إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

من وحي حلّ المجالس البلديّة

 

بقلم : المنصف الحميدي(*)

*مسؤولون ..كأنهم قدموا وانتصبوا نقمة ونكاية في السكّان وتنكيلا بهم

شعر الوطنيون الخلّص وعقلاء هذه البلاد والمحبّون لمواطنهم ووطنهم بالغبطة لما حلت المجالس البلديّة كلّها غبطة وسرورا لا يضاهيها شعور ذلك أنّهم عاشوا خماسيّة من السّنوات في ضيق وكآبة لما كانوا يتنقلون في كلّ أرجاء الوطن ويشاهدون بالعين المجرّدة ما أصبحت عليه مدننا وقرانا وحتّى أريافنا وما خالها من تلوّث أتى على المساحات والفضاءات اليابسة والخضراء وما تردت الشوارع والأنهج والأزقّة حتّى صارت شرايين المدن ترتع فيها الكلاب السائبة والقطط المتشرّدة والحشرات والقوارض في حضرة مسؤولين رؤساؤهم يتقاضون أجورا كبيرة وسيّارات فارهة كانت أثمانها توجّه إلى اقتناء جرارات تسهم في نقل أكداس المزابل التّي تستقرّ في كلّ شارع ونهج وكأنّ هؤلاء المسؤولين قدموا وانتصبوا نقمة ونكاية في السكّان وتنكيلا بهم وصدقت تلك السائحة التّي خاطبت أقاربها قائلة: "بلادكم يطيب فيها من خلال أخلاق أهلها ولكن البقاء فيها لا يحلو البتة لما تراكم فيها من أوساخ وما انتشر فيها من مزابل" وهي شهادة ليست فيها مجاملة ولا تحامل.

إذن هذه حال مدننا التي وضعناها أمانة في رقاب وأعناق مسؤولين بلديين خانوا الأمانة وفي ذلك خيانة للوطن لهذا تنحط القيم وتهوى إلى الدرك الأسفل ويبلغ التنكّر لكل جميل وليس أجمل من الوطن لكل كائن وزيادة على هذه المزابل هناك عبث بالأملاك العامّة داخل المحيط البلدي واستقالة لمتابعة حركة الأسواق ومقاومة للانتصاب الفوضوي والاتّجار العشوائي فكيف تفسّر باعة للغلال ينتصبون أمام مداخل قصر البلدية في لا مبالاة مستمرة وكأنّ أعين أصيبت بالعمى طيلة سنوات رغم أنّ لهذه المؤسسة شرطة بلدية وأعوانا للتراتيب وفرض النّظام وتطبيق التعليمات وضبط المخالفات حتّى أنّ أحدهم قال لي ذات مرّة وهو مناضل دستوري قديم أنّ البلدية هي روح المدينة فأدركت حين رأيت وعايشت حال مدننا وما أفرزه هذا التحوّل السلبي فأصبحت مدننا بلا سلطة مدينة أساسها التطوع وتقابل الحقوق والواجبات في تعادلية موزونة لا يطغى هذا على ذاك ليتربى المواطن في حضن مؤسسة ديمقراطية تخدم قيم المواطنة أساسها الاحترام والالتزام والانضباط للقوانين وهي المدرسة الديمقراطية ولكن أنّى تحقيق هذه القيم في ظلّ مسؤولين لا يؤمنون بالتمشي الديمقراطي واحترام الغير والإيمان بالمصلحة الجماعيّة وتقديمها على المصلحة الشخصيّة وحتّى إذا تعارضت المصالح فالمصلحة العامّة أجدر بالإتباع إطلاقا وثمّة أخطاء أخرى فقد أحجمت كلّ البلديّات إن لم نقل اغلبها على عدم الأنشطة الثقافيّة لعدم هؤلاء المسؤولين بدور الثقافة في نحت الوطن وصنعه وتخريجه على قيم الولاء للوطن ورايته ورموزه ومبدعيه في شتّى ضروب الإبداع أمّا عن الشباب والرياضة فقد انقطع دعم هذه الشريحة من السكان دعما ومتابعة وهذا ما حدا بعديد الجمعيّات إلى التداين وحتّى الإفلاس وأصبح الشباب في هذه البلاد يعاني اليأس والإحباط معوضا هذه الأنشطة في فراغه المتواصل بارتمائه في أتّون الاستلاب والإرهاب والإدمان على الانترانت وحتّى المخدرات وإذا لا تعتني هذه المؤسسة المدينة بنظافة المدينة وبنظافة العقول وتهذيب الأجسام وحفظها فبماذا تعتني؟ ثمّ إذا لم تصرف أموال المجموعة في هذه العناوين فأين ذهبت ميزانيات هذه الاعزام؟ لذلك كان هذا الإجراء العام وهو حلّ هذه المجالس مشروعا صائبا حيث لا ندعي التشفي أو نركب صهوة المجاملة ودعما للغير ولكنّه تعبير صادق وموضوعي يعتمد وطنية عميقة وحبّ لهذا الوطن الذّي منحنا مزايا عديدة وانطلاقا من عشرتنا مع العمل البلدي ذلك أنّ والدي من المناضلين الخلّص في هذه المدينة وكان مساعدا أوّل لأول بلدية تونسيّة لحما ودما في ماي 1957 وعمل فيها لمدّة تسع سنوات في فترات ثلاث كلّ واحدة كانت تدوم ثلاثة أعوام وتشربنا من تلك المواقف ذات التطوع ونكران الذات فكنّا نتألم في هذه الفترات القريبة لحال هذه المدن التي انقلبت من خضراء إلى جدباء لا يحلو فيها العيش ولكن لنا أمل في هذه النيابات الخصوصية التي ستركز لإصلاح ما أفسده السّابقون لهذه الهياكل وليقم الجميع بحملات نظافة تخلّصنا من هذه الفضلات والأوساخ وتحسين وجه هذا الوطن الذي نريده أن يبقى جميلا بحكم الزائر والأجنبي له ويستعيد ألفته ونظارته يبقى ناظرا في عيون ساكنيه وزوّاره الذين يحبّون أيضا.

*كاتب وإعلامي – المتلوي

 

 

 

 

 

 

من وحي حلّ المجالس البلديّة

 

بقلم : المنصف الحميدي(*)

*مسؤولون ..كأنهم قدموا وانتصبوا نقمة ونكاية في السكّان وتنكيلا بهم

شعر الوطنيون الخلّص وعقلاء هذه البلاد والمحبّون لمواطنهم ووطنهم بالغبطة لما حلت المجالس البلديّة كلّها غبطة وسرورا لا يضاهيها شعور ذلك أنّهم عاشوا خماسيّة من السّنوات في ضيق وكآبة لما كانوا يتنقلون في كلّ أرجاء الوطن ويشاهدون بالعين المجرّدة ما أصبحت عليه مدننا وقرانا وحتّى أريافنا وما خالها من تلوّث أتى على المساحات والفضاءات اليابسة والخضراء وما تردت الشوارع والأنهج والأزقّة حتّى صارت شرايين المدن ترتع فيها الكلاب السائبة والقطط المتشرّدة والحشرات والقوارض في حضرة مسؤولين رؤساؤهم يتقاضون أجورا كبيرة وسيّارات فارهة كانت أثمانها توجّه إلى اقتناء جرارات تسهم في نقل أكداس المزابل التّي تستقرّ في كلّ شارع ونهج وكأنّ هؤلاء المسؤولين قدموا وانتصبوا نقمة ونكاية في السكّان وتنكيلا بهم وصدقت تلك السائحة التّي خاطبت أقاربها قائلة: "بلادكم يطيب فيها من خلال أخلاق أهلها ولكن البقاء فيها لا يحلو البتة لما تراكم فيها من أوساخ وما انتشر فيها من مزابل" وهي شهادة ليست فيها مجاملة ولا تحامل.

إذن هذه حال مدننا التي وضعناها أمانة في رقاب وأعناق مسؤولين بلديين خانوا الأمانة وفي ذلك خيانة للوطن لهذا تنحط القيم وتهوى إلى الدرك الأسفل ويبلغ التنكّر لكل جميل وليس أجمل من الوطن لكل كائن وزيادة على هذه المزابل هناك عبث بالأملاك العامّة داخل المحيط البلدي واستقالة لمتابعة حركة الأسواق ومقاومة للانتصاب الفوضوي والاتّجار العشوائي فكيف تفسّر باعة للغلال ينتصبون أمام مداخل قصر البلدية في لا مبالاة مستمرة وكأنّ أعين أصيبت بالعمى طيلة سنوات رغم أنّ لهذه المؤسسة شرطة بلدية وأعوانا للتراتيب وفرض النّظام وتطبيق التعليمات وضبط المخالفات حتّى أنّ أحدهم قال لي ذات مرّة وهو مناضل دستوري قديم أنّ البلدية هي روح المدينة فأدركت حين رأيت وعايشت حال مدننا وما أفرزه هذا التحوّل السلبي فأصبحت مدننا بلا سلطة مدينة أساسها التطوع وتقابل الحقوق والواجبات في تعادلية موزونة لا يطغى هذا على ذاك ليتربى المواطن في حضن مؤسسة ديمقراطية تخدم قيم المواطنة أساسها الاحترام والالتزام والانضباط للقوانين وهي المدرسة الديمقراطية ولكن أنّى تحقيق هذه القيم في ظلّ مسؤولين لا يؤمنون بالتمشي الديمقراطي واحترام الغير والإيمان بالمصلحة الجماعيّة وتقديمها على المصلحة الشخصيّة وحتّى إذا تعارضت المصالح فالمصلحة العامّة أجدر بالإتباع إطلاقا وثمّة أخطاء أخرى فقد أحجمت كلّ البلديّات إن لم نقل اغلبها على عدم الأنشطة الثقافيّة لعدم هؤلاء المسؤولين بدور الثقافة في نحت الوطن وصنعه وتخريجه على قيم الولاء للوطن ورايته ورموزه ومبدعيه في شتّى ضروب الإبداع أمّا عن الشباب والرياضة فقد انقطع دعم هذه الشريحة من السكان دعما ومتابعة وهذا ما حدا بعديد الجمعيّات إلى التداين وحتّى الإفلاس وأصبح الشباب في هذه البلاد يعاني اليأس والإحباط معوضا هذه الأنشطة في فراغه المتواصل بارتمائه في أتّون الاستلاب والإرهاب والإدمان على الانترانت وحتّى المخدرات وإذا لا تعتني هذه المؤسسة المدينة بنظافة المدينة وبنظافة العقول وتهذيب الأجسام وحفظها فبماذا تعتني؟ ثمّ إذا لم تصرف أموال المجموعة في هذه العناوين فأين ذهبت ميزانيات هذه الاعزام؟ لذلك كان هذا الإجراء العام وهو حلّ هذه المجالس مشروعا صائبا حيث لا ندعي التشفي أو نركب صهوة المجاملة ودعما للغير ولكنّه تعبير صادق وموضوعي يعتمد وطنية عميقة وحبّ لهذا الوطن الذّي منحنا مزايا عديدة وانطلاقا من عشرتنا مع العمل البلدي ذلك أنّ والدي من المناضلين الخلّص في هذه المدينة وكان مساعدا أوّل لأول بلدية تونسيّة لحما ودما في ماي 1957 وعمل فيها لمدّة تسع سنوات في فترات ثلاث كلّ واحدة كانت تدوم ثلاثة أعوام وتشربنا من تلك المواقف ذات التطوع ونكران الذات فكنّا نتألم في هذه الفترات القريبة لحال هذه المدن التي انقلبت من خضراء إلى جدباء لا يحلو فيها العيش ولكن لنا أمل في هذه النيابات الخصوصية التي ستركز لإصلاح ما أفسده السّابقون لهذه الهياكل وليقم الجميع بحملات نظافة تخلّصنا من هذه الفضلات والأوساخ وتحسين وجه هذا الوطن الذي نريده أن يبقى جميلا بحكم الزائر والأجنبي له ويستعيد ألفته ونظارته يبقى ناظرا في عيون ساكنيه وزوّاره الذين يحبّون أيضا.

*كاتب وإعلامي – المتلوي