إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

عيد الاستقلال | احتفالات خاضعة للأمزجة السياسية والحزبية !

 

تونس- الصباح

يحتفل التونسيون اليوم الأحد 20 مارس 2022 بالذكرى الـ66 للاستقلال، إحدى المحطات الهامة في تاريخ بناء تونس الحديثة لما جسدته من انتصار للشعب التونسي في معركة نضال دامت عقودا عديدة ضد الاستعمار الفرنسي والتي امتدت من عام 1881 إلى عام 1956 تاريخ الاستقلال واستعادة الشعب التونسي لحريته وقراره الوطني وسيادته على أرضه ..

والحصول على الاستقلال لم يأت من فراغ أو هبة من المستعمر الفرنسي بل كان تتويجا لنضالات أجيال من المقاومين ومن الكفاح السلمي لنصل بعد ذلك إلى تاريخ 20 مارس 1956 الذي مثّل منعرجا مفصليا في تاريخ بناء الدولة الوطنية الحديثة وبقي اليوم الرمز في تاريخ التونسيين وذاكرتهم وبداية بناء دولة الاستقلال بكل تلك الأحلام والخيارات والطموحات والإنجازات التي رافقتها..، كما سيبقى هذا التاريخ يختزل بدوره سير مناضلين ضدّ الاستعمار ومسيرة شخصيات وطنية استطاعت بناء دولة من عدم وأبرزهم الزعيم الحبيب بورقيبة الذي كان جزءا أساسيا في ملحمة الاستقلال كما لعب الدور الأبرز في بناء الدولة وفق توجهات ورؤية واضحة منذ البداية راهن فيها على قطاعات حيوية ووضع التصوّر الإداري والهيكلي للدولة كما وضع ثقته في رجال وشخصيات ربما كانت تعوزها الخبرة ولكن لم يخذلها حبها لتونس في أن يجعلها تتفوّق على نفسها وتنجز الكثير رغم بعض الإخفاقات والعثرات والتجارب الفاشلة التي لم تؤثر على مسار بناء الدولة .

ولئن كانت تواريخ الاستقلال من التواريخ المهمة في حياة الشعوب والتي ترافقها دائما احتفالات في حلول الذكرى فان الاحتفال بعيد الاستقلال بعد الثورة ظل يخضع لمزاج السياسيين والأحزاب في الاحتفال، ومرّ من مرحلة التجاهل بعد الثورة إلى مرحلة التوهجّ مع وصول الباجي قايد السبسي إلى الحكم ثم العودة بعد ذلك إلى حالة من الفتور مع الرئيس قيس سعيد، في حين كانت السمة البارزة في تعاطي الأحزاب مع ذكرى الاستقلال مشوبا بالتشتت وتبادل الاتهامات .

فتور في الاحتفال

بعد الثورة مباشرة كان الاحتفال بذكر الاستقلال محتشما وكان الجميع منشغلا بمآلات الثورة ومرحلة ما بعد سقوط نظام بن علي ولكن بعد انتخابات المجلس التأسيسي ووصول حكومة "الترويكا" إلى السلطة والرئيس المنصف المرزوقي إلى السلطة، فان التعامل مع ذكرى الاستقلال بدا باردا وفاترا حيث تم تجاهل ذكرى الاستقلال واستثنائها من الاحتفال الرسمي واتهمت حكومة "الترويكا" بالتغاضي عن الاحتفال وتناسي نضالات رجال حققوا استقلال تونس وبدا واضحا وقتها أن حركة النهضة المسيطرة على السلطة لم تكن تريد إظهار الاستقلال كانجاز يحسب للزعيم بورقيبة ومن كان معه في معركة التحرير الوطني خاصة وان علاقة راشد الغنوشي ببورقيبة ظلت متوترة وتقوم على عدم الاعتراف وذلك التجاهل الذي تم بطريقة استفزازية مست مشاعر كل التونسيين وأثارت لديهم موجة من الاستياء، ساهم بشكل كبير في حالة النبذ السياسي التي عاشتها حكومة "الترويكا" والتي تعمقت أكثر مع اغتيال الشهيد شكري بلعيد.

  وفي فترة "الترويكا" غابت في ذكرى الاستقلال كل مظاهر الاحتفال واقتصر الأمر على بعض الإجراءات الروتينية التي اعتادها التونسيون في مثل هذه الاحتفالات من خلال إصدار رئيس الجمهوريــة المنصف المرزوقي عفوا خاصا شمل 1391 سجينا وقتها وهذا الإجراء الروتيني ربما كان الوحيد الذي اختزل الاحتفال بذكرى الاستقلال .

توهجّ الاحتفال من جديد

مع وصول الباجي قايد السبسي إلى السلطة في انتخابات 2014 أصبحت هناك احتفالية دائمة في قصر قرطاج بذكرى الاستقلال في كل 20 مارس، بالإضافة إلى الحرص على رفع الأعلام والرايات الوطنية في الشوارع الرئيسية وذلك في محاولة من الرئيس الراحل لإحياء هذه الذكرى ورمزيتها في نفوس التونسيين.

وقد أعاد أيضا الرئيس الباجي قايد السبسي الاعتبار إلى الطاهر بن عمار الذي أمضى على وثيقة الاستقلال إضافة إلى قراره إعادة المناضل صالح بن يوسف إلى صف الدستوريين تلبية لطلب أبنائه. كما أكد قايد السبسي في احتفالية 2016 بذكرى الاستقلال أنه سيتم إعادة تمثال الحبيب بورقيبة إلى مكانة بشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة، وهو ما تم بالفعل لاحقا وعاد التمثال إلى شارع بورقيبة كنوع من الاعتراف بالخدمات الكبيرة التي قدمها الزعيم بورقيبة سواء في استقلال تونس أو في بناء الدولة .

وبقيت ذكرى الاستقلال مقترنة في أذهان الكثير من التونسيين بذلك الخطاب الأخير الذي ألقاه الباجي قايد السبسي قبل رحيله بأشهر قليلة ومحاولته في ذلك الخطاب إعادة رئيس الحكومة الأسبق وقتها يوسف الشاهد إلى حضن النداء .

الرئيس ونظريته الخاصة للاستقلال

بدا واضحا وفي أكثر من مناسبة تجاهل الرئيس قيس سعيد لذكرى الاستقلال والتي بررها الرئيس في أكثر من مناسبة أن الاستقلال ليس حدث يقترن بأي «بروتوكول أو وثيقة» والاحتفاء به لا يكون عبر موكب «ينظم» بل إنّ «الاستقلال الحقيقي حين تكون سيّدا في الأرض» كما سبق وأن عبّر الرئيس قيس سعيد عن ذلك. ومنذ سنتين قال الرئيس قيس سعيد في كلمة وجهها إلى الشعب إثر جلسة وزارية إن «الاستقلال التام هو أن يمارس الشعب سيادته كاملة داخل أرضه المستقلة» وفي سنة 2021 اختفت الاحتفالات الرسمية تماما بعيد الاستقلال يوم 20 مارس ولم نرَ مظاهر الاحتفاء في الشوارع الرئيسية والساحات العامة ما عدا بعض الأعلام الوطنية المعلّقة في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة. ولم يدلي الرئيس سعيد بكلمة رسمية ومرّ اليوم في صمت كئيب وغير منطقي استفزّ مشاعر التونسيين الذي عبّروا صراحة عبر صفحاتهم عن استنكارهم غياب الاحتفال بعيد الاستقلال وبشكل رسمي .

والى اليوم لا يبدي الرئيس قيس سعيد حماسا كبيرا في الاحتفال بعيد الاستقلال رغم أن هناك أطرافا وجهات كثيرة اليوم أعلنت أنها ستحتفل غدا بعيد الاستقلال وكل بطريقته وحسب أهدافه..، ولكن بعيدا عن الاحتفالات الحزبية فان من واجب الدولة الاحتفال والاحتفاء بهذه الذكري وبشكل يليق بنضالات أجيال من التونسيين .

منية العرفاوي

 

 

 

 

 

عيد الاستقلال |  احتفالات خاضعة للأمزجة السياسية والحزبية !

 

تونس- الصباح

يحتفل التونسيون اليوم الأحد 20 مارس 2022 بالذكرى الـ66 للاستقلال، إحدى المحطات الهامة في تاريخ بناء تونس الحديثة لما جسدته من انتصار للشعب التونسي في معركة نضال دامت عقودا عديدة ضد الاستعمار الفرنسي والتي امتدت من عام 1881 إلى عام 1956 تاريخ الاستقلال واستعادة الشعب التونسي لحريته وقراره الوطني وسيادته على أرضه ..

والحصول على الاستقلال لم يأت من فراغ أو هبة من المستعمر الفرنسي بل كان تتويجا لنضالات أجيال من المقاومين ومن الكفاح السلمي لنصل بعد ذلك إلى تاريخ 20 مارس 1956 الذي مثّل منعرجا مفصليا في تاريخ بناء الدولة الوطنية الحديثة وبقي اليوم الرمز في تاريخ التونسيين وذاكرتهم وبداية بناء دولة الاستقلال بكل تلك الأحلام والخيارات والطموحات والإنجازات التي رافقتها..، كما سيبقى هذا التاريخ يختزل بدوره سير مناضلين ضدّ الاستعمار ومسيرة شخصيات وطنية استطاعت بناء دولة من عدم وأبرزهم الزعيم الحبيب بورقيبة الذي كان جزءا أساسيا في ملحمة الاستقلال كما لعب الدور الأبرز في بناء الدولة وفق توجهات ورؤية واضحة منذ البداية راهن فيها على قطاعات حيوية ووضع التصوّر الإداري والهيكلي للدولة كما وضع ثقته في رجال وشخصيات ربما كانت تعوزها الخبرة ولكن لم يخذلها حبها لتونس في أن يجعلها تتفوّق على نفسها وتنجز الكثير رغم بعض الإخفاقات والعثرات والتجارب الفاشلة التي لم تؤثر على مسار بناء الدولة .

ولئن كانت تواريخ الاستقلال من التواريخ المهمة في حياة الشعوب والتي ترافقها دائما احتفالات في حلول الذكرى فان الاحتفال بعيد الاستقلال بعد الثورة ظل يخضع لمزاج السياسيين والأحزاب في الاحتفال، ومرّ من مرحلة التجاهل بعد الثورة إلى مرحلة التوهجّ مع وصول الباجي قايد السبسي إلى الحكم ثم العودة بعد ذلك إلى حالة من الفتور مع الرئيس قيس سعيد، في حين كانت السمة البارزة في تعاطي الأحزاب مع ذكرى الاستقلال مشوبا بالتشتت وتبادل الاتهامات .

فتور في الاحتفال

بعد الثورة مباشرة كان الاحتفال بذكر الاستقلال محتشما وكان الجميع منشغلا بمآلات الثورة ومرحلة ما بعد سقوط نظام بن علي ولكن بعد انتخابات المجلس التأسيسي ووصول حكومة "الترويكا" إلى السلطة والرئيس المنصف المرزوقي إلى السلطة، فان التعامل مع ذكرى الاستقلال بدا باردا وفاترا حيث تم تجاهل ذكرى الاستقلال واستثنائها من الاحتفال الرسمي واتهمت حكومة "الترويكا" بالتغاضي عن الاحتفال وتناسي نضالات رجال حققوا استقلال تونس وبدا واضحا وقتها أن حركة النهضة المسيطرة على السلطة لم تكن تريد إظهار الاستقلال كانجاز يحسب للزعيم بورقيبة ومن كان معه في معركة التحرير الوطني خاصة وان علاقة راشد الغنوشي ببورقيبة ظلت متوترة وتقوم على عدم الاعتراف وذلك التجاهل الذي تم بطريقة استفزازية مست مشاعر كل التونسيين وأثارت لديهم موجة من الاستياء، ساهم بشكل كبير في حالة النبذ السياسي التي عاشتها حكومة "الترويكا" والتي تعمقت أكثر مع اغتيال الشهيد شكري بلعيد.

  وفي فترة "الترويكا" غابت في ذكرى الاستقلال كل مظاهر الاحتفال واقتصر الأمر على بعض الإجراءات الروتينية التي اعتادها التونسيون في مثل هذه الاحتفالات من خلال إصدار رئيس الجمهوريــة المنصف المرزوقي عفوا خاصا شمل 1391 سجينا وقتها وهذا الإجراء الروتيني ربما كان الوحيد الذي اختزل الاحتفال بذكرى الاستقلال .

توهجّ الاحتفال من جديد

مع وصول الباجي قايد السبسي إلى السلطة في انتخابات 2014 أصبحت هناك احتفالية دائمة في قصر قرطاج بذكرى الاستقلال في كل 20 مارس، بالإضافة إلى الحرص على رفع الأعلام والرايات الوطنية في الشوارع الرئيسية وذلك في محاولة من الرئيس الراحل لإحياء هذه الذكرى ورمزيتها في نفوس التونسيين.

وقد أعاد أيضا الرئيس الباجي قايد السبسي الاعتبار إلى الطاهر بن عمار الذي أمضى على وثيقة الاستقلال إضافة إلى قراره إعادة المناضل صالح بن يوسف إلى صف الدستوريين تلبية لطلب أبنائه. كما أكد قايد السبسي في احتفالية 2016 بذكرى الاستقلال أنه سيتم إعادة تمثال الحبيب بورقيبة إلى مكانة بشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة، وهو ما تم بالفعل لاحقا وعاد التمثال إلى شارع بورقيبة كنوع من الاعتراف بالخدمات الكبيرة التي قدمها الزعيم بورقيبة سواء في استقلال تونس أو في بناء الدولة .

وبقيت ذكرى الاستقلال مقترنة في أذهان الكثير من التونسيين بذلك الخطاب الأخير الذي ألقاه الباجي قايد السبسي قبل رحيله بأشهر قليلة ومحاولته في ذلك الخطاب إعادة رئيس الحكومة الأسبق وقتها يوسف الشاهد إلى حضن النداء .

الرئيس ونظريته الخاصة للاستقلال

بدا واضحا وفي أكثر من مناسبة تجاهل الرئيس قيس سعيد لذكرى الاستقلال والتي بررها الرئيس في أكثر من مناسبة أن الاستقلال ليس حدث يقترن بأي «بروتوكول أو وثيقة» والاحتفاء به لا يكون عبر موكب «ينظم» بل إنّ «الاستقلال الحقيقي حين تكون سيّدا في الأرض» كما سبق وأن عبّر الرئيس قيس سعيد عن ذلك. ومنذ سنتين قال الرئيس قيس سعيد في كلمة وجهها إلى الشعب إثر جلسة وزارية إن «الاستقلال التام هو أن يمارس الشعب سيادته كاملة داخل أرضه المستقلة» وفي سنة 2021 اختفت الاحتفالات الرسمية تماما بعيد الاستقلال يوم 20 مارس ولم نرَ مظاهر الاحتفاء في الشوارع الرئيسية والساحات العامة ما عدا بعض الأعلام الوطنية المعلّقة في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة. ولم يدلي الرئيس سعيد بكلمة رسمية ومرّ اليوم في صمت كئيب وغير منطقي استفزّ مشاعر التونسيين الذي عبّروا صراحة عبر صفحاتهم عن استنكارهم غياب الاحتفال بعيد الاستقلال وبشكل رسمي .

والى اليوم لا يبدي الرئيس قيس سعيد حماسا كبيرا في الاحتفال بعيد الاستقلال رغم أن هناك أطرافا وجهات كثيرة اليوم أعلنت أنها ستحتفل غدا بعيد الاستقلال وكل بطريقته وحسب أهدافه..، ولكن بعيدا عن الاحتفالات الحزبية فان من واجب الدولة الاحتفال والاحتفاء بهذه الذكري وبشكل يليق بنضالات أجيال من التونسيين .

منية العرفاوي

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews