إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

من البلدوزر إلى الرصاص القاتل ... بين راشيل كوري وشيرين أبوعاقلة قصتا نضال مؤنث وجريمتان لا تسقطان بالتقادم ..لماذا تخذلهما الجنائية الدولية؟

 

تونس الصباح

عشرون عاما تمر اليوم على واحدة من ابشع جرائم العصر المنسية في سجل الاحتلال الاسرائيلي وهي جريمة اعدام الناشطة الامريكية اليهودية راشال كوري في مدينة رفح عندما وقفت متحدية البلدوزر محاولة منع عملية تدمير منازل الفلسطينيين التي اعتمدتها سلطات الاحتلال كعقاب جماعي ضد الفلسطينيين و لكن كمبرر لتوسيع المستوطنات و مصادرة الارض ...اليوم و نحن نعيش على وقع اليوم العالمي للمراة  و مع اقتراب ذكرى يوم الارض تعود ذكرى اغتيال راشيل كوري لتذكر المجتمع الدولي  أن الجناة أحرار و أن الافلات من العقاب لمن اقترفوا جريمة راشيل التي لم تنصفها لا السلطات الامريكية و لا الاسرائيلية  و لا الدولية هي التي تدفع الاحتلال لتكرار جرائمه و استهداف النساء والاطفال والشيوخ دون ادنى احساس بالحرج أوالانشغال أوالخوف من الملاحقة ..

-من اغتيال راشيل كوري في رفح الى اغتيال ابو عاقلة في  جنين

لقد أعادت جريمة اغتيال عروس جنين شيرين ابو عاقلة الى الاذهان جريمة لا تقل عنها بشاعة و تتعلق بقتل الحقوقية الأمريكية راشيل كوري، في قطاع غزة، على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي سنة 2003، بعد أن دهستها جرافة إسرائيلية، كانت تقوم بأعمال هدم لمنازل فلسطينيين، في مدينة رفح، جنوبي القطاع.كان ذلك قبل عشرين عاما من اليوم ولا تزال الجريمة التي تابعها كل العالم بلا عقاب ولا تزال راشيل كوري التي دهستها جرافة الاحتلال الاسرائيلي بنية القتل تنتظر موقفا واضحا و قرارا عادلا من الجنائية الدولية التي اقرت بان ما يحدث من انتهاكات في الاراضي الفلسطينية المحتلة يتنزل ضمن اختصاصاتها ...

وكما حدث لشيرين ابو عاقلة وهي الفلسطينية الامريكية التي كانت تلبس الخوذة و تضع السترة التي  تشير الى انها اعلامية و التي كان يفترض ان تحميها  من رصاص الاحتلال , كانت الناشطة الامريكية اليهودية راشيل كوري، ترتدي آنذاك، بزّتها البرتقالية، للتعريف عن نفسها بأنها ناشطة حقوقية أجنبية، وحاولت برفقة ثمانية من زملائها في حركة التضامن الدولية، وهم وفق تقريرللمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، خمسة أمريكيين وثلاثة بريطانيين، منع جرافة عسكرية تابعة لقوات الاحتلال من هدم المنازل في مدينة رفح...يقول شهود عيان ان سائق البلدوزر داش على جسد راشيل النحيل مرتين ...وعندما كانت تنادي بمكبّر الصوت على الجنود الإسرائيليين داخل الآلة العسكرية، في محاولة لإيقافهم عن تجريف المنازل، دهستها الآلة بشكل متعمّد، وفق المركز.وتعتبر كوري، أول ناشطة سلام دولية تقتل بينما كانت تحتج على عملية هدم للمنازل الفلسطينية تقوم بها قوات الاحتلال.

وصلت كوري، وهي من مواليد 10 افريل 1979 في أولمبيا بواشنطن، قطاع غزة ضمن حركة التضامن العالمية عام 2003 التي كانت تحاول رفع الحصار عن اهالي غزة و استقطاب انظار العالم الى معاناة الاهالي المنسين من الخارطة الدولية ...

وشكّلت جريمة مقتل الناشطة كوري في غزة، صدمة لدى  المجتمع الدولي الذي اهتز لبشاعة الجريمة كما اهتز لوقعها المنظمات الحقوقية  الاقليمية والدولية ، فهي مواطنة أمريكية، وجاءت للدفاع عن فكرة السلام باستخدام الوسائل السلمية المتعارف عليها دولياً...الا ان ذلك الزخم و تلك الاحتجاجات والاصوات التي ارتفعت من كل انحاء العالم للمطالبة بالعدالة لراشيل كوري ما انفكت تتراجع و تغيب عن المشهد حتى لم يبقى الا قلة قليلة تتذكرهذا الاسم خاصة وأن سلطة الاحتلال أقرت بشكل قطعي ان قوات الاحتلال لم ترتكب ذنبا في حق راشيل كيري التي وضعت نفسها في موضع الخطر...و هو في الحقيقة طريقة دأب عليها الاحتلال للتنصل من المسؤولية في كل ما يرتكبه من خروقات ولكن ايضا لترهيب الفلسطينيين ومعهم النشطاء الاجانب و المنظمات الحقوقية التي تتعاطف معهم و التي قد تنضم اليهم على الارض لمناصرتهم في مواجهة العدوان ..

في اخر رسالة لها قبل اعدامها من جانب الاحتلال تقول راشيل كوري "أعتقد أن أي عمل أكاديمي أوأي قراءة أو أي مشاركة في مؤتمرات أو مشاهدة أفلام وثائقية أو سماع قصص وروايات لم تكن لتسمح لي بإدراك الواقع هنا، ولا يمكن تخيل ذلك إذا لم تشاهده بنفسك، وحتى بعد ذلك تفكر طوال الوقت بما إذا كانت تجربتك تعبر عن واقع حقيقي"..وهو ما يعني صراحة أنه لا شيء يماثل الوقوف على حقيقة الوضع على الارض وأن استمرار راشيل كوري يعني اتساع دائرة النشطاء والمتحمسين للتحرك ضد الجرائم اليومية للاحتلال الاسرائيلي ...بعد تلك الجريمة قال المحامي في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان محمد العلمي "إن المركز تابع مقتل راشيل كوري ووثق الجريمة، واتخذ جميع الإجراءات القانونية أمام جميع الجهات القضائية الإسرائيلية".

و كشف انه "تم رفع دعوة ضد جيش الاحتلال في المحاكم الإسرائيلية، ولكن المحكمة المركزية في حيفا، ردت بتبرئة  الجيش من مسؤولية قتلها، وقالت إنها هي من وضعت نفسها في هذا الوضع الخطر".

واتجه المركزلاحقا لرفع عديد القضايا ضمن نظام الولاية القضائية الدولية، في دول أخرى مثل أسبانيا وفرنسا ضد الجيش الإسرائيلي، لكن لم يتم محاكمة أحد أو تجريم الجنود بسبب التدخلات والضغوط الإسرائيلية".ولعله من المهم الاشارة أنه تم مقاضاة الشركة التي صنعت الجرافة التي قتلت الناشطة كوري، وتمت استجابة جزئية بإيقاف توريد ذلك النوع من الجرافات لجيش الاحتلال، لكن بعد فترة عادت الأمورلما كانت عليها...ومرة أخرى فانه عندما يتراجع الاهتمام بالقضية لاي سبب كان و تغيب الكاميرا وتتوقف عملية كشف ما يجري على الارض تعود الة القتل لمواصلة ما دأبت عليه ...

ولا شك ان في اصدارالمحكمة الجنائية الدولية، قراراً يقضي بولايتها القضائية على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967واعتبارها أن "المحكمة الدولية توافق على التحقيق في جرائم حرب محتملة من قبل إسرائيل في الأراضي الفلسطينية. راشيل كيري و شيرين ابو عاقلة ايقونتان من ايقونات النضال النسائي الذي  يواصل تأجيج الحماس لمواصلة المعركة و هما بالتأكيد من الرموز التي تجعل للانثى من مختلف الاجيال و الانتماءات  الفلسطينية دورها القيادي في المقاومة اليومية الشعبية والمقاومة المسلحة منذ أول شرارة للصراع غير المتكافئ بين محتل معتدي يحظى بكل انواع الدعم لتحقيق التفوق العسكري و بين ضحية بالكاد يحصل على ما يعزز ارادته لمواصلة الصمود على ارض المعركة   ...

-في انتظار الجنائية الدولية

و كان قضاة المحكمة الجنائية الدولية أعلن في 5 فيفري 2021قرارا يقضي بأن المحكمة ومقرها لاهاي لها ولاية قضائية على جرائم حرب أو فظائع ارتكبت في الأراضي الفلسطينية مما يفتح المجال أمام تحقيق محتمل وذلك رغم اعتراض إسرائيل.

وقال القضاة إن القراراستند على قواعد الاختصاصات القضائية المنصوص عليها في وثائق تأسيس المحكمة، ولا يشمل أي محاولة لتحديد وضع دولة أو حدود قانونية.  وقالت المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودا في ديسمبر2019 إن هناك "أساسا معقولا للاعتقاد بأن جرائم حرب ارتكبت أو ترتكب في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وقطاع غزة".

 كان من الطبيعي ان يثيرالقرارغضب و رفض الجانب الاسرائيلي  الذي سيتجه الى التخفي خلف نفس التبرير الذي كان و لا يزال يعتمده وهو"ان المحكمة الجنائية هيئة سياسية وليست مؤسسة قضائية"، وأن المحكمة بقرارها هذا تلحق ضررا "بحق الديموقراطيات في الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب..".

واعتبر رئيس الوزراء ناتنياهو انذاك أن "المحكمة تتجاهل جرائم الحرب الحقيقية، وتتعقب بدلا من ذلك إسرائيل، وهي بلد له نظام ديمقراطي قوي يقدس حكم القانون وليس عضوا بالمحكمة". وأكد نتنياهو أن إسرائيل "ستحمي كل مواطنيها وجنودها" من المقاضاة...

و اليوم و مع اقتراب الذكرى الاولى لاغتيال الاعلامية الفلسطينية الامريكية شيرين أبوعاقلة لا يزال الخطاب ذاته جاهزا للتسويق والعمل على سحب البساط و اجهاض كل محاولة لتحقيق العدالة المغيبة ...

وقد سبق لوالدة ريشيل كوري أن أكدت أن  "جهود العائلة القانونية انتهت في إسرائيل عام 2015 عندما أيدت المحكمة العليا الإسرائيلية قرارالمحكمة المركزية الأدنى في حيفا ولم تجد أي خطأ في تصرفات الجيش".

كما أشارت إلى أن "جهود العائلة القانونية كشفت طبيعة عمل الجيش الإسرائيلي بالتنسيق مع حكومة الاحتلال والمحاكم الإسرائيلية في التواطؤ لقمع الشعب الفلسطيني والحفاظ على الاحتلال غير القانوني للأراضي الفلسطينية".أما عن دورالادارة الامريكية للرئيس بايدن في ملاحقة الجناة فقد نفت أي تواصل للعائلة مع البيت الأبيض بشأن قضية راشيل، ولكنها في المقابل لفتت إلى تاريخ طويل من المناقشات والاجتماعات مع مسؤولين حكوميين خلال الإدارات السابقة -مثل وزيرالخارجية أنتوني بلينكن، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز- وغيرهم ممن خدموا في طاقم الرئيس بايدن عندما كان سيناتورا في مجلس الشيوخ وعندما شغل منصب نائب الرئيس لمدة 8 سنوات.

وأوضحت والدة راشيل كوري أن "هؤلاء المسؤولين اهتموا وساعدوا في كثير من الأحيان، ولكن في ما يتعلق بمسؤولية إسرائيل عن عملية القتل تهرب هؤلاء وفشلت الحكومة الأميركية في اتخاذ المزيد من الخطوات لمعالجة قتل راشيل الوحشي ومتابعة الأسئلة التي طرحوها على نظرائهم الإسرائيليين. وهي أيضا من أكدت أن دعم واشنطن غير المحدود لإسرائيل يبعث رسالة "إلى الجنود والحكومة الإسرائيلية بأنهم سيكونون محميين، ويمكنهم العمل مع الإفلات من العقاب ضد الفلسطينيين وغيرهم دون عواقب وخيمة، وهي الرسالة ذاتها التي توجهها الادارات الامريكية في التعاطي مع ضحايا امريكيين كما في حالة الصحفية شيرين أبوعاقلة والمسن الأميركي من أصل فلسطيني عمرأسد، وفي مقتل المئات وحتى الآلاف من المدنيين الفلسطينيين..

حكاية راشيل كوري تستحق أن تدون وأن تنشر حتى يدرك الراي العام الدولي أن الرصاص الاسرائيلي لا يفرق بين امرأة و طفلة او شيخ عندما يتعلق الامر بقمع كل صوت ضد سلطة الاحتلال ..

وقد كان صوت راشيل كوري قويا و كان حضورها مؤثرا ولم يكن للاحتلال ان يسمح بان تكون راشيل كوري مثال يتكررأو أن تصيب عدوى راشيل كوري غيرها من المتعاطفين مع القضية الفلسطينيين الذين كانوا يتجمعون كل أسبوع في نعلين وبلعين للتنديد بجرائم الاحتلال ...لا تزال والدة راشيل كوري تحاول دعم الشعب الفلسطينيين في كفاحه لا تزال تحاول

وأكدت كوري تقديرها لكفاح الشعب الفلسطيني، وقالت "ونحن إذ نشهد ما يتحمله الفلسطينيون لا يسعنا إلا أن نشعربالاحترام تجاه صمودهم، فالصمود يرفع قدرتهم على التمسك بإنسانيتهم، فيما يعيشون كل لحظة من حياتهم تحت الاحتلال أوتأثيره، ولا نزال نستلهم من جيل الشباب القوي والمطلع من الفلسطينيين الذين حملوا العصا وعملوا في جميع أنحاء العالم من أجل العدالة".وبعد 20 عاما من مقتل راشيل تؤكد سيندي كوري أن هدفها وهدف كل عائلة الشهيدة راشيل هو "الاستمرار في الوقوف مع شعب فلسطين للحفاظ على الالتزام الذي كانت راشيل مصممة على القيام به تجاهه، نريد أن ندعمهم في نشر قصصهم وأن نقف معهم في مطالبهم بالحرية والمساواة والسلام العادل...".

-انه جيل لا يتسلل اليه الخوف

هناك اليوم على ارض فلسطين جيل جديد لم يعرف اوسلو و لا يعترف به و هذا الجيل كتبت عنه عميرة هس و هي صحفية اسرائيلية تقيم في الضفة و مساندة لحقوق الشعب الفلسطيني "ان المواجهات المستمرة في الاراضي الفلسطينية يقف خلفها جيل جديد من الشبان الفلسطينيين الذين فقدوا كل أمل في اتفاق اوسلو ..كما يقول نعوم امير في صحيفة معاريف "لقد نشأ هنا جيل لا يخافنا "...و هو ما يعني أن حراس المعبد لن يندثروا و أنهم مصرون على مواصلة المسيرة و لكن يظل هناك مسؤولية قائمة للمجتمع الدولي و للمنظمات الحقوقية في دعم صمود هذه الاجيال التي سبق لجدعون ليفي  و هو الكاتب الاسرائيلي الذي لم يتردد في التصريح بانه يخجل من كونه اسرائيليا بسبب ما تقترفه سلطات اسرائيل من خروقات في حق الفلسطينيين اذ يقول ليفي في حديثه عن الجيل الجديد في فلسطين في هآرتس،: يبدو أنّ الفلسطينيين طينتهم تختلف عن باقي البشر، فقد احتللنا أرضهم، وأطلقنا عليهم الغانيات وبنات الهوى، وقلنا ستمرّ بضع سنوات، وسينسون وطنهم وأرضهم، وإذا بجيلهم الشاب يفجّر انتفاضة الـ 87… أدخلناهم السجون وقلنا سنربّيهم في السجون وبعد سنوات، وبعد أنْ ظننا أنهم استوعبوا الدرس، إذا بهم يعودون إلينا بانتفاضة مسلحة عام 2000، أكلت الأخضر واليابس، فقلنا نهدم بيوتهم ونحاصرهم سنين طويلة، وإذا بهم يستخرجون من المستحيل صواريخ يضربوننا بها، رغم الحصار والدمار، فأخذنا نخطط لهم بالجدران والأسلاك الشائكة.وإذا بهم يأتوننا من تحت الأرض وبالأنفاق، حتى أثخنوا فينا قتلاً في الحرب الماضية، حاربناهم بالعقول، فإذا بهم يستولون على القمر الصناعي عاموس ويدخلون الرعب إلى كلّ بيتٍ في إسرائيل، عبر بث التهديد والوعيد، كما حدث حينما استطاع شبابهم الاستيلاء على القناة الثانية، خلاصة القول، يبدو أننّا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ، ولا حلّ معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال”...في خضم هذا المشهد تستمر المعركة و يسجل التاريخ في كل حلقة منها ان للابطال تنحني الرؤس احتراما و اكبارا لتضحياتهم و انه لا مكان للمتخاذلين ممن اختاروا الفرجة في انتظار عودة غودو منقذهم من الذل و الهوان ...

اسيا العتروس

من البلدوزر إلى الرصاص القاتل ...  بين راشيل كوري وشيرين أبوعاقلة قصتا نضال مؤنث وجريمتان لا تسقطان بالتقادم ..لماذا تخذلهما الجنائية الدولية؟

 

تونس الصباح

عشرون عاما تمر اليوم على واحدة من ابشع جرائم العصر المنسية في سجل الاحتلال الاسرائيلي وهي جريمة اعدام الناشطة الامريكية اليهودية راشال كوري في مدينة رفح عندما وقفت متحدية البلدوزر محاولة منع عملية تدمير منازل الفلسطينيين التي اعتمدتها سلطات الاحتلال كعقاب جماعي ضد الفلسطينيين و لكن كمبرر لتوسيع المستوطنات و مصادرة الارض ...اليوم و نحن نعيش على وقع اليوم العالمي للمراة  و مع اقتراب ذكرى يوم الارض تعود ذكرى اغتيال راشيل كوري لتذكر المجتمع الدولي  أن الجناة أحرار و أن الافلات من العقاب لمن اقترفوا جريمة راشيل التي لم تنصفها لا السلطات الامريكية و لا الاسرائيلية  و لا الدولية هي التي تدفع الاحتلال لتكرار جرائمه و استهداف النساء والاطفال والشيوخ دون ادنى احساس بالحرج أوالانشغال أوالخوف من الملاحقة ..

-من اغتيال راشيل كوري في رفح الى اغتيال ابو عاقلة في  جنين

لقد أعادت جريمة اغتيال عروس جنين شيرين ابو عاقلة الى الاذهان جريمة لا تقل عنها بشاعة و تتعلق بقتل الحقوقية الأمريكية راشيل كوري، في قطاع غزة، على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي سنة 2003، بعد أن دهستها جرافة إسرائيلية، كانت تقوم بأعمال هدم لمنازل فلسطينيين، في مدينة رفح، جنوبي القطاع.كان ذلك قبل عشرين عاما من اليوم ولا تزال الجريمة التي تابعها كل العالم بلا عقاب ولا تزال راشيل كوري التي دهستها جرافة الاحتلال الاسرائيلي بنية القتل تنتظر موقفا واضحا و قرارا عادلا من الجنائية الدولية التي اقرت بان ما يحدث من انتهاكات في الاراضي الفلسطينية المحتلة يتنزل ضمن اختصاصاتها ...

وكما حدث لشيرين ابو عاقلة وهي الفلسطينية الامريكية التي كانت تلبس الخوذة و تضع السترة التي  تشير الى انها اعلامية و التي كان يفترض ان تحميها  من رصاص الاحتلال , كانت الناشطة الامريكية اليهودية راشيل كوري، ترتدي آنذاك، بزّتها البرتقالية، للتعريف عن نفسها بأنها ناشطة حقوقية أجنبية، وحاولت برفقة ثمانية من زملائها في حركة التضامن الدولية، وهم وفق تقريرللمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، خمسة أمريكيين وثلاثة بريطانيين، منع جرافة عسكرية تابعة لقوات الاحتلال من هدم المنازل في مدينة رفح...يقول شهود عيان ان سائق البلدوزر داش على جسد راشيل النحيل مرتين ...وعندما كانت تنادي بمكبّر الصوت على الجنود الإسرائيليين داخل الآلة العسكرية، في محاولة لإيقافهم عن تجريف المنازل، دهستها الآلة بشكل متعمّد، وفق المركز.وتعتبر كوري، أول ناشطة سلام دولية تقتل بينما كانت تحتج على عملية هدم للمنازل الفلسطينية تقوم بها قوات الاحتلال.

وصلت كوري، وهي من مواليد 10 افريل 1979 في أولمبيا بواشنطن، قطاع غزة ضمن حركة التضامن العالمية عام 2003 التي كانت تحاول رفع الحصار عن اهالي غزة و استقطاب انظار العالم الى معاناة الاهالي المنسين من الخارطة الدولية ...

وشكّلت جريمة مقتل الناشطة كوري في غزة، صدمة لدى  المجتمع الدولي الذي اهتز لبشاعة الجريمة كما اهتز لوقعها المنظمات الحقوقية  الاقليمية والدولية ، فهي مواطنة أمريكية، وجاءت للدفاع عن فكرة السلام باستخدام الوسائل السلمية المتعارف عليها دولياً...الا ان ذلك الزخم و تلك الاحتجاجات والاصوات التي ارتفعت من كل انحاء العالم للمطالبة بالعدالة لراشيل كوري ما انفكت تتراجع و تغيب عن المشهد حتى لم يبقى الا قلة قليلة تتذكرهذا الاسم خاصة وأن سلطة الاحتلال أقرت بشكل قطعي ان قوات الاحتلال لم ترتكب ذنبا في حق راشيل كيري التي وضعت نفسها في موضع الخطر...و هو في الحقيقة طريقة دأب عليها الاحتلال للتنصل من المسؤولية في كل ما يرتكبه من خروقات ولكن ايضا لترهيب الفلسطينيين ومعهم النشطاء الاجانب و المنظمات الحقوقية التي تتعاطف معهم و التي قد تنضم اليهم على الارض لمناصرتهم في مواجهة العدوان ..

في اخر رسالة لها قبل اعدامها من جانب الاحتلال تقول راشيل كوري "أعتقد أن أي عمل أكاديمي أوأي قراءة أو أي مشاركة في مؤتمرات أو مشاهدة أفلام وثائقية أو سماع قصص وروايات لم تكن لتسمح لي بإدراك الواقع هنا، ولا يمكن تخيل ذلك إذا لم تشاهده بنفسك، وحتى بعد ذلك تفكر طوال الوقت بما إذا كانت تجربتك تعبر عن واقع حقيقي"..وهو ما يعني صراحة أنه لا شيء يماثل الوقوف على حقيقة الوضع على الارض وأن استمرار راشيل كوري يعني اتساع دائرة النشطاء والمتحمسين للتحرك ضد الجرائم اليومية للاحتلال الاسرائيلي ...بعد تلك الجريمة قال المحامي في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان محمد العلمي "إن المركز تابع مقتل راشيل كوري ووثق الجريمة، واتخذ جميع الإجراءات القانونية أمام جميع الجهات القضائية الإسرائيلية".

و كشف انه "تم رفع دعوة ضد جيش الاحتلال في المحاكم الإسرائيلية، ولكن المحكمة المركزية في حيفا، ردت بتبرئة  الجيش من مسؤولية قتلها، وقالت إنها هي من وضعت نفسها في هذا الوضع الخطر".

واتجه المركزلاحقا لرفع عديد القضايا ضمن نظام الولاية القضائية الدولية، في دول أخرى مثل أسبانيا وفرنسا ضد الجيش الإسرائيلي، لكن لم يتم محاكمة أحد أو تجريم الجنود بسبب التدخلات والضغوط الإسرائيلية".ولعله من المهم الاشارة أنه تم مقاضاة الشركة التي صنعت الجرافة التي قتلت الناشطة كوري، وتمت استجابة جزئية بإيقاف توريد ذلك النوع من الجرافات لجيش الاحتلال، لكن بعد فترة عادت الأمورلما كانت عليها...ومرة أخرى فانه عندما يتراجع الاهتمام بالقضية لاي سبب كان و تغيب الكاميرا وتتوقف عملية كشف ما يجري على الارض تعود الة القتل لمواصلة ما دأبت عليه ...

ولا شك ان في اصدارالمحكمة الجنائية الدولية، قراراً يقضي بولايتها القضائية على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967واعتبارها أن "المحكمة الدولية توافق على التحقيق في جرائم حرب محتملة من قبل إسرائيل في الأراضي الفلسطينية. راشيل كيري و شيرين ابو عاقلة ايقونتان من ايقونات النضال النسائي الذي  يواصل تأجيج الحماس لمواصلة المعركة و هما بالتأكيد من الرموز التي تجعل للانثى من مختلف الاجيال و الانتماءات  الفلسطينية دورها القيادي في المقاومة اليومية الشعبية والمقاومة المسلحة منذ أول شرارة للصراع غير المتكافئ بين محتل معتدي يحظى بكل انواع الدعم لتحقيق التفوق العسكري و بين ضحية بالكاد يحصل على ما يعزز ارادته لمواصلة الصمود على ارض المعركة   ...

-في انتظار الجنائية الدولية

و كان قضاة المحكمة الجنائية الدولية أعلن في 5 فيفري 2021قرارا يقضي بأن المحكمة ومقرها لاهاي لها ولاية قضائية على جرائم حرب أو فظائع ارتكبت في الأراضي الفلسطينية مما يفتح المجال أمام تحقيق محتمل وذلك رغم اعتراض إسرائيل.

وقال القضاة إن القراراستند على قواعد الاختصاصات القضائية المنصوص عليها في وثائق تأسيس المحكمة، ولا يشمل أي محاولة لتحديد وضع دولة أو حدود قانونية.  وقالت المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودا في ديسمبر2019 إن هناك "أساسا معقولا للاعتقاد بأن جرائم حرب ارتكبت أو ترتكب في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وقطاع غزة".

 كان من الطبيعي ان يثيرالقرارغضب و رفض الجانب الاسرائيلي  الذي سيتجه الى التخفي خلف نفس التبرير الذي كان و لا يزال يعتمده وهو"ان المحكمة الجنائية هيئة سياسية وليست مؤسسة قضائية"، وأن المحكمة بقرارها هذا تلحق ضررا "بحق الديموقراطيات في الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب..".

واعتبر رئيس الوزراء ناتنياهو انذاك أن "المحكمة تتجاهل جرائم الحرب الحقيقية، وتتعقب بدلا من ذلك إسرائيل، وهي بلد له نظام ديمقراطي قوي يقدس حكم القانون وليس عضوا بالمحكمة". وأكد نتنياهو أن إسرائيل "ستحمي كل مواطنيها وجنودها" من المقاضاة...

و اليوم و مع اقتراب الذكرى الاولى لاغتيال الاعلامية الفلسطينية الامريكية شيرين أبوعاقلة لا يزال الخطاب ذاته جاهزا للتسويق والعمل على سحب البساط و اجهاض كل محاولة لتحقيق العدالة المغيبة ...

وقد سبق لوالدة ريشيل كوري أن أكدت أن  "جهود العائلة القانونية انتهت في إسرائيل عام 2015 عندما أيدت المحكمة العليا الإسرائيلية قرارالمحكمة المركزية الأدنى في حيفا ولم تجد أي خطأ في تصرفات الجيش".

كما أشارت إلى أن "جهود العائلة القانونية كشفت طبيعة عمل الجيش الإسرائيلي بالتنسيق مع حكومة الاحتلال والمحاكم الإسرائيلية في التواطؤ لقمع الشعب الفلسطيني والحفاظ على الاحتلال غير القانوني للأراضي الفلسطينية".أما عن دورالادارة الامريكية للرئيس بايدن في ملاحقة الجناة فقد نفت أي تواصل للعائلة مع البيت الأبيض بشأن قضية راشيل، ولكنها في المقابل لفتت إلى تاريخ طويل من المناقشات والاجتماعات مع مسؤولين حكوميين خلال الإدارات السابقة -مثل وزيرالخارجية أنتوني بلينكن، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز- وغيرهم ممن خدموا في طاقم الرئيس بايدن عندما كان سيناتورا في مجلس الشيوخ وعندما شغل منصب نائب الرئيس لمدة 8 سنوات.

وأوضحت والدة راشيل كوري أن "هؤلاء المسؤولين اهتموا وساعدوا في كثير من الأحيان، ولكن في ما يتعلق بمسؤولية إسرائيل عن عملية القتل تهرب هؤلاء وفشلت الحكومة الأميركية في اتخاذ المزيد من الخطوات لمعالجة قتل راشيل الوحشي ومتابعة الأسئلة التي طرحوها على نظرائهم الإسرائيليين. وهي أيضا من أكدت أن دعم واشنطن غير المحدود لإسرائيل يبعث رسالة "إلى الجنود والحكومة الإسرائيلية بأنهم سيكونون محميين، ويمكنهم العمل مع الإفلات من العقاب ضد الفلسطينيين وغيرهم دون عواقب وخيمة، وهي الرسالة ذاتها التي توجهها الادارات الامريكية في التعاطي مع ضحايا امريكيين كما في حالة الصحفية شيرين أبوعاقلة والمسن الأميركي من أصل فلسطيني عمرأسد، وفي مقتل المئات وحتى الآلاف من المدنيين الفلسطينيين..

حكاية راشيل كوري تستحق أن تدون وأن تنشر حتى يدرك الراي العام الدولي أن الرصاص الاسرائيلي لا يفرق بين امرأة و طفلة او شيخ عندما يتعلق الامر بقمع كل صوت ضد سلطة الاحتلال ..

وقد كان صوت راشيل كوري قويا و كان حضورها مؤثرا ولم يكن للاحتلال ان يسمح بان تكون راشيل كوري مثال يتكررأو أن تصيب عدوى راشيل كوري غيرها من المتعاطفين مع القضية الفلسطينيين الذين كانوا يتجمعون كل أسبوع في نعلين وبلعين للتنديد بجرائم الاحتلال ...لا تزال والدة راشيل كوري تحاول دعم الشعب الفلسطينيين في كفاحه لا تزال تحاول

وأكدت كوري تقديرها لكفاح الشعب الفلسطيني، وقالت "ونحن إذ نشهد ما يتحمله الفلسطينيون لا يسعنا إلا أن نشعربالاحترام تجاه صمودهم، فالصمود يرفع قدرتهم على التمسك بإنسانيتهم، فيما يعيشون كل لحظة من حياتهم تحت الاحتلال أوتأثيره، ولا نزال نستلهم من جيل الشباب القوي والمطلع من الفلسطينيين الذين حملوا العصا وعملوا في جميع أنحاء العالم من أجل العدالة".وبعد 20 عاما من مقتل راشيل تؤكد سيندي كوري أن هدفها وهدف كل عائلة الشهيدة راشيل هو "الاستمرار في الوقوف مع شعب فلسطين للحفاظ على الالتزام الذي كانت راشيل مصممة على القيام به تجاهه، نريد أن ندعمهم في نشر قصصهم وأن نقف معهم في مطالبهم بالحرية والمساواة والسلام العادل...".

-انه جيل لا يتسلل اليه الخوف

هناك اليوم على ارض فلسطين جيل جديد لم يعرف اوسلو و لا يعترف به و هذا الجيل كتبت عنه عميرة هس و هي صحفية اسرائيلية تقيم في الضفة و مساندة لحقوق الشعب الفلسطيني "ان المواجهات المستمرة في الاراضي الفلسطينية يقف خلفها جيل جديد من الشبان الفلسطينيين الذين فقدوا كل أمل في اتفاق اوسلو ..كما يقول نعوم امير في صحيفة معاريف "لقد نشأ هنا جيل لا يخافنا "...و هو ما يعني أن حراس المعبد لن يندثروا و أنهم مصرون على مواصلة المسيرة و لكن يظل هناك مسؤولية قائمة للمجتمع الدولي و للمنظمات الحقوقية في دعم صمود هذه الاجيال التي سبق لجدعون ليفي  و هو الكاتب الاسرائيلي الذي لم يتردد في التصريح بانه يخجل من كونه اسرائيليا بسبب ما تقترفه سلطات اسرائيل من خروقات في حق الفلسطينيين اذ يقول ليفي في حديثه عن الجيل الجديد في فلسطين في هآرتس،: يبدو أنّ الفلسطينيين طينتهم تختلف عن باقي البشر، فقد احتللنا أرضهم، وأطلقنا عليهم الغانيات وبنات الهوى، وقلنا ستمرّ بضع سنوات، وسينسون وطنهم وأرضهم، وإذا بجيلهم الشاب يفجّر انتفاضة الـ 87… أدخلناهم السجون وقلنا سنربّيهم في السجون وبعد سنوات، وبعد أنْ ظننا أنهم استوعبوا الدرس، إذا بهم يعودون إلينا بانتفاضة مسلحة عام 2000، أكلت الأخضر واليابس، فقلنا نهدم بيوتهم ونحاصرهم سنين طويلة، وإذا بهم يستخرجون من المستحيل صواريخ يضربوننا بها، رغم الحصار والدمار، فأخذنا نخطط لهم بالجدران والأسلاك الشائكة.وإذا بهم يأتوننا من تحت الأرض وبالأنفاق، حتى أثخنوا فينا قتلاً في الحرب الماضية، حاربناهم بالعقول، فإذا بهم يستولون على القمر الصناعي عاموس ويدخلون الرعب إلى كلّ بيتٍ في إسرائيل، عبر بث التهديد والوعيد، كما حدث حينما استطاع شبابهم الاستيلاء على القناة الثانية، خلاصة القول، يبدو أننّا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ، ولا حلّ معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال”...في خضم هذا المشهد تستمر المعركة و يسجل التاريخ في كل حلقة منها ان للابطال تنحني الرؤس احتراما و اكبارا لتضحياتهم و انه لا مكان للمتخاذلين ممن اختاروا الفرجة في انتظار عودة غودو منقذهم من الذل و الهوان ...

اسيا العتروس