إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

أنا والمرأة وبعض الحكايات التي لا تنسى

يكتبها: محمد معمري

أزعم أن علاقتي بالمرأة منذ ولادتي إلى هذه السنة متميزة، فأنا طفل ولد لعائلة ريفية بعد ثلاث صبايا في سنوات السبعينات، وقد كان قدومي إلى العالم بمثابة الحدث العائلي الذي لا ينسى لوالدتي ولشقيقاتي الثلاث اللواتي سبقنني إلى الحياة، فكنت ملكا متوجا على عرش العناية الأسرية التي تخصني بكل ما هو جميل، لذلك كانت نظرتي إلى المرأة دائما تحمل الكثير من الحبّ والاحترام، فقد كان لي خمس شقيقات حفظهن الله من كل مكروه وأحييهن بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، شقيقاتي تقاسمت معهنّ كما مع شقيقي الكثير من الذكريات الجميلة والأليمة وكنّ سندا لي في كل مراحل حياتي رغم أن عصرنا اليوم للأسف يفقدنا الدفء العائلي، فالبعد الجغرافي والمشاغل المتراكمة تقتل كل ما هو جميل لكننا مع ذلك نحاول جاهدين وجاهدات أن نبعث بعض الحياة في ألفتنا ومحبتنا.

صورة المرأة عندي شكّلها والدي رحم الله الذي كان متقدما شيئا ما عن زمنه، فقد منح كل شقيقاتي فرصة التعليم ودافع عن حقهن في ذلك وهو أمر يحسب له، فهو الرجل الآتي من خلفية ريفية كان يدافع عن الحق في التعليم والمساواة بين الأبناء دون تمييز جندري وهنا أذكر أنه كان يعاقبني عندما كنت أتشاجر مع إحدى شقيقاتي ويقول لي جملته الشهيرة "عيني حيّة وأنت تحب تعمل فيها صيد على أختك"، كما أذكر حادثة صدمتني وأنا صغير لا يتجاوز عمري الثماني سنوات، فقد قدم بعض الأقارب إلى منزلنا راغبين في خطبة شقيقتي الكبرى لابنهم وكنت أشاركهم، بالصمت وتناول الحلويات، مجلسهم. وبعد حديث طويل عن الزواج والرغبة في خطبة أختي لابنهم، قال لهم الوالد بكل ثقة في النفس: أنا لا أرى مانعا لكن يبقى الرأي الأول والأخير لصاحبة الأمر ابنتي، صدمني موقف والدي الذي لم يسمح لنفسه بممارسة سلطته الأبوية ومنح شقيقتي حق تقرير مصيرها، وهو أمر نادر الحدوث في أوساطنا العائلية حينها، لكنه موقف شكل اللبنة الأولى في تعاملي مع المرأة.

علاقتي بالنساء كانت جيدة في كل الفترات منذ طفولتي الأولى فقد كنت طيلة مراحل دراستي الابتدائية والثانوية والجامعية أحظى بحب مدرساتي حفظ الله الأحياء منهن ورحم من غادرن هذه الحياة، وكان الأمر يحيرني كثيرا ولا أعلم سرّ محبتهنّ إلى اليوم، كما أنني حظيت بدعم صديقاتي من النساء عند كل مأزق أتعرض له، فكنّ لي بمثابة الشقيقات اللواتي دافعن عني كلما ذُكرت بكل استبسال، وهو ما أكّد قناعة عندي أن النساء على عكس الرجال في كثير من الأحيان إذا اقتنعن بقضية أو شخص يحتضنه بقلوبهن وعقولهن ويشكلنّ صورا حاميا له لا يضاهيه حتى صور الصين العظيم لأنه صور المحبة الصادقة.

النساء في وطني كنّ درعا للوطن بصدقهن وحماسهن وحاملات لرايته أينما حللن، لكن للأسف اليوم نرى أنهنّ لا يتمتعن بالمكانة التي تليق بهنّ وهو ما تترجمه عديد المؤشرات والأرقام وآخرها ما أكدته الدراسة التي أنجزتها النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين حول حضور المرأة في القطاع الإعلامي وصورتها في وسائل الإعلام التونسية، فقد أكدت الدراسة أن عدد الصحافيات الحاملات لبطاقة صحفي محترف يبلغ عددهن 997 صحفية في حين لا يتجاوز عدد الصحفيين الحاملين لبطاقة صحفي محترف 864 صحفيا وهذا ما يعني أن القطاع الإعلامي مؤنث، لكن في مستوى المناصب القيادية القطاع ذكوري جدا حيث لا تتجاوز نسبة النساء القياديات في القطاع  15 بالمائة وهو رقم مخجل ولا يتماشى مع حضورهن القوي في القطاع الإعلامي الذي يفترض أنه قطاع نوعي، لكن يبدو أن الصور التي تصلنا عن حضور الزميلات في كل مواقع الأحداث مقارنة بالرجال ترجمة عملية لهذا الواقع، فنحن من نجلس في المكاتب وهن من يقاتلن في الميدان.

تحية إلى كل النساء الناشرات للسعادة والبهاء والمخترقات لظلام العالم بنورهن الجميل، أنتنّ ربيع الحياة فطوبى لمن أحببتن.

أنا والمرأة وبعض الحكايات التي لا تنسى

يكتبها: محمد معمري

أزعم أن علاقتي بالمرأة منذ ولادتي إلى هذه السنة متميزة، فأنا طفل ولد لعائلة ريفية بعد ثلاث صبايا في سنوات السبعينات، وقد كان قدومي إلى العالم بمثابة الحدث العائلي الذي لا ينسى لوالدتي ولشقيقاتي الثلاث اللواتي سبقنني إلى الحياة، فكنت ملكا متوجا على عرش العناية الأسرية التي تخصني بكل ما هو جميل، لذلك كانت نظرتي إلى المرأة دائما تحمل الكثير من الحبّ والاحترام، فقد كان لي خمس شقيقات حفظهن الله من كل مكروه وأحييهن بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، شقيقاتي تقاسمت معهنّ كما مع شقيقي الكثير من الذكريات الجميلة والأليمة وكنّ سندا لي في كل مراحل حياتي رغم أن عصرنا اليوم للأسف يفقدنا الدفء العائلي، فالبعد الجغرافي والمشاغل المتراكمة تقتل كل ما هو جميل لكننا مع ذلك نحاول جاهدين وجاهدات أن نبعث بعض الحياة في ألفتنا ومحبتنا.

صورة المرأة عندي شكّلها والدي رحم الله الذي كان متقدما شيئا ما عن زمنه، فقد منح كل شقيقاتي فرصة التعليم ودافع عن حقهن في ذلك وهو أمر يحسب له، فهو الرجل الآتي من خلفية ريفية كان يدافع عن الحق في التعليم والمساواة بين الأبناء دون تمييز جندري وهنا أذكر أنه كان يعاقبني عندما كنت أتشاجر مع إحدى شقيقاتي ويقول لي جملته الشهيرة "عيني حيّة وأنت تحب تعمل فيها صيد على أختك"، كما أذكر حادثة صدمتني وأنا صغير لا يتجاوز عمري الثماني سنوات، فقد قدم بعض الأقارب إلى منزلنا راغبين في خطبة شقيقتي الكبرى لابنهم وكنت أشاركهم، بالصمت وتناول الحلويات، مجلسهم. وبعد حديث طويل عن الزواج والرغبة في خطبة أختي لابنهم، قال لهم الوالد بكل ثقة في النفس: أنا لا أرى مانعا لكن يبقى الرأي الأول والأخير لصاحبة الأمر ابنتي، صدمني موقف والدي الذي لم يسمح لنفسه بممارسة سلطته الأبوية ومنح شقيقتي حق تقرير مصيرها، وهو أمر نادر الحدوث في أوساطنا العائلية حينها، لكنه موقف شكل اللبنة الأولى في تعاملي مع المرأة.

علاقتي بالنساء كانت جيدة في كل الفترات منذ طفولتي الأولى فقد كنت طيلة مراحل دراستي الابتدائية والثانوية والجامعية أحظى بحب مدرساتي حفظ الله الأحياء منهن ورحم من غادرن هذه الحياة، وكان الأمر يحيرني كثيرا ولا أعلم سرّ محبتهنّ إلى اليوم، كما أنني حظيت بدعم صديقاتي من النساء عند كل مأزق أتعرض له، فكنّ لي بمثابة الشقيقات اللواتي دافعن عني كلما ذُكرت بكل استبسال، وهو ما أكّد قناعة عندي أن النساء على عكس الرجال في كثير من الأحيان إذا اقتنعن بقضية أو شخص يحتضنه بقلوبهن وعقولهن ويشكلنّ صورا حاميا له لا يضاهيه حتى صور الصين العظيم لأنه صور المحبة الصادقة.

النساء في وطني كنّ درعا للوطن بصدقهن وحماسهن وحاملات لرايته أينما حللن، لكن للأسف اليوم نرى أنهنّ لا يتمتعن بالمكانة التي تليق بهنّ وهو ما تترجمه عديد المؤشرات والأرقام وآخرها ما أكدته الدراسة التي أنجزتها النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين حول حضور المرأة في القطاع الإعلامي وصورتها في وسائل الإعلام التونسية، فقد أكدت الدراسة أن عدد الصحافيات الحاملات لبطاقة صحفي محترف يبلغ عددهن 997 صحفية في حين لا يتجاوز عدد الصحفيين الحاملين لبطاقة صحفي محترف 864 صحفيا وهذا ما يعني أن القطاع الإعلامي مؤنث، لكن في مستوى المناصب القيادية القطاع ذكوري جدا حيث لا تتجاوز نسبة النساء القياديات في القطاع  15 بالمائة وهو رقم مخجل ولا يتماشى مع حضورهن القوي في القطاع الإعلامي الذي يفترض أنه قطاع نوعي، لكن يبدو أن الصور التي تصلنا عن حضور الزميلات في كل مواقع الأحداث مقارنة بالرجال ترجمة عملية لهذا الواقع، فنحن من نجلس في المكاتب وهن من يقاتلن في الميدان.

تحية إلى كل النساء الناشرات للسعادة والبهاء والمخترقات لظلام العالم بنورهن الجميل، أنتنّ ربيع الحياة فطوبى لمن أحببتن.