسّسة تربويّة تحمل اسم علم من أعلام الفكر الإصلاحيّ التّونسيّ، وهو الشيخ سالم بن حميدة الذي ناضل فكريّا وميدانيّا من أجل تحرير العقل التّونسيّ من ربقة الجهل، ومن أجل أن يكون نور المعرفة حقّا مشاعا بين جميع بنات تونس وأبنائها، ونحن تحديدا داخل قاعة الأساتذة وفي حوار تلقائيّ ومطوّل بين أعلى هرم السّلطة وبين عدد من المربّين، في مشهد لم نملك معه إلاّ أن نتذكّر أحد الفشلة الذين مرّوا بوزارة التّربية، وهو يجتمع بعدد من التّلاميذ في مقرّ وزارته ليحرّضهم على معلّميهم بعد أن أفرغ أكثر من ألف مؤسّسة تربويّة من مديريها.. وإنّما بأضدادها تُعرف فعلا الأشياء.

وأشار قاسم الى أن العديد من النّقاط تستوقف متابع الحوار بين رئيس الجمهوريّة ونخبة من المربّين، أوّلها التّأكيد على محوريّة المسألة التّربويّة باعتبارها مسألة مصيريّة وذات أهمّيّة قصوى، ولعلّها أوّل مرّة نسمع فيها رئيسا يؤكّد أنّ "أهمّ شيء في تونس هو المجال التّربوي"، كما يشدّنا هذا التّركيز الصّريح على تثمين مكاسب مدرسة الجمهوريّة والحرص على دعمها، وأوّل هذه المكاسب هو حقّ الجميع في النّفاذ إلى تعليم جيّد بقطع النّظر عن الجهة أو الجنس أو الانتماء الاجتماعي، وحين نتحدّث عن التّعليم الجيّد، فإنّنا إنّما نتحدّث عن التّعليم الذي يمنح المتعلّمين القدرة على التّفكير الحرّ والبنّاء، وهي العبارات التي عادت في أكثر من موضع من الحوار. ومن النّقاط التي تستأثر بالاهتمام فيه أيضا، نذكر المراهنة على وعي الأسرة التّربويّة ونضجها ونضاليّتها، وإجلال هذه الأسرة والاعتراف بقيمتها وبنبل الدّور الذي تؤدّيه، كما نذكر بالتّوازي مع ذلك المراهنة على الأهالي ودورهم في مساندة المؤسّسة التّربويّة وصيانتها حتّى تكون قادرة على تأدية دورها المعرفيّ والحضاريّ.

واعتبر محدثنا أن طرح مسألة الاستشارة الموسّعة حول التّعليم مجدّدا، "يؤكد أننا أمام طرح نوعيّ يحمل تحوّلا جوهريّا يتمثّل في مشاركة جميع الأطراف المعنيّة، وهو ما يعني أنّه سيقع الإصغاء لأوّل مرّة لأصوات التّلاميذ، فضلا عن أصوات الأولياء والفاعلين في مختلف المجالات الاجتماعيّة والثّقافيّة والاقتصاديّة، بما ينبئ بآراء أثرى، وبحاضنة أوسع وأكثر فاعليّة للإصلاح القادم. كما أنّ الحديث عن إصلاح منظوميّ شامل لمختلف مستويات التّعليم والتّكوين، ولمختلف مكوّنات المنظومة، يقطع مع المقاربة التّجزيئيّة المقيتة التي لم تخدم سوى مصالح من فرضوها بشكل مسقط عقيم وفجّ."

وأفاد قاسم أن الرؤية التي تحكم المجلس الأعلى للتّربية والتّعليم، باتت واضحة، وهي رؤية جامعة لكلّ الوزارات المتدخّلة في بناء الإنسان التّونسيّ الذي يمثّل الثّروة الحقيقيّة للبلاد، أي وزارات الأسرة والمرأة والطّفولة وكبار السّنّ، ووزارة التّربية، ووزارة التّعليم العالي، ووزارة التّشغيل والتّكوين المهني، ولا شكّ أن وزارات أخرى ذات صلة ستكون حاضرة وفاعلة على غرار وزارة الثّقافة ووزارة الشّؤون الدّينيّة ووزارة الشّباب والرّياضة ووزارة الشّؤون الاجتماعيّة وغيرها. كما تتميّز هذه الرّؤية بطابعها الشّموليّ، حيث تشمل وضع السّياسات، ورسم البرامج، وإعداد الموارد البشريّة ذات الكفاءة العالية والعقيدة الصّميمة، وإعادة الرّوح إلى الأنشطة الثّقافيّة حتّى تعود المؤسّسة التّربويّة فضاء لتعلّم الحياة لا لهدر الوقت والطّاقات، وإعادة الاعتبار لقيم العمل والعلم والتّفكير الحرّ والأخلاق الرّفيعة.

من جانبها تُمّنت الجمعية التونسيّة للأولياء والتّلاميذ كلّ ما ورد على لسان رئيس الجمهورية على هامش إشرافه اول امس على إحياء الذّكرى الثالثة والعشرين لوفاة الزعيم الحبيب بورقيبة بخصوص قناعته بضرورة إصلاح جديد للتعليم وبتطوير المناهج التعليمية قصد النهوض بالمجتمع التّونسي وتأكيده على أنّ بناء المستقبل لا يكون إلاّ بالمدرسة والترّبية والتّعليم وإمكانية إجراء استشارة بمشاركة كلّ المُتدخّلين في مجال التّعليم بالإضافة إلى وزارتي التربية والتعليم العالي والبحث العلمي على غرار وزارات التّكوين المهني والتّشغيل والأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن.

واعتبرت الجمعية أن تضمين المجلس الأعلى للتربية والتعليم في الدستور نظرا لأهمية القطاع وتعبيره على أمله في إحداثه في أقرب الأوقات بناءا على مُقترحات كل المتدخّلين في الشأن التّربوي من بينهم الأولياء.

وحذرت الجمعية من الانعكاسات الخطيرة لتواتر الأزمات التي تعرفها مدرستنا العمومية منذ سنوات وإلى اليوم وما تمثله من تراكمات في مستوى الأضرار الحاصلة للتلاميذ خاصّة في ما يتعلق بالشّعور بالإحباط والتّهميش وعدم الـتّركيز وعدم وضوح الرّؤية بخصوص المستقبل وتدني التّحصيل العلمي وتراجع مستوى التعليم عموما وفقدان المدرسة لمبادئ المجانية وتكافؤ الفُرص والمصعد الاجتماعي وانعدام الثقة في التّعليم العمومي وتدعيم الفوارق بين مختلف فئات المجتمع وجهات البلاد.

كما دعت الجمعية رئيس الدولة إلى التدخّل لوضع حد لمسلسل حجب الأعداد ولمعاناة التلاميذ وأوليائهم وطمأنتهم على ما تبقّى من السنة الدراسيّة.

جهاد الكلبوسي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ترهلت منظومته وتعمقت أزمته .. هل يفعّل سعيد إصلاح التعليم في تونس؟

تونس – الصباح

يعيش قطاع التعليم في تونس على وقع الأزمات ورغم خطورة الفشل التربوي فإن محاولات الإصلاح لا تزال تراوح مكانها والى غاية اليوم لا تزال معظم البرامج والكتب المدرسية على حالها منذ سنوات.

وفي تشخيص للمنظومة التعليمية الحالية شدد العديد من المختصين في المجال التربوي على أن المنظومة الحالية دخلت منذ أكثر من ثلاثة عقود مرحلة اللاجودة وصارت خاضعة لمصالح شخصية وتجاذبات معلنة بين الوزارة والنقابات في المقابل تم إقصاء تام لجميع الأطراف ذات العلاقة كمنظمات المجتمع المدني والتلاميذ والأولياء.

وقد يكون هذا الوضع الذي دفع رئيس الدولة الى الحديث عن استشارة تشمل كل المعنيين بالشأن التربوي من المدرسة وصولا الى الجامعة وأنه يمكن للوزارات المعنية إطلاق هذه الاستشارات من أجل الوصول إلى إرساء إصلاح شامل لمنظومة التربية والتعليم في تونس خلال إحيائه لذكرى وفاة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة.

وأشرف رئيس الجمهورية قيس سعيّد، أول أمس الجمعة بقصر قرطاج، على جلسة عمل مع كل من نجلاء بودن رمضان، رئيسة الحكومة، ومحمد علي البوغديري، وزير التربية، ومنصف بوكثير، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، وكمال قديش، وزير الشباب والرياضة، وحياة قطاط القرمازي، وزيرة الشؤون الثقافية، وآمال بالحاج موسى، وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن.

وتناول الاجتماع وفق بلاغ للرئاسة موضوع الاستشارة الالكترونية التي أعلن رئيس الجمهورية عن تنظيمها حول إصلاح التربية والتعليم.

وأكّد رئيس الدولة على أن الإصلاح لا يمكن أن يكون كاملا إلا إذا تمّ وفق مقاربة شاملة تهمّ كل مراحل التعليم، وأن أي خطأ يمكن أن يحصل ليس من السهل تداركه إلا بعد سنوات، وأن أي ثمار لهذا الإصلاح لا يُمكن جَنْيها إلا بعد عقود.

وأشار رئيس الدولة، أيضا، إلى أن التربية والتعليم من قطاعات السيادة ولكن للأسف عرفا الكثير من التجاوزات حين تم توظيفهما لأهداف لا علاقة لها بالعلم وبالتربية، فقد تُحذف مواد أو تُغيّر ضوارب أو تُستبدل العطل إلى غير ذلك من الممارسات التي أدّت إلى تراجع واضح في مكاسب كانت تحققت وكان لها الأثر البالغ في كل مظاهر الحياة.

وأكّد رئيس الجمهورية على أن إدراج المجلس الأعلى للتربية والتعليم في نصّ الدستور لم يكن من قبيل الصدفة على الإطلاق، بل جاء انطلاقا من قناعة راسخة بأهمية العلم والتربية في حياة المجتمعات.

كما أذن رئيس الجمهورية بتكوين لجنة مكلفة بإعداد مشروع نصّ الاستشارة حول إصلاح التربية والتعليم ستنطلق في أشغالها الأسبوع القادم وستضمّ في عضويتها ممثلين عن الوزارات الحاضرة في هذا الاجتماع إضافة إلى ممثلين عن وزارة الشؤون الدينية ووزارة التكوين المهني والتشغيل، علاوة على مختصين في علم الاجتماع.

إصلاح التعليم

وللإشارة فقد شدد زيارة رئيس الجمهورية قيس سعيد الخميس الماضي على هامش زيارة أداها إلى معهد سالم بن حميدة بأكودة على أهمية إصلاح التعليم، واعتبر أن سالم بن حميدة قام بدعوات للإصلاح وله مواقف وعديد الكتابات التي لم تلقى حظها في تونس.

وكان سعيد تطرق خلال لقاء جمعه، الخميس الماضي بعدد من الأساتذة العاملين بمعهد سالم بن حميدة باكودة، ولاية سوسة الى أن الاستشارة وبناء منظومة تعليمية يمكن ان تحول دون إقدام أي وزير على استبدال النظام التعليمي وتحول دون ربط الحصول على القروض بتغيير المناهج التعليمية.

وأبرز أن الأمر لا يتعلق بوزارة التربية أو التعليم العالي بل يشمل مختلف الوزارات على غرار وزارة التكوين المهني والتشغيل ووزارة المرأة والأسرة والطفولة.

كما اعتبر أن أهمية التربية والتعليم في تونس تطلب إدراج المجلس الأعلى للتربية والتعليم ضمن الدستور خاصة وان التعليم يعد أهم ركيزة من ركائز النمو في تونس وان المجلس يشكل بناء على مقترحات الأولويات والمتدخلين .

ولاحظ ان إصلاح التعليم يتطلب مراجعة المناهج الى جانب تفعيل دور المدرسة العليا لترشيح المعلمين ومدارس ترشيح المعلمين الأخرى وإدخال مجموعة من البرامج التعليمية منذ الصفوف الأولى، التي تدعو أساسا الى حرية الفكر وتغرس قيم العمل والمواطنة.

وشدد على أن التعليم يقف سدا منيعا أمام التطرف في المجتمعات وأن تونس كانت تخصص خلال سبعينات القرن الماضي، زهاء 30 بالمائة من ميزانيتها للتعليم وانه يتعين المحافظة على الكفاءات المتوفرة اليوم وعلى الفكر الحر.

محورية المسألة التربوية..

وفي نفس السياق قال المختص في الشأن التربوي سليم قاسم انه لا بدّ أن نشير بداية إلى الإطار الذي تمّ فيه الإعلان عن جملة من التّوجّهات التي تهمّ مستقبل قطاع التّربية والتّعليم في بلادنا، ومن ثمّة مستقبل البلاد بأسرها، لأنّه إطار بالغ الرّمزيّة والأهمّيّة، فزمانا، كان التّاريخ هو موعد الاحتفاء بالزّعيم بورقيبة الذي لا يختلف اثنان في مراهنته على التّعليم ونجاحه في جعله إحدى ركائز دولة الاستقلال، أمّا مكانا فلابدّ من الانتباه إلى ثلاثة مستويات لا يقلّ أحدها قيمة وأهمّيّة عن الآخر: فنحن في مؤسّسة تربويّة، مع ما في ذلك من رسالة بالغة العمق والوضوح، وهي مؤسّسة تربويّة تحمل اسم علم من أعلام الفكر الإصلاحيّ التّونسيّ، وهو الشيخ سالم بن حميدة الذي ناضل فكريّا وميدانيّا من أجل تحرير العقل التّونسيّ من ربقة الجهل، ومن أجل أن يكون نور المعرفة حقّا مشاعا بين جميع بنات تونس وأبنائها، ونحن تحديدا داخل قاعة الأساتذة وفي حوار تلقائيّ ومطوّل بين أعلى هرم السّلطة وبين عدد من المربّين، في مشهد لم نملك معه إلاّ أن نتذكّر أحد الفشلة الذين مرّوا بوزارة التّربية، وهو يجتمع بعدد من التّلاميذ في مقرّ وزارته ليحرّضهم على معلّميهم بعد أن أفرغ أكثر من ألف مؤسّسة تربويّة من مديريها.. وإنّما بأضدادها تُعرف فعلا الأشياء.

وأشار قاسم الى أن العديد من النّقاط تستوقف متابع الحوار بين رئيس الجمهوريّة ونخبة من المربّين، أوّلها التّأكيد على محوريّة المسألة التّربويّة باعتبارها مسألة مصيريّة وذات أهمّيّة قصوى، ولعلّها أوّل مرّة نسمع فيها رئيسا يؤكّد أنّ "أهمّ شيء في تونس هو المجال التّربوي"، كما يشدّنا هذا التّركيز الصّريح على تثمين مكاسب مدرسة الجمهوريّة والحرص على دعمها، وأوّل هذه المكاسب هو حقّ الجميع في النّفاذ إلى تعليم جيّد بقطع النّظر عن الجهة أو الجنس أو الانتماء الاجتماعي، وحين نتحدّث عن التّعليم الجيّد، فإنّنا إنّما نتحدّث عن التّعليم الذي يمنح المتعلّمين القدرة على التّفكير الحرّ والبنّاء، وهي العبارات التي عادت في أكثر من موضع من الحوار. ومن النّقاط التي تستأثر بالاهتمام فيه أيضا، نذكر المراهنة على وعي الأسرة التّربويّة ونضجها ونضاليّتها، وإجلال هذه الأسرة والاعتراف بقيمتها وبنبل الدّور الذي تؤدّيه، كما نذكر بالتّوازي مع ذلك المراهنة على الأهالي ودورهم في مساندة المؤسّسة التّربويّة وصيانتها حتّى تكون قادرة على تأدية دورها المعرفيّ والحضاريّ.

واعتبر محدثنا أن طرح مسألة الاستشارة الموسّعة حول التّعليم مجدّدا، "يؤكد أننا أمام طرح نوعيّ يحمل تحوّلا جوهريّا يتمثّل في مشاركة جميع الأطراف المعنيّة، وهو ما يعني أنّه سيقع الإصغاء لأوّل مرّة لأصوات التّلاميذ، فضلا عن أصوات الأولياء والفاعلين في مختلف المجالات الاجتماعيّة والثّقافيّة والاقتصاديّة، بما ينبئ بآراء أثرى، وبحاضنة أوسع وأكثر فاعليّة للإصلاح القادم. كما أنّ الحديث عن إصلاح منظوميّ شامل لمختلف مستويات التّعليم والتّكوين، ولمختلف مكوّنات المنظومة، يقطع مع المقاربة التّجزيئيّة المقيتة التي لم تخدم سوى مصالح من فرضوها بشكل مسقط عقيم وفجّ."

وأفاد قاسم أن الرؤية التي تحكم المجلس الأعلى للتّربية والتّعليم، باتت واضحة، وهي رؤية جامعة لكلّ الوزارات المتدخّلة في بناء الإنسان التّونسيّ الذي يمثّل الثّروة الحقيقيّة للبلاد، أي وزارات الأسرة والمرأة والطّفولة وكبار السّنّ، ووزارة التّربية، ووزارة التّعليم العالي، ووزارة التّشغيل والتّكوين المهني، ولا شكّ أن وزارات أخرى ذات صلة ستكون حاضرة وفاعلة على غرار وزارة الثّقافة ووزارة الشّؤون الدّينيّة ووزارة الشّباب والرّياضة ووزارة الشّؤون الاجتماعيّة وغيرها. كما تتميّز هذه الرّؤية بطابعها الشّموليّ، حيث تشمل وضع السّياسات، ورسم البرامج، وإعداد الموارد البشريّة ذات الكفاءة العالية والعقيدة الصّميمة، وإعادة الرّوح إلى الأنشطة الثّقافيّة حتّى تعود المؤسّسة التّربويّة فضاء لتعلّم الحياة لا لهدر الوقت والطّاقات، وإعادة الاعتبار لقيم العمل والعلم والتّفكير الحرّ والأخلاق الرّفيعة.

من جانبها تُمّنت الجمعية التونسيّة للأولياء والتّلاميذ كلّ ما ورد على لسان رئيس الجمهورية على هامش إشرافه اول امس على إحياء الذّكرى الثالثة والعشرين لوفاة الزعيم الحبيب بورقيبة بخصوص قناعته بضرورة إصلاح جديد للتعليم وبتطوير المناهج التعليمية قصد النهوض بالمجتمع التّونسي وتأكيده على أنّ بناء المستقبل لا يكون إلاّ بالمدرسة والترّبية والتّعليم وإمكانية إجراء استشارة بمشاركة كلّ المُتدخّلين في مجال التّعليم بالإضافة إلى وزارتي التربية والتعليم العالي والبحث العلمي على غرار وزارات التّكوين المهني والتّشغيل والأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن.

واعتبرت الجمعية أن تضمين المجلس الأعلى للتربية والتعليم في الدستور نظرا لأهمية القطاع وتعبيره على أمله في إحداثه في أقرب الأوقات بناءا على مُقترحات كل المتدخّلين في الشأن التّربوي من بينهم الأولياء.

وحذرت الجمعية من الانعكاسات الخطيرة لتواتر الأزمات التي تعرفها مدرستنا العمومية منذ سنوات وإلى اليوم وما تمثله من تراكمات في مستوى الأضرار الحاصلة للتلاميذ خاصّة في ما يتعلق بالشّعور بالإحباط والتّهميش وعدم الـتّركيز وعدم وضوح الرّؤية بخصوص المستقبل وتدني التّحصيل العلمي وتراجع مستوى التعليم عموما وفقدان المدرسة لمبادئ المجانية وتكافؤ الفُرص والمصعد الاجتماعي وانعدام الثقة في التّعليم العمومي وتدعيم الفوارق بين مختلف فئات المجتمع وجهات البلاد.

كما دعت الجمعية رئيس الدولة إلى التدخّل لوضع حد لمسلسل حجب الأعداد ولمعاناة التلاميذ وأوليائهم وطمأنتهم على ما تبقّى من السنة الدراسيّة.

جهاد الكلبوسي