إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

أستاذ التاريخ السياسي المعاصر خالد عبيد لـ"الصباح": ثورة جانفي 1952 "المجهولة" مهدت الطريق لاستقلال تونس

 

  • فرحات حشاد كان دستوريا قبل أن يكون نقابيا
  • مؤتمر ليلة القدر كان مؤتمر الأمة التونسية الذي حدد الطريق للاستقلال
  • تحرير تونس بدأ منذ 1881 بعد هزيمة المقاومة التونسية من قبل جيش الاحتلال الفرنسي
  • هكذا كان مخطط الاستقلال التونسي منذ الاحتلال إلى الاستقلال

قال أستاذ التاريخ السياسي المعاصر خالد عبيد في حوار لـ"الصباح" إن الثورة التونسية في 18 جانفي 1952 كانت ضمن إستراتيجية شاملة أشرف عليها الحزب الحر الدستوري الجديد منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية الى أن وصلت البلاد لمرحلة المفاوضات حول الاستقلال سنة 1954.

وأضاف عبيد أن تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل جاء بعد وليدة هذه الإستراتيجية منذ مؤتمر ليلة القدر سنة 1946، مشيرا الى أن "فرحات حشاد قبل أن يكون نقابيا هو دستوري وطني".

وأردف عبيد أن فكرة تحرير تونس من الاستعمار الفرنسي انطلقت منذ سنة 1881 بعيد هزيمة المقاومة التونسية من قبل جيش الاحتلال الفرنسي، مؤكدا في هذا السياق أن الحصول على الاستقلال بدأ بمخطط تدريجي انتهى بالمطالبة بالاستقلال والذي كان لا بد أن يمر عبر فرضه بالقوة على فرنسا.

وفي التالي نص الحوار

حاوره: نزار مقني

  • كيف لك أن تعرف ذكرى الاستقلال؟

نحن شعوب تعشق جلد الذات.. فلو قمنا بمقارنة بين ذكرى الاستقلال كيف يحتفل بها في تونس وفي دول أخرى للمسنا فارقا كبيرا جدا.

فهي شعوب تريد أن تزرع لدى الأحفاد الشعور بالنخوة لكي تواصل بناء الوطن.. لكن نحن في تونس جزء منا يقوم بجلد ذاته ويشكك ويقول ليس لدينا استقلال والزعماء بعضهم عميل والنتيجة تكون أن الشاب عندما يسمع مثل هذه الأكاذيب ومثل هذه الترهات، النتيجة تكون أن هذا الشاب سيحاول أن يبحث عن رموز ليست وطنية والجميع هنا سيخسر إذ سيركز على اختيار رموز إرهابية أو غنائية أو غيرها وهذا لا يخدم التاريخ الوطني لتونس.

لها السبب دائما أقول اتركوا التاريخ لأهله وأهل مكة أدرى بشعابها، فلا أعتقد أن من هو مختص في علم ما باعتبار أن التاريخ هو علم يستطيع أن يعطي دروسا في التاريخ، فعديد البرامج التلفزية تستضيف أناسا على اعتبار أن التاريخ هو خرافة وهذه فكرة خاطئة.

لهذا السبب أشير الى هذا من باب المطلع الجيد على الكفاح من أجل تحرير تونس بعد رحلة بحث في التاريخ دامت عدة عقود باعتبار أني منذ سنة 1988 وأنا أطلع على الأرشيف سواء في تونس أو خارج تونس.. وبحيث تكاد تكون لي فرصة لكي أفهم وأستوعب ما حدث في هذه الفترة.

وبالتالي أستطيع القول إن التاريخ كعلم هو جهد جماعي أو لا يكون.

لم يأت الاستقلال من فراغ، لم يأت نتيجة مفاوضات ولم يأت نتيجة صفقات ولم يأت نتيجة بيع وشراء.. بل جاء نتيجة تضحيات كبيرة وملحمة حقيقية قام بها التونسيون خاصة بعد اندلاع الثورة التونسية في جانفي 1952.

  • تقصد الثورة الوطنية المسلحة ضد المستعمر الفرنسي؟

أنا أسميها الثورة التونسية لأنها تشمل الجانب السياسي والجانب المسلح والجانب الديبلوماسي والجهود الاجتماعية والاقتصادية.

  • نستطيع القول إن بداية التفكير في استقلال تونس كان بعيد الحرب العالمية الثانية وليس قبلها؟

سأفاجئك عندما أقول بأن فكرة تحرير هذا الوطن بدأت منذ أن انهزمت المقاومة التونسية أمام الجيش الاحتلال الفرنسي سنة 1881.. فهذه المقاومة التي تبين أنها غير قادرة على التصدي لهذا الهجوم الفرنسي الكاسح.

وخاصة الوضعية القانونية لتونس وهي وضعية استثنائية اذ كانت دولة قائمة الذات بموجب معاهدة الحماية سنة 1881 (معاهدة باردو) بعكس الجزائر التي ألغي وجودها كدولة وكيان.. وأصبحت بعد إمضاء معاهدة الحماية دولة منقوصة السيادة.

ولكن معاهدة الحماية سرعان ما تحولت الى حكم مباشر -خاصة بعد معاهدة المرسى- أو استعمار مباشر.. وكنت قد قلت إن نظام الحماية يعتبر أبشع أنواع الاستعمار.

  • لماذا؟

لأن الاستعمار عندما يلغي كيان هذه الدولة يصبح قانونيا أو أخلاقيا ملزما بالتعهد بالسهر على توفير حاجيات هذا الشعب الذي تم استعماره.. لكن بموجب نظام الحماية الذي أعتمد، فإن هذه القوة المحتلة لهذا البلد كما فعلت فرنسا في تونس تقوم باستنزاف خيرات البلاد لنفسها ونهبها انطلاقا من ميزانية البلاد.. كما تقوم بتعليم أبنائها وخلاص أجور موظفيها وجلب المعمرين من الخارج انطلاقا من ميزانية البلاد.

حتى أن بعض التجهيزات التي بنتها فرنسا في تونس بنتها على حساب الميزانية التونسية..

من الناحية القانونية لم يلغى الكيان القانوني لتونس ولهذا السبب كان هاجس كل من تبنى الفكر الوطني التونسي منذ نهاية القرن التاسع عشر تحرير هذا الوطن..

ولكن كان هناك معطى أساسي أنه بموجب وجود اختلال في موازين القوى. لا يمكن أن نطالب إلا بما تيسر، وأدرك الرواد الأول للحركة الوطنية أن الطريق الوحيد لقلب المعادلة وتحقيق التوازن لا يكون إلا من خلال التعليم ورفع الجهل لأنهم رأوا أن فرنسا لم تتغلب على تونس إلا من خلال العلم وأدركوا أنهم في وادي من التخلف والبؤس والجهل بمقابل عالم آخر من التطور والتقدم التقني.

كان هاجس رواد حركة التحرر الوطني منذ ما قبل حركة الشباب التونسي.. منذ رواد الحاضرة والجمعية الخلدونية الى حد بناء الدولة الوطنية سنة 1956، هو تعليم الشعب التونسي.

  • إذن كانت الجمعية الخلدونية هي أول من دعا الى تحرير تونس والاستقلال؟

لا يمكن أن نقول في ذلك الوقت استقلال.. بل كانت اللبنة لأولى من تخطيط طويل الأمد والذي يراد منه دون أن يقع الإعلان عنه تحرير هذا البلد واسترجاع سيادته..

لفظ "الاستقلال" لم يقع استعماله بعد إلا في الأربعينات من القرن الماضي.. وذلك لأنه لم توجد في أذهان رواد التحرير الوطني فكرة تحرير وطنهم واسترجاع سيادتهم ولأنهم يدركون جيدا الوضعية القانونية لبلدهم.. ولذلك كانوا يطالبون بالرجوع الى الأصل، الى معاهدة الحماية ففي ذلك الوقت كانت فرنسا قد تجاوزت هذه المعاهدة الى الحكم المباشر.

والمطالبة بالرجوع الى معاهدة باردو ومن ضمنها المطالبة ببرلمان تونسي منتخب وحكومة تونسية منتخبة ودستور تونسي.. يرجع لسبب أساسي وهو أنه عندما تتحقق هذه المطالب فإن تونس بإمكانها أن تسترجع كامل سيادتها باعتبار أن رمز السيادة مازال موجودا وهو الباي الذي لم تتمكن فرنسا من مصادرة حقه في ختم وتوقيع أي قرار صادر عن السلطات المنتصبة في ذلك الوقت.. إضافة لوجود برلمان منتخب تتمخض عنه حكومة تمثله وهناك دستور.. فما الذي يمنع هذه الأطراف من الإعلان بأن تونس دولة مستقلة وأن معاهدة باردو تعتبر لاغية.. ولهذه الأسباب يمكن أن نفهم الدوافع الفرنسية لمنع أي تحرك لتحقيق هذه المطالب.

وقرر الوطنيون التونسيون المطالبة واستعمال كلمة "استقلال" بكل وضوح في الأربعينات وتحديدا في مؤتمر ليلة القدر في سنة 1946 وذلك في تناغم مع متغيرات الحرب العالمية الثانية.. وهذا المطلب تبنته كل الفئات التي تمثل التونسيين..

  • في مؤتمر ليلة القدر هل كانت هناك تيارات سياسية أخرى الى جانب الحزب الدستوري الجديد تعمل على الاستقلال؟

مؤتمر ليلة القدر يمكن اعتباره "مؤتمر الأمة التونسية" باعتبار أن التوجه كان اعتبار كل ممثلي الشعب التونسي موجودين في هذا المؤتمر.. ولكن من دعا الى هذا المؤتمر هو الحزب الدستوري الجديد وتحديدا صالح بن يوسف وعلي البلهوان والمنجي سليم إضافة، وبدرجة أقل، الى الحزب الدستوري القديم وخاصة صالح فرحات وأحمد بن ميلاد.. وكان هناك ممثلون للأعراف وممثلون للحرفيين والعمال والفلاحين والشباب والموظفين باستثناء الشيوعيين.

وبالرغم من هذا الحراك السياسي ما بعد الحرب العالمية الثانية إلا أننا لا يمكن أن نستوعب ما حدث في هذه الفترة وفترة الثورة التونسية سنة 1952 إلا إذا ما استوعبنا جيدا دلالات أحداث 9 أفريل 1938.. فخلال هذه الأحداث وجد الحزب الدستوري الجديد نفسه وحيدا أمام آلة القمع الفرنسية التي قررت أن تجهز وتنهي هذا المد الوطني الذي لم يقتصر على تونس فقط بل امتد للجزائر والمغرب.

في سنة 1938 استطاعت فرنسا أن تؤلب ضد الحزب الحر الدستوري وأن تكسب لصفها قطاعات عديدة من التونسيين والفرنسيين الذين كانوا يساندون الحزب في توجهاته خاصة منهم الاشتراكيون وجزء من الشيوعيين..

فنتيجة لهذا القمع الفرنسي الذي حدث والذي كان هدفه إنهاء وجود الحزب الدستوري الجديد.. بل وشرعت فرنسا في الإعداد لمحاكمة تنتهي بإعدام قادة الحزب الدستوري الجديد خاصة منهم الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف والهادي نويرة وغيرهم..

وبالرغم من اندلاع الحرب العالمية الثانية وهزيمة فرنسا المبكرة والمذلة، إلا أن فرنسا الاستعمارية بقيت تقمع الوطنيين التونسيين ولم تكف عن ملاحقتهم وسجنهم وحتى إعدام البعض منهم..

ولهذا السبب عندما قبع الوطنيون في سجونهم ومعتقلاتهم وحصن سان نيكولا في مارسيليا كان لديهم الكثير من الوقت ليقوموا بالنقد الذاتي ويحاولوا أن يفهموا سبب تغلب آلة القمع عليهم.. وكان الاستنتاج أن فرنسا تمكنت من ذلك بسبب تمكن فرنسا من تعبئة كل مكونات المجتمع التونسي لفائدتها ضدهم هم.

ولذلك كان التفكير بعد عودة الوطنيين ونهاية الحرب العالمية الثانية هي التأقلم مع المعطيات الجديدة التي أتت بها الحرب العالمية الثانية وبروز قوى جديدة وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.. وبلورة استراتيجية العمل الوطني المتمثلة في أنه بات واضحا أنه لا يمكن إخراج فرنسا من تونس إلا بالقوة.

ولذلك وجب التحضير للقوة وهذه المواجهة الحاسمة وليقع الاستعداد لذلك وجبت حماية الظهر.. وهذه الفكرة بدأ تجسيمها على أرض الواقع بداية من أواخر سنة 1945 وبداية 1946 خاصة صالح بن يوسف والمنجي سليم وعلي البلهوان فيما كان بورقيبة في ذلك الوقت خارج تونس وتحديدا في مصر وهو مكلف بمهمة البحث عن كيفية تدويل القضية التونسية في الخارج اعتمادا على الدعم العربي باعتبار تأسيس جامعة الدول العربية.. وبالتالي كان هناك نوع من الاتفاق على تقاسم الأدوار.

وبالتالي فانه ليس صدفة عندما بدأ تنفيذ هذه الإستراتيجية أن يقع تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة واتحاد الفلاحين والدفع نحو توحيد الحركة الكشفية وتأسيس جمعيات شبابية وطلابية وتلمذية.. وكان الهدف استقطاب كل فئات المجتمع التونسي في شكل تكتلات ستكون هي المساند الأول والأخير للحزب في أي تحرك كان.

  • إذن الحركة النقابية كانت وليدة هذا الحراك السياسي بعد الحرب العالمية الثانية؟

هذا أمر محسوم بالنسبة لي.. فرحات حشاد قبل أن يكون نقابيا هو دستوري وطني.

  • إذن فرحات حشاد كان منخرطا في الحزب الدستوري قبل تأسيس اتحاد الشغل؟

هذه لا يمكن الحسم فيها، هل كان ذلك قبل أو بعد أو أثناء تأسيس الاتحاد.. لكن الثابت أن تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل ما كان أن يتم لولا الحزب الحر الدستوري الجديد وتحديدا قيادة هذا الحزب وتحديدا صالح بن يوسف وعلي البلهوان والمنجي سليم وراء ذلك.. فهم الذين دفعوا الى تأسيس كل هذه الكيانات.. وهم الذين دفعوا في محاولة استقطاب الأمين باي من خلال ابنه شاذلي باي.

  • على عكس ذلك تؤكد معلومات أنه كانت هناك تجربة نقابية قبل اتحاد الشغل تم إجهاضها من قبل الحزب؟

هناك جامعة عموم العملة الأولى التي أسسها محمد علي الحامي وتكونت في رحم الحزب الدستوري خلال العشرينيات.. وهذه التجربة النقابية فشلت وقمعتها فرنسا لأن الحزب الذي كان وراء دعمها تخلى عنها طمعا في أنه عندما يتخلى عنها فان فرنسا ستمنحهم ما يرغبون فيه لكن الذي حدث عكس هذا.

أما جامعة عموم العملة الثانية التي كان وراءها بلقاسم القناوي.. فقد دعمها الحزب الحر الدستوري الجديد وهو الذي دفع القناوي لأن يكون في الواجهة ليترأس هذه الجامعة لأن قادة الحزب في ذلك الوقت يؤمنون بأن العمل النقابي والاجتماعي والمطلبي يتنزل في صلب العمل الوطني لكن التوجه الذي اتخذته قيادة الحزب الدستوري الجديد بعد مؤتمر نهج التريبينال في 30 و31 أكتوبر و1 و2 نوفمبر 1937 دفع الى ضرورة شن إضراب سياسي تضامنا مع حركة التحرر الجزائرية والمغربية ودعا الى هذا الإضراب السياسي في 20 نوفمبر 1937.. ولكن بلقاسم القناوي وقف ضد شن هذا الإضراب وأصبح مقربا من الحزب الدستوري القديم.

في مثل هذه الظروف حدثت أحداث قمعية كبرى مثل أحداث جانفي 1938 في بنزرت حيث استشهد 8 تونسيين، فوجد نفسه مضطرا للسيطرة على هذه الجامعة خوفا من أن تكون المنفذ الذي يسمح بضرب هذا الحزب وإظهاره على أساس أنه قوة فاشية.

  • بالنسبة لإستراتيجية الوطنيين بعد مؤتمر ليلة القدر ما هي مراحلها للوصول للاستقلال؟

كانت تسعى لخلق فراغ حول رمز الوجود الفرنسي في تونس وهي الإقامة العامة الفرنسية وهذا يعني أنه عندما تأتي المواجهة الحاسمة وتسعى فرنسا للإجهاز على الوطنيين تجد نفسها وحيدة وذلك عكس ما حدث في سنة 1938.

ولذلك كانت الاستراتيجيا تتمثل في استقطاب هذه المكونات المجتمعية والشبابية والنسوية حول الحزب وتدور في فلكه.. بمن فيها ما تبقى من رموز السيادة التونسية وهو الباي الذي لديه سلطة الإمضاء والتوقيع على القوانين والأوامر وذلك من خلال ابنه الشاذلي باي.. وكذلك المجلس الكبير الذي تكون سنة 1922.. الذي تم اختراقه من قبل الحزب الدستوري ووصل الى حد القيام بانتفاضة داخله ورفض الموافقة على الميزانية المبرمجة في أواخر سنة 1949.

كان الهاجس الأكبر بالنسبة للوطنيين هو كيفية إخراج تونس من الستار الحديدي (كلمة مستعارة من يوسف الرويسي) من الذي فرضته فرنسا وكيفية تدويل القضية التونسية.

أعتقد أنه إن كانت هناك ملحمة حقيقية وبطولة حقيقية وثمة شعور لدى جزء كبير لدى التونسيين في وحدة الهدف فهو في هذه الثورة التونسية المجهولة التي لا يعرف خفاياها وتفاصيلها جل التونسيين.

  • لكن لماذا أسميتها بالثورة المجهولة؟

لعدة أسباب وذلك يرجع لسياسات من يحكمنا ومناهجنا التعلمية ونظرتنا للتاريخ على أساس أنه خرافة وليس علما.

  • هل تقصد أن الثورة التونسية المسلحة بدأت بعيد اغتيال فرحات حشاد؟

أنا أسميتها الثورة التونسية ولم أرد أن أخصصها بالمسلحة لأنها شملت كل شيء، المظاهرات والعمليات التخريبية والاغتيالات وحمل السلاح في الجبال وتصفية المتعاونين والخونة الذين تعاونوا مع فرنسا وشملت حتى من يخرج عن الصف الوطني ويعصى الأوامر بالرغم من أنهم كانوا مساندين للقضية..

في هذه الفترة التي دامت من 18 جانفي 1952 الى آخر جويلية 1954 كانت غاية فرنسا تصفية نهائية للمسألة والقضية التونسية وتصفية القيادات الوطنية.

في سنة 1950 فكرت قيادة الحزب في التحضير للعمل المسلح وبدأت بتكوين لجنة كاملة سرية كان فيها فرحات حشاد.. وتم الاتصال ببعض من يمكن التعويل عليهم في المقاومة.

هذه اللجنة كونها الحبيب بورقيبة وكان حشاد عضوا فيها وعندما تم اعتقال بورقيبة وقيادات الحزب تكون ديوان سياسي سري أو ما يمكن أن نطلق عليه مجلس أعلى للمقاومة السرية كان يضم فرحات حشاد وأحمد المستيري والصادق المقدم.

أستاذ التاريخ السياسي المعاصر خالد عبيد   لـ"الصباح":  ثورة جانفي 1952 "المجهولة" مهدت الطريق لاستقلال تونس

 

  • فرحات حشاد كان دستوريا قبل أن يكون نقابيا
  • مؤتمر ليلة القدر كان مؤتمر الأمة التونسية الذي حدد الطريق للاستقلال
  • تحرير تونس بدأ منذ 1881 بعد هزيمة المقاومة التونسية من قبل جيش الاحتلال الفرنسي
  • هكذا كان مخطط الاستقلال التونسي منذ الاحتلال إلى الاستقلال

قال أستاذ التاريخ السياسي المعاصر خالد عبيد في حوار لـ"الصباح" إن الثورة التونسية في 18 جانفي 1952 كانت ضمن إستراتيجية شاملة أشرف عليها الحزب الحر الدستوري الجديد منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية الى أن وصلت البلاد لمرحلة المفاوضات حول الاستقلال سنة 1954.

وأضاف عبيد أن تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل جاء بعد وليدة هذه الإستراتيجية منذ مؤتمر ليلة القدر سنة 1946، مشيرا الى أن "فرحات حشاد قبل أن يكون نقابيا هو دستوري وطني".

وأردف عبيد أن فكرة تحرير تونس من الاستعمار الفرنسي انطلقت منذ سنة 1881 بعيد هزيمة المقاومة التونسية من قبل جيش الاحتلال الفرنسي، مؤكدا في هذا السياق أن الحصول على الاستقلال بدأ بمخطط تدريجي انتهى بالمطالبة بالاستقلال والذي كان لا بد أن يمر عبر فرضه بالقوة على فرنسا.

وفي التالي نص الحوار

حاوره: نزار مقني

  • كيف لك أن تعرف ذكرى الاستقلال؟

نحن شعوب تعشق جلد الذات.. فلو قمنا بمقارنة بين ذكرى الاستقلال كيف يحتفل بها في تونس وفي دول أخرى للمسنا فارقا كبيرا جدا.

فهي شعوب تريد أن تزرع لدى الأحفاد الشعور بالنخوة لكي تواصل بناء الوطن.. لكن نحن في تونس جزء منا يقوم بجلد ذاته ويشكك ويقول ليس لدينا استقلال والزعماء بعضهم عميل والنتيجة تكون أن الشاب عندما يسمع مثل هذه الأكاذيب ومثل هذه الترهات، النتيجة تكون أن هذا الشاب سيحاول أن يبحث عن رموز ليست وطنية والجميع هنا سيخسر إذ سيركز على اختيار رموز إرهابية أو غنائية أو غيرها وهذا لا يخدم التاريخ الوطني لتونس.

لها السبب دائما أقول اتركوا التاريخ لأهله وأهل مكة أدرى بشعابها، فلا أعتقد أن من هو مختص في علم ما باعتبار أن التاريخ هو علم يستطيع أن يعطي دروسا في التاريخ، فعديد البرامج التلفزية تستضيف أناسا على اعتبار أن التاريخ هو خرافة وهذه فكرة خاطئة.

لهذا السبب أشير الى هذا من باب المطلع الجيد على الكفاح من أجل تحرير تونس بعد رحلة بحث في التاريخ دامت عدة عقود باعتبار أني منذ سنة 1988 وأنا أطلع على الأرشيف سواء في تونس أو خارج تونس.. وبحيث تكاد تكون لي فرصة لكي أفهم وأستوعب ما حدث في هذه الفترة.

وبالتالي أستطيع القول إن التاريخ كعلم هو جهد جماعي أو لا يكون.

لم يأت الاستقلال من فراغ، لم يأت نتيجة مفاوضات ولم يأت نتيجة صفقات ولم يأت نتيجة بيع وشراء.. بل جاء نتيجة تضحيات كبيرة وملحمة حقيقية قام بها التونسيون خاصة بعد اندلاع الثورة التونسية في جانفي 1952.

  • تقصد الثورة الوطنية المسلحة ضد المستعمر الفرنسي؟

أنا أسميها الثورة التونسية لأنها تشمل الجانب السياسي والجانب المسلح والجانب الديبلوماسي والجهود الاجتماعية والاقتصادية.

  • نستطيع القول إن بداية التفكير في استقلال تونس كان بعيد الحرب العالمية الثانية وليس قبلها؟

سأفاجئك عندما أقول بأن فكرة تحرير هذا الوطن بدأت منذ أن انهزمت المقاومة التونسية أمام الجيش الاحتلال الفرنسي سنة 1881.. فهذه المقاومة التي تبين أنها غير قادرة على التصدي لهذا الهجوم الفرنسي الكاسح.

وخاصة الوضعية القانونية لتونس وهي وضعية استثنائية اذ كانت دولة قائمة الذات بموجب معاهدة الحماية سنة 1881 (معاهدة باردو) بعكس الجزائر التي ألغي وجودها كدولة وكيان.. وأصبحت بعد إمضاء معاهدة الحماية دولة منقوصة السيادة.

ولكن معاهدة الحماية سرعان ما تحولت الى حكم مباشر -خاصة بعد معاهدة المرسى- أو استعمار مباشر.. وكنت قد قلت إن نظام الحماية يعتبر أبشع أنواع الاستعمار.

  • لماذا؟

لأن الاستعمار عندما يلغي كيان هذه الدولة يصبح قانونيا أو أخلاقيا ملزما بالتعهد بالسهر على توفير حاجيات هذا الشعب الذي تم استعماره.. لكن بموجب نظام الحماية الذي أعتمد، فإن هذه القوة المحتلة لهذا البلد كما فعلت فرنسا في تونس تقوم باستنزاف خيرات البلاد لنفسها ونهبها انطلاقا من ميزانية البلاد.. كما تقوم بتعليم أبنائها وخلاص أجور موظفيها وجلب المعمرين من الخارج انطلاقا من ميزانية البلاد.

حتى أن بعض التجهيزات التي بنتها فرنسا في تونس بنتها على حساب الميزانية التونسية..

من الناحية القانونية لم يلغى الكيان القانوني لتونس ولهذا السبب كان هاجس كل من تبنى الفكر الوطني التونسي منذ نهاية القرن التاسع عشر تحرير هذا الوطن..

ولكن كان هناك معطى أساسي أنه بموجب وجود اختلال في موازين القوى. لا يمكن أن نطالب إلا بما تيسر، وأدرك الرواد الأول للحركة الوطنية أن الطريق الوحيد لقلب المعادلة وتحقيق التوازن لا يكون إلا من خلال التعليم ورفع الجهل لأنهم رأوا أن فرنسا لم تتغلب على تونس إلا من خلال العلم وأدركوا أنهم في وادي من التخلف والبؤس والجهل بمقابل عالم آخر من التطور والتقدم التقني.

كان هاجس رواد حركة التحرر الوطني منذ ما قبل حركة الشباب التونسي.. منذ رواد الحاضرة والجمعية الخلدونية الى حد بناء الدولة الوطنية سنة 1956، هو تعليم الشعب التونسي.

  • إذن كانت الجمعية الخلدونية هي أول من دعا الى تحرير تونس والاستقلال؟

لا يمكن أن نقول في ذلك الوقت استقلال.. بل كانت اللبنة لأولى من تخطيط طويل الأمد والذي يراد منه دون أن يقع الإعلان عنه تحرير هذا البلد واسترجاع سيادته..

لفظ "الاستقلال" لم يقع استعماله بعد إلا في الأربعينات من القرن الماضي.. وذلك لأنه لم توجد في أذهان رواد التحرير الوطني فكرة تحرير وطنهم واسترجاع سيادتهم ولأنهم يدركون جيدا الوضعية القانونية لبلدهم.. ولذلك كانوا يطالبون بالرجوع الى الأصل، الى معاهدة الحماية ففي ذلك الوقت كانت فرنسا قد تجاوزت هذه المعاهدة الى الحكم المباشر.

والمطالبة بالرجوع الى معاهدة باردو ومن ضمنها المطالبة ببرلمان تونسي منتخب وحكومة تونسية منتخبة ودستور تونسي.. يرجع لسبب أساسي وهو أنه عندما تتحقق هذه المطالب فإن تونس بإمكانها أن تسترجع كامل سيادتها باعتبار أن رمز السيادة مازال موجودا وهو الباي الذي لم تتمكن فرنسا من مصادرة حقه في ختم وتوقيع أي قرار صادر عن السلطات المنتصبة في ذلك الوقت.. إضافة لوجود برلمان منتخب تتمخض عنه حكومة تمثله وهناك دستور.. فما الذي يمنع هذه الأطراف من الإعلان بأن تونس دولة مستقلة وأن معاهدة باردو تعتبر لاغية.. ولهذه الأسباب يمكن أن نفهم الدوافع الفرنسية لمنع أي تحرك لتحقيق هذه المطالب.

وقرر الوطنيون التونسيون المطالبة واستعمال كلمة "استقلال" بكل وضوح في الأربعينات وتحديدا في مؤتمر ليلة القدر في سنة 1946 وذلك في تناغم مع متغيرات الحرب العالمية الثانية.. وهذا المطلب تبنته كل الفئات التي تمثل التونسيين..

  • في مؤتمر ليلة القدر هل كانت هناك تيارات سياسية أخرى الى جانب الحزب الدستوري الجديد تعمل على الاستقلال؟

مؤتمر ليلة القدر يمكن اعتباره "مؤتمر الأمة التونسية" باعتبار أن التوجه كان اعتبار كل ممثلي الشعب التونسي موجودين في هذا المؤتمر.. ولكن من دعا الى هذا المؤتمر هو الحزب الدستوري الجديد وتحديدا صالح بن يوسف وعلي البلهوان والمنجي سليم إضافة، وبدرجة أقل، الى الحزب الدستوري القديم وخاصة صالح فرحات وأحمد بن ميلاد.. وكان هناك ممثلون للأعراف وممثلون للحرفيين والعمال والفلاحين والشباب والموظفين باستثناء الشيوعيين.

وبالرغم من هذا الحراك السياسي ما بعد الحرب العالمية الثانية إلا أننا لا يمكن أن نستوعب ما حدث في هذه الفترة وفترة الثورة التونسية سنة 1952 إلا إذا ما استوعبنا جيدا دلالات أحداث 9 أفريل 1938.. فخلال هذه الأحداث وجد الحزب الدستوري الجديد نفسه وحيدا أمام آلة القمع الفرنسية التي قررت أن تجهز وتنهي هذا المد الوطني الذي لم يقتصر على تونس فقط بل امتد للجزائر والمغرب.

في سنة 1938 استطاعت فرنسا أن تؤلب ضد الحزب الحر الدستوري وأن تكسب لصفها قطاعات عديدة من التونسيين والفرنسيين الذين كانوا يساندون الحزب في توجهاته خاصة منهم الاشتراكيون وجزء من الشيوعيين..

فنتيجة لهذا القمع الفرنسي الذي حدث والذي كان هدفه إنهاء وجود الحزب الدستوري الجديد.. بل وشرعت فرنسا في الإعداد لمحاكمة تنتهي بإعدام قادة الحزب الدستوري الجديد خاصة منهم الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف والهادي نويرة وغيرهم..

وبالرغم من اندلاع الحرب العالمية الثانية وهزيمة فرنسا المبكرة والمذلة، إلا أن فرنسا الاستعمارية بقيت تقمع الوطنيين التونسيين ولم تكف عن ملاحقتهم وسجنهم وحتى إعدام البعض منهم..

ولهذا السبب عندما قبع الوطنيون في سجونهم ومعتقلاتهم وحصن سان نيكولا في مارسيليا كان لديهم الكثير من الوقت ليقوموا بالنقد الذاتي ويحاولوا أن يفهموا سبب تغلب آلة القمع عليهم.. وكان الاستنتاج أن فرنسا تمكنت من ذلك بسبب تمكن فرنسا من تعبئة كل مكونات المجتمع التونسي لفائدتها ضدهم هم.

ولذلك كان التفكير بعد عودة الوطنيين ونهاية الحرب العالمية الثانية هي التأقلم مع المعطيات الجديدة التي أتت بها الحرب العالمية الثانية وبروز قوى جديدة وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.. وبلورة استراتيجية العمل الوطني المتمثلة في أنه بات واضحا أنه لا يمكن إخراج فرنسا من تونس إلا بالقوة.

ولذلك وجب التحضير للقوة وهذه المواجهة الحاسمة وليقع الاستعداد لذلك وجبت حماية الظهر.. وهذه الفكرة بدأ تجسيمها على أرض الواقع بداية من أواخر سنة 1945 وبداية 1946 خاصة صالح بن يوسف والمنجي سليم وعلي البلهوان فيما كان بورقيبة في ذلك الوقت خارج تونس وتحديدا في مصر وهو مكلف بمهمة البحث عن كيفية تدويل القضية التونسية في الخارج اعتمادا على الدعم العربي باعتبار تأسيس جامعة الدول العربية.. وبالتالي كان هناك نوع من الاتفاق على تقاسم الأدوار.

وبالتالي فانه ليس صدفة عندما بدأ تنفيذ هذه الإستراتيجية أن يقع تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة واتحاد الفلاحين والدفع نحو توحيد الحركة الكشفية وتأسيس جمعيات شبابية وطلابية وتلمذية.. وكان الهدف استقطاب كل فئات المجتمع التونسي في شكل تكتلات ستكون هي المساند الأول والأخير للحزب في أي تحرك كان.

  • إذن الحركة النقابية كانت وليدة هذا الحراك السياسي بعد الحرب العالمية الثانية؟

هذا أمر محسوم بالنسبة لي.. فرحات حشاد قبل أن يكون نقابيا هو دستوري وطني.

  • إذن فرحات حشاد كان منخرطا في الحزب الدستوري قبل تأسيس اتحاد الشغل؟

هذه لا يمكن الحسم فيها، هل كان ذلك قبل أو بعد أو أثناء تأسيس الاتحاد.. لكن الثابت أن تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل ما كان أن يتم لولا الحزب الحر الدستوري الجديد وتحديدا قيادة هذا الحزب وتحديدا صالح بن يوسف وعلي البلهوان والمنجي سليم وراء ذلك.. فهم الذين دفعوا الى تأسيس كل هذه الكيانات.. وهم الذين دفعوا في محاولة استقطاب الأمين باي من خلال ابنه شاذلي باي.

  • على عكس ذلك تؤكد معلومات أنه كانت هناك تجربة نقابية قبل اتحاد الشغل تم إجهاضها من قبل الحزب؟

هناك جامعة عموم العملة الأولى التي أسسها محمد علي الحامي وتكونت في رحم الحزب الدستوري خلال العشرينيات.. وهذه التجربة النقابية فشلت وقمعتها فرنسا لأن الحزب الذي كان وراء دعمها تخلى عنها طمعا في أنه عندما يتخلى عنها فان فرنسا ستمنحهم ما يرغبون فيه لكن الذي حدث عكس هذا.

أما جامعة عموم العملة الثانية التي كان وراءها بلقاسم القناوي.. فقد دعمها الحزب الحر الدستوري الجديد وهو الذي دفع القناوي لأن يكون في الواجهة ليترأس هذه الجامعة لأن قادة الحزب في ذلك الوقت يؤمنون بأن العمل النقابي والاجتماعي والمطلبي يتنزل في صلب العمل الوطني لكن التوجه الذي اتخذته قيادة الحزب الدستوري الجديد بعد مؤتمر نهج التريبينال في 30 و31 أكتوبر و1 و2 نوفمبر 1937 دفع الى ضرورة شن إضراب سياسي تضامنا مع حركة التحرر الجزائرية والمغربية ودعا الى هذا الإضراب السياسي في 20 نوفمبر 1937.. ولكن بلقاسم القناوي وقف ضد شن هذا الإضراب وأصبح مقربا من الحزب الدستوري القديم.

في مثل هذه الظروف حدثت أحداث قمعية كبرى مثل أحداث جانفي 1938 في بنزرت حيث استشهد 8 تونسيين، فوجد نفسه مضطرا للسيطرة على هذه الجامعة خوفا من أن تكون المنفذ الذي يسمح بضرب هذا الحزب وإظهاره على أساس أنه قوة فاشية.

  • بالنسبة لإستراتيجية الوطنيين بعد مؤتمر ليلة القدر ما هي مراحلها للوصول للاستقلال؟

كانت تسعى لخلق فراغ حول رمز الوجود الفرنسي في تونس وهي الإقامة العامة الفرنسية وهذا يعني أنه عندما تأتي المواجهة الحاسمة وتسعى فرنسا للإجهاز على الوطنيين تجد نفسها وحيدة وذلك عكس ما حدث في سنة 1938.

ولذلك كانت الاستراتيجيا تتمثل في استقطاب هذه المكونات المجتمعية والشبابية والنسوية حول الحزب وتدور في فلكه.. بمن فيها ما تبقى من رموز السيادة التونسية وهو الباي الذي لديه سلطة الإمضاء والتوقيع على القوانين والأوامر وذلك من خلال ابنه الشاذلي باي.. وكذلك المجلس الكبير الذي تكون سنة 1922.. الذي تم اختراقه من قبل الحزب الدستوري ووصل الى حد القيام بانتفاضة داخله ورفض الموافقة على الميزانية المبرمجة في أواخر سنة 1949.

كان الهاجس الأكبر بالنسبة للوطنيين هو كيفية إخراج تونس من الستار الحديدي (كلمة مستعارة من يوسف الرويسي) من الذي فرضته فرنسا وكيفية تدويل القضية التونسية.

أعتقد أنه إن كانت هناك ملحمة حقيقية وبطولة حقيقية وثمة شعور لدى جزء كبير لدى التونسيين في وحدة الهدف فهو في هذه الثورة التونسية المجهولة التي لا يعرف خفاياها وتفاصيلها جل التونسيين.

  • لكن لماذا أسميتها بالثورة المجهولة؟

لعدة أسباب وذلك يرجع لسياسات من يحكمنا ومناهجنا التعلمية ونظرتنا للتاريخ على أساس أنه خرافة وليس علما.

  • هل تقصد أن الثورة التونسية المسلحة بدأت بعيد اغتيال فرحات حشاد؟

أنا أسميتها الثورة التونسية ولم أرد أن أخصصها بالمسلحة لأنها شملت كل شيء، المظاهرات والعمليات التخريبية والاغتيالات وحمل السلاح في الجبال وتصفية المتعاونين والخونة الذين تعاونوا مع فرنسا وشملت حتى من يخرج عن الصف الوطني ويعصى الأوامر بالرغم من أنهم كانوا مساندين للقضية..

في هذه الفترة التي دامت من 18 جانفي 1952 الى آخر جويلية 1954 كانت غاية فرنسا تصفية نهائية للمسألة والقضية التونسية وتصفية القيادات الوطنية.

في سنة 1950 فكرت قيادة الحزب في التحضير للعمل المسلح وبدأت بتكوين لجنة كاملة سرية كان فيها فرحات حشاد.. وتم الاتصال ببعض من يمكن التعويل عليهم في المقاومة.

هذه اللجنة كونها الحبيب بورقيبة وكان حشاد عضوا فيها وعندما تم اعتقال بورقيبة وقيادات الحزب تكون ديوان سياسي سري أو ما يمكن أن نطلق عليه مجلس أعلى للمقاومة السرية كان يضم فرحات حشاد وأحمد المستيري والصادق المقدم.