لم يكن الاحتفال بالذكرى 67 لعيد الاستقلال بتونس مختلفا عن المناسبات السابقة في مرحلة ما بعد 2011، بعد أن أصبحت هذه المناسبة الهامة كغيرها من الأعياد الوطنية الأخرى تخضع للمزاجية الحزبية والصراعات السياسية. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تعداه ليصبح هذا "العيد" محل مزايدات سياسية لدى البعض، ومحل تشكيك و"نكران الذات" أو تندر من قبل البعض الآخر، بما من شأنه أن يساهم في تعميق أزمة الخلافات المسيطرة على المشهد العام في تونس في هذه المرحلة.
الأمر الذي دفع البعض إلى إطلاق صيحات تنبيه وتحذير من تداعيات ذلك السلبية على السيادة الوطنية إذا ما تواصلت نفس اللامبالاة ومثل هذه "الإكراهات" تلقي بظلالها على مثل هذه المناسبات، والدور الذي يمكن أن تلعبه في توسيع دائرة الانقسامات في مستويات الشارع التونسي والنخب والسياسيين وغيرهم. يأتي ذلك بعد أن كان عيد الاستقلال مناسبة هامة لتكريس روح الوطنية لدى مختلف الأجيال وتوحيد صفوف كل التونسيين وجمع كل الفرقاء حول حب الوطن وتعلق همم الجميع بوحدته واستقلالية قراره وسيادته والرفع من شأنه وقراره بين البلدان والأمم نظرا لقيمة هذا "العيد" الإنسانية والتاريخية والحضارية والوطنية، باعتبار أن في ذكرى الاحتفال به تأكيدا على ضرورة التعلق بهمة الوطن وإعادة أحياء إلى الأذهان ونبش في الذاكرة التاريخية لصور وأحداث دموية تذكر بأن بلادنا قبل سبعة عقود كانت مسلوبة الحرية ومن ثمة المواطنون وثرواتها التي كانت كلها ترزح تحت إرادة المستعمر. ثم أن عددا كبيرا من أجدادنا ضحوا بأرواحهم وانسكبت دماؤهم الزكية في ربوع مختلفة من تراب بلادنا في نضالهم لتحرير أرضها من بين المستعمر وأن دماء سفكت ودموعا ذرفت من أجل تحقيق بلادنا لتلك للحظة الاستقلال التاريخية.
وإذا كانت المناسبات التي عقبت ثورة 2011 قد مرت كلها باهتة دون طعم أو لون، ولم ترفرف فيها أعلام تونس على النحو الذي يفترض أن يكون. الأمر الذي استنكرته عديد الجهات الوطنية، فإن احتفالية هذا العام، أثبتت مرة أخرى أن مسألة "استقلال الوطن" أو السيادة الوطنية ظلت مفردات ومناسبات دون معنى تذكر لدى البعض. خاصة أنها تأتي في مرحلة لم تعد فيها السيادة الوطنية واستقلال القرار الوطني تعني الكثير لدى البعض من السياسيين والموالين لهم من مجالات مختلفة، بعد أن وضع الفرقاء السياسيون أثناء الصراع القائم بين المعارضة ورئيس الجمهورية قيس سعيد على "السلطة"، كل المفاهيم والقيم تقريبا في "سلة" واحدة بهدف الإطاحة بمنظومته حتى وإن كلف ذلك الإطاحة بالدولة والتفريط في السيادة الوطنية مثلما ذهبت إلى ذلك عديد القراءات سواء في المحاولات المتكررة للاستنجاد بالأجنبي والاستقواء به في صراع سياسي داخلي أو السماح بتدخله في قضايا وشؤون وطنية داخلية بحتة أو دفع القرار الخارجي ضد المصلحة الوطنية والمواطنين. ويكفي متابعة الجدل القائم حول هذه المناسبة على صفحات بعض الأحزاب أو الأطراف السياسية والمولين لهم للتأكد من حجم هذه الأزمة الوطنية، خاصة أنها تأتي في فترة تواصل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية بسبب الارتفاع المسجل في الأسعار وندرة بعض المواد الاستهلاكية وتزايد نسب الفقر وعدم قدرة الطبقات المتوسطة من المجتمع على ضمان متطلبات العيش الكريم. مقابل غياب البرامج الإصلاحية أو البديلة الواضحة من قبل سلطة الإشراف رغم مباشرة البرلمان الجديد لمهامه. وقد كان لاختيار أنصار الرئيس قيس سعيد "الاستئثار" بهذا اليوم للخروج إلى الشارع بعد الدعوات التي وجهتها أحزاب وحركات سياسية داعمة لمسار 25 جويلية أو غيرهم من أنصار الرئيس، وذلك للاحتفال بذكرى عيد الاستقلال والتعبير عن دعمهم لسياسية سعيد، دوره في نفور أعداد أخرى من المواطنين أو السياسيين المعارضين للمسار لعدم المشاركة في هذه الاحتفالات وعدم النزول إلى الشارع الرمز وسط العاصمة، رغم البرامج الاحتفالية الواسعة التي نظمتها جهات رسمية ومحلية وجهوية. وذلك بمقاطعة المعارضة لهذه الاحتفاليات على اعتبار أن الانخراط فيها هو تأكيد لانخراطها في مشروع سعيد، رغم يقين الجميع أن عيد الاستقلال هو عيد كل التونسيين أو المشاركة في الاحتفال به هو احتفال بحرية وسيادة تونس. فيما رأى البعض الآخر أن في التفاف أي جهة حزبية أو سياسية على مثل هذه المناسبات والأعياد الوطنية من العوامل التي ساهمت في إفقادها جانبا من قيمتها ومعانيها لدى البعض الآخر ممن يرفض الاحتفال بهذه المناسبات تحت ألوان حزبية، على اعتبار أنه ليس هناك اعتراف إلا بالراية الوطنية.
لذلك كانت الآراء التي تستنكر هذه المناسبة والأخرى التي حولتها إلى مناسبة للتندر أو طرح مقاربات أخرى مفادها أن استقلال بلادنا كان شكليا وأن الدولة اليوم في حاجة إلى العمل على مزيد تكريس معنى ومفهوم الاستقلال.
إلا أن البعض الآخر لا يزال ينشد أو تحكمه آمال بإيجاد مداخل لأي تدخل أو ضغوط خارجية، يمكنها إيقاف عجلة المحاسبة والمسار الذي يقوده سعيد على أمل العودة أو البقاء في دائرة القرار والحكم دون الاعتراف بآلية "الصناديق" في الوصول إلى ذلك.
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
لم يكن الاحتفال بالذكرى 67 لعيد الاستقلال بتونس مختلفا عن المناسبات السابقة في مرحلة ما بعد 2011، بعد أن أصبحت هذه المناسبة الهامة كغيرها من الأعياد الوطنية الأخرى تخضع للمزاجية الحزبية والصراعات السياسية. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تعداه ليصبح هذا "العيد" محل مزايدات سياسية لدى البعض، ومحل تشكيك و"نكران الذات" أو تندر من قبل البعض الآخر، بما من شأنه أن يساهم في تعميق أزمة الخلافات المسيطرة على المشهد العام في تونس في هذه المرحلة.
الأمر الذي دفع البعض إلى إطلاق صيحات تنبيه وتحذير من تداعيات ذلك السلبية على السيادة الوطنية إذا ما تواصلت نفس اللامبالاة ومثل هذه "الإكراهات" تلقي بظلالها على مثل هذه المناسبات، والدور الذي يمكن أن تلعبه في توسيع دائرة الانقسامات في مستويات الشارع التونسي والنخب والسياسيين وغيرهم. يأتي ذلك بعد أن كان عيد الاستقلال مناسبة هامة لتكريس روح الوطنية لدى مختلف الأجيال وتوحيد صفوف كل التونسيين وجمع كل الفرقاء حول حب الوطن وتعلق همم الجميع بوحدته واستقلالية قراره وسيادته والرفع من شأنه وقراره بين البلدان والأمم نظرا لقيمة هذا "العيد" الإنسانية والتاريخية والحضارية والوطنية، باعتبار أن في ذكرى الاحتفال به تأكيدا على ضرورة التعلق بهمة الوطن وإعادة أحياء إلى الأذهان ونبش في الذاكرة التاريخية لصور وأحداث دموية تذكر بأن بلادنا قبل سبعة عقود كانت مسلوبة الحرية ومن ثمة المواطنون وثرواتها التي كانت كلها ترزح تحت إرادة المستعمر. ثم أن عددا كبيرا من أجدادنا ضحوا بأرواحهم وانسكبت دماؤهم الزكية في ربوع مختلفة من تراب بلادنا في نضالهم لتحرير أرضها من بين المستعمر وأن دماء سفكت ودموعا ذرفت من أجل تحقيق بلادنا لتلك للحظة الاستقلال التاريخية.
وإذا كانت المناسبات التي عقبت ثورة 2011 قد مرت كلها باهتة دون طعم أو لون، ولم ترفرف فيها أعلام تونس على النحو الذي يفترض أن يكون. الأمر الذي استنكرته عديد الجهات الوطنية، فإن احتفالية هذا العام، أثبتت مرة أخرى أن مسألة "استقلال الوطن" أو السيادة الوطنية ظلت مفردات ومناسبات دون معنى تذكر لدى البعض. خاصة أنها تأتي في مرحلة لم تعد فيها السيادة الوطنية واستقلال القرار الوطني تعني الكثير لدى البعض من السياسيين والموالين لهم من مجالات مختلفة، بعد أن وضع الفرقاء السياسيون أثناء الصراع القائم بين المعارضة ورئيس الجمهورية قيس سعيد على "السلطة"، كل المفاهيم والقيم تقريبا في "سلة" واحدة بهدف الإطاحة بمنظومته حتى وإن كلف ذلك الإطاحة بالدولة والتفريط في السيادة الوطنية مثلما ذهبت إلى ذلك عديد القراءات سواء في المحاولات المتكررة للاستنجاد بالأجنبي والاستقواء به في صراع سياسي داخلي أو السماح بتدخله في قضايا وشؤون وطنية داخلية بحتة أو دفع القرار الخارجي ضد المصلحة الوطنية والمواطنين. ويكفي متابعة الجدل القائم حول هذه المناسبة على صفحات بعض الأحزاب أو الأطراف السياسية والمولين لهم للتأكد من حجم هذه الأزمة الوطنية، خاصة أنها تأتي في فترة تواصل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية بسبب الارتفاع المسجل في الأسعار وندرة بعض المواد الاستهلاكية وتزايد نسب الفقر وعدم قدرة الطبقات المتوسطة من المجتمع على ضمان متطلبات العيش الكريم. مقابل غياب البرامج الإصلاحية أو البديلة الواضحة من قبل سلطة الإشراف رغم مباشرة البرلمان الجديد لمهامه. وقد كان لاختيار أنصار الرئيس قيس سعيد "الاستئثار" بهذا اليوم للخروج إلى الشارع بعد الدعوات التي وجهتها أحزاب وحركات سياسية داعمة لمسار 25 جويلية أو غيرهم من أنصار الرئيس، وذلك للاحتفال بذكرى عيد الاستقلال والتعبير عن دعمهم لسياسية سعيد، دوره في نفور أعداد أخرى من المواطنين أو السياسيين المعارضين للمسار لعدم المشاركة في هذه الاحتفالات وعدم النزول إلى الشارع الرمز وسط العاصمة، رغم البرامج الاحتفالية الواسعة التي نظمتها جهات رسمية ومحلية وجهوية. وذلك بمقاطعة المعارضة لهذه الاحتفاليات على اعتبار أن الانخراط فيها هو تأكيد لانخراطها في مشروع سعيد، رغم يقين الجميع أن عيد الاستقلال هو عيد كل التونسيين أو المشاركة في الاحتفال به هو احتفال بحرية وسيادة تونس. فيما رأى البعض الآخر أن في التفاف أي جهة حزبية أو سياسية على مثل هذه المناسبات والأعياد الوطنية من العوامل التي ساهمت في إفقادها جانبا من قيمتها ومعانيها لدى البعض الآخر ممن يرفض الاحتفال بهذه المناسبات تحت ألوان حزبية، على اعتبار أنه ليس هناك اعتراف إلا بالراية الوطنية.
لذلك كانت الآراء التي تستنكر هذه المناسبة والأخرى التي حولتها إلى مناسبة للتندر أو طرح مقاربات أخرى مفادها أن استقلال بلادنا كان شكليا وأن الدولة اليوم في حاجة إلى العمل على مزيد تكريس معنى ومفهوم الاستقلال.
إلا أن البعض الآخر لا يزال ينشد أو تحكمه آمال بإيجاد مداخل لأي تدخل أو ضغوط خارجية، يمكنها إيقاف عجلة المحاسبة والمسار الذي يقوده سعيد على أمل العودة أو البقاء في دائرة القرار والحكم دون الاعتراف بآلية "الصناديق" في الوصول إلى ذلك.