إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

استنزاف للطاقات وجدوى منقوصة للدراما التونسية | "زحمة" من الممثلين في العمل الواحد وإغراق المشهد بغير المحترفين زاد في تعقيد الأمور

 

تونس- الصباح

من ابرز صفات الدراما التلفزيونية في تونس هو أن كل عمل جديد  تحشر فيه تقريبا أغلب  الاسماء الناشطة في ساحة التمثيل حشرا حتى  يكاد لا يغيب احد منهم وإذا ما غاب احدهم يسهل ملاحظة غيابه.  وقد ازداد الأمر سوءا مع ما تقوم به بعض القنوات الخاصة من "اغراق" للمشهد مع كل عمل جديد بوجوه جديدة ليست كلها بطبيعة الحال مؤهلة للتمثيل، بل اغلب هذه الوجوه  تجد نفسها في قلب المعمعة دون أي تجربة سابقة وأحيانا بلا تكوين يذكر وأحيانا أخرى بلا موهبة تذكر.

وإذ ندرك أن ندرة الانتاج وراء "الزحمة" من الممثلين التي نشاهدها في أغلب الأعمال الدرامية، حيث تكون فرص العمل قليلة جدا، وحيث يكون هاجس ادارة الانتاج خاصة في التلفزيون العمومي، من جهة السعي لإرضاء أغلب الطلبات ودعوة اكثر ما يمكن من الاسماء المعروفة ومن جهة ثانية السعي  لتطعيم المشهد بوجوه جديدة، فإن ذلك ليس سببا كافيا لتستمر المعاناة، اي ان يتواصل العمل بنفس الطريقة. فهذه الطريقة  لا  نراها لائقة بالممثلين المحترفين الذين يتميز اغلبهم بكفاءة عالية، ولا بالوجوه الجديدة التي تجد نفسها في مناخ لا يتيح فرصة التعلم بهدوء، بل يزج بهم في مناخ عمل غير سليم كثيرا ما يعتم على الكفاءات الحقيقية.

صحيح، هناك اليوم اتجاه نحو البطولات الجماعية، لكن الأمر لا يتم بالطريقة المعتمدة في تونس، التي تستنزف فيها الطاقات. ففي الاعمال ذات البطولة الجماعية،  تفرد الاسماء المحترفة بمساحات هامة، وتكون محاطة باسماء أخرى دون أن تهيمن على وجودها أو أن تحاصرها أو تضيق عليها مجال التحرك. ثم أن كثرة الأسماء لا تتماشى مع الاعمال التي تتكون من حلقات قليلة ( 15 حلقة أو 20 حلقة على أكثر تقدير) وإنما  تتماشى مع الأعمال التي تدوم طويلا وتستمر سنوات على غرار ما يحدث مع الدراما التركية أو الأمريكية، حيث تجد المنتجين يسعون باستمرار إلى ضخ دماء جديدة حتى لا يشعر المتفرج بالملل، أو تضيف  اسما معروفا، من أجل انطلاقة جديدة للأحداث. 

عملية حشر للممثلين تقيد الحركة وتعيق الإبداع

أما والحال على ما هو عليه في تونس، فإن الممثل المحترف كثيرا ما يجد نفسه في زحمة شديدة تقيد حركته وتمنعه من تقديم افضل ما عنده لغياب المساحات وطبعا لغياب السيناريوهات التي تكتب لأسماء معينة أو تكتب  بطريقة احترافية تمكن الممثل من تفجير طاقاته، ثم إن التقاء عدد كبير من نجوم التمثيل وأغلب وجوه الدراما في عمل واحد يتطلب كتابة معينة تعتمد على زوايا  لا تضيق على الشخصيات ولا تجعلها مكدسة تكديسا وتجعل الملاحظ يعتقد أن حذف شخصية أو اكثر لا يؤثر في الاحداث.

ونعتقد أنّ الدراما في بلادنا وبعد سنوات خلنا أنّ الأمور بصدد التحسن، خاصة مع ملاحظة ارتفاع نسبي في  نسق الانتاج، وأساسا في تسعينات القرن الماضي، تسير وللأسف للوراء. فنحن اليوم بالكاد نظرف بعمل او عملين في السنة، والمؤسف أكثر أن حاضر الدراما في بلادنا رغم التطور الهائل في التكنولوجيا ورغم  بروز اسماء جيدة في التمثيل وفي الاخراج، اسوء بكثير من ماضيها والدليل على ذلك أن  التلفزة الوطنية بقناتيها الاولى والثانية تقتات على الأعمال القديمة وذلك طيلة السنة.

كما أننا نستطيع وببساطة ملاحظة أن المستوى يتراجع. صحيح، هناك بعض الأعمال الجيدة التي انتجت في الاعوام الاخيرة، مثل مسلسل "المايسترو" (الثنائي لسعد الوسلاتي وعماد الدين الحكيم انتاج 2019)  الذي يبدو أنه سيبقى حالة فريدة في الدراما التونسية لأننا لم نشهد فيما بعد أعمالا في مستواه  ( هناك اعمال اخرى تعتبر مقبولة مثل "الحرقة "1 و2 وقد انتجت التلفزة الوطنية، هذه الأعمال)، لكن المستوى عموما ينحدر على مختلف المستويات.

بيئة غير تونسية وواقع غريب مسقط على واقعنا

 ولعل نقطة الضعف الكبرى التي تهم مجمل الاعمال هو ذلك  الابتعاد عن الطابع التونسي وعن النكهة التونسية. فالأعمال الجديدة خاصة تلك التي تنتجها قنوات خاصة، هي عبارة عن تقليد ومحاكاة لأعمال أجنبية يقع إسقاطها على البيئة التونسية. ولعل مسلسل "فلوجة" الذي تبثه قناة الحوار التونسي في شهر رمضان وقد اثار ضجة بسبب ما اعتبر مساسا بالمدرسة في تونس( الاحداث تهتم بمشاكل الشباب التلمذي) من أبرز  الأدلة واحدثها الدالة على هذا التقليد وهذه المحاكاة. فالمسلسل مستلهم في كل تفاصيله بما في ذلك الديكور والالوان والبيئة ومظهر الممثلين، عموما من اعمال معروفة تبثها منصة نتلفليكس.

وفي ظل هذه النوعية من الاعمال، لا يمكن طبعا أن نأمل في أن يجد الممثل- إلا ما ندر – قيمته ومكانته والادوار التي تتناسب مع مؤهلاته ومع تجربته، بل على العكس، كل شيء يؤكد أن الممثل أو الممثلة في تونس ينحي أو تنحين  لما هو موجود وإلا ما الذي يجبر ممثلا كبيرا أو ممثلة كبيرة ( من حيث القيمة) إلى القبول بأدوار رديئة ومخجلة احيانا لأن كل ما فيها، اي الشخصية، مواقفها، حضورها، الرسالة التي توجهها للمتفرج، تؤكد أن الممثل ما كان ليقبل بها لو توفرت فرصة الاختيار.

ولنا أن نشير إلى أن الدراما في تونس لم تزدد تخلفا فحسب وإنما أصبحت بشهادة المختصين، عبئا على الجمهور سواء لرداءتها على مستوى الفن والإبداع، أو لما تستبطنه من أفكار وما تروجه أحيانا من مواقف مثيرة تهدف إلى استقطاب الجمهور وتحقيق نسب عالية من المشاهدة على حساب القيم الفنية.

 فأي موقع للممثل المبدع في اعمال كهذه وأين فرص التكوين والتعلم للجيل الناشئ في اعمال من هذه النوعية؟

 حياة السايب

استنزاف للطاقات وجدوى منقوصة للدراما التونسية | "زحمة" من الممثلين في العمل  الواحد وإغراق المشهد بغير المحترفين زاد في تعقيد الأمور

 

تونس- الصباح

من ابرز صفات الدراما التلفزيونية في تونس هو أن كل عمل جديد  تحشر فيه تقريبا أغلب  الاسماء الناشطة في ساحة التمثيل حشرا حتى  يكاد لا يغيب احد منهم وإذا ما غاب احدهم يسهل ملاحظة غيابه.  وقد ازداد الأمر سوءا مع ما تقوم به بعض القنوات الخاصة من "اغراق" للمشهد مع كل عمل جديد بوجوه جديدة ليست كلها بطبيعة الحال مؤهلة للتمثيل، بل اغلب هذه الوجوه  تجد نفسها في قلب المعمعة دون أي تجربة سابقة وأحيانا بلا تكوين يذكر وأحيانا أخرى بلا موهبة تذكر.

وإذ ندرك أن ندرة الانتاج وراء "الزحمة" من الممثلين التي نشاهدها في أغلب الأعمال الدرامية، حيث تكون فرص العمل قليلة جدا، وحيث يكون هاجس ادارة الانتاج خاصة في التلفزيون العمومي، من جهة السعي لإرضاء أغلب الطلبات ودعوة اكثر ما يمكن من الاسماء المعروفة ومن جهة ثانية السعي  لتطعيم المشهد بوجوه جديدة، فإن ذلك ليس سببا كافيا لتستمر المعاناة، اي ان يتواصل العمل بنفس الطريقة. فهذه الطريقة  لا  نراها لائقة بالممثلين المحترفين الذين يتميز اغلبهم بكفاءة عالية، ولا بالوجوه الجديدة التي تجد نفسها في مناخ لا يتيح فرصة التعلم بهدوء، بل يزج بهم في مناخ عمل غير سليم كثيرا ما يعتم على الكفاءات الحقيقية.

صحيح، هناك اليوم اتجاه نحو البطولات الجماعية، لكن الأمر لا يتم بالطريقة المعتمدة في تونس، التي تستنزف فيها الطاقات. ففي الاعمال ذات البطولة الجماعية،  تفرد الاسماء المحترفة بمساحات هامة، وتكون محاطة باسماء أخرى دون أن تهيمن على وجودها أو أن تحاصرها أو تضيق عليها مجال التحرك. ثم أن كثرة الأسماء لا تتماشى مع الاعمال التي تتكون من حلقات قليلة ( 15 حلقة أو 20 حلقة على أكثر تقدير) وإنما  تتماشى مع الأعمال التي تدوم طويلا وتستمر سنوات على غرار ما يحدث مع الدراما التركية أو الأمريكية، حيث تجد المنتجين يسعون باستمرار إلى ضخ دماء جديدة حتى لا يشعر المتفرج بالملل، أو تضيف  اسما معروفا، من أجل انطلاقة جديدة للأحداث. 

عملية حشر للممثلين تقيد الحركة وتعيق الإبداع

أما والحال على ما هو عليه في تونس، فإن الممثل المحترف كثيرا ما يجد نفسه في زحمة شديدة تقيد حركته وتمنعه من تقديم افضل ما عنده لغياب المساحات وطبعا لغياب السيناريوهات التي تكتب لأسماء معينة أو تكتب  بطريقة احترافية تمكن الممثل من تفجير طاقاته، ثم إن التقاء عدد كبير من نجوم التمثيل وأغلب وجوه الدراما في عمل واحد يتطلب كتابة معينة تعتمد على زوايا  لا تضيق على الشخصيات ولا تجعلها مكدسة تكديسا وتجعل الملاحظ يعتقد أن حذف شخصية أو اكثر لا يؤثر في الاحداث.

ونعتقد أنّ الدراما في بلادنا وبعد سنوات خلنا أنّ الأمور بصدد التحسن، خاصة مع ملاحظة ارتفاع نسبي في  نسق الانتاج، وأساسا في تسعينات القرن الماضي، تسير وللأسف للوراء. فنحن اليوم بالكاد نظرف بعمل او عملين في السنة، والمؤسف أكثر أن حاضر الدراما في بلادنا رغم التطور الهائل في التكنولوجيا ورغم  بروز اسماء جيدة في التمثيل وفي الاخراج، اسوء بكثير من ماضيها والدليل على ذلك أن  التلفزة الوطنية بقناتيها الاولى والثانية تقتات على الأعمال القديمة وذلك طيلة السنة.

كما أننا نستطيع وببساطة ملاحظة أن المستوى يتراجع. صحيح، هناك بعض الأعمال الجيدة التي انتجت في الاعوام الاخيرة، مثل مسلسل "المايسترو" (الثنائي لسعد الوسلاتي وعماد الدين الحكيم انتاج 2019)  الذي يبدو أنه سيبقى حالة فريدة في الدراما التونسية لأننا لم نشهد فيما بعد أعمالا في مستواه  ( هناك اعمال اخرى تعتبر مقبولة مثل "الحرقة "1 و2 وقد انتجت التلفزة الوطنية، هذه الأعمال)، لكن المستوى عموما ينحدر على مختلف المستويات.

بيئة غير تونسية وواقع غريب مسقط على واقعنا

 ولعل نقطة الضعف الكبرى التي تهم مجمل الاعمال هو ذلك  الابتعاد عن الطابع التونسي وعن النكهة التونسية. فالأعمال الجديدة خاصة تلك التي تنتجها قنوات خاصة، هي عبارة عن تقليد ومحاكاة لأعمال أجنبية يقع إسقاطها على البيئة التونسية. ولعل مسلسل "فلوجة" الذي تبثه قناة الحوار التونسي في شهر رمضان وقد اثار ضجة بسبب ما اعتبر مساسا بالمدرسة في تونس( الاحداث تهتم بمشاكل الشباب التلمذي) من أبرز  الأدلة واحدثها الدالة على هذا التقليد وهذه المحاكاة. فالمسلسل مستلهم في كل تفاصيله بما في ذلك الديكور والالوان والبيئة ومظهر الممثلين، عموما من اعمال معروفة تبثها منصة نتلفليكس.

وفي ظل هذه النوعية من الاعمال، لا يمكن طبعا أن نأمل في أن يجد الممثل- إلا ما ندر – قيمته ومكانته والادوار التي تتناسب مع مؤهلاته ومع تجربته، بل على العكس، كل شيء يؤكد أن الممثل أو الممثلة في تونس ينحي أو تنحين  لما هو موجود وإلا ما الذي يجبر ممثلا كبيرا أو ممثلة كبيرة ( من حيث القيمة) إلى القبول بأدوار رديئة ومخجلة احيانا لأن كل ما فيها، اي الشخصية، مواقفها، حضورها، الرسالة التي توجهها للمتفرج، تؤكد أن الممثل ما كان ليقبل بها لو توفرت فرصة الاختيار.

ولنا أن نشير إلى أن الدراما في تونس لم تزدد تخلفا فحسب وإنما أصبحت بشهادة المختصين، عبئا على الجمهور سواء لرداءتها على مستوى الفن والإبداع، أو لما تستبطنه من أفكار وما تروجه أحيانا من مواقف مثيرة تهدف إلى استقطاب الجمهور وتحقيق نسب عالية من المشاهدة على حساب القيم الفنية.

 فأي موقع للممثل المبدع في اعمال كهذه وأين فرص التكوين والتعلم للجيل الناشئ في اعمال من هذه النوعية؟

 حياة السايب

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews