إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بمناسبة وفاة الأديب والمثقف البشير بن سلامة : كانوا ينكرون عليّ أني أول من كتب عن الشخصية التونسية

 
بقلم: نوفل سلامة
 
* مروره بوزارة الثقافة وانخراطه في مشروع محمد مزالي الاصلاحي ساعده في أن تكون له شخصيه فكرية معتبرة
كان الصديق عيسى البكوش يلح عليّ باستمرار أن أزور الأديب والمفكر ووزير الثقافة الأسبق المرحوم بشير بن سلامة الذي وافته المنية منذ أيام قليلة وأن أجري معه حوارا حول الكثير من القضايا الفكرية والسياسية والأدبية خاصة وأن الرجل قد عاصر ولازم رئيس الحكومة الأسبق محمد مزالي الشخصية التي سال حولها الكثير من الحبر وحام حولها الكثير من الجدل والشخصية التي عرفت الكثير من تقلبات السلطة في زمن حكم الرئيس الحبيب بورقيبة وزوجته وسيلة وفي علاقة بكامل المحيط السياسي الذي كان فاعلا وقتها ويعرف غليانا كبيرا وهنا لا ننسى معركة المرحوم محمد مزالي مع التعريب وعلاقته بالحركة الإسلامية وتحديدا الاتجاه الاسلامي قبل أن يصبح حركة النهضة .. وإلحاح الصديق عيسى البكوش أن ألتقي بالمرحوم الأستاذ البشير بن سلامة وراءه قناعة بأن الرجل يحمل تاريخا وذكريات ومادة علمية وفكرية هامة لم يفصح عنها وبقيت مخفية ويحتاج إلى الإفصاح عنها .. المهم كنت أمام هذا الالحاح أعد صديقي عيسى البكوش بلقاء قريب مع المرحوم البشير بن سلامة ولكن ضيق الوقت وكثرة المشاغل حال دون هذا الطلب وهذا الوعد إلى أن جاء خبر الوفاة.
عرفت الأستاذ البشير بن سلامة واقتربت منه في فترة متأخرة نسبيا وجمعني به اللقاء الأسبوعي الذي كانت تنظمه مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات وكان يحضره المرحوم قبل أن يلازمه المرض فاكتشفت شخصية وازنة معرفيا وعلميا ، لها سعة اطلاع وإلمام كبير بشتى فنون المعرفة و تجربة سياسية ثرية و قد ساعده مروره بوزارة الثقافة وانخراطه في مشروع محمد مزالي الاصلاحي في أن تكون له شخصيه فكرية معتبرة جعلته من أهم الشخصيات التي أعطت دفعاً كبيراً للثقافة في تونس حيث كان وراء تأسيس العديد من المؤسسات الثقافية التونسية كمعرض تونس الدولي للكتاب والمجمّع التونسي للعلوم والآداب والفنون " بيت الحكمة " وكان وراء تأسيس أيام قرطاج المسرحية والمسرح الوطني والمعهد العالي للموسيقى والمعهد العالي للمسرح والمعهد العالي للتنشيط الثقافي. كما يعود له الفضل في تأسيس مهرجان الأغنية التونسية والفرقة الوطنية للموسيقى وفي مجال الأدب والفكر كان وراء إنشاء مجلة الشعر ومجلة فنون وشارك في تحرير مجلة الفكر من دون أن ننسى إنشاء صندوق التنمية الثقافية ويُعَدّ المرحوم البشير بن سلامة أحد مؤسسي اتحاد الكتاب وله العديد من المؤلفات في القصة والرواية والمسرح والبحث والمقالة والترجمة و من آخر إصدارات الراحل بعد الثورة رواية " الفتنة " وهي حكايات حول موضوع الفتن التي يقول عنها أنها هي سبب في كل ما حصل ويحصل لنا بعد الثورة من خيبات وتراجعات وطغيان مشاعر اليأس والإحباط لدى عامة الناس بعد انكسار أهداف الثورة و ما حصل لها من فشل .
في إحدى اللقاءات التي جمعتني بالراحل حدثني بألم كبير عن نكران النخبة الفكرية لجهده المعرفي وتعمد تجاهل إضافاته الفكرية وخاصة عند الحديث عن الكتابات والدراسات التي تناولت الشخصية التونسية حيث يتم تجاهل كتابه عن " الشخصية التونسية خصائصها ومقوماتها " الصادر سنة 1974 وعدم ذكر أن البشير بن سلامة يعد من الأوائل الذين تناولوا البحث في ملامح الشخصية التونسية القاعدية وهو عمل يحسب لسي البشير أنه تفطن مبكرا إلى الاهتمام بهذه المسألة ووضع كتابا يتعرض لخصائص الشخصية التونسية في زمن لم يكن هناك فيه اهتمام واضح بهذا الموضوع الدقيق الذي يحتاج تخصصا علميا فعادة عندما يتم الحديث في هذا الموضوع يتم يذكر إسم المرحوم منصف وناس وكتابه " الشخصيّة التونسيّة محاولة في فهم الشخصيّة العربيّة " والمرحوم الدكتور هشام جعيط وكتابه " الشخصية العربية الاسلامية والمصير العربي " والهادي التيمومي وكتابه " كيف صار التونسيون تونسيين " ولطفي عيسى وكتابه أخبار التونسيين مراجعات في سرديات الانتماء والأصول " وكتابات الدكتور محمود الذوادي حول الشخصية التونسية وغيرهم في حين لا يتم التعرض ولو بالإشارة إلى الأستاذ البشير بن سلامة والحال أنه أول من تطرق إلى موضوع الشخصية التونسية وحاول مبكرا تحديد أبرز ملامحها القاعدية التي تميزها عن غيرها من شخصيات المجتمعات الأخرى وهذا النكران كان دوما محل ألم كبير أن لا يعترف بجهد سي البشير في تأصيل القواعد الأولية للشخصية التونسية لذا فإنه من جميل الوفاء للمرحوم ورد الاعتبار له يجدر بالعائلة أن تعيد طبع كتابه عن الشخصية التونسية . . . رحم الله الاستاد البشير بن سلامة.
 
 
 
  بمناسبة وفاة الأديب والمثقف البشير بن سلامة :   كانوا ينكرون عليّ أني أول من كتب عن الشخصية التونسية
 
بقلم: نوفل سلامة
 
* مروره بوزارة الثقافة وانخراطه في مشروع محمد مزالي الاصلاحي ساعده في أن تكون له شخصيه فكرية معتبرة
كان الصديق عيسى البكوش يلح عليّ باستمرار أن أزور الأديب والمفكر ووزير الثقافة الأسبق المرحوم بشير بن سلامة الذي وافته المنية منذ أيام قليلة وأن أجري معه حوارا حول الكثير من القضايا الفكرية والسياسية والأدبية خاصة وأن الرجل قد عاصر ولازم رئيس الحكومة الأسبق محمد مزالي الشخصية التي سال حولها الكثير من الحبر وحام حولها الكثير من الجدل والشخصية التي عرفت الكثير من تقلبات السلطة في زمن حكم الرئيس الحبيب بورقيبة وزوجته وسيلة وفي علاقة بكامل المحيط السياسي الذي كان فاعلا وقتها ويعرف غليانا كبيرا وهنا لا ننسى معركة المرحوم محمد مزالي مع التعريب وعلاقته بالحركة الإسلامية وتحديدا الاتجاه الاسلامي قبل أن يصبح حركة النهضة .. وإلحاح الصديق عيسى البكوش أن ألتقي بالمرحوم الأستاذ البشير بن سلامة وراءه قناعة بأن الرجل يحمل تاريخا وذكريات ومادة علمية وفكرية هامة لم يفصح عنها وبقيت مخفية ويحتاج إلى الإفصاح عنها .. المهم كنت أمام هذا الالحاح أعد صديقي عيسى البكوش بلقاء قريب مع المرحوم البشير بن سلامة ولكن ضيق الوقت وكثرة المشاغل حال دون هذا الطلب وهذا الوعد إلى أن جاء خبر الوفاة.
عرفت الأستاذ البشير بن سلامة واقتربت منه في فترة متأخرة نسبيا وجمعني به اللقاء الأسبوعي الذي كانت تنظمه مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات وكان يحضره المرحوم قبل أن يلازمه المرض فاكتشفت شخصية وازنة معرفيا وعلميا ، لها سعة اطلاع وإلمام كبير بشتى فنون المعرفة و تجربة سياسية ثرية و قد ساعده مروره بوزارة الثقافة وانخراطه في مشروع محمد مزالي الاصلاحي في أن تكون له شخصيه فكرية معتبرة جعلته من أهم الشخصيات التي أعطت دفعاً كبيراً للثقافة في تونس حيث كان وراء تأسيس العديد من المؤسسات الثقافية التونسية كمعرض تونس الدولي للكتاب والمجمّع التونسي للعلوم والآداب والفنون " بيت الحكمة " وكان وراء تأسيس أيام قرطاج المسرحية والمسرح الوطني والمعهد العالي للموسيقى والمعهد العالي للمسرح والمعهد العالي للتنشيط الثقافي. كما يعود له الفضل في تأسيس مهرجان الأغنية التونسية والفرقة الوطنية للموسيقى وفي مجال الأدب والفكر كان وراء إنشاء مجلة الشعر ومجلة فنون وشارك في تحرير مجلة الفكر من دون أن ننسى إنشاء صندوق التنمية الثقافية ويُعَدّ المرحوم البشير بن سلامة أحد مؤسسي اتحاد الكتاب وله العديد من المؤلفات في القصة والرواية والمسرح والبحث والمقالة والترجمة و من آخر إصدارات الراحل بعد الثورة رواية " الفتنة " وهي حكايات حول موضوع الفتن التي يقول عنها أنها هي سبب في كل ما حصل ويحصل لنا بعد الثورة من خيبات وتراجعات وطغيان مشاعر اليأس والإحباط لدى عامة الناس بعد انكسار أهداف الثورة و ما حصل لها من فشل .
في إحدى اللقاءات التي جمعتني بالراحل حدثني بألم كبير عن نكران النخبة الفكرية لجهده المعرفي وتعمد تجاهل إضافاته الفكرية وخاصة عند الحديث عن الكتابات والدراسات التي تناولت الشخصية التونسية حيث يتم تجاهل كتابه عن " الشخصية التونسية خصائصها ومقوماتها " الصادر سنة 1974 وعدم ذكر أن البشير بن سلامة يعد من الأوائل الذين تناولوا البحث في ملامح الشخصية التونسية القاعدية وهو عمل يحسب لسي البشير أنه تفطن مبكرا إلى الاهتمام بهذه المسألة ووضع كتابا يتعرض لخصائص الشخصية التونسية في زمن لم يكن هناك فيه اهتمام واضح بهذا الموضوع الدقيق الذي يحتاج تخصصا علميا فعادة عندما يتم الحديث في هذا الموضوع يتم يذكر إسم المرحوم منصف وناس وكتابه " الشخصيّة التونسيّة محاولة في فهم الشخصيّة العربيّة " والمرحوم الدكتور هشام جعيط وكتابه " الشخصية العربية الاسلامية والمصير العربي " والهادي التيمومي وكتابه " كيف صار التونسيون تونسيين " ولطفي عيسى وكتابه أخبار التونسيين مراجعات في سرديات الانتماء والأصول " وكتابات الدكتور محمود الذوادي حول الشخصية التونسية وغيرهم في حين لا يتم التعرض ولو بالإشارة إلى الأستاذ البشير بن سلامة والحال أنه أول من تطرق إلى موضوع الشخصية التونسية وحاول مبكرا تحديد أبرز ملامحها القاعدية التي تميزها عن غيرها من شخصيات المجتمعات الأخرى وهذا النكران كان دوما محل ألم كبير أن لا يعترف بجهد سي البشير في تأصيل القواعد الأولية للشخصية التونسية لذا فإنه من جميل الوفاء للمرحوم ورد الاعتبار له يجدر بالعائلة أن تعيد طبع كتابه عن الشخصية التونسية . . . رحم الله الاستاد البشير بن سلامة.