إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

وسط صمت وتبرير البعض .. التدخل الأجنبي في الشأن الوطني بين الضغط والمساومة

 

تونس – الصباح

 مرة أخرى تعود مسألة السيادة الوطنية والتدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لتونس إلى سطح الأحداث من جديد، بشكل يدعو للاستغراب لأنها تؤكد أن محاولات الضغط على بلادنا واستغلال تداعيات الأزمات المتراكمة على الوضع الاقتصادي من ناحية والمساومة على "المساعدات" والاتفاقيات المبرمة معها من ناحية أخرى، على اعتبار أن بلادنا تظل دولة مستقلة ولها مؤسساتها الكفيلة بإثبات والدفاع عن ذلك، وهناك عديد الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها وتكفل عدم تدخل أي دولة أو جهة أجنبية في الشؤون الداخلية لبلادنا كما البلدان المصادقة على هذه المعاهدات والاتفاقيات. فبعد الهبة الكبيرة لجهات سياسية وحزبية للتصدي لرئيس الجمهورية في محاولة للإستقواء بالأجنبي  والدفع لإيقاف القرارات التي أعلنها يوم 25 جويلية 2021، وما تبعها من قرارات أخرى أدت إلى تغيير منظومة الحكم في الدولة بعد حل البرلمان السابق وإجراء انتخابات استثنائية أسفرت بدورها عن برلمان جديد، تعود مسألة التدخل الأجنبي من جديد بعد ترحيب البعض بطرح البرلمان الأوروبي يوم أمس، مقترحا حول ما يحدث في تونس من إيقافات في إطار فتح ملف المحاسبة أو ما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة"، التي تمت إثارتها رسميا منذ أسابيع قليلة ولا تزال التحقيقات في الغرض متواصلة.

ولئن كانت مثل هذه المواقف الخارجية تلاقي ردود أفعال داخلية قوامها الرفض والاستنكار في فترات سابقة على اعتبار أن ذلك مس من السيادة الوطنية وأن كل المستجدات الداخلية ذات الشأن الوطني هي شان داخلي وغير مسموح لأي جهة أجنبية بالتدخل في ذلك، فإن الوضع اليوم تغير وأصبحت مثل هذه التدخلات الخارجية تمر وسط صمت مطبق لأغلب المنظمات والهياكل مقابل ترحيب البعض الآخر بها، الأمر الذي استنكره البعض على اعتبار أن كل محاولة للمس بالسيادة الوطنية مرفوض وأن "الوطنية" لا يمكن المزايدة عليها أو التنازل عنها تحت أي ذريعة أو تعلة وأسباب كانت.

ويذكر أن برنامج عمل البرلمان الأوروبي أمس تضمن طرح مسألة الإيقافات التي شهدتها تونس في الفترة الأخيرة وما يصفه البعض بالاعتداء على حرية التعبير، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تجاوزه ليتضمن مواصلة الضغط على بلادنا عبر "دعوة المفوضة الأوروبية إلى تعليق المساعدة المالية الكلية لتونس إلى حين اتخاذ السلطة إجراءات ملموسة فيما يتعلق بالديمقراطية وسيادة القانون". وهي ليست المرة الأولى التي يتم فيها الاستنجاد بالبرلمان الأوروبي من قبل بعض السياسيين في تونس من الفاعلين في منظومة الحكم الماضية للضغط على بلادنا بهدف ضمان البقاء في دائرة القرار والسلطة، فيما اختلفت الأوضاع اليوم، حسب ما تذهب إلى ذلك بعض القراءات على اعتبار أن الضغوط المسلطة على تونس في هذه المرحلة إنما تهدف لإيقاف "ماكينة" المحاسبة التي انطلقت في الاشتغال منذ مدة، والدفع لغلق كل الملفات المعروضة والمفتوحة في أروقة القضاء التونسي.

يأتي ذلك بعد الجدل الذي أثاره قرار السلطات الرسمية في الدولة ترحيل الأمينة العامة للكنفدرالية الأوروبية للنقابات، الإيرلندية إيستر لينش، بعد مشاركتها في تظاهرة نقابية نظمها الاتحاد العام التونسي للشغل بصفاقس في فيفري المنقضي. وبعد رفض دعوة نفس المنظمة الشغيلة لعدد آخر من النقابيين الدوليين لحضور التجمع العمالي الذي نظمه يوم 4 من الشهر الجاري بساحة محمد علي بالعاصمة، شاركت فيه قوى سياسية ومنظمات وهياكل أخرى. ورأى البعض أن في هذه الدعوات تأكيد لتمش فشلت فيه بعض القوى الحزبية والسياسية في الفترة الماضية والمبني بالأساس على الاستنجاد بالأجنبي في التعاطي مع قضايا ومسائل وطنية.  

كما سبق أن استنكر البعض استقبال نقابة الصحفيين لبعض سفراء البلدان الأوروبية في تونس والخوض معها في مسائل وطنية وداخلية. لأن محاولة البعض إيجاد تبريرات لأي تدخل أجنبي في الشأن الوطني أو الصمت حيال ذلك، يفتح المجال لاستباحة السيادة الوطنية لاسيما في هذه المرحلة الصعبة التي تمر فيها بلادنا بـعديد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. الأمر الذي يصعب مهمة الإصلاح والنهوض بما من شأنه أن يجعل القرار الوطني في خطر.

الأمر الذي يفتح المجال للدبلوماسية التونسية في الداخل والخارج للتحرك على خط جديد، بعد ماراطون التحركات إثر أزمة الأفارقة جنوب الصحراء التي تمت إثارتها في بلادنا منذ أسابيع وما خلفته من جدل واسع. يتأكد مرة أخرى تداعيات الضعف الاتصالي للسلطات الرسمية في بلادنا من ناحية وتأثير الشغورات في الدبلوماسية الخارجية نظرا لتواصل الشغور في مستوى سفراء بكل من ألمانيا وإيطاليا فضلا عن الشغورات في القناصل ورؤساء البعثات الدبلوماسية في عدة بلدان أوروبية وغيرها.   

في المقابل أكد وزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي أنطونيو تاياني، أمس في حديثه لإحدى القنوات التلفزية العربية، "حرص بلاده على دعم تونس والعمل على تجاوز أزمتها الاقتصادية، كونها المكان الذي ينطلق منه المهاجرون بشكل متزايد".

نزيهة الغضباني

وسط صمت وتبرير البعض .. التدخل الأجنبي في الشأن الوطني بين الضغط والمساومة

 

تونس – الصباح

 مرة أخرى تعود مسألة السيادة الوطنية والتدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لتونس إلى سطح الأحداث من جديد، بشكل يدعو للاستغراب لأنها تؤكد أن محاولات الضغط على بلادنا واستغلال تداعيات الأزمات المتراكمة على الوضع الاقتصادي من ناحية والمساومة على "المساعدات" والاتفاقيات المبرمة معها من ناحية أخرى، على اعتبار أن بلادنا تظل دولة مستقلة ولها مؤسساتها الكفيلة بإثبات والدفاع عن ذلك، وهناك عديد الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها وتكفل عدم تدخل أي دولة أو جهة أجنبية في الشؤون الداخلية لبلادنا كما البلدان المصادقة على هذه المعاهدات والاتفاقيات. فبعد الهبة الكبيرة لجهات سياسية وحزبية للتصدي لرئيس الجمهورية في محاولة للإستقواء بالأجنبي  والدفع لإيقاف القرارات التي أعلنها يوم 25 جويلية 2021، وما تبعها من قرارات أخرى أدت إلى تغيير منظومة الحكم في الدولة بعد حل البرلمان السابق وإجراء انتخابات استثنائية أسفرت بدورها عن برلمان جديد، تعود مسألة التدخل الأجنبي من جديد بعد ترحيب البعض بطرح البرلمان الأوروبي يوم أمس، مقترحا حول ما يحدث في تونس من إيقافات في إطار فتح ملف المحاسبة أو ما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة"، التي تمت إثارتها رسميا منذ أسابيع قليلة ولا تزال التحقيقات في الغرض متواصلة.

ولئن كانت مثل هذه المواقف الخارجية تلاقي ردود أفعال داخلية قوامها الرفض والاستنكار في فترات سابقة على اعتبار أن ذلك مس من السيادة الوطنية وأن كل المستجدات الداخلية ذات الشأن الوطني هي شان داخلي وغير مسموح لأي جهة أجنبية بالتدخل في ذلك، فإن الوضع اليوم تغير وأصبحت مثل هذه التدخلات الخارجية تمر وسط صمت مطبق لأغلب المنظمات والهياكل مقابل ترحيب البعض الآخر بها، الأمر الذي استنكره البعض على اعتبار أن كل محاولة للمس بالسيادة الوطنية مرفوض وأن "الوطنية" لا يمكن المزايدة عليها أو التنازل عنها تحت أي ذريعة أو تعلة وأسباب كانت.

ويذكر أن برنامج عمل البرلمان الأوروبي أمس تضمن طرح مسألة الإيقافات التي شهدتها تونس في الفترة الأخيرة وما يصفه البعض بالاعتداء على حرية التعبير، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تجاوزه ليتضمن مواصلة الضغط على بلادنا عبر "دعوة المفوضة الأوروبية إلى تعليق المساعدة المالية الكلية لتونس إلى حين اتخاذ السلطة إجراءات ملموسة فيما يتعلق بالديمقراطية وسيادة القانون". وهي ليست المرة الأولى التي يتم فيها الاستنجاد بالبرلمان الأوروبي من قبل بعض السياسيين في تونس من الفاعلين في منظومة الحكم الماضية للضغط على بلادنا بهدف ضمان البقاء في دائرة القرار والسلطة، فيما اختلفت الأوضاع اليوم، حسب ما تذهب إلى ذلك بعض القراءات على اعتبار أن الضغوط المسلطة على تونس في هذه المرحلة إنما تهدف لإيقاف "ماكينة" المحاسبة التي انطلقت في الاشتغال منذ مدة، والدفع لغلق كل الملفات المعروضة والمفتوحة في أروقة القضاء التونسي.

يأتي ذلك بعد الجدل الذي أثاره قرار السلطات الرسمية في الدولة ترحيل الأمينة العامة للكنفدرالية الأوروبية للنقابات، الإيرلندية إيستر لينش، بعد مشاركتها في تظاهرة نقابية نظمها الاتحاد العام التونسي للشغل بصفاقس في فيفري المنقضي. وبعد رفض دعوة نفس المنظمة الشغيلة لعدد آخر من النقابيين الدوليين لحضور التجمع العمالي الذي نظمه يوم 4 من الشهر الجاري بساحة محمد علي بالعاصمة، شاركت فيه قوى سياسية ومنظمات وهياكل أخرى. ورأى البعض أن في هذه الدعوات تأكيد لتمش فشلت فيه بعض القوى الحزبية والسياسية في الفترة الماضية والمبني بالأساس على الاستنجاد بالأجنبي في التعاطي مع قضايا ومسائل وطنية.  

كما سبق أن استنكر البعض استقبال نقابة الصحفيين لبعض سفراء البلدان الأوروبية في تونس والخوض معها في مسائل وطنية وداخلية. لأن محاولة البعض إيجاد تبريرات لأي تدخل أجنبي في الشأن الوطني أو الصمت حيال ذلك، يفتح المجال لاستباحة السيادة الوطنية لاسيما في هذه المرحلة الصعبة التي تمر فيها بلادنا بـعديد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. الأمر الذي يصعب مهمة الإصلاح والنهوض بما من شأنه أن يجعل القرار الوطني في خطر.

الأمر الذي يفتح المجال للدبلوماسية التونسية في الداخل والخارج للتحرك على خط جديد، بعد ماراطون التحركات إثر أزمة الأفارقة جنوب الصحراء التي تمت إثارتها في بلادنا منذ أسابيع وما خلفته من جدل واسع. يتأكد مرة أخرى تداعيات الضعف الاتصالي للسلطات الرسمية في بلادنا من ناحية وتأثير الشغورات في الدبلوماسية الخارجية نظرا لتواصل الشغور في مستوى سفراء بكل من ألمانيا وإيطاليا فضلا عن الشغورات في القناصل ورؤساء البعثات الدبلوماسية في عدة بلدان أوروبية وغيرها.   

في المقابل أكد وزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي أنطونيو تاياني، أمس في حديثه لإحدى القنوات التلفزية العربية، "حرص بلاده على دعم تونس والعمل على تجاوز أزمتها الاقتصادية، كونها المكان الذي ينطلق منه المهاجرون بشكل متزايد".

نزيهة الغضباني