إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في الذكرى 23 لوفاته .. بورقيبة الزعيم الخالد رغم محاولات فسخ ذكراه

-علالة الرجيشي (محامي بورقيبة):"ملف قضية القبض والسجن بدون إذن قضائي تبعها الموت والإيذاء وسرقة أدباش من قصر قرطاج ومن منزله بحي الطرابلسية بالمنستير وإقامة شهادة طبية تتضمن وقائع مادية غير صحيحة مازالت أمام القضاء"

تونس –الصباح

يحيي التونسيون اليوم الذكرى 23 لوفاة أول رئيس للجمهورية التونسية، الحبيب بورقيبة الذي توفي في 6 أفريل 2000 والذي يعود له الفضل في إنشاء تونس الحديثة ووضع البلاد على سكة الحداثة والتقدم ومنح التونسيين مكاسب اعتبرت رائدة في الوطن العربي والقارة الإفريقية وقتها كالتعليم وحرية المرأة والتوازن السياسي داخليا وخارجيا.

الزعيم الحبيب بورقيبة، الذي يلقب وإلى حد اليوم بـ"أب التونسيين" و"المجاهد الأكبر" و"رائد الكفاح والإصلاح"، كان أول رئيس للجمهورية وأحد أكبر رموز استقلالها والقائد طيلة حوالي ثلاثة عقود، لم يغب عن أذهان التونسيين بكبيرهم وصغيرهم وهو الذي ارتبط اسم تونس تاريخا باسمه وطبع هذه البلاد بطباعه ومبادئه وأفكاره التي ظلت يعتدّ بها دوليا...

بورقيبة بقي خالدا في الأذهان رغم محاولات نظام 7 نوفمبر فسخ ذكراه ومحو تاريخه وكان يخشاه وهو حي ويخشاه وهو ميت. وكيف ننسى وقفة بن علي وزوجته على فراشه وهو مريض وكيف ننسى التعتيم الذي رافق جنازته؟.. عُرفت عنه مواقفه الريادية والسبّاقة في دولة عربية مسلمة عرفت الحداثة على يديه واتخذت لنفسها منهجا ذهل له الغرب نفسه خاصة فيما يتعلق بحرية المرأة والأحوال الشخصية والتعليم.. إضافة إلى مواقفه من مختلف قضايا العالم وخاصة قضية الشرق الأوسط وبالتحديد القضية الفلسطينية وهي مواقف أثارت جدلا واسعا في الدول العربية حيث تم اتهامه بالعمالة للغرب وإسرائيل بسبب دعوته مبكرا الفلسطينيين للقبول بمبدأ التقسيم والتفاوض مع المحتل الإسرائيلي من منطق قوة.

بورقيبة كان أول من رضخت له أمريكا على مستوى العالم وأول من هدد بقطع العلاقات معها اثر الاعتداء الإسرائيلي على حمام الشط والذي اضطرت فيه الولايات المتحدة ولأول مرة الى عدم استعمال الفيتو ضد إدانة إسرائيل وهي التي قبلت كذلك بإهانة سفيرها وطرده من مكتب الرئيس بقرطاج.

السجن الكبير

وفي حديث مع "الصباح" ذكر الأستاذ علالة الرجيشي محامي بورقيبة ان هذا الرمز الخالد وزعيم الأمة الأبدي الذي غادر الدنيا وهو لا يملك سوى منزل العائلة بحومة الطرابلسية بالمنستير والذي تم السطو عليه بعد وفاته وتم استرجاعه بحكم قضائي، تعرض لشتى أنواع الإهانة والذل من قبل نظام بن علي الذي وضعه في سجن كبير في ضاحية مرناق ثم في المنستير حيث لم يسمح له بالخروج ولا بالتحدث مع أحد حتى مع حلاقه وطباخه والمقربين من عائلته وهو ما جعل بورقيبة يشتكي النظام ويتوجه بدعوى الى وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بالمنستير بتاريخ 2 فيفري 1990 ليؤكد خلالها انه سجين دون وجه حق، مطالبا تمكينه من الخروج من السجن الضيق مشيرا في رسالته وشكواه حرفيا: "أصبحت كالسجين ولا ادري ماذا فعلت حتى أعامل بهذه القسوة.. أريد أن أخرج من هذا السجن الضيق ولم اقترف ما يبرر هذا السلوك الغريب.. تمكيني من الخروج لأزور أصدقائي وكل أهالي المنستير".

 

رسائل وشكوى

وأضاف الرجيشي أن هذه الرسالة لم تجد الصدى اللازم والمتابعة القضائية باعتبار أن قصر قرطاج تحت رئاسة بن علي وتحت أعين والي المنستير وقتها هو الذي كان يقرر خطوات ومصير بورقيبة مما جعل الزعيم يتوجه بتاريخ 3 ماي 1990 برسالة إلى بن علي نفسه يتشكى فيها الوضع اللاإنساني الذي يعيشه وقسوة معاملة والي المنستير معه وعدم السماح له بالخروج من سجنه أو لقاء أصدقائه وأحبابه طالبا إخراجه من السجن الضيق أين زج به حتى يتمكن من الالتقاء بأهله وأصدقائه"... وكان رد بن علي أن استقبل بورقيبة في القصر ليصور المشهد ويؤكد حسن معاملته واحترامه للزعيم الذي كان يحشاه حتى في عجزه وكان يحاول الحد من تأثيره النفسي على التونسيين ويحاول طمس ذكراه من ذلك اتلاف جميع الأرشيف المتعلق بالحركة الوطنية قصد طمس تاريخ الزعيم بورقيبة وتاريخ الدستوريين من ذلك خلق حزب جديد أطلق عليه اسم التجمع الدستوري الديمقراطي ليخلف الحزب الدستوري الديمقراطي الذي عقد مؤتمره الأول سنة 1988 في تنكر لتاريخ الحركة الوطنية ورموزها.

وضع بورقيبة جعل ابنه الحبيب بورقيبة الابن ومحاميه الأستاذ علالة الرجيشي يشتكيان بن علي ومن معه في قضية عدد 145/2011 لدى مكتب التحقيق الأول بالمحكمة الابتدائية بالمنستير بتهمة القبض والسجن بدون إذن قضائي لمدة تجاوزت الشهر تبعها الموت وكان بواسطة عدة أشخاص واستعمال السلاح وبإيذاء وسرقة أدباشه من قصر قرطاج ومن منزله بحي الطرابلسية بالمنستير واستخراج شهادة طبية تتضمن وقائع مادية غير صحيحة والغريب أن القضية ما زالت منشورة أمام القضاء حيث أصدرت محكمة التعقيب قرارها بتاريخ 15 جوان 2021 تحت عدد 5615 وإعادتها لدائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بالمنستير لإعادة النظر فيها مجددا بهيئة أخرى.

الجنازة وصمة عار في جبين النظام

خوف بن علي وسلطته من رئيسه السابق، ظهر جليا كذلك في جنازة الزعيم وما حاف بها من تعتيم إعلامي وعدم نقلها تلفزيا رغم أن التونسيين جميعا كانوا يرغبون في توديع رئيسهم السابق ومواكبة جنازته التي حضرها زعماء من العالم وعلى رأسهم الرئيس الفرنسي جاك شيراك والرئيس اليمني علي عبد الله صالح والجزائري عبد العزيز بوتفليقة والفلسطيني ياسر عرفات.. جنازة بورقيبة وما حاف بها ظلت وصمة عار على جبين نظام بن علي واعتبرت عيبا كبيرا وخطأ سياسيا وأخلاقيا..

إحياء ذكرى بورقيبة اليوم هي اعتراف بما قدمه لهذه البلاد ولشعبها واعترافا بأن مكانته لم تتزحزح وسيظل رمزا موحدا للتونسيين والذي ظلت تونس تبحث عنه بعد 14 جانفي كشخصية كاريزماتية واثقة من نفسها ومن خطواتها وصاحبة فلسفة ورؤية سياسية ثاقبة واستشراف يحسد عليه.

سفيان رجب

في الذكرى 23 لوفاته .. بورقيبة الزعيم الخالد رغم محاولات فسخ ذكراه

-علالة الرجيشي (محامي بورقيبة):"ملف قضية القبض والسجن بدون إذن قضائي تبعها الموت والإيذاء وسرقة أدباش من قصر قرطاج ومن منزله بحي الطرابلسية بالمنستير وإقامة شهادة طبية تتضمن وقائع مادية غير صحيحة مازالت أمام القضاء"

تونس –الصباح

يحيي التونسيون اليوم الذكرى 23 لوفاة أول رئيس للجمهورية التونسية، الحبيب بورقيبة الذي توفي في 6 أفريل 2000 والذي يعود له الفضل في إنشاء تونس الحديثة ووضع البلاد على سكة الحداثة والتقدم ومنح التونسيين مكاسب اعتبرت رائدة في الوطن العربي والقارة الإفريقية وقتها كالتعليم وحرية المرأة والتوازن السياسي داخليا وخارجيا.

الزعيم الحبيب بورقيبة، الذي يلقب وإلى حد اليوم بـ"أب التونسيين" و"المجاهد الأكبر" و"رائد الكفاح والإصلاح"، كان أول رئيس للجمهورية وأحد أكبر رموز استقلالها والقائد طيلة حوالي ثلاثة عقود، لم يغب عن أذهان التونسيين بكبيرهم وصغيرهم وهو الذي ارتبط اسم تونس تاريخا باسمه وطبع هذه البلاد بطباعه ومبادئه وأفكاره التي ظلت يعتدّ بها دوليا...

بورقيبة بقي خالدا في الأذهان رغم محاولات نظام 7 نوفمبر فسخ ذكراه ومحو تاريخه وكان يخشاه وهو حي ويخشاه وهو ميت. وكيف ننسى وقفة بن علي وزوجته على فراشه وهو مريض وكيف ننسى التعتيم الذي رافق جنازته؟.. عُرفت عنه مواقفه الريادية والسبّاقة في دولة عربية مسلمة عرفت الحداثة على يديه واتخذت لنفسها منهجا ذهل له الغرب نفسه خاصة فيما يتعلق بحرية المرأة والأحوال الشخصية والتعليم.. إضافة إلى مواقفه من مختلف قضايا العالم وخاصة قضية الشرق الأوسط وبالتحديد القضية الفلسطينية وهي مواقف أثارت جدلا واسعا في الدول العربية حيث تم اتهامه بالعمالة للغرب وإسرائيل بسبب دعوته مبكرا الفلسطينيين للقبول بمبدأ التقسيم والتفاوض مع المحتل الإسرائيلي من منطق قوة.

بورقيبة كان أول من رضخت له أمريكا على مستوى العالم وأول من هدد بقطع العلاقات معها اثر الاعتداء الإسرائيلي على حمام الشط والذي اضطرت فيه الولايات المتحدة ولأول مرة الى عدم استعمال الفيتو ضد إدانة إسرائيل وهي التي قبلت كذلك بإهانة سفيرها وطرده من مكتب الرئيس بقرطاج.

السجن الكبير

وفي حديث مع "الصباح" ذكر الأستاذ علالة الرجيشي محامي بورقيبة ان هذا الرمز الخالد وزعيم الأمة الأبدي الذي غادر الدنيا وهو لا يملك سوى منزل العائلة بحومة الطرابلسية بالمنستير والذي تم السطو عليه بعد وفاته وتم استرجاعه بحكم قضائي، تعرض لشتى أنواع الإهانة والذل من قبل نظام بن علي الذي وضعه في سجن كبير في ضاحية مرناق ثم في المنستير حيث لم يسمح له بالخروج ولا بالتحدث مع أحد حتى مع حلاقه وطباخه والمقربين من عائلته وهو ما جعل بورقيبة يشتكي النظام ويتوجه بدعوى الى وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بالمنستير بتاريخ 2 فيفري 1990 ليؤكد خلالها انه سجين دون وجه حق، مطالبا تمكينه من الخروج من السجن الضيق مشيرا في رسالته وشكواه حرفيا: "أصبحت كالسجين ولا ادري ماذا فعلت حتى أعامل بهذه القسوة.. أريد أن أخرج من هذا السجن الضيق ولم اقترف ما يبرر هذا السلوك الغريب.. تمكيني من الخروج لأزور أصدقائي وكل أهالي المنستير".

 

رسائل وشكوى

وأضاف الرجيشي أن هذه الرسالة لم تجد الصدى اللازم والمتابعة القضائية باعتبار أن قصر قرطاج تحت رئاسة بن علي وتحت أعين والي المنستير وقتها هو الذي كان يقرر خطوات ومصير بورقيبة مما جعل الزعيم يتوجه بتاريخ 3 ماي 1990 برسالة إلى بن علي نفسه يتشكى فيها الوضع اللاإنساني الذي يعيشه وقسوة معاملة والي المنستير معه وعدم السماح له بالخروج من سجنه أو لقاء أصدقائه وأحبابه طالبا إخراجه من السجن الضيق أين زج به حتى يتمكن من الالتقاء بأهله وأصدقائه"... وكان رد بن علي أن استقبل بورقيبة في القصر ليصور المشهد ويؤكد حسن معاملته واحترامه للزعيم الذي كان يحشاه حتى في عجزه وكان يحاول الحد من تأثيره النفسي على التونسيين ويحاول طمس ذكراه من ذلك اتلاف جميع الأرشيف المتعلق بالحركة الوطنية قصد طمس تاريخ الزعيم بورقيبة وتاريخ الدستوريين من ذلك خلق حزب جديد أطلق عليه اسم التجمع الدستوري الديمقراطي ليخلف الحزب الدستوري الديمقراطي الذي عقد مؤتمره الأول سنة 1988 في تنكر لتاريخ الحركة الوطنية ورموزها.

وضع بورقيبة جعل ابنه الحبيب بورقيبة الابن ومحاميه الأستاذ علالة الرجيشي يشتكيان بن علي ومن معه في قضية عدد 145/2011 لدى مكتب التحقيق الأول بالمحكمة الابتدائية بالمنستير بتهمة القبض والسجن بدون إذن قضائي لمدة تجاوزت الشهر تبعها الموت وكان بواسطة عدة أشخاص واستعمال السلاح وبإيذاء وسرقة أدباشه من قصر قرطاج ومن منزله بحي الطرابلسية بالمنستير واستخراج شهادة طبية تتضمن وقائع مادية غير صحيحة والغريب أن القضية ما زالت منشورة أمام القضاء حيث أصدرت محكمة التعقيب قرارها بتاريخ 15 جوان 2021 تحت عدد 5615 وإعادتها لدائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بالمنستير لإعادة النظر فيها مجددا بهيئة أخرى.

الجنازة وصمة عار في جبين النظام

خوف بن علي وسلطته من رئيسه السابق، ظهر جليا كذلك في جنازة الزعيم وما حاف بها من تعتيم إعلامي وعدم نقلها تلفزيا رغم أن التونسيين جميعا كانوا يرغبون في توديع رئيسهم السابق ومواكبة جنازته التي حضرها زعماء من العالم وعلى رأسهم الرئيس الفرنسي جاك شيراك والرئيس اليمني علي عبد الله صالح والجزائري عبد العزيز بوتفليقة والفلسطيني ياسر عرفات.. جنازة بورقيبة وما حاف بها ظلت وصمة عار على جبين نظام بن علي واعتبرت عيبا كبيرا وخطأ سياسيا وأخلاقيا..

إحياء ذكرى بورقيبة اليوم هي اعتراف بما قدمه لهذه البلاد ولشعبها واعترافا بأن مكانته لم تتزحزح وسيظل رمزا موحدا للتونسيين والذي ظلت تونس تبحث عنه بعد 14 جانفي كشخصية كاريزماتية واثقة من نفسها ومن خطواتها وصاحبة فلسفة ورؤية سياسية ثاقبة واستشراف يحسد عليه.

سفيان رجب