إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ملفات "الصباح" | برقم معاملات سنوي يناهز الـ 4 مليار دينار.. المساحات التجارية الكبرى تستقطب أكثر من 60 بالمائة من التونسيين وبحصة تصل إلى 25 بالمائة من التجارة

 

- المساحات التجارية الكبرى والمتوسطة تساهم بحوالي الـ 2.6 بالمائة في الناتج الداخلي الخام للبلاد.

- في حدود الـ 872 فضاء تجاريا موزعة بين 473 فضاء للعلامات التجارية الكبرى

- من بين المناطق التي لم تعد قادرة على استيعاب هذا النوع من النمط التجاري ولايات تونس الكبرى ونابل وسوسة

- 10 مشاريع جديدة متحصلة على الموافقة من وزارة التجارة من بينها 4 في طور الأشغال..

- آليات التسويق التي تستخدمها الفضاءات التجارية الكبرى مصيدة للمستهلكين

- حجم الاستثمارات لكل فضاء تجاري تفوق مساحته 1500 متر مربع مغطى في حدود 300 مليون دينار

- "العطرية" تنافس المساحات التجارية الكبرى والمتوسطة وتسترجع ثقة المستهلكين

- مشاريع جديدة في طور الانجاز في ولايات نابل وصفاقس وأخرى في انتظار الموافقة أبرزها في قليبية

- رئيس الغرفة النقابية للمساحات التجارية الكبرى والمتوسطة لـ"الصباح":

هذه الفضاءات عرفت خسائر هامة بسبب كورونا على كامل 30 شهرا وصلت إلى حدود الـ 50 مليون دينار

نحن بصدد إطلاق مبادرة مع سلطة الإشراف لتحديد قائمة سلع سيشملها التخفيض اقترابا من شهر رمضان

لا يمكن أن تتهم المساحات التجارية الكبرى بالاحتكار لأنها لا تمتلك رخصا للتخزين وعملية التزود والتسويق تتم في نفس اليوم

إعداد: وفاء بن محمد

تونس-الصباح

ونحن نقترب من شهر رمضان المعظم، أكثر المناسبات استهلاكا لدى التونسيين، يتبادر إلى أذهاننا التغير الملحوظ في ثقافة الاستهلاك في السنوات الأخيرة من جهة، وتوسع قطاع التجارة على مستوى التفصيل والتوزيع من جهة ثانية، فضلا عن تطور التقنيات والآليات المستخدمة في مجال التسويق والإشهار ودورها في استقطاب الآلاف من الحرفاء إلى الاستهلاك المفرط ..

وتعد المساحات التجارية الكبرى والمتوسطة، الفضاءات الأكثر استقطابا للمستهلكين التونسيين في السنوات الأخيرة، التي سرعان ما عرفت توسعا ملحوظا لتستحوذ اليوم على نصيب 21 بالمائة من التجارة في تونس والنسبة المتبقية تبقى من نصيب تجارة التفصيل، كما يحقق اليوم قطاع التوزيع في تونس أكثر من 4 مليارات دينار كرقم معاملات سنوي، الشيء الذي يجعله يساهم بحوالي الـ 2.6 بالمائة في الناتج الداخلي الخام للبلاد.

وبحسب المعطيات الرسمية التي تحصلت عليها "الصباح" في تناولها لهذا الملف، فقد عرفت بلادنا في السنوات الأخيرة توسعا كبيرا لقطاع التوزيع بتركيز6 فضاءات تجارية كبرى جديدة بين تونس وسوسة وصفاقس وقابس وجربة، لتصل في مجملها إلى حدود الـ 872 فضاء موزعة بين 473 فضاء للعلامات التجارية الكبرى "كارفور" و"جيان" و"مونبري" و"المغازة العامة"، والبقية تضم عددا هاما من العلامات التجارية المحلية، دون أن ننسى "المولات" هذا النمط التجاري الجديد الذي لقي قبولا واسعا لدى التونسيين، ويوفر القطاع عموما حوالي 16.271 موطن عمل مباشر.

كما كشفت آخر دراسة أنجزتها وزارة التجارة وتنمية الصادرات، التي تتعلق بتحيين المخطط التوجيهي الخاص بالفضاءات والمساحات التجارية الكبرى الخاضعة للتراخيص والتي تفوق مساحتها 1.500 متر مربع، أن السوق التونسية لم تعد تتحمل مزيد تركيز مشاريع جديدة في هذا القطاع لعدم توفر المساحات اللازمة لتركيزها مستقبلا خاصة في ولايات تونس الكبرى وضواحيها.

كما حدد المخطط التحييني للقطاع خارطة جديدة لإسناد رخص تركيز الفضاءات التجارية الكبرى والمتوسطة المزمع تركيزها في أفق 2030 في المناطق الداخلية للبلاد باعتبار أن ولايات تونس الكبرى وولايات نابل وسوسة لم تعد تستوعب هذا النمط التجاري، مع الأخذ بعين الاعتبار تحديد المناطق الأكثر استقطابا للاستهلاك وان لا تكون العملية غير مدروسة فمن غير المعقول تركيز مثل هذا النمط التجاري الخاص في مناطق غير سياحية وذات قدرة شرائية ضعيفة.

بالمقابل، يمكن التوجه في هذه المناطق إلى إنشاء وتركيز فضاءات تجارية متوسطة وصغيرة تتلاءم مع طبيعة الاستهلاك فيها، وهذا ما نلحظه اليوم من توسع كبير لعلامات تجارية صغيرة على غرار "عزيزة" في جل المناطق الداخلية والإحياء الشعبية للبلاد.

توسع القطاع واستثمارات جديدة قريبا

عرفت الفضاءات التجارية الكبرى في تونس في السنوات الأخيرة قفزة نوعية على مستوى نقاط البيع وحصتها في تجارة التوزيع، وعلى مستوى مساهمتها في الناتج الداخلي الخام، حيث انتقل عدد نقاط البيع للمساحات التجارية الكبرى والمتوسطة من 200 نقطة إلى 615 نقطة في ما بين 2010 و2020 مقسمة على 4 مجامع الكبرى وبقية المساحات التجارية المتوسطة، وهي التي تمثل حوالي 3.7 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، كما تطورت حصتها من تجارة التوزيع بشكل سريع ولافت في مطلع الألفية فبعد أن كانت في سنة 1999 تمثل 5 بالمائة فقط قفزت إلى 15 بالمائة في 2008 و18 بالمائة في 2011 لتصل إلى 21 بالمائة في 2020 وستصل إلى 25 بالمائة في أفق 2030.

كما انه من المتوقع أن يتزايد العدد مستقبلا مع تركيز مشاريع جديدة، فحسب المعطيات الرسمية المتوفرة لدينا من وزارة التجارة فان التوقعات لإحداث فضاءات ومراكز تجارية كبرى كمشاريع جديدة متحصلة على الموافقة فهي 10 مشاريع منها 4 في طور الإنجاز، في حين تمر البقية بصعوبات على مستوى الإجراءات..

ومن المتوقع أن تتمركز المشاريع الجديدة والتي هي في طور الانجاز في ولاية نابل وفي ولاية صفاقس لمجمع الشايب الممثل الرسمي لعلامة "كارفور"، الى جانب مشروع آخر تحديدا في ضاحية قمرت تابع مشروع "la cigale" الذي يعود إلى سنة 2017.

وفي نفس السياق، هناك مشروع آخر في القطاع سيرى النور في جهة قليبية خاص بإحداث فضاء تجاري كبير بعد إيداع صاحبه المطلب لدى سلطة الإشراف منذ فترة.

استثمارات مكلفة يقابلها رقم معاملات بـ 4 مليار دينار

يبلغ في الأغلب حجم الاستثمارات في حدود 300 مليون دينار لكل فضاء تجاري تفوق مساحته 1500 متر مربع مغطى، وهي التي يلامس عددها اليوم الـ900 فضاء، وهي التي باستطاعتها أن تعوض كل هذه التكاليف بفضل الأرباح السنوية التي تحققها بعد أن وصل رقم معاملات فضاءات المساحات التجارية الكبرى (كارفور المرسى وجيان ومول سوسة وازور سيتي) إلى حدود الـ 4 مليار دينار.

كما كثر الجدل في السنة المنقضية في هذا السياق بين التونسيين حول هامش الربح الذي تحققه الفضاءات التجارية الكبرى بفضل تحكمها في الأسعار والذي يصل إلى 35 بالمائة بهامش ربح خلفي تسجله عند شرائها السلع من المنتج مباشرة، وهذا ما أكدته المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، مبينة أن هذه النسبة تؤدي بصفة آلية إلى ارتفاع الأسعار في تونس.

كما لم تؤثر الإجراءات الحكومية الأخيرة المتعلقة بالغلق زمن كورونا والأداء الضريبي سلبا على الفضاءات التجارية الكبرى - حسب وزارة التجارة- فاليوم، تمكنت الفضاءات التجارية بعد سنة فقط من تعويض الخسائر التي تكبدتها بسبب الإغلاق، وسجلت ابرز العلامات التجارية في قطاع التوزيع إيرادات هامة...

بالمقابل، تعتبر الغرفة النقابية للمساحات التجارية الكبرى والمتوسطة أن الجدل الحاصل منذ سنة تجاه هذا القطاع التجاري الذي يواجه كغيره من القطاعات الأخرى جملة من الصعوبات والمشاكل لا يمكن أخذها على محمل الجد، موضحة أنّ المثال الاقتصادي للمساحات التجارية الكبرى يرتكز، على غرار أي مؤسسة تجارية، على هامش ربح يشمل، خاصّة التخفيضات، التّي يتم التفاوض بشأنها، وفق اتفاق مشترك، مع المزوّدين ويقدر المعدل القطاعي لهذا الهامش بحوالي 20 بالمائة.

ومن جهته، أفاد رئيس الغرفة الوطنية للمساحات الكبرى والمتوسطة الهادي بكور في تصريح لـ "الصباح" بان رقم معاملات الفضاءات التجارية في تونس تراجع بنسبة 15 بالمائة منذ ظهور وباء كوفيد-19، وهو ما جعل القطاع يشهد جملة من الصعوبات، مضيفا أن عدد الحرفاء انخفض بنسبة 20 بالمائة بسبب تأثير الجائحة وذلك نتيجة تراجع القدرة الشرائية للمواطن وعدم توافد السياح.

كما اعتبر بكور أن رقم المعاملات السنوي الذي تحققه الفضاءات التجارية الكبرى والمتوسطة جميعها يناهز الـ4 مليار دينار لكن هذا لا يمنع أن هذه الفضاءات عرفت خسائر هامة زمن كورونا على كامل 30 شهرا لتصل إلى حدود الـ 50 مليون دينار، زد عليها تأثير الأداء الجنائي وتكاليف البروتوكول الصحي..، حسب محدثنا.

وتعمل الغرفة النقابية للمساحات التجارية الكبرى والمتوسطة التابعة للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية على إطلاق مبادرات مع سلطة الإشراف لصالح المستهلك على غرار التخفيض في عدد من السلع والمواد الاستهلاكية والتي كانت قد انطلقت فيها منذ سنة ولقيت قبولا واسعا من قبل التونسيين واستجابة مرضية لمهنيي قطاع التوزيع في خطوة وصفت بالايجابية للوقوف إلى جانب الشعب في الظرف الاستثنائي الذي تمر به البلاد..، ويطمح التونسيون إلى تعميم التخفيضات على بقية السلع والمواد الاستهلاكية باعتبار أن القرار شمل عددا محدودا منها، تزامنا مع تواتر المناسبات الاستهلاكية في هذه الفترة من السنة انطلاقا من شهر رمضان المعظم..

وفي نفس الاتجاه، أكد رئيس الغرفة النقابية للمساحات التجارية الكبرى والمتوسطة انه تم التطرق إلى هذه المبادرة في إطار جلسة عمل بحر الأسبوع الجاري مع وزيرة التجارة وتنمية الصادرات ليتم تحديد قائمة بالمواد الاستهلاكية التي عرفت ارتفاعا كبيرا مؤخرا والعمل على إقرار التخفيض فيها تزامنا مع حلول شهر رمضان، وسيكون لمثل هذه القرارات الأثر الايجابي على المقدرة الشرائية للتونسيين وهي التي عرفت في السنوات الأخيرة تدهورا غير مسبوق بسبب الارتفاع المشط للأسعار وثقل المتطلبات وارتفاع الاستهلاك، كما من شان هذه الخطوة أن تحد من الاحتكار الذي استشرى في البلاد..

وأشار بكور في هذا السياق إلى أن المساحات التجارية الكبرى لا يمكن أن تتهم بالاحتكار باعتبار أنها لا تمتلك رخصا للتخزين وعملية التزود تكون بصفة يومية عبر توفير المواد والسلع في المساحات التجارية على أن يتم في نفس اليوم تسويقها، مبينا أن الغرفة كانت قد أودعت مطلب ترخيص للتخزين من وزارة التجارة ولم تظفر بعد بالإجابة.

إجراءات الحكومة تصالح بها المستهلك

ومن بين الإجراءات التي أطلقتها الحكومة هي تلك التي أعلنت عنها مؤخرا وزارة التجارة وتنمية الصادرات التي تتعلق بقرار تحديد هوامش الربح للتوزيع بالجملة والتفصيل لجملة من المواد الاستهلاكية وتخص11منتوجا، ولقيت هذه الإجراءات استحسانا وقبولا لدى التونسيين ومنظمات المجتمع المدني، من ذلك اعتبرت المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك في بيان لها أن القرار يعد خطوة ايجابية من سلطة الإشراف في دعم القدرة الشرائية للمستهلك، مبينة أن هذا المطلب كان مطلبها الرئيسي لمكافحة غلاء الأسعار وتضخمها منذ سنوات.

كما اعتبرت المنظمة أن هذا التمشي انتصار للمستهلك وتجسيم للإرادة الوطنية، مؤكدة على أن يشمل هذا الإجراء جميع المواد الاستهلاكية، وتذكر المنظمة في ذات البيان بتداعيات هامش الربح الخلفي التي توظفه المساحات التجارية الكبرى على المنتج لتجبره على الترفيع في الأسعار عند الإنتاج.

كذلك تطالب المنظمة سلطة الإشراف بدعم هذا الإجراء بتعريف المستهلك بالأسعار القصوى للمنتوجات التي تم تحديد أقصي هوامش الربح فيها بالجملة والتفصيل ليكون الخط الأمامي مساندا للأجهزة الرقابية لوزارة التجارة والأجهزة الداعمة لها بكافة تشكيلاتها التي وقفت سدا منيعا ضد المضاربة والاحتكار وغلاء الأسعار.

وشمل إجراء تحديد هامش الربح الذي أقرته وزارة التجارة مؤخرا 11 منتوجا منها المياه المعدنية والمشروبات والعصائر والزيوت النباتية والمصبرات الغذائية ومواد التنظيف المنزلي ومواد الصحة الجسدية وذلك لتنفيذ الخطة الخصوصية للوزارة لدعم المقدرة الشرائية للمستهلك، وحدد السقف الأقصى لهوامش الربح المضبوطة في المواد المذكورة بين 5 و8 بالمائة على مستوى الجملة وبين 7و14 بالمائة على مستوى التفصيل مع التفاوت من مادة إلى أخرى.

توظيف إجراء جبائي لصالح الميزانية عبر المساحات التجارية

أحدثت الحكومة في قانون المالية لسنة 2022 معلوما جبائيا على وصولات البيع المسلّمة من قبل المغازات التجارية والمستغلين لعلامة تجارية أجنبية في تونس تقدر بـ100 مليم عن كل تذكرة بيع، بهذا الإجراء من بين الزيادات التي اقرها قانون المالية لسنة 2022 وإحداث معاليم جبائية، وجاء هذا الإجراء في الفصل 54: "تذاكر البيع المسلمة للحرفاء من قبل المساحات التجارية الكبرى المنصوص عليها بمجلة التهيئة الترابية والتعمير والمغازات ذات الأجنحة المتعددة الراجعة بالنظر إلى إدارة المؤسسات الكبرى أو إلى إدارة المؤسسات المتوسطة وكذلك المسلمة لهم من قبل المستغلين تحت التسمية الأصلية لتسمية أو لعلامة تجارية أجنبية المنصوص عليهم بالقانون عدد 69 لسنة 2009 المؤرخ في 12 أوت 2009 المتعلق بتجارة التوزيع وتبلغ قيمة المعلوم المحدث 100 مليم عن كل تذكرة بيع".

وحسب الفصل، يتعيّن على كل مؤسسة مطالبة باستخلاص معلوم الطابع الجبائي الموظف على تذاكر البيع المنصوص عليه إصدار التذاكر في سلسلة منتظمة وغير منقطعة وفق منظومة موثوق بها تمكّن من المراقبة الجبائية اللاحقة للمعلوم المستوجب.

وفي ما يتعلق بهذا الإجراء، ذكر رئيس الغرفة النقابية للمساحات التجارية الكبرى والمتوسطة، أن تأثيرات قرار الضريبة على وصولات المشتريات من الفضاءات التجارية الكبرى والمتوسطة كانت سلبية على رقم معاملاتها التي انخفضت بتراجع استقطاب المستهلكين الذين يفضلون بسبب هذا الأداء التوجه إلى العطريات والمحلات التجارية بالتفصيل، مؤكدا أن هذه العملية غير دستورية باعتبارها تكرس الحيف بين القطاعات والذي حصل مع هذا الإجراء وقع التمييز لصالح قطاع التفصيل على حساب قطاع التوزيع، حسب تعبير رئيس الغرفة النقابية.

آليات التسويق مصيدة للمستهلكين

وبحسب الدراسات المعمقة التي أنجزت من قبل العديد من مراكز البحوث في الاستهلاك والمنظمات المدنية، فقد تبين أن الآليات التسويقية التي تستخدمها الفضاءات التجارية الكبرى والمتوسطة في السنوات الأخيرة من إشهار ومسابقات بجميع أصنافها وعبر العديد من الوسائل الاتصالية والإعلامية هي التي نجحت من خلالها في استقطاب إعداد كبيرة من الحرفاء حتى ضعيفي المقدرة الشرائية.

فالتطور الرقمي والتكنولوجي ساهم بشكل كبير في تغيير نمط الاستهلاك لدى التونسيين، وسهولة تلقي الإشهار والتسويق للسلع والمواد ساهم في دفع نشاط هذه الفضاءات شيئا فشيئا حتى أصبحت الوجهة الأولى لأكثر من 60 بالمائة من التونسيين وترتفع النسبة في المناسبات الاستهلاكية عل غرار شهر رمضان والأعياد وموعد العودة المدرسية..

وتعتمد الآليات والتقنيات الجديدة والمتطورة التي تستخدمها هذه الفضاءات لتسويق سلعها وبضاعتها على سلسلة من الإغراءات الواسعة والمتنوعة سرعان ما رسخّت في المجتمع ثقافة الاستهلاك عبر الفضاءات التجارية الكبرى والتي أهمها الدعاية والإشهار وهي عبارة عن تواصل جماعي هدفه جذب انتباه المستهلك وتشجيعه على تبني سلوك معين، والإشهار أضحى اليوم محركاً اقتصاديا مهما، إذ يوجه أفكارنا ويؤثر على سلوكنا، وذلك بسبب التقدم الهائل في التقنية الإعلانية التي أضحت متحكمة في العملية الإنتاجية من حيث أنماط التسويق والعرض والاستهلاك، معتمدة في ذلك على خبراء متخصصين يضعون إستراتيجية قائمة على مبدأ المتعة في التملك والتعطش إلى التسوق...

"العطرية" تنافس المساحات التجارية الكبرى والمتوسطة

عرفت تجارة التفصيل توسعا وتناميا زمن كورونا حتى أصبحت تنافس المساحات التجارية الكبرى والمتوسطة، التي لم تتأثر بالشكل الكبير بالنظر إلى الأرقام والإحصائيات الأخيرة الصادرة عن وزارة التجارة، حيث أن القطاع اليوم يشمل عددا هاما من تجار التفصيل وتجار "العطرية" الذي سرعان ما يتزايد سنويا، ليرتفع من 241.836 تاجرا خلال سنة 2015 إلى 293 ألف تاجر حاليا.

كما يتوزع هذا العدد بين تجار التفصيل البالغ عددهم 175 وفي حدود الـ 118 تجار مواد غذائية أو ما يعرف بـ"العطرية"، وخلافا للمساحات التجارية الكبرى والمتوسطة ارتفع عدد المستهلكين لتجارة التفصيل مما جعل القطاع عموما يبرز ويأخذ منحى جديدا في مشهد التجارة، حتى ظهر بصورة مميزة وكسب مجددا ثقة المستهلكين التونسيين بعد نفورهم لسنوات وتوجههم لإغراءات الفضاءات التجارية الكبرى والمتوسطة.

ومن أهم التحديات التي يعمل تجار التفصيل و"العطرية" على رفعها في الظرف الراهن، توفير المواد الاستهلاكية اليومية بشكل منتظم والابتعاد عن مخالفات الترفيع في الأسعار والاحتكار، فضلا عن المعاملة العادلة بين جميع أصناف الحرفاء، حتى يكسبون ثقتهم مجددا...

وكانت "العطرية" قد غيرت في الآونة الأخيرة من نمط خدماتها في وقت سابق حتى تساير النمط الاستهلاكي الجديد، كما مثلت الفضاءات التجارية الكبرى والمتوسطة دافعا لتعصير تجهيزاتها، حيث تخلت العديد منها عن "الكنتوار" لفسح المجال أمام الحريف وإعادة تهيئة المحلات في شكل"Superette"..، فاليوم أصبحنا نشهد تجارة التفصيل بجميع أصنافها بحلة جديدة مغايرة ومسايرة لتطورات العصر.

الإطار القانوني لإحداث المساحات التجارية الكبرى والمراكز التجارية

يخضع تركيز المساحات التجارية الكبرى والمراكز التجارية التي تفوق مساحة قاعدتها المعدة للبيع 1500 م2 أو تفوق قاعدة بنائها عند تركيزها أو بعد توسعتها 3000 م2 إلى نصوص تشريعية تنص في مجملها على أهم المعايير المعتمدة لدراسة وإبداء الرأي في مطالب الترخيص لتركيز المساحات التجارية الكبرى والمراكز التجارية وشروط إحداثها والإجراءات المعتمدة.

ووقع تعديل القانون الخاص بتركيز المساحات التجارية الكبرى منذ سنة 2017 حيث صدر وقتها بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 92 بتاريخ 17 نوفمبر 2017، أمر حكومي متعلق بضبط شروط وإجراءات إسناد الترخيص في تركيز المساحات التجارية الكبرى والمراكز التجارية وشمل التعديل خمسة فصول وهي الفصل 2-3-4-7-8..

ملفات "الصباح" |  برقم معاملات سنوي يناهز الـ 4 مليار دينار..  المساحات التجارية الكبرى تستقطب أكثر من 60 بالمائة من التونسيين وبحصة تصل إلى 25 بالمائة من التجارة

 

- المساحات التجارية الكبرى والمتوسطة تساهم بحوالي الـ 2.6 بالمائة في الناتج الداخلي الخام للبلاد.

- في حدود الـ 872 فضاء تجاريا موزعة بين 473 فضاء للعلامات التجارية الكبرى

- من بين المناطق التي لم تعد قادرة على استيعاب هذا النوع من النمط التجاري ولايات تونس الكبرى ونابل وسوسة

- 10 مشاريع جديدة متحصلة على الموافقة من وزارة التجارة من بينها 4 في طور الأشغال..

- آليات التسويق التي تستخدمها الفضاءات التجارية الكبرى مصيدة للمستهلكين

- حجم الاستثمارات لكل فضاء تجاري تفوق مساحته 1500 متر مربع مغطى في حدود 300 مليون دينار

- "العطرية" تنافس المساحات التجارية الكبرى والمتوسطة وتسترجع ثقة المستهلكين

- مشاريع جديدة في طور الانجاز في ولايات نابل وصفاقس وأخرى في انتظار الموافقة أبرزها في قليبية

- رئيس الغرفة النقابية للمساحات التجارية الكبرى والمتوسطة لـ"الصباح":

هذه الفضاءات عرفت خسائر هامة بسبب كورونا على كامل 30 شهرا وصلت إلى حدود الـ 50 مليون دينار

نحن بصدد إطلاق مبادرة مع سلطة الإشراف لتحديد قائمة سلع سيشملها التخفيض اقترابا من شهر رمضان

لا يمكن أن تتهم المساحات التجارية الكبرى بالاحتكار لأنها لا تمتلك رخصا للتخزين وعملية التزود والتسويق تتم في نفس اليوم

إعداد: وفاء بن محمد

تونس-الصباح

ونحن نقترب من شهر رمضان المعظم، أكثر المناسبات استهلاكا لدى التونسيين، يتبادر إلى أذهاننا التغير الملحوظ في ثقافة الاستهلاك في السنوات الأخيرة من جهة، وتوسع قطاع التجارة على مستوى التفصيل والتوزيع من جهة ثانية، فضلا عن تطور التقنيات والآليات المستخدمة في مجال التسويق والإشهار ودورها في استقطاب الآلاف من الحرفاء إلى الاستهلاك المفرط ..

وتعد المساحات التجارية الكبرى والمتوسطة، الفضاءات الأكثر استقطابا للمستهلكين التونسيين في السنوات الأخيرة، التي سرعان ما عرفت توسعا ملحوظا لتستحوذ اليوم على نصيب 21 بالمائة من التجارة في تونس والنسبة المتبقية تبقى من نصيب تجارة التفصيل، كما يحقق اليوم قطاع التوزيع في تونس أكثر من 4 مليارات دينار كرقم معاملات سنوي، الشيء الذي يجعله يساهم بحوالي الـ 2.6 بالمائة في الناتج الداخلي الخام للبلاد.

وبحسب المعطيات الرسمية التي تحصلت عليها "الصباح" في تناولها لهذا الملف، فقد عرفت بلادنا في السنوات الأخيرة توسعا كبيرا لقطاع التوزيع بتركيز6 فضاءات تجارية كبرى جديدة بين تونس وسوسة وصفاقس وقابس وجربة، لتصل في مجملها إلى حدود الـ 872 فضاء موزعة بين 473 فضاء للعلامات التجارية الكبرى "كارفور" و"جيان" و"مونبري" و"المغازة العامة"، والبقية تضم عددا هاما من العلامات التجارية المحلية، دون أن ننسى "المولات" هذا النمط التجاري الجديد الذي لقي قبولا واسعا لدى التونسيين، ويوفر القطاع عموما حوالي 16.271 موطن عمل مباشر.

كما كشفت آخر دراسة أنجزتها وزارة التجارة وتنمية الصادرات، التي تتعلق بتحيين المخطط التوجيهي الخاص بالفضاءات والمساحات التجارية الكبرى الخاضعة للتراخيص والتي تفوق مساحتها 1.500 متر مربع، أن السوق التونسية لم تعد تتحمل مزيد تركيز مشاريع جديدة في هذا القطاع لعدم توفر المساحات اللازمة لتركيزها مستقبلا خاصة في ولايات تونس الكبرى وضواحيها.

كما حدد المخطط التحييني للقطاع خارطة جديدة لإسناد رخص تركيز الفضاءات التجارية الكبرى والمتوسطة المزمع تركيزها في أفق 2030 في المناطق الداخلية للبلاد باعتبار أن ولايات تونس الكبرى وولايات نابل وسوسة لم تعد تستوعب هذا النمط التجاري، مع الأخذ بعين الاعتبار تحديد المناطق الأكثر استقطابا للاستهلاك وان لا تكون العملية غير مدروسة فمن غير المعقول تركيز مثل هذا النمط التجاري الخاص في مناطق غير سياحية وذات قدرة شرائية ضعيفة.

بالمقابل، يمكن التوجه في هذه المناطق إلى إنشاء وتركيز فضاءات تجارية متوسطة وصغيرة تتلاءم مع طبيعة الاستهلاك فيها، وهذا ما نلحظه اليوم من توسع كبير لعلامات تجارية صغيرة على غرار "عزيزة" في جل المناطق الداخلية والإحياء الشعبية للبلاد.

توسع القطاع واستثمارات جديدة قريبا

عرفت الفضاءات التجارية الكبرى في تونس في السنوات الأخيرة قفزة نوعية على مستوى نقاط البيع وحصتها في تجارة التوزيع، وعلى مستوى مساهمتها في الناتج الداخلي الخام، حيث انتقل عدد نقاط البيع للمساحات التجارية الكبرى والمتوسطة من 200 نقطة إلى 615 نقطة في ما بين 2010 و2020 مقسمة على 4 مجامع الكبرى وبقية المساحات التجارية المتوسطة، وهي التي تمثل حوالي 3.7 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، كما تطورت حصتها من تجارة التوزيع بشكل سريع ولافت في مطلع الألفية فبعد أن كانت في سنة 1999 تمثل 5 بالمائة فقط قفزت إلى 15 بالمائة في 2008 و18 بالمائة في 2011 لتصل إلى 21 بالمائة في 2020 وستصل إلى 25 بالمائة في أفق 2030.

كما انه من المتوقع أن يتزايد العدد مستقبلا مع تركيز مشاريع جديدة، فحسب المعطيات الرسمية المتوفرة لدينا من وزارة التجارة فان التوقعات لإحداث فضاءات ومراكز تجارية كبرى كمشاريع جديدة متحصلة على الموافقة فهي 10 مشاريع منها 4 في طور الإنجاز، في حين تمر البقية بصعوبات على مستوى الإجراءات..

ومن المتوقع أن تتمركز المشاريع الجديدة والتي هي في طور الانجاز في ولاية نابل وفي ولاية صفاقس لمجمع الشايب الممثل الرسمي لعلامة "كارفور"، الى جانب مشروع آخر تحديدا في ضاحية قمرت تابع مشروع "la cigale" الذي يعود إلى سنة 2017.

وفي نفس السياق، هناك مشروع آخر في القطاع سيرى النور في جهة قليبية خاص بإحداث فضاء تجاري كبير بعد إيداع صاحبه المطلب لدى سلطة الإشراف منذ فترة.

استثمارات مكلفة يقابلها رقم معاملات بـ 4 مليار دينار

يبلغ في الأغلب حجم الاستثمارات في حدود 300 مليون دينار لكل فضاء تجاري تفوق مساحته 1500 متر مربع مغطى، وهي التي يلامس عددها اليوم الـ900 فضاء، وهي التي باستطاعتها أن تعوض كل هذه التكاليف بفضل الأرباح السنوية التي تحققها بعد أن وصل رقم معاملات فضاءات المساحات التجارية الكبرى (كارفور المرسى وجيان ومول سوسة وازور سيتي) إلى حدود الـ 4 مليار دينار.

كما كثر الجدل في السنة المنقضية في هذا السياق بين التونسيين حول هامش الربح الذي تحققه الفضاءات التجارية الكبرى بفضل تحكمها في الأسعار والذي يصل إلى 35 بالمائة بهامش ربح خلفي تسجله عند شرائها السلع من المنتج مباشرة، وهذا ما أكدته المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، مبينة أن هذه النسبة تؤدي بصفة آلية إلى ارتفاع الأسعار في تونس.

كما لم تؤثر الإجراءات الحكومية الأخيرة المتعلقة بالغلق زمن كورونا والأداء الضريبي سلبا على الفضاءات التجارية الكبرى - حسب وزارة التجارة- فاليوم، تمكنت الفضاءات التجارية بعد سنة فقط من تعويض الخسائر التي تكبدتها بسبب الإغلاق، وسجلت ابرز العلامات التجارية في قطاع التوزيع إيرادات هامة...

بالمقابل، تعتبر الغرفة النقابية للمساحات التجارية الكبرى والمتوسطة أن الجدل الحاصل منذ سنة تجاه هذا القطاع التجاري الذي يواجه كغيره من القطاعات الأخرى جملة من الصعوبات والمشاكل لا يمكن أخذها على محمل الجد، موضحة أنّ المثال الاقتصادي للمساحات التجارية الكبرى يرتكز، على غرار أي مؤسسة تجارية، على هامش ربح يشمل، خاصّة التخفيضات، التّي يتم التفاوض بشأنها، وفق اتفاق مشترك، مع المزوّدين ويقدر المعدل القطاعي لهذا الهامش بحوالي 20 بالمائة.

ومن جهته، أفاد رئيس الغرفة الوطنية للمساحات الكبرى والمتوسطة الهادي بكور في تصريح لـ "الصباح" بان رقم معاملات الفضاءات التجارية في تونس تراجع بنسبة 15 بالمائة منذ ظهور وباء كوفيد-19، وهو ما جعل القطاع يشهد جملة من الصعوبات، مضيفا أن عدد الحرفاء انخفض بنسبة 20 بالمائة بسبب تأثير الجائحة وذلك نتيجة تراجع القدرة الشرائية للمواطن وعدم توافد السياح.

كما اعتبر بكور أن رقم المعاملات السنوي الذي تحققه الفضاءات التجارية الكبرى والمتوسطة جميعها يناهز الـ4 مليار دينار لكن هذا لا يمنع أن هذه الفضاءات عرفت خسائر هامة زمن كورونا على كامل 30 شهرا لتصل إلى حدود الـ 50 مليون دينار، زد عليها تأثير الأداء الجنائي وتكاليف البروتوكول الصحي..، حسب محدثنا.

وتعمل الغرفة النقابية للمساحات التجارية الكبرى والمتوسطة التابعة للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية على إطلاق مبادرات مع سلطة الإشراف لصالح المستهلك على غرار التخفيض في عدد من السلع والمواد الاستهلاكية والتي كانت قد انطلقت فيها منذ سنة ولقيت قبولا واسعا من قبل التونسيين واستجابة مرضية لمهنيي قطاع التوزيع في خطوة وصفت بالايجابية للوقوف إلى جانب الشعب في الظرف الاستثنائي الذي تمر به البلاد..، ويطمح التونسيون إلى تعميم التخفيضات على بقية السلع والمواد الاستهلاكية باعتبار أن القرار شمل عددا محدودا منها، تزامنا مع تواتر المناسبات الاستهلاكية في هذه الفترة من السنة انطلاقا من شهر رمضان المعظم..

وفي نفس الاتجاه، أكد رئيس الغرفة النقابية للمساحات التجارية الكبرى والمتوسطة انه تم التطرق إلى هذه المبادرة في إطار جلسة عمل بحر الأسبوع الجاري مع وزيرة التجارة وتنمية الصادرات ليتم تحديد قائمة بالمواد الاستهلاكية التي عرفت ارتفاعا كبيرا مؤخرا والعمل على إقرار التخفيض فيها تزامنا مع حلول شهر رمضان، وسيكون لمثل هذه القرارات الأثر الايجابي على المقدرة الشرائية للتونسيين وهي التي عرفت في السنوات الأخيرة تدهورا غير مسبوق بسبب الارتفاع المشط للأسعار وثقل المتطلبات وارتفاع الاستهلاك، كما من شان هذه الخطوة أن تحد من الاحتكار الذي استشرى في البلاد..

وأشار بكور في هذا السياق إلى أن المساحات التجارية الكبرى لا يمكن أن تتهم بالاحتكار باعتبار أنها لا تمتلك رخصا للتخزين وعملية التزود تكون بصفة يومية عبر توفير المواد والسلع في المساحات التجارية على أن يتم في نفس اليوم تسويقها، مبينا أن الغرفة كانت قد أودعت مطلب ترخيص للتخزين من وزارة التجارة ولم تظفر بعد بالإجابة.

إجراءات الحكومة تصالح بها المستهلك

ومن بين الإجراءات التي أطلقتها الحكومة هي تلك التي أعلنت عنها مؤخرا وزارة التجارة وتنمية الصادرات التي تتعلق بقرار تحديد هوامش الربح للتوزيع بالجملة والتفصيل لجملة من المواد الاستهلاكية وتخص11منتوجا، ولقيت هذه الإجراءات استحسانا وقبولا لدى التونسيين ومنظمات المجتمع المدني، من ذلك اعتبرت المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك في بيان لها أن القرار يعد خطوة ايجابية من سلطة الإشراف في دعم القدرة الشرائية للمستهلك، مبينة أن هذا المطلب كان مطلبها الرئيسي لمكافحة غلاء الأسعار وتضخمها منذ سنوات.

كما اعتبرت المنظمة أن هذا التمشي انتصار للمستهلك وتجسيم للإرادة الوطنية، مؤكدة على أن يشمل هذا الإجراء جميع المواد الاستهلاكية، وتذكر المنظمة في ذات البيان بتداعيات هامش الربح الخلفي التي توظفه المساحات التجارية الكبرى على المنتج لتجبره على الترفيع في الأسعار عند الإنتاج.

كذلك تطالب المنظمة سلطة الإشراف بدعم هذا الإجراء بتعريف المستهلك بالأسعار القصوى للمنتوجات التي تم تحديد أقصي هوامش الربح فيها بالجملة والتفصيل ليكون الخط الأمامي مساندا للأجهزة الرقابية لوزارة التجارة والأجهزة الداعمة لها بكافة تشكيلاتها التي وقفت سدا منيعا ضد المضاربة والاحتكار وغلاء الأسعار.

وشمل إجراء تحديد هامش الربح الذي أقرته وزارة التجارة مؤخرا 11 منتوجا منها المياه المعدنية والمشروبات والعصائر والزيوت النباتية والمصبرات الغذائية ومواد التنظيف المنزلي ومواد الصحة الجسدية وذلك لتنفيذ الخطة الخصوصية للوزارة لدعم المقدرة الشرائية للمستهلك، وحدد السقف الأقصى لهوامش الربح المضبوطة في المواد المذكورة بين 5 و8 بالمائة على مستوى الجملة وبين 7و14 بالمائة على مستوى التفصيل مع التفاوت من مادة إلى أخرى.

توظيف إجراء جبائي لصالح الميزانية عبر المساحات التجارية

أحدثت الحكومة في قانون المالية لسنة 2022 معلوما جبائيا على وصولات البيع المسلّمة من قبل المغازات التجارية والمستغلين لعلامة تجارية أجنبية في تونس تقدر بـ100 مليم عن كل تذكرة بيع، بهذا الإجراء من بين الزيادات التي اقرها قانون المالية لسنة 2022 وإحداث معاليم جبائية، وجاء هذا الإجراء في الفصل 54: "تذاكر البيع المسلمة للحرفاء من قبل المساحات التجارية الكبرى المنصوص عليها بمجلة التهيئة الترابية والتعمير والمغازات ذات الأجنحة المتعددة الراجعة بالنظر إلى إدارة المؤسسات الكبرى أو إلى إدارة المؤسسات المتوسطة وكذلك المسلمة لهم من قبل المستغلين تحت التسمية الأصلية لتسمية أو لعلامة تجارية أجنبية المنصوص عليهم بالقانون عدد 69 لسنة 2009 المؤرخ في 12 أوت 2009 المتعلق بتجارة التوزيع وتبلغ قيمة المعلوم المحدث 100 مليم عن كل تذكرة بيع".

وحسب الفصل، يتعيّن على كل مؤسسة مطالبة باستخلاص معلوم الطابع الجبائي الموظف على تذاكر البيع المنصوص عليه إصدار التذاكر في سلسلة منتظمة وغير منقطعة وفق منظومة موثوق بها تمكّن من المراقبة الجبائية اللاحقة للمعلوم المستوجب.

وفي ما يتعلق بهذا الإجراء، ذكر رئيس الغرفة النقابية للمساحات التجارية الكبرى والمتوسطة، أن تأثيرات قرار الضريبة على وصولات المشتريات من الفضاءات التجارية الكبرى والمتوسطة كانت سلبية على رقم معاملاتها التي انخفضت بتراجع استقطاب المستهلكين الذين يفضلون بسبب هذا الأداء التوجه إلى العطريات والمحلات التجارية بالتفصيل، مؤكدا أن هذه العملية غير دستورية باعتبارها تكرس الحيف بين القطاعات والذي حصل مع هذا الإجراء وقع التمييز لصالح قطاع التفصيل على حساب قطاع التوزيع، حسب تعبير رئيس الغرفة النقابية.

آليات التسويق مصيدة للمستهلكين

وبحسب الدراسات المعمقة التي أنجزت من قبل العديد من مراكز البحوث في الاستهلاك والمنظمات المدنية، فقد تبين أن الآليات التسويقية التي تستخدمها الفضاءات التجارية الكبرى والمتوسطة في السنوات الأخيرة من إشهار ومسابقات بجميع أصنافها وعبر العديد من الوسائل الاتصالية والإعلامية هي التي نجحت من خلالها في استقطاب إعداد كبيرة من الحرفاء حتى ضعيفي المقدرة الشرائية.

فالتطور الرقمي والتكنولوجي ساهم بشكل كبير في تغيير نمط الاستهلاك لدى التونسيين، وسهولة تلقي الإشهار والتسويق للسلع والمواد ساهم في دفع نشاط هذه الفضاءات شيئا فشيئا حتى أصبحت الوجهة الأولى لأكثر من 60 بالمائة من التونسيين وترتفع النسبة في المناسبات الاستهلاكية عل غرار شهر رمضان والأعياد وموعد العودة المدرسية..

وتعتمد الآليات والتقنيات الجديدة والمتطورة التي تستخدمها هذه الفضاءات لتسويق سلعها وبضاعتها على سلسلة من الإغراءات الواسعة والمتنوعة سرعان ما رسخّت في المجتمع ثقافة الاستهلاك عبر الفضاءات التجارية الكبرى والتي أهمها الدعاية والإشهار وهي عبارة عن تواصل جماعي هدفه جذب انتباه المستهلك وتشجيعه على تبني سلوك معين، والإشهار أضحى اليوم محركاً اقتصاديا مهما، إذ يوجه أفكارنا ويؤثر على سلوكنا، وذلك بسبب التقدم الهائل في التقنية الإعلانية التي أضحت متحكمة في العملية الإنتاجية من حيث أنماط التسويق والعرض والاستهلاك، معتمدة في ذلك على خبراء متخصصين يضعون إستراتيجية قائمة على مبدأ المتعة في التملك والتعطش إلى التسوق...

"العطرية" تنافس المساحات التجارية الكبرى والمتوسطة

عرفت تجارة التفصيل توسعا وتناميا زمن كورونا حتى أصبحت تنافس المساحات التجارية الكبرى والمتوسطة، التي لم تتأثر بالشكل الكبير بالنظر إلى الأرقام والإحصائيات الأخيرة الصادرة عن وزارة التجارة، حيث أن القطاع اليوم يشمل عددا هاما من تجار التفصيل وتجار "العطرية" الذي سرعان ما يتزايد سنويا، ليرتفع من 241.836 تاجرا خلال سنة 2015 إلى 293 ألف تاجر حاليا.

كما يتوزع هذا العدد بين تجار التفصيل البالغ عددهم 175 وفي حدود الـ 118 تجار مواد غذائية أو ما يعرف بـ"العطرية"، وخلافا للمساحات التجارية الكبرى والمتوسطة ارتفع عدد المستهلكين لتجارة التفصيل مما جعل القطاع عموما يبرز ويأخذ منحى جديدا في مشهد التجارة، حتى ظهر بصورة مميزة وكسب مجددا ثقة المستهلكين التونسيين بعد نفورهم لسنوات وتوجههم لإغراءات الفضاءات التجارية الكبرى والمتوسطة.

ومن أهم التحديات التي يعمل تجار التفصيل و"العطرية" على رفعها في الظرف الراهن، توفير المواد الاستهلاكية اليومية بشكل منتظم والابتعاد عن مخالفات الترفيع في الأسعار والاحتكار، فضلا عن المعاملة العادلة بين جميع أصناف الحرفاء، حتى يكسبون ثقتهم مجددا...

وكانت "العطرية" قد غيرت في الآونة الأخيرة من نمط خدماتها في وقت سابق حتى تساير النمط الاستهلاكي الجديد، كما مثلت الفضاءات التجارية الكبرى والمتوسطة دافعا لتعصير تجهيزاتها، حيث تخلت العديد منها عن "الكنتوار" لفسح المجال أمام الحريف وإعادة تهيئة المحلات في شكل"Superette"..، فاليوم أصبحنا نشهد تجارة التفصيل بجميع أصنافها بحلة جديدة مغايرة ومسايرة لتطورات العصر.

الإطار القانوني لإحداث المساحات التجارية الكبرى والمراكز التجارية

يخضع تركيز المساحات التجارية الكبرى والمراكز التجارية التي تفوق مساحة قاعدتها المعدة للبيع 1500 م2 أو تفوق قاعدة بنائها عند تركيزها أو بعد توسعتها 3000 م2 إلى نصوص تشريعية تنص في مجملها على أهم المعايير المعتمدة لدراسة وإبداء الرأي في مطالب الترخيص لتركيز المساحات التجارية الكبرى والمراكز التجارية وشروط إحداثها والإجراءات المعتمدة.

ووقع تعديل القانون الخاص بتركيز المساحات التجارية الكبرى منذ سنة 2017 حيث صدر وقتها بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 92 بتاريخ 17 نوفمبر 2017، أمر حكومي متعلق بضبط شروط وإجراءات إسناد الترخيص في تركيز المساحات التجارية الكبرى والمراكز التجارية وشمل التعديل خمسة فصول وهي الفصل 2-3-4-7-8..