على الرغم من المجهودات الكبيرة التي تقوم بها وحدات الامن والحرس والديوانة في التصدي لشبكات تهريب المخدرات إلا أن الشبكات الاجرامية مازالت تتسلل سواء برا او جوا او بحرا محملة بشحنات من "الهيروين" .. "الكوكايين" .."البريغابالين".."الزطلة".."بذور الماريخوانا".."الاكستازي" وغيرها من المخدرات القادمة من تركيا او الجزائر او اوروبا ليتم ترويجها على الاراضي التونسية باعتبار أنها لم تعد مجرد منطقة عبور ويساهم في التجارة الدولية للمخدرات مزارعون ومنتجون وناقلون ومورّدون وتجار.
وهي تجارة تلحق الضرر بجميع الدول وتقوض الاستقرار السياسي والاقتصادي، وتدمر حياة الأفراد والمجتمعات. وغالبا ما يكون المستهلكون والمدمنون ضحايا لشبكات دولية تقودها "رؤوس" تعمل في الظل.
وفي كثير من الأحيان، يرتبط الاتجار بالمخدرات بأشكال أخرى من الجريمة مثل غسل الأموال كما يمكن للشبكات الإجرامية أن تستخدم مسالك الاتجار لنقل منتجات أخرى غير مشروعة.
القبض على مروج مخدرات للتلاميذ..
في اطار مكافحة المخدرات وملاحقة المروجين تمكنت امس الاول الفرقة المركزية لمكافحة المخدرات التابعة لإدارة الاستعلامات والأبحاث للحرس الوطني بالعوينة بعد عمل استعلامي معمّق، من القبض على ثلاثة أشخاص بمحيط مدرسة ابتدائيّة بجهة الياسمينات وحجز صفيحتين من مادة "القنب الهندي" لديهم.
وبتفتيش محل سكنى أحدهم أمكن حجز 25 صفيحة إضافية، وتم الاحتفاظ بهم بناء على تعليمات النيابة العمومية لدى المحكمة الابتدائية ببن عروس لأجل "تكوين وإدارة عصابة للاتجار في المواد المخدّرة"، وفق المتحدث باسم الإدارة العامة للحرس الوطني.
وفي ذات السياق تمكنت خلال الليلة الفاصلة بين يومي 4 و5 مارس الجاري دورية تابعة لفرقة الأبحاث العدلية للحرس الوطني بحدائق المنزه إثر مداهمة أحد المنازل الكائنة بالجهة وتم إلقاء القبض على صاحبه وبتفتيشه تم حجز كمية من الأقراص المخدرة وقطع مختلفة الأحجام من مخدر القنب الهندي.
حجز كمية من المواد المخدرة وبذور الماريخوانا..
يوم الثالث من مارس الجاري وعلى اثر ورود معلومات على فرقة الأبحاث والتفتيش بالمنستير مفادها تحوز أحد الأشخاص أصيل معتمدية قصر هلال على كمية من المواد المخدرة ونباتات من الماريخوانا بمنزله فتم تشكيل فريق أمني من سرية التدخلات السريعة بإقليم الحرس الوطني بالمنستير ودورية تابعة لفرقة الأبحاث والتفتيش بطبلبة وبعد استشارة النيابة العمومية تمت مداهمة المنزل المذكور والقبض على شخصين وحجز مادة بيضاء يشتبه في كونها مخدر الكوكايين، كمية من الزطلة ، بذور الماريخوانا ، ميزان صغير الحجم وإناءين زرع بها نباتات الماريخوانا.
اندماج المرأة في ترويج المخدرات..
لم يعد الانخراط في شبكات المخدرات يجتذب الذكور فقط بل بات العنصر النسائي فاعلا ويضطلع بمهمات عديدة كالتهريب والتوزيع وقد تم مؤخرا وعلى إثر توفّر معلومات لدى الوحدات الأمنية التابعة للإدارة الفرعية لمكافحة المخدرات بإدارة الشرطة العدلية مفادها اندماج نسوة في ترويج المخدّرات واعتزامهن جلب شحنة من مخدّر الهيروين من إحدى الدول الأوروبية والعبور بها عبر الحدود البرية، تبين وأن إحداهن قامت بالتنسيق مع امرأتين لتسلم الشحنة من قبل أحد الأشخاص بالدولة الأجنبية وإخفائها بمناطق حساسة والدخول بها إلى بلد مجاور على أن تتسلمها لاحقا ومن ثم التنقل بها إلى العاصمة.
وبنصب كمين محكم للمظنون فيهن تم القبض عليهن على متن سيارتي أجرة بمحطة الاستخلاص بمرناق، وبتفتيشهن عُثر على 11 كبسولة من مخدّر الهيروين مخفية بإحكام بباب السيارة.
البريغابالين..
تعد اقراص "البريغابالين" من أكثر الاقراص المخدرة التي يتم تهريبها وقد تم احباط شحنات كبيرة منها من قبل وحدات الحرس والديوانة خاصة حيث وفي إطار مكافحة تهريب المواد المخدرة بالشريط الحدودي الجنوب شرقي للبلاد التونسية، تمكنت دورية تابعة لفرقة الحرس الديواني ببن قردان من ضبط سيارة خفيفة تحمل ترقيما أجنبيا حيث تم الشك في احتوائها على مواد مشبوهة وبإخضاعها للتفتيش الدقيق تم العثور بصهريج الغاز الموجود داخلها على كمية من الحبوب المخدرة قدرت بـ19800 حبة نوع " pregabalin 300 mg "وقدرت قيمة الأدوية المخدرة المحجوزة بـ396 ألف دينار.
وفي وقت سابق افاد "الصباح" العميد هيثم زناد الناطق باسم الإدارة العامة للديوانة ان معطيات بلغت اليهم مفادها اعتزام أحد الأشخاص تهريب كمية هامة من الأدوية المخدرة عبر الحدود التونسية الجزائرية، فتم تركيز دوريات للحرس الديواني على مستوى الطرقات والمسالك مرجع نظر ولاية القصرين ممّا مكّن من رصد شاحنة خفيفة متطابقة مع المعلومة لا تحمل لوحات منجمية على مستوى منطقة "خنقة الجازية" وبالإشارة لها بالوقوف لم يمتثل سائقها وتجاوز الدورية بسرعة مفرطة في اتجاه منطقة "حسي الفريد" ورغم استعمال الحاجز المسماري إلا أن الشاحنة واصلت السير بالاستعانة بشاحنة أخرى تكشف وتؤمن لها الطريق فتمّت مطاردتهما وطلب الإسناد من وحدات الحرس الوطني للمساعدة على ايقاف الشاحنتين.
وبوجود قوة مشتركة متمركزة على مستوى مدخل منطقة حسي الفريد تمّ إيقاف شاحنة التهريب التي كانت محمّلة بـ30 طردا يحتوي على 225 ألف حبة دواء مخدر نوع pregabalin 300 mg وتمّ رفعها وتأمينها لدى فرقة الحرس الوطني بالجهة.
وباستشارة النيابة العمومية أذنت لمصالح الديوانة بتحرير محضر حجز في الغرض وإحالة الملف إلى المصالح الأمنية المختصة لمواصلة الأبحاث.
وللاشارة فإن قيمة المحجوز قدرت بمليار و687 الف دينار.
وليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها إحباط تهريب كمية كبيرة من مخدر البريغابالين حيث تمكنت في شهر سبتمبر الماضي مصالح الديوانة بمعبر رأس جدير من إحباط محاولة تهريب 24238 حبة دواء مخدر نوع pregabalin مخفية على متن سيارة ذات ترقيم أجنبي عند القيام بإجراءات الدخول إلى التراب التونسي حيث بتمرير السيارة على جهاز الكشف بالأشعة تم التفطن إلى وجود أكياس مخفية بإحكام داخل أجزاء السيارة وبإخضاعها إلى التفتيش الدقيق تم العثور على 24238 حبة دواء مخدر نوع pregabalin300 mg ".
وتعد عملية الصمار اكبر عملية تهريب للأقراص المخدرة بشكل عام والبريغابالين بشكل خاص حيث تمكنت مصالح الحرس الديواني بالصمار بداية العام الجاري من إحباط محاولة تهريب 742500 حبة دواء مخدر بصحراء تطاوين.
وذلك في إطار تعقب عمليات تهريب المواد المخدرة حيث تمكنت فرقة الحرس الديواني بالصمار من ولاية تطاوين من حجز 742500 (سبع مائة واثنان وأربعون ألفا وخمسمائة) قرص دواء مخدر نوع "pregabalin 300 mg" كانت محملة على متن شاحنة رباعية الدفع تم ضبطها على عمق 300 كلم داخل الصحراء.
وخلال شهر أفريل من سنة 2021 تم حجز 255 ألف حبة من نفس الدواء كانت قادمة أيضا من ليبيا وأحبطتها دورية مشتركة بين الحرس الديواني والجيش الوطني كما تم خلال شهر ديسمبر 2020 حجز 300 ألف حبة من نفس النوع.
تغير خارطة التهريب..
لم تعد المسالك البرية المنافذ الوحيدة التي تشهد ضغطا من حيث جلب الممنوعات وإخفائها ثم إدخالها سواء عبر شاحنات التهريب أو عن طريق الحمير والجمال المدربة والقادرة على عبور الحدود محملة بشحنات من المخدرات والتي تنجح بعد تدريب قاس وطويل في ايصالها الى أصحابها ثم العودة أدراجها، أو عن طريق "الكناطرية" ليأخذ تهريب المخدرات أشكالا جديدة حيث باتت شبكات دولية محترفة تنشط بين تونس وتركيا تستقطب الحسناوات لايصال الشحنات عبر مطار تونس قرطاح الدولي.
حيث تمكن الأسبوع الماضي أعوان الإدارة الفرعيّة لمكافحة المخدرات بإدارة الشرطة العدليّة من تفكيك شبكة لترويج الهيروين جلبته امرأة من تركيا حيث حجز لديها أكثر من كيلوغرامين ونصف من الهيروين الذي تتجاوز قيمته 750 ألف دينار.
وجاء في محاضر البحث بأنّ معلومات وردت على أعوان الإدارة الفرعيّة لمكافحة المخدرات بالقرجاني مفادها انخراط مجموعة من الأشخاص في مجال جلب مخدر الهيروين من تركيا وترويجه في تونس واستقطاب شبان وفتيات بغاية جلب المخدّر مقابل عمولات ماليّة يتحصلون عليها.
وحسب الأبحاث المجراة، فقد وردت معلومة مفادها سفر امرأة إلى تركيا بغاية جلب كمية هامّة من الهيروين، وللغرض تمّ رصد موعد وصولها أمس إلى تونس عبر مطار تونس قرطاج الدولي.
وبعد مرورها عبر البوابات الحدودية، تمّ إيقافها من طرف أعوان إدارة مكافحة المخدرات، وبتفتيش أغراضها تفتيشا دقيقا، تمّ حجز 2600 غرام من الهيروين مخبأة بإحكام داخل علب كرتونيّة خاصّة بالحلويات التركيّة، وتتجاوز قيمة المحجوز 750 ألف دينار، وهي كميّة قياسية يتمّ حجزها من مخدر الهيروين.
كما تمكن في وقت سابق أعوان الإدارة الفرعية لمكافحة المخدرات بادارة الشرطة العدلية من تفكيك شبكة لترويج الهيروين وتضم شقيقين وزوجين وحجز 600 غرام من الهيروين جلبها الزوجان من تركيا.
وتفيد محاضر البحث أن تحريات أجراها أعوان الادارة الفرعية لمكافحة المخدرات بادارة الشرطة العدلية أفضت الى الكشف عن تورط امرأة وشقيقها في ادارة شبكة لتهريب المخدرات وتحديدا الهيروين من تركيا الى تونس بغاية ترويجها، ويتوليان الاستعانة بأشخاص آخرين وتكليفهم بجلب الهيروين من تركيا عبر التكفل بمصاريف سفرهم وتسليمهم عملات مالية في الغرض.
وأفادت الأبحاث المجراة انه بتعميق التحريات توصّل المحققون الى تكليف الشقيقين لزوجين من سكان العاصمة بجلب كمية من الهيروين من تركيا، ومع عودتهما الى تونس تم ضبط 600 غرام من الهيروين أخفياها داخل كبسولات بمعدتيهم
باحث في علم الاجتماع لـ"الصباح" : المخدرات في تونس وجه من وجوه الهروب من الواقع
اوضح الباحث في علم الاجتماع في قراءته لظاهرة ترويج واستهلاك وتهريب المخدرات طارق بالحاج محمد ان تفشي ظاهرة المخدرات تعكس أزمة مجتمع وواقع مأزوم لأجيال ترزح تحت وطأة الإحساس بالضياع وسوء الاندماج والتهميش وغياب الأمل وضعف الإحساس بالانتماء والأهمية والرغبة الفردية والجماعية للهروب من مواجهة الواقع وصعوباته وتعقيداته.كما تعكس أزمة دولة عاجزة عن تحمل مسؤولياتها في حماية مواطنيها وإنتاج مقاربة شاملة يتضافر فيها البعد الوقائي والعلاجي والقانوني والجزائي.
ويشير بالحاج محمد أنه آن الأوان لتجاوز حالة الإنكار الحالية وفتح حوار اجتماعي صريح لتطويق هذه الظاهرة،يتضافر فيه البعد الجزائي والقانوني والعلاجي والوقائي.
حوار يشارك فيه الشباب والمستهلكين والجمعيات المدنية والخبراء والمختصين من جميع المجالات والاختصاصات لضبط استراتيجيات عملية وتشاركية، أول خطواتها التمييز بين المستهلك والمروج والتاجر، وثاني خطواتها حماية الفئات الاجتماعية والعمرية الهشة نفسيا واقتصاديا واجتماعيا عبر مرافقتها صحيا ونفسيا، وثالث خطواتها تقنين وفرض العلاج الطبي والنفسي للمستهلكين بالتوازي مع مراجعة سلم العقوبات حسب مدى استجابة كل فرد لاستراتيجية العلاج والوقاية وأهم خطواتها وآخرها دراسات استشرافية حول هذه الظاهرة من أجل التوقع والإحاطة والاستقصاء المبكر.
فالتنظيم رغم كل ما يلاقيه من اعتراضات يبدو اقل الحلول ضررا على الجميع فهو يقطع الطريق على شبكات الجريمة المنظمة التي اغرقت البلاد بشتى أنواع المخدرات ويساهم في جعل الدولة تضع يدها على هذا النشاط حماية لمواطنيها وتدعيما لمداخيلها وانقاذا لأجيال تبحث عن الغيبوبة وتقع رهينة لأعتى العصابات الاجرامية. وما يدعم هذا التمشي هو عجز المنع والقوانين الزجرية من الحد من هذه الظاهرة وتحول هذه المخدرات من مجرد مادة إلى ثقافة تتبناها أجيال برمتها وتعتبرها جزءا من هويتها ونمط عيشها وقيمها وهنا تكمن الخطورة الأكبر على المن النفسي والاجتماعي للتونسيين فكلما اشتد المنع إلا وأصبحت هذه المادة معبودة الجماهير.
الاتفاقيات الدولية. .
بدأت أولى فصول الحكاية بالاتفاقية الدولية لمكافحة المخدرات إثر جلسة للأمم المتحدة في 30 مارس 1961 التي أمضت عليها تونس في يومها وتاريخها وقد جاء هذا المنع في سياق اجتماعي وثقافي تونسي،ليس من باب التضييق على الحريات، بل من باب إعادة الاعتبار لقيم العمل والإنتاج والقطع مع ثقافة الكسل والتواكل والغيبوبة والغيبية، في ظرف تحتاج فيه تونس لمجهود الجميع من أجل إنجاح رهان التحديث المجتمعي والاقتصادي. وبعد حملة سياسية وإعلامية لتحضير الرأي العام وتجييشه دامت لسنوات قدم فيها المدمن في صورة الشخص الفاقد للإنسانية والمسؤولية، صدر قانون المنع يوم 3 نوفمبر 1964.هذه المقاربة يمكن أن تكون محقة ومشروعة في سياقها التاريخي، فلولاها ربما لكان حال الشعب التونسي اليوم مثل حال بعض الشعوب الأخرى في المغرب والمشرق العربيين. بعد عقود صدر القانون عدد52 لسنة 1992 المؤرخ في 18 ماي 1992 المتعلق بالمخدرات الذي جاء بعقوبات قاسية استنفذت كل شروط التشديد مستثنيا السلطة التقديرية للقاضي وجامعا في نفس السلة كل الفئات العمرية وكل المتعاملين مع هذه المادة بدون استثناء من مروج ومستهلك ومستهلك سلبي...فهل أتى هذا التشديد أكله؟
تطور استهلاك المخدرات..
إن استهلاك المخدرات بأنواعها و"الزطلة" تحديدا، موجود في تونس قبل 14 جانفي 2011،لكنه في السنوات الأخيرة تطور كما ونوعا، أفقيا وعموديا. وبعد أن كانت تونس في الغالب أرض عبور لهذه المادة أصبحت اليوم سوقا ضخمة، وبعد أن كانت حكرا على بعض الشرائح والأعمار،أصبحت اليوم عابرة للتصنيفات والأجيال والجهات والفضاءات وهذا دليل على فشل المقاربات التقليدية، فاليوم هناك في تونس بيئة اجتماعية ونفسية حاضنة للمخدرات عموما و"الزطلة" خصوصا.
ففي بحث تجريبي أعدته إدارة الطب المدرسي والجامعي حول تعاطي التدخين والكحول والمخدرات بالمؤسسات التربوية في ولاية تونس في 2013 تبين أن 11.6 %من التلاميذ جربوا مواد مخدرة، وأن 50 % من تلاميذ ولاية تونس استهلكوا مواد مخدرة أو كحولية أو سجائر 61.1% منهم ذكور و 40.9 الباقين إناث، وأن 3 % جربوا القنب الهندي(الزطلة) و0.8 % جربوا الكوكايين والأخطر في الأمر أن 80% من التلاميذ يرغبون في تعاطي المخدرات رغم علمهم بمخاطرها الصحية، وهنا تطلق صيحة الفزع، فهذه الحالة وعلى خلاف ما يعتقده البعض بأنها مجرد آفة أو ظاهرة هي أعمق من ذلك بكثير فقد تحولت لثقافة أجيال بأتم معنى الكلمة.
ما بعد الثورة..
بعد الثورة تحولت هذه المادة التي كانت منحصرة في مجال والاستهلاك إلى عنوان لقيم التمرد والثورة و"الرجلة"،تمرد للفئات المهمشة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ومهنيا، يستوي في تبنيها المنحرف والعاطل عن العمل والتلميذ والطالب والموظف والرياضي ومغني الراب والأب والابن والفتاة والفتى وأبناء الأحياء المرفهة والفقيرة على حد السواء ومدن الساحل والداخل...الأمر إذن يتعلق بنشوء ثقافة اجتماعية فرعية مضادة للثقافة السائدة، ثقافة ما فتئت تتوسع لتشمل شرائح اجتماعية متزايدة وغير متجانسة ويسقط ضحيتها الأفراد والمجموعات والأجيال كنا نظن لوقت قريب أنهم محصنون نفسيا ومعرفيا وتربويا واجتماعيا ومهنيا. والقول بأنها ثقافة ليس فيه شيء من المبالغة، فـ"الزطلة" اليوم ليست مجرد مادة مخدرة، بل هي رمز وعنوان.هي معبودة الجماهير،تنظم فيها الأشعار وتنشد باسمها الأغاني وتتضمنها الأهازيج في الملاعب ووسائل النقل وأعياد الميلاد وحفلات نهاية السنة الدراسية... ثقافة تمكنت من إنتاج قاموسها ومعجمها ومفرداتها وتمكنت من فرضه في المعيش اليومي لمن يستهلكها ولمن لا يستهلكها على حد السواء، فمن منا لا يعرف أو لا يستعمل مفردات مثل (الشيخة،الدوخة،الركشة،الكمية،عام وفسبا،بلاكة،جوان،زاكاتاكا...).وهي ثقافة أيضا لأنها تمكنت رغم مخاطرها الصحية والقانونية ومسها بالصورة الاجتماعية والنمطية وإنكار المجتمع لها، تمكنت من أن تتحول إلى جزء من اهتمام الرأي العام بين مؤيد ومعارض، في وسائل الإعلام والجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني والخبراء والمختصين والشخصيات العامة والوزارات... ظاهرة بهذا الحجم والعمق تسقط معها كل المقاربات القطاعية والجزئية والتفصيلية، فهي تتطلب فهما أعمق من التبسيط الحالي لها،كما تتطلب فتح حوار وطني حولها قبل الحديث عن تصنيفاتها القانونية وآثارها الجانبية على المجتمع.
يقول بالحاج محمد على عكس ما يروج له بعض المستهلكين أو المتسامحين مع هذه الظاهرة، فقد ثبت طبيا أن للزطلة مخاطر صحية ونفسية جمة على مستهلكيها كما أن استهلاكها في الحاضر وحسب القانون الجاري به العمل، يمكن أن يعصف بمستقبل أجيال وأسر بأكملها، فالعديد من مستهلكيها بصفة عرضية أو سلبية أو قارة أغلبهم من التلاميذ والطلبة والموظفين والأزواج الجدد وبنسبة أقل الشيوخ والكهول.ففي تقارير أصدرتها خلية علوم الإجرام بمركز الدراسات القضائية بتونس السنة الفارطة، فان 30 % من المستهلكين للمخدرات بين سن 13 و35 سنة تتوزع تفصيليا كالتالي: 57 % بين سن 13 و18 سنة و36.2 % بين 18 و25 سنة و4.7 % بين سن 25 و35 سنة و2 % بين 35 و50 سنة. تطبيق القانون والاكتفاء بذلك سيحرم طيف كبير من شباب تونس من الدراسة والعمل وهو أمر لا يمكن توقع نتائجه الكارثية على مستقبل تونس القريب والمتوسط .
مفيدة القيزاني
تونس-الصباح
على الرغم من المجهودات الكبيرة التي تقوم بها وحدات الامن والحرس والديوانة في التصدي لشبكات تهريب المخدرات إلا أن الشبكات الاجرامية مازالت تتسلل سواء برا او جوا او بحرا محملة بشحنات من "الهيروين" .. "الكوكايين" .."البريغابالين".."الزطلة".."بذور الماريخوانا".."الاكستازي" وغيرها من المخدرات القادمة من تركيا او الجزائر او اوروبا ليتم ترويجها على الاراضي التونسية باعتبار أنها لم تعد مجرد منطقة عبور ويساهم في التجارة الدولية للمخدرات مزارعون ومنتجون وناقلون ومورّدون وتجار.
وهي تجارة تلحق الضرر بجميع الدول وتقوض الاستقرار السياسي والاقتصادي، وتدمر حياة الأفراد والمجتمعات. وغالبا ما يكون المستهلكون والمدمنون ضحايا لشبكات دولية تقودها "رؤوس" تعمل في الظل.
وفي كثير من الأحيان، يرتبط الاتجار بالمخدرات بأشكال أخرى من الجريمة مثل غسل الأموال كما يمكن للشبكات الإجرامية أن تستخدم مسالك الاتجار لنقل منتجات أخرى غير مشروعة.
القبض على مروج مخدرات للتلاميذ..
في اطار مكافحة المخدرات وملاحقة المروجين تمكنت امس الاول الفرقة المركزية لمكافحة المخدرات التابعة لإدارة الاستعلامات والأبحاث للحرس الوطني بالعوينة بعد عمل استعلامي معمّق، من القبض على ثلاثة أشخاص بمحيط مدرسة ابتدائيّة بجهة الياسمينات وحجز صفيحتين من مادة "القنب الهندي" لديهم.
وبتفتيش محل سكنى أحدهم أمكن حجز 25 صفيحة إضافية، وتم الاحتفاظ بهم بناء على تعليمات النيابة العمومية لدى المحكمة الابتدائية ببن عروس لأجل "تكوين وإدارة عصابة للاتجار في المواد المخدّرة"، وفق المتحدث باسم الإدارة العامة للحرس الوطني.
وفي ذات السياق تمكنت خلال الليلة الفاصلة بين يومي 4 و5 مارس الجاري دورية تابعة لفرقة الأبحاث العدلية للحرس الوطني بحدائق المنزه إثر مداهمة أحد المنازل الكائنة بالجهة وتم إلقاء القبض على صاحبه وبتفتيشه تم حجز كمية من الأقراص المخدرة وقطع مختلفة الأحجام من مخدر القنب الهندي.
حجز كمية من المواد المخدرة وبذور الماريخوانا..
يوم الثالث من مارس الجاري وعلى اثر ورود معلومات على فرقة الأبحاث والتفتيش بالمنستير مفادها تحوز أحد الأشخاص أصيل معتمدية قصر هلال على كمية من المواد المخدرة ونباتات من الماريخوانا بمنزله فتم تشكيل فريق أمني من سرية التدخلات السريعة بإقليم الحرس الوطني بالمنستير ودورية تابعة لفرقة الأبحاث والتفتيش بطبلبة وبعد استشارة النيابة العمومية تمت مداهمة المنزل المذكور والقبض على شخصين وحجز مادة بيضاء يشتبه في كونها مخدر الكوكايين، كمية من الزطلة ، بذور الماريخوانا ، ميزان صغير الحجم وإناءين زرع بها نباتات الماريخوانا.
اندماج المرأة في ترويج المخدرات..
لم يعد الانخراط في شبكات المخدرات يجتذب الذكور فقط بل بات العنصر النسائي فاعلا ويضطلع بمهمات عديدة كالتهريب والتوزيع وقد تم مؤخرا وعلى إثر توفّر معلومات لدى الوحدات الأمنية التابعة للإدارة الفرعية لمكافحة المخدرات بإدارة الشرطة العدلية مفادها اندماج نسوة في ترويج المخدّرات واعتزامهن جلب شحنة من مخدّر الهيروين من إحدى الدول الأوروبية والعبور بها عبر الحدود البرية، تبين وأن إحداهن قامت بالتنسيق مع امرأتين لتسلم الشحنة من قبل أحد الأشخاص بالدولة الأجنبية وإخفائها بمناطق حساسة والدخول بها إلى بلد مجاور على أن تتسلمها لاحقا ومن ثم التنقل بها إلى العاصمة.
وبنصب كمين محكم للمظنون فيهن تم القبض عليهن على متن سيارتي أجرة بمحطة الاستخلاص بمرناق، وبتفتيشهن عُثر على 11 كبسولة من مخدّر الهيروين مخفية بإحكام بباب السيارة.
البريغابالين..
تعد اقراص "البريغابالين" من أكثر الاقراص المخدرة التي يتم تهريبها وقد تم احباط شحنات كبيرة منها من قبل وحدات الحرس والديوانة خاصة حيث وفي إطار مكافحة تهريب المواد المخدرة بالشريط الحدودي الجنوب شرقي للبلاد التونسية، تمكنت دورية تابعة لفرقة الحرس الديواني ببن قردان من ضبط سيارة خفيفة تحمل ترقيما أجنبيا حيث تم الشك في احتوائها على مواد مشبوهة وبإخضاعها للتفتيش الدقيق تم العثور بصهريج الغاز الموجود داخلها على كمية من الحبوب المخدرة قدرت بـ19800 حبة نوع " pregabalin 300 mg "وقدرت قيمة الأدوية المخدرة المحجوزة بـ396 ألف دينار.
وفي وقت سابق افاد "الصباح" العميد هيثم زناد الناطق باسم الإدارة العامة للديوانة ان معطيات بلغت اليهم مفادها اعتزام أحد الأشخاص تهريب كمية هامة من الأدوية المخدرة عبر الحدود التونسية الجزائرية، فتم تركيز دوريات للحرس الديواني على مستوى الطرقات والمسالك مرجع نظر ولاية القصرين ممّا مكّن من رصد شاحنة خفيفة متطابقة مع المعلومة لا تحمل لوحات منجمية على مستوى منطقة "خنقة الجازية" وبالإشارة لها بالوقوف لم يمتثل سائقها وتجاوز الدورية بسرعة مفرطة في اتجاه منطقة "حسي الفريد" ورغم استعمال الحاجز المسماري إلا أن الشاحنة واصلت السير بالاستعانة بشاحنة أخرى تكشف وتؤمن لها الطريق فتمّت مطاردتهما وطلب الإسناد من وحدات الحرس الوطني للمساعدة على ايقاف الشاحنتين.
وبوجود قوة مشتركة متمركزة على مستوى مدخل منطقة حسي الفريد تمّ إيقاف شاحنة التهريب التي كانت محمّلة بـ30 طردا يحتوي على 225 ألف حبة دواء مخدر نوع pregabalin 300 mg وتمّ رفعها وتأمينها لدى فرقة الحرس الوطني بالجهة.
وباستشارة النيابة العمومية أذنت لمصالح الديوانة بتحرير محضر حجز في الغرض وإحالة الملف إلى المصالح الأمنية المختصة لمواصلة الأبحاث.
وللاشارة فإن قيمة المحجوز قدرت بمليار و687 الف دينار.
وليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها إحباط تهريب كمية كبيرة من مخدر البريغابالين حيث تمكنت في شهر سبتمبر الماضي مصالح الديوانة بمعبر رأس جدير من إحباط محاولة تهريب 24238 حبة دواء مخدر نوع pregabalin مخفية على متن سيارة ذات ترقيم أجنبي عند القيام بإجراءات الدخول إلى التراب التونسي حيث بتمرير السيارة على جهاز الكشف بالأشعة تم التفطن إلى وجود أكياس مخفية بإحكام داخل أجزاء السيارة وبإخضاعها إلى التفتيش الدقيق تم العثور على 24238 حبة دواء مخدر نوع pregabalin300 mg ".
وتعد عملية الصمار اكبر عملية تهريب للأقراص المخدرة بشكل عام والبريغابالين بشكل خاص حيث تمكنت مصالح الحرس الديواني بالصمار بداية العام الجاري من إحباط محاولة تهريب 742500 حبة دواء مخدر بصحراء تطاوين.
وذلك في إطار تعقب عمليات تهريب المواد المخدرة حيث تمكنت فرقة الحرس الديواني بالصمار من ولاية تطاوين من حجز 742500 (سبع مائة واثنان وأربعون ألفا وخمسمائة) قرص دواء مخدر نوع "pregabalin 300 mg" كانت محملة على متن شاحنة رباعية الدفع تم ضبطها على عمق 300 كلم داخل الصحراء.
وخلال شهر أفريل من سنة 2021 تم حجز 255 ألف حبة من نفس الدواء كانت قادمة أيضا من ليبيا وأحبطتها دورية مشتركة بين الحرس الديواني والجيش الوطني كما تم خلال شهر ديسمبر 2020 حجز 300 ألف حبة من نفس النوع.
تغير خارطة التهريب..
لم تعد المسالك البرية المنافذ الوحيدة التي تشهد ضغطا من حيث جلب الممنوعات وإخفائها ثم إدخالها سواء عبر شاحنات التهريب أو عن طريق الحمير والجمال المدربة والقادرة على عبور الحدود محملة بشحنات من المخدرات والتي تنجح بعد تدريب قاس وطويل في ايصالها الى أصحابها ثم العودة أدراجها، أو عن طريق "الكناطرية" ليأخذ تهريب المخدرات أشكالا جديدة حيث باتت شبكات دولية محترفة تنشط بين تونس وتركيا تستقطب الحسناوات لايصال الشحنات عبر مطار تونس قرطاح الدولي.
حيث تمكن الأسبوع الماضي أعوان الإدارة الفرعيّة لمكافحة المخدرات بإدارة الشرطة العدليّة من تفكيك شبكة لترويج الهيروين جلبته امرأة من تركيا حيث حجز لديها أكثر من كيلوغرامين ونصف من الهيروين الذي تتجاوز قيمته 750 ألف دينار.
وجاء في محاضر البحث بأنّ معلومات وردت على أعوان الإدارة الفرعيّة لمكافحة المخدرات بالقرجاني مفادها انخراط مجموعة من الأشخاص في مجال جلب مخدر الهيروين من تركيا وترويجه في تونس واستقطاب شبان وفتيات بغاية جلب المخدّر مقابل عمولات ماليّة يتحصلون عليها.
وحسب الأبحاث المجراة، فقد وردت معلومة مفادها سفر امرأة إلى تركيا بغاية جلب كمية هامّة من الهيروين، وللغرض تمّ رصد موعد وصولها أمس إلى تونس عبر مطار تونس قرطاج الدولي.
وبعد مرورها عبر البوابات الحدودية، تمّ إيقافها من طرف أعوان إدارة مكافحة المخدرات، وبتفتيش أغراضها تفتيشا دقيقا، تمّ حجز 2600 غرام من الهيروين مخبأة بإحكام داخل علب كرتونيّة خاصّة بالحلويات التركيّة، وتتجاوز قيمة المحجوز 750 ألف دينار، وهي كميّة قياسية يتمّ حجزها من مخدر الهيروين.
كما تمكن في وقت سابق أعوان الإدارة الفرعية لمكافحة المخدرات بادارة الشرطة العدلية من تفكيك شبكة لترويج الهيروين وتضم شقيقين وزوجين وحجز 600 غرام من الهيروين جلبها الزوجان من تركيا.
وتفيد محاضر البحث أن تحريات أجراها أعوان الادارة الفرعية لمكافحة المخدرات بادارة الشرطة العدلية أفضت الى الكشف عن تورط امرأة وشقيقها في ادارة شبكة لتهريب المخدرات وتحديدا الهيروين من تركيا الى تونس بغاية ترويجها، ويتوليان الاستعانة بأشخاص آخرين وتكليفهم بجلب الهيروين من تركيا عبر التكفل بمصاريف سفرهم وتسليمهم عملات مالية في الغرض.
وأفادت الأبحاث المجراة انه بتعميق التحريات توصّل المحققون الى تكليف الشقيقين لزوجين من سكان العاصمة بجلب كمية من الهيروين من تركيا، ومع عودتهما الى تونس تم ضبط 600 غرام من الهيروين أخفياها داخل كبسولات بمعدتيهم
باحث في علم الاجتماع لـ"الصباح" : المخدرات في تونس وجه من وجوه الهروب من الواقع
اوضح الباحث في علم الاجتماع في قراءته لظاهرة ترويج واستهلاك وتهريب المخدرات طارق بالحاج محمد ان تفشي ظاهرة المخدرات تعكس أزمة مجتمع وواقع مأزوم لأجيال ترزح تحت وطأة الإحساس بالضياع وسوء الاندماج والتهميش وغياب الأمل وضعف الإحساس بالانتماء والأهمية والرغبة الفردية والجماعية للهروب من مواجهة الواقع وصعوباته وتعقيداته.كما تعكس أزمة دولة عاجزة عن تحمل مسؤولياتها في حماية مواطنيها وإنتاج مقاربة شاملة يتضافر فيها البعد الوقائي والعلاجي والقانوني والجزائي.
ويشير بالحاج محمد أنه آن الأوان لتجاوز حالة الإنكار الحالية وفتح حوار اجتماعي صريح لتطويق هذه الظاهرة،يتضافر فيه البعد الجزائي والقانوني والعلاجي والوقائي.
حوار يشارك فيه الشباب والمستهلكين والجمعيات المدنية والخبراء والمختصين من جميع المجالات والاختصاصات لضبط استراتيجيات عملية وتشاركية، أول خطواتها التمييز بين المستهلك والمروج والتاجر، وثاني خطواتها حماية الفئات الاجتماعية والعمرية الهشة نفسيا واقتصاديا واجتماعيا عبر مرافقتها صحيا ونفسيا، وثالث خطواتها تقنين وفرض العلاج الطبي والنفسي للمستهلكين بالتوازي مع مراجعة سلم العقوبات حسب مدى استجابة كل فرد لاستراتيجية العلاج والوقاية وأهم خطواتها وآخرها دراسات استشرافية حول هذه الظاهرة من أجل التوقع والإحاطة والاستقصاء المبكر.
فالتنظيم رغم كل ما يلاقيه من اعتراضات يبدو اقل الحلول ضررا على الجميع فهو يقطع الطريق على شبكات الجريمة المنظمة التي اغرقت البلاد بشتى أنواع المخدرات ويساهم في جعل الدولة تضع يدها على هذا النشاط حماية لمواطنيها وتدعيما لمداخيلها وانقاذا لأجيال تبحث عن الغيبوبة وتقع رهينة لأعتى العصابات الاجرامية. وما يدعم هذا التمشي هو عجز المنع والقوانين الزجرية من الحد من هذه الظاهرة وتحول هذه المخدرات من مجرد مادة إلى ثقافة تتبناها أجيال برمتها وتعتبرها جزءا من هويتها ونمط عيشها وقيمها وهنا تكمن الخطورة الأكبر على المن النفسي والاجتماعي للتونسيين فكلما اشتد المنع إلا وأصبحت هذه المادة معبودة الجماهير.
الاتفاقيات الدولية. .
بدأت أولى فصول الحكاية بالاتفاقية الدولية لمكافحة المخدرات إثر جلسة للأمم المتحدة في 30 مارس 1961 التي أمضت عليها تونس في يومها وتاريخها وقد جاء هذا المنع في سياق اجتماعي وثقافي تونسي،ليس من باب التضييق على الحريات، بل من باب إعادة الاعتبار لقيم العمل والإنتاج والقطع مع ثقافة الكسل والتواكل والغيبوبة والغيبية، في ظرف تحتاج فيه تونس لمجهود الجميع من أجل إنجاح رهان التحديث المجتمعي والاقتصادي. وبعد حملة سياسية وإعلامية لتحضير الرأي العام وتجييشه دامت لسنوات قدم فيها المدمن في صورة الشخص الفاقد للإنسانية والمسؤولية، صدر قانون المنع يوم 3 نوفمبر 1964.هذه المقاربة يمكن أن تكون محقة ومشروعة في سياقها التاريخي، فلولاها ربما لكان حال الشعب التونسي اليوم مثل حال بعض الشعوب الأخرى في المغرب والمشرق العربيين. بعد عقود صدر القانون عدد52 لسنة 1992 المؤرخ في 18 ماي 1992 المتعلق بالمخدرات الذي جاء بعقوبات قاسية استنفذت كل شروط التشديد مستثنيا السلطة التقديرية للقاضي وجامعا في نفس السلة كل الفئات العمرية وكل المتعاملين مع هذه المادة بدون استثناء من مروج ومستهلك ومستهلك سلبي...فهل أتى هذا التشديد أكله؟
تطور استهلاك المخدرات..
إن استهلاك المخدرات بأنواعها و"الزطلة" تحديدا، موجود في تونس قبل 14 جانفي 2011،لكنه في السنوات الأخيرة تطور كما ونوعا، أفقيا وعموديا. وبعد أن كانت تونس في الغالب أرض عبور لهذه المادة أصبحت اليوم سوقا ضخمة، وبعد أن كانت حكرا على بعض الشرائح والأعمار،أصبحت اليوم عابرة للتصنيفات والأجيال والجهات والفضاءات وهذا دليل على فشل المقاربات التقليدية، فاليوم هناك في تونس بيئة اجتماعية ونفسية حاضنة للمخدرات عموما و"الزطلة" خصوصا.
ففي بحث تجريبي أعدته إدارة الطب المدرسي والجامعي حول تعاطي التدخين والكحول والمخدرات بالمؤسسات التربوية في ولاية تونس في 2013 تبين أن 11.6 %من التلاميذ جربوا مواد مخدرة، وأن 50 % من تلاميذ ولاية تونس استهلكوا مواد مخدرة أو كحولية أو سجائر 61.1% منهم ذكور و 40.9 الباقين إناث، وأن 3 % جربوا القنب الهندي(الزطلة) و0.8 % جربوا الكوكايين والأخطر في الأمر أن 80% من التلاميذ يرغبون في تعاطي المخدرات رغم علمهم بمخاطرها الصحية، وهنا تطلق صيحة الفزع، فهذه الحالة وعلى خلاف ما يعتقده البعض بأنها مجرد آفة أو ظاهرة هي أعمق من ذلك بكثير فقد تحولت لثقافة أجيال بأتم معنى الكلمة.
ما بعد الثورة..
بعد الثورة تحولت هذه المادة التي كانت منحصرة في مجال والاستهلاك إلى عنوان لقيم التمرد والثورة و"الرجلة"،تمرد للفئات المهمشة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ومهنيا، يستوي في تبنيها المنحرف والعاطل عن العمل والتلميذ والطالب والموظف والرياضي ومغني الراب والأب والابن والفتاة والفتى وأبناء الأحياء المرفهة والفقيرة على حد السواء ومدن الساحل والداخل...الأمر إذن يتعلق بنشوء ثقافة اجتماعية فرعية مضادة للثقافة السائدة، ثقافة ما فتئت تتوسع لتشمل شرائح اجتماعية متزايدة وغير متجانسة ويسقط ضحيتها الأفراد والمجموعات والأجيال كنا نظن لوقت قريب أنهم محصنون نفسيا ومعرفيا وتربويا واجتماعيا ومهنيا. والقول بأنها ثقافة ليس فيه شيء من المبالغة، فـ"الزطلة" اليوم ليست مجرد مادة مخدرة، بل هي رمز وعنوان.هي معبودة الجماهير،تنظم فيها الأشعار وتنشد باسمها الأغاني وتتضمنها الأهازيج في الملاعب ووسائل النقل وأعياد الميلاد وحفلات نهاية السنة الدراسية... ثقافة تمكنت من إنتاج قاموسها ومعجمها ومفرداتها وتمكنت من فرضه في المعيش اليومي لمن يستهلكها ولمن لا يستهلكها على حد السواء، فمن منا لا يعرف أو لا يستعمل مفردات مثل (الشيخة،الدوخة،الركشة،الكمية،عام وفسبا،بلاكة،جوان،زاكاتاكا...).وهي ثقافة أيضا لأنها تمكنت رغم مخاطرها الصحية والقانونية ومسها بالصورة الاجتماعية والنمطية وإنكار المجتمع لها، تمكنت من أن تتحول إلى جزء من اهتمام الرأي العام بين مؤيد ومعارض، في وسائل الإعلام والجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني والخبراء والمختصين والشخصيات العامة والوزارات... ظاهرة بهذا الحجم والعمق تسقط معها كل المقاربات القطاعية والجزئية والتفصيلية، فهي تتطلب فهما أعمق من التبسيط الحالي لها،كما تتطلب فتح حوار وطني حولها قبل الحديث عن تصنيفاتها القانونية وآثارها الجانبية على المجتمع.
يقول بالحاج محمد على عكس ما يروج له بعض المستهلكين أو المتسامحين مع هذه الظاهرة، فقد ثبت طبيا أن للزطلة مخاطر صحية ونفسية جمة على مستهلكيها كما أن استهلاكها في الحاضر وحسب القانون الجاري به العمل، يمكن أن يعصف بمستقبل أجيال وأسر بأكملها، فالعديد من مستهلكيها بصفة عرضية أو سلبية أو قارة أغلبهم من التلاميذ والطلبة والموظفين والأزواج الجدد وبنسبة أقل الشيوخ والكهول.ففي تقارير أصدرتها خلية علوم الإجرام بمركز الدراسات القضائية بتونس السنة الفارطة، فان 30 % من المستهلكين للمخدرات بين سن 13 و35 سنة تتوزع تفصيليا كالتالي: 57 % بين سن 13 و18 سنة و36.2 % بين 18 و25 سنة و4.7 % بين سن 25 و35 سنة و2 % بين 35 و50 سنة. تطبيق القانون والاكتفاء بذلك سيحرم طيف كبير من شباب تونس من الدراسة والعمل وهو أمر لا يمكن توقع نتائجه الكارثية على مستقبل تونس القريب والمتوسط .