إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رأي | إشكال دستوري بإمكانه أن يتحول إلى مشكل حقيقي

بقلم: فؤاد العلاني(*)

*لم ينص الدستور على أي إجراء يمكن اتخاذه في صورة عدم وجود محكمة دستورية (أو شغور منصب رئيس المحكمة الدستورية لسبب ما) وهي الوضعية الحالية منذ دخول الدستور الجديد حيز التنفيذ إذ لا وجود لحد الآن للمحكمة الدستورية.

هل يمكننا القول، اعتمادا على دستور 2022، أن تونس يخيم عليها شبح المأزق القانوني ولا سمح الله الفوضى لو حصل شغور في أعلى هرم السلطة؟ سؤال تقني قانوني بحت ليس من ورائه أي أغراض سياسية. وهو من باب" ليطمئن قلبي" وأرجو أن أكون مخطئا في ملاحظتي هذه. لكن في غياب آليات واضحة ولا لبس فيها تقنن عملية سد شغور منصب رئيس الجمهورية في حالة حدوث فراغ مهما كان سببه، على الأقل في الوقت الراهن، فإن المخاوف التي عبرنا عليها مطلع هذا النص تصبح حقيقية ومشروعة.

ذلك أن دستور 2022 الصادر بمقتضى الأمر الرئاسي عدد 691 المؤرخ في 17 أوت 2022 يطرح حاليا إشكالان يمكن تداركهما وإلا سقطنا لا سمح الله حسب رأي في المأزق القانوني المذكور. وهنا بإمكان أساتذتنا لمادة القانون الدستوري وقد شهد لهم القاصي والداني بالكفاءة العالية وكذلك السادة قضاة المحكمة الإدارية أن ينوروننا في هذه النقطة التي يبدو أنها دقيقة جدا وحساسة.

وبخصوص الإشكالين فإن الأول مطلق والثاني ظرفي ويمكن تدارك هذا الأمر بسهولة.

ويتمثل الإشكال الأول في أن الدستور لم يتعرض إلى آلية معاينة الشغور الذي يمكن أن يحدث أعلى هرم السلطة أي كيف يتم الإقرار بحدوثه ومن طرف من سيتم ذلك مثلما هو منصوص عليه بدستور 2014 الذي يكلف المحكمة الدستورية بمعاينة الحالة المذكورة (الفصل 84 الفقرة الثانية) وهو إجراء من صميم مهام السلطة القضائية ويعتبر حكما باتا لها. وللتذكير فان دستور 1959 نص من خلال التنقيح الذي تم سنة 2002 أن معاينة الشغور من مشمولات المجلس الدستوري وهذا الأخير مطالب بإعلام رئيس مجلس المستشارين ورئيس مجلس النواب بذلك القرار فيتم فورا سد الشغور من طرف رئيس مجلس النواب (الفصل 57 الشهير). وهذا ما تم فعلا يوم 15 جانفي 2011 مما سهل انتقال السلطة بطريقة قانونية وسلسة وسلمية جنبت البلاد مخاطر المجهول.

لذا فإن غياب هذه الآلية يمكن أن يؤدي لا سمح إلى عديد التأويلات والى صراع يمكن أن يمس بالسلم والنظام العامين.

وأما الإشكال الثاني وهو ظرفي كما قلنا، فيتمثل في الغياب الشخصية التي كلفها الدستور بالاضطلاع مؤقتا بمهام رئيس الجمهورية، على أرض الواقع ألا وهو رئيس المحكمة الدستورية بل غياب المحكمة الدستورية ككل وهي التي تلعب دورا مصيريا في غياب الثنائي مجلس النواب ومجلس الجهات والأقاليم.

فقد نص الفصل 109 من دستور 2022 على أنه في حالة حدوث شغور منصب رئيس الجمهورية فإن رئيس المحكمة الدستورية هو الذي يتولى مهام رئاسة الدولة بصفة مؤقتة ويؤدي اليمين الدستورية أمام مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم مجتمعين وإن تعذر ذلك فأمام المحكمة الدستورية.

ولم ينص الدستور على أي إجراء يمكن اتخاذه في صورة عدم وجود محكمة دستورية (أو شغور منصب رئيس المحكمة الدستورية لسبب ما) وهي الوضعية الحالية منذ دخول الدستور الجديد حيز التنفيذ إذ لا وجود لحد الآن للمحكمة الدستورية.

سؤال محير رغم أن الدستور ضبط تركيبتها بصفة آلية ضمن القائمين ببعض الوظائف القضائية المحددة سلفا مع تسمية كل عضو من أعضائها بأمر رئاسي ( تخيلوا لو حصل شغور منصب رئيس الجمهورية من سيسميهم إذن؟). زيادة على كل هذا فإن انتخاب هؤلاء لرئيس المحكمة لا يمكن أن يتم إلا بالرجوع إلى قانون كما نص عليه الدستور(الفصل 125 والفصل 132 من دستور 2022). فأين هو إذن هذا القانون ومتى سيعرض مشروعه للمناقشة ثم على المصادقة ومن سيختمه ويأذن بنشره في صورة شغور منصب رئيس الجمهورية في حالتنا هذه. أسئلة حارقة لم نتوصل إلى الإجابة عليها ونرجو أن تكون لها أجوبة عند أهل الاختصاص. وحتى لو تم اللجوء إلى الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة

2021 المؤرخ في 22سبتمبر 2021 والمتعلق بتدابير استثنائية بعد قرارات 25 جويلية والذي يبين بوضوح كيفية انتقال السلطة بصفة مؤقتة في صورة شغور منصب رئيس الجمهورية إذ جاء في الفصل 14 من الأمر المذكور أن رئيس الحكومة يتولى فورا تلك المهام (أو وزير العدل إذا تعذر ذلك على رئيس الحكومة) فان هذه التدابير رغم ما كانت عليه من أهمية، لا تحل المشكل. ذلك أن دستور 2022 وفي أحكامه الانتقالية بين أن الأمر المذكور مفعوله سار فقط في ما يخص التشريع. وملخص القول فان المسألة المطروحة تكتسي أهمية قصوى وتتطلب النظر فيها وإذا تبين أن طرحنا هذا صحيح فبإمكان رئيس الدولة أن يتدارك الأمر بسهولة بما يخوله له الدستور حاليا من إمكانية سن المراسيم.

*أخصائي وباحث في العلوم السياسية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  رأي | إشكال دستوري بإمكانه أن يتحول إلى مشكل حقيقي

بقلم: فؤاد العلاني(*)

*لم ينص الدستور على أي إجراء يمكن اتخاذه في صورة عدم وجود محكمة دستورية (أو شغور منصب رئيس المحكمة الدستورية لسبب ما) وهي الوضعية الحالية منذ دخول الدستور الجديد حيز التنفيذ إذ لا وجود لحد الآن للمحكمة الدستورية.

هل يمكننا القول، اعتمادا على دستور 2022، أن تونس يخيم عليها شبح المأزق القانوني ولا سمح الله الفوضى لو حصل شغور في أعلى هرم السلطة؟ سؤال تقني قانوني بحت ليس من ورائه أي أغراض سياسية. وهو من باب" ليطمئن قلبي" وأرجو أن أكون مخطئا في ملاحظتي هذه. لكن في غياب آليات واضحة ولا لبس فيها تقنن عملية سد شغور منصب رئيس الجمهورية في حالة حدوث فراغ مهما كان سببه، على الأقل في الوقت الراهن، فإن المخاوف التي عبرنا عليها مطلع هذا النص تصبح حقيقية ومشروعة.

ذلك أن دستور 2022 الصادر بمقتضى الأمر الرئاسي عدد 691 المؤرخ في 17 أوت 2022 يطرح حاليا إشكالان يمكن تداركهما وإلا سقطنا لا سمح الله حسب رأي في المأزق القانوني المذكور. وهنا بإمكان أساتذتنا لمادة القانون الدستوري وقد شهد لهم القاصي والداني بالكفاءة العالية وكذلك السادة قضاة المحكمة الإدارية أن ينوروننا في هذه النقطة التي يبدو أنها دقيقة جدا وحساسة.

وبخصوص الإشكالين فإن الأول مطلق والثاني ظرفي ويمكن تدارك هذا الأمر بسهولة.

ويتمثل الإشكال الأول في أن الدستور لم يتعرض إلى آلية معاينة الشغور الذي يمكن أن يحدث أعلى هرم السلطة أي كيف يتم الإقرار بحدوثه ومن طرف من سيتم ذلك مثلما هو منصوص عليه بدستور 2014 الذي يكلف المحكمة الدستورية بمعاينة الحالة المذكورة (الفصل 84 الفقرة الثانية) وهو إجراء من صميم مهام السلطة القضائية ويعتبر حكما باتا لها. وللتذكير فان دستور 1959 نص من خلال التنقيح الذي تم سنة 2002 أن معاينة الشغور من مشمولات المجلس الدستوري وهذا الأخير مطالب بإعلام رئيس مجلس المستشارين ورئيس مجلس النواب بذلك القرار فيتم فورا سد الشغور من طرف رئيس مجلس النواب (الفصل 57 الشهير). وهذا ما تم فعلا يوم 15 جانفي 2011 مما سهل انتقال السلطة بطريقة قانونية وسلسة وسلمية جنبت البلاد مخاطر المجهول.

لذا فإن غياب هذه الآلية يمكن أن يؤدي لا سمح إلى عديد التأويلات والى صراع يمكن أن يمس بالسلم والنظام العامين.

وأما الإشكال الثاني وهو ظرفي كما قلنا، فيتمثل في الغياب الشخصية التي كلفها الدستور بالاضطلاع مؤقتا بمهام رئيس الجمهورية، على أرض الواقع ألا وهو رئيس المحكمة الدستورية بل غياب المحكمة الدستورية ككل وهي التي تلعب دورا مصيريا في غياب الثنائي مجلس النواب ومجلس الجهات والأقاليم.

فقد نص الفصل 109 من دستور 2022 على أنه في حالة حدوث شغور منصب رئيس الجمهورية فإن رئيس المحكمة الدستورية هو الذي يتولى مهام رئاسة الدولة بصفة مؤقتة ويؤدي اليمين الدستورية أمام مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم مجتمعين وإن تعذر ذلك فأمام المحكمة الدستورية.

ولم ينص الدستور على أي إجراء يمكن اتخاذه في صورة عدم وجود محكمة دستورية (أو شغور منصب رئيس المحكمة الدستورية لسبب ما) وهي الوضعية الحالية منذ دخول الدستور الجديد حيز التنفيذ إذ لا وجود لحد الآن للمحكمة الدستورية.

سؤال محير رغم أن الدستور ضبط تركيبتها بصفة آلية ضمن القائمين ببعض الوظائف القضائية المحددة سلفا مع تسمية كل عضو من أعضائها بأمر رئاسي ( تخيلوا لو حصل شغور منصب رئيس الجمهورية من سيسميهم إذن؟). زيادة على كل هذا فإن انتخاب هؤلاء لرئيس المحكمة لا يمكن أن يتم إلا بالرجوع إلى قانون كما نص عليه الدستور(الفصل 125 والفصل 132 من دستور 2022). فأين هو إذن هذا القانون ومتى سيعرض مشروعه للمناقشة ثم على المصادقة ومن سيختمه ويأذن بنشره في صورة شغور منصب رئيس الجمهورية في حالتنا هذه. أسئلة حارقة لم نتوصل إلى الإجابة عليها ونرجو أن تكون لها أجوبة عند أهل الاختصاص. وحتى لو تم اللجوء إلى الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة

2021 المؤرخ في 22سبتمبر 2021 والمتعلق بتدابير استثنائية بعد قرارات 25 جويلية والذي يبين بوضوح كيفية انتقال السلطة بصفة مؤقتة في صورة شغور منصب رئيس الجمهورية إذ جاء في الفصل 14 من الأمر المذكور أن رئيس الحكومة يتولى فورا تلك المهام (أو وزير العدل إذا تعذر ذلك على رئيس الحكومة) فان هذه التدابير رغم ما كانت عليه من أهمية، لا تحل المشكل. ذلك أن دستور 2022 وفي أحكامه الانتقالية بين أن الأمر المذكور مفعوله سار فقط في ما يخص التشريع. وملخص القول فان المسألة المطروحة تكتسي أهمية قصوى وتتطلب النظر فيها وإذا تبين أن طرحنا هذا صحيح فبإمكان رئيس الدولة أن يتدارك الأمر بسهولة بما يخوله له الدستور حاليا من إمكانية سن المراسيم.

*أخصائي وباحث في العلوم السياسية