إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

مع عودة أشغال مجلس نواب الشعب... رسائل مباشرة للمؤسسات المانحة قد تخرج تونس من عزلتها المالية..

 

 

 

تونس-الصباح

بعد سنة وثمانية أشهر من توقف أشغال ابرز السلط المنظمة للدولة التونسية المتمثلة في مجلس نواب الشعب، افتتحت أمس الجلسة الأولى بصفة رسمية، إعلانا عن عودة أشغاله بتركيبة جديدة ومغايرة عما عرفناه في بقية المجالس السابقة ومع الحكومات التي تلت ثورة 14 جانفي.

وتحمل هذه الخطوة مؤشرات ايجابية ورسائل مباشرة إلى الخارج خاصة باتجاه المؤسسات المالية الدولية المانحة باعتبار أن تعطل أشغال مجلس الشعب تسبب في عزلة لتونس عن المشهد العالمي والتمويلي بالأساس، وبقيت العديد من الدول الصديقة والشقيقة في حالة ترقب بسبب عدم وضوح الرؤيا في المشهد السياسي للدولة وهو ما أدى إلى تراجعها عن قراراتها بشان منح بلادنا لتمويلات عبر التعاون الثنائي المالي لأكثر من السنتين.

كما تسبب تعطل أشغال السلطة التشريعية خلال هذه الفترة إلى تباطؤ مسار المفاوضات بين الحكومة وعدد من المؤسسات المالية المانحة والتي على رأسها صندوق النقد الدولي حول برنامج تمويل جديد أو ما يعرف ببرنامج القرض الممدد بقيمة تناهز 1.9 مليار دولار، تم المصادقة عليه خلال شهر أكتوبر المنقضي على مستوى الخبراء في الصندوق، بل تجاوز الأمر مسالة التعطل باتجاه التخلي عن ملف تونس بعد سحبه من جدول أعمال هذه المؤسسة المالية في منتصف شهر ديسمبر الماضي.

كل هذه التداعيات التي تسبب فيها غموض المشهد السياسي في الآونة الأخيرة وتغيب السلطة التشريعية لأكثر من سنة وثمانية أشهر، قد ينتهي مفعولها السلبي مع عودة أشغال مجلس نواب الشعب باعتبارها تعكس رسائل ايجابية للخارج وللمؤسسات المالية المانحة بما سيسمح بعودة ملف تونس إلى جدول أعمال صندوق النقد والحسم النهائي في القرض الجديد.

فاليوم، تجاوزت تونس تقريبا كل النقاط الخلافية التي تحيط بملف تونس لدى الصندوق، بعد استكمال عدد من القوانين على غرار قانون حوكمة المؤسسات العمومية وبقي الاختلاف حسب تصريح المديرة العامة لصندوق النقد الدولي   كريستينا جورجيفا الأخير حول التمويلات المزمع تعبئتها من القروض الخارجية كانت قد ضمنتها في قانون المالية لسنة 2022، خاصة التي تمر بالتعاون المالي الثنائي.

 وهذا الإشكال وضع الدولة في مأزق كبير باعتبار أن الموافقة على قرض الصندوق هو الذي سيفتح الباب على مصراعيه لبقية التمويلات الخارجية، والحال أن الصندوق انتقل من الجانب التقني وتجاوز الإشكال السياسي والاجتماعي باتجاه ضمان ثقة الجهات الممولة الأخرى من صناديق ودول أو ما يعرف بـ"أصدقاء تونس" في الدولة من خلال عقد شراكات تمويلية معها وتعبئة موارد مالية جديدة كانت قد ضبطتها في قانون المالية لسنة 2022، وهو ما سيسمح بصفة آلية حصولها على قرض صندوق النقد.

لتنقلب بذلك القاعدة المتعارف عليها من قبل، وتصبح تعبئة الحكومة لتمويلات جديدة لتمويل ميزانيتها ينطلق أولا من التعاون المالي الثنائي ليصل في مرحلة ثانية  إلى اتفاق الصندوق والقرض المبرمج تعبئته بما يناهز الـ 1.9 مليار دولار..

ولتجاوز هذا الإشكال وغيره من العقبات التي تواجهها الدولة في تعبئة التمويلات، من الضروري أن تستفيد الحكومة من عودة أشغال مجلس نواب الشعب في اتجاه استثماره على مستوى تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية على الوجه الأحسن لاستقطاب تمويلات جديدة تحتاجها الدولة لتغطية العجز الحاصل بميزانيتها العمومية، خاصة أن هذه الخطوة تعكس رسائل ايجابية.

وستسمح هذه الرسائل بعودة ثقة البلدان العربية والصديقة والشقيقة في تونس بما سيسرع في منحها تمويلات جديدة تحتاجها بلادنا لتمويل ميزانيتها التي تشكو عجزا واسعا، وهي التي تحتاج إلى تعبئة تمويلات بقيمة 23.49 مليار دينار، لتغطية عجز الميزانية البالغ 7.49 مليار دينار، وتسديد الدين الذي تحل آجاله خلال العام الجاري وقيمته 15.7 مليار دينار، موزعاً بين 6.67 مليار دينار ديناً خارجياً، و9.12 مليار دينار ديناً داخلياً، بالإضافة إلى 5.3 مليار دينار فوائد الدين، الأمر الذي دفع إلى تعبئة موارد اقتراض خارجي بقيمة 14.85 مليار دينار أي حوالي 4.75 مليار دولار، وموارد اقتراض داخلي بقيمة 9.53 مليار دينار أي أكثر من 3 مليار دولار إضافة إلى موارد للخزينة العامة بقيمة 902 مليون دينار .

وللإشارة فان تونس تعاني من أزمة تداين خطيرة لم يسبق أن عاشتها من قبل  لتتعمق أكثر خلال السنوات الأخيرة بعد أن ألقت بظلالها على ابرز القطاعات الاقتصادية الحيوية ونسق الاستثمارات، حتى أن حجم الديون العمومية زاد ثقله أكثر بسبب ارتفاع الاقتراض الداخلي الذي اخذ هو الآخر منحى خطيرا باعتبار أن الدولة أوجدته  كأبرز الحلول لتعبئة موارد جديدة.

وفي انتظار استكمال أشغال الجلسة الافتتاحية التي انطلقت رسميا أمس، والتي ستسفر عن اختيار رئيس للبرلمان ونائبيه، لتأتي في مرحلة موالية عملية  اختيار اللجان والتي على رأسها لجنة المالية والتخطيط والتنمية التي تعنى بالمشاريع الاقتصادية، تبقى عودة السلطة التشريعية اليوم فرصة هامة أمام تونس لاسترجاع ثقتها لدى الخارج وخاصة لدى المؤسسات المالية المانحة لتجاوز كل الإشكاليات التي تواجهها في الآونة الأخيرة. 

وفاء بن محمد

مع عودة أشغال مجلس نواب الشعب...  رسائل مباشرة للمؤسسات المانحة قد تخرج تونس من عزلتها المالية..

 

 

 

تونس-الصباح

بعد سنة وثمانية أشهر من توقف أشغال ابرز السلط المنظمة للدولة التونسية المتمثلة في مجلس نواب الشعب، افتتحت أمس الجلسة الأولى بصفة رسمية، إعلانا عن عودة أشغاله بتركيبة جديدة ومغايرة عما عرفناه في بقية المجالس السابقة ومع الحكومات التي تلت ثورة 14 جانفي.

وتحمل هذه الخطوة مؤشرات ايجابية ورسائل مباشرة إلى الخارج خاصة باتجاه المؤسسات المالية الدولية المانحة باعتبار أن تعطل أشغال مجلس الشعب تسبب في عزلة لتونس عن المشهد العالمي والتمويلي بالأساس، وبقيت العديد من الدول الصديقة والشقيقة في حالة ترقب بسبب عدم وضوح الرؤيا في المشهد السياسي للدولة وهو ما أدى إلى تراجعها عن قراراتها بشان منح بلادنا لتمويلات عبر التعاون الثنائي المالي لأكثر من السنتين.

كما تسبب تعطل أشغال السلطة التشريعية خلال هذه الفترة إلى تباطؤ مسار المفاوضات بين الحكومة وعدد من المؤسسات المالية المانحة والتي على رأسها صندوق النقد الدولي حول برنامج تمويل جديد أو ما يعرف ببرنامج القرض الممدد بقيمة تناهز 1.9 مليار دولار، تم المصادقة عليه خلال شهر أكتوبر المنقضي على مستوى الخبراء في الصندوق، بل تجاوز الأمر مسالة التعطل باتجاه التخلي عن ملف تونس بعد سحبه من جدول أعمال هذه المؤسسة المالية في منتصف شهر ديسمبر الماضي.

كل هذه التداعيات التي تسبب فيها غموض المشهد السياسي في الآونة الأخيرة وتغيب السلطة التشريعية لأكثر من سنة وثمانية أشهر، قد ينتهي مفعولها السلبي مع عودة أشغال مجلس نواب الشعب باعتبارها تعكس رسائل ايجابية للخارج وللمؤسسات المالية المانحة بما سيسمح بعودة ملف تونس إلى جدول أعمال صندوق النقد والحسم النهائي في القرض الجديد.

فاليوم، تجاوزت تونس تقريبا كل النقاط الخلافية التي تحيط بملف تونس لدى الصندوق، بعد استكمال عدد من القوانين على غرار قانون حوكمة المؤسسات العمومية وبقي الاختلاف حسب تصريح المديرة العامة لصندوق النقد الدولي   كريستينا جورجيفا الأخير حول التمويلات المزمع تعبئتها من القروض الخارجية كانت قد ضمنتها في قانون المالية لسنة 2022، خاصة التي تمر بالتعاون المالي الثنائي.

 وهذا الإشكال وضع الدولة في مأزق كبير باعتبار أن الموافقة على قرض الصندوق هو الذي سيفتح الباب على مصراعيه لبقية التمويلات الخارجية، والحال أن الصندوق انتقل من الجانب التقني وتجاوز الإشكال السياسي والاجتماعي باتجاه ضمان ثقة الجهات الممولة الأخرى من صناديق ودول أو ما يعرف بـ"أصدقاء تونس" في الدولة من خلال عقد شراكات تمويلية معها وتعبئة موارد مالية جديدة كانت قد ضبطتها في قانون المالية لسنة 2022، وهو ما سيسمح بصفة آلية حصولها على قرض صندوق النقد.

لتنقلب بذلك القاعدة المتعارف عليها من قبل، وتصبح تعبئة الحكومة لتمويلات جديدة لتمويل ميزانيتها ينطلق أولا من التعاون المالي الثنائي ليصل في مرحلة ثانية  إلى اتفاق الصندوق والقرض المبرمج تعبئته بما يناهز الـ 1.9 مليار دولار..

ولتجاوز هذا الإشكال وغيره من العقبات التي تواجهها الدولة في تعبئة التمويلات، من الضروري أن تستفيد الحكومة من عودة أشغال مجلس نواب الشعب في اتجاه استثماره على مستوى تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية على الوجه الأحسن لاستقطاب تمويلات جديدة تحتاجها الدولة لتغطية العجز الحاصل بميزانيتها العمومية، خاصة أن هذه الخطوة تعكس رسائل ايجابية.

وستسمح هذه الرسائل بعودة ثقة البلدان العربية والصديقة والشقيقة في تونس بما سيسرع في منحها تمويلات جديدة تحتاجها بلادنا لتمويل ميزانيتها التي تشكو عجزا واسعا، وهي التي تحتاج إلى تعبئة تمويلات بقيمة 23.49 مليار دينار، لتغطية عجز الميزانية البالغ 7.49 مليار دينار، وتسديد الدين الذي تحل آجاله خلال العام الجاري وقيمته 15.7 مليار دينار، موزعاً بين 6.67 مليار دينار ديناً خارجياً، و9.12 مليار دينار ديناً داخلياً، بالإضافة إلى 5.3 مليار دينار فوائد الدين، الأمر الذي دفع إلى تعبئة موارد اقتراض خارجي بقيمة 14.85 مليار دينار أي حوالي 4.75 مليار دولار، وموارد اقتراض داخلي بقيمة 9.53 مليار دينار أي أكثر من 3 مليار دولار إضافة إلى موارد للخزينة العامة بقيمة 902 مليون دينار .

وللإشارة فان تونس تعاني من أزمة تداين خطيرة لم يسبق أن عاشتها من قبل  لتتعمق أكثر خلال السنوات الأخيرة بعد أن ألقت بظلالها على ابرز القطاعات الاقتصادية الحيوية ونسق الاستثمارات، حتى أن حجم الديون العمومية زاد ثقله أكثر بسبب ارتفاع الاقتراض الداخلي الذي اخذ هو الآخر منحى خطيرا باعتبار أن الدولة أوجدته  كأبرز الحلول لتعبئة موارد جديدة.

وفي انتظار استكمال أشغال الجلسة الافتتاحية التي انطلقت رسميا أمس، والتي ستسفر عن اختيار رئيس للبرلمان ونائبيه، لتأتي في مرحلة موالية عملية  اختيار اللجان والتي على رأسها لجنة المالية والتخطيط والتنمية التي تعنى بالمشاريع الاقتصادية، تبقى عودة السلطة التشريعية اليوم فرصة هامة أمام تونس لاسترجاع ثقتها لدى الخارج وخاصة لدى المؤسسات المالية المانحة لتجاوز كل الإشكاليات التي تواجهها في الآونة الأخيرة. 

وفاء بن محمد