إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

حول سؤال الهوية الإفريقية

 

بقلم: علي اللافي

* مفهوم “الهوية” في السياق الأفريقي يتراوح بين الوهم والواقع، فالهوية ليست أمرا جوهرياً أو معطى مسبق بل هي تُصنع وتركب بل وتكون اجتماعيا

واقع القارة السمراء ذات الحضارات القديمة والمتعدّدة يؤكد أنها باتت القارة التي تفقد الكثير من مقومات هوياتها سواء على مستوى الدول أو المجموع الكلي، ويعود ذلك إلى مجموعة من العوامل والأسباب المتعددة والمختلفة ولكنه واقع يفرض مستقبلا التأسيس لهوية افريقية واحدة لا بمعنى التحديد وإنما بمعنى التأطير الخادم للاقتصادي والاجتماعي في كل دول القارة، ومن ثم التأسيس لاستراتيجيات تنموية واستراتيجيات أمن قومي لكل بلدانها وحتى لا يتحول صراع النفوذ على ثرواتها وسواحلها وموانئها الفريدة والإستراتيجية الى سحق لشعوبها وحتى لا تحصل القابلية لتقبل نقل تلك الثروات واستغلال تلك السواحل بدون مقابل وطبعا لن تتسنى المقاومة ولا التكيف ومتى تم نحت هوية أفريقية جامعة ومرنة وثرية بثراء التعدد الثقافي والديني والعرقي واللغوي، فماهي أبجديات ومحددات سؤال الهوية في قارة المستقبل بكل المقاييس؟

  • أولا، لا شك أن “الهوية الأفريقية” مفهوم مستجد لان الأفارقة ومنذ مئات السنين لهم هويات متعددة وليست هوية واحدة جامعة بالمعنى الفلسفي وبالمعنى الاجتماعي، والهوية الأفريقية اليوم هي قيد البناء، بناء على التحديات المتعددة في ظل تنامي الفقر وغياب الاستثمار في الإنسان الأفريقي، وهي هوية تتراوح بين التفاعل الثقافي وبين تعدد الصراعات بين شعوب ومكونات تختلف في اللغة وفي الدين وفي الثقافات التي أطرت فعل الإنسان الأفريقي منذ قرون، ويمكن الجزم أن لشخصية الأفريقية هي اليوم ضمن مربع تصارع الهويات وهي واقعيا خارج سياق التأسيس رغم أننا في زمن العولمة وأمام تداعيات خطر فقدان الأمن الغذائي وأمام مخاطر التطرّف وتحول بعض أقاليم دول أفريقية لحواضن للتنظيمات الإرهابية …
  • ثانيا، مفهوم “الهوية” في السياق الأفريقي يتراوح بين الوهم والواقع، فالهوية ليست أمرا جوهرياً أو معطى مسبق بل هي تُصنع وتركب بل وتكون اجتماعيا، والسؤال اليوم هو كيف تصنع المجتمعات والنخب الأفريقية مستقبلا هويتها، وهل ستؤدي تلك الهوية حتى لو تم التأسيس المدروس لها وظيفتها في التماسك الاجتماعي والوطني؟ ومعلوم أن بحث الهويات الأفريقية عمل عقيم ومضر وخاصة مع وجود تنوع ثقافي هائل والثابت أن كثير من النخب تنظر بشكل نقدي ومؤسس لمفهوم “الهوية” ومن ثم يتم تفضيل مفهوم “الشخصية الأساسية” باعتباره أكثر عملية وواقعية، والحقيقة أن البعض يرى أن مفهوم “الهوية” فلسفيا يقارب أن يكون مصطلحاً ميتافيزيقياً لا يساعد كثيراً في الفهم والتحليل بينما يرد آخرون أن كل تقدم بدون هوية محددة وجامعة للفعل الإنساني هو كالسير الى الخلف..
  • ثالثا، بناء على تلك التساؤلات والتقييمات السابقة، يصح طرح سؤال مهم وهو: هل سنقع في التعميم المخل منهجيا حين نتحدث عن الثقافة الأفريقية كشيء واحد؟ خاصة وأن أفريقيا طيف عريض من الثقافات التي لا يمكن أن تشكل هوية واحدة، ومعلوم أن البعض يُقابل في كثير من الأحيان بين الثقافة الأفريقية والثقافة العربية – وهي مقاربة خاطئة بكل المعايير- لذلك تظل أفكار مثل “الزنوجة” و”الغابة” و”الصحراء” و”الجنوب” مجرد تمارين ذهنية لا غير ذلك أن حيرة النخب الإفريقية قد توضحت بجلاء عقب استقلال البلدان الأفريقية وخاصة في بديات ستينات القرن الماضي ويومها رضيت بعض تلك النخب بصورة الأقنعة البيضاء والوجوه السوداء، بل وتم التأسيس لكل ذلك عبر إيجاد فكرة “القابلية لذلك الاستعمار” بالتوازي مع مواصلة نهب ثروات أفريقيا وخاصة في شماليها وغربها تحديدا…
  • رابعا، أفريقيا المعاصرة تميزت بفشل الدولة وفشل المجتمع وهو ما جعلها مكشوفة للعولمة والرأسمالية المستوحشة وأيضا للتنظيمات الإرهابية ومشغليها وصانعيها، وكل ذلك تزامن مع عودة القبلية والعنصرية بأشكال متجددة، كما أن القارة السمراء تعجز ومنذ عقود في عملية الولوج في الحداثة وهي اليوم تقف قروناً كثيرة خلف العصر ذلك أنها مثقلة بالفقر والجوع والأوبئة والفساد والقمع والإرهاب، وهو وضع مأسوي يعني ويشير بالضرورة الى غياب أي شروط تجعل الحديث عن أي ثقافة ممكنا، فهذه ظروف تعمل على ما سماه البعض “حيونة” الإنسان الأفريقي وتحرمه من أوقات الفراغ، ومن الوصول إلى وسائل الثقافة الراقية والجادة وذلك يجعل الحديث عن هوية افريقية جامعة ترفا فكريا لا غير…
  • خامسا، حتى يمكن الحديث فعليا عن سؤال الهوية الأفريقية فانه لابد من إعادة تأسيس المفاهيم للثقافات الأفريقية والبحث عن المشتركات العديدة عبر إعادة تركيب صورة أفريقيا في العالم وهي مهمة موكولة أساسا للاتحاد الأفريقي أو الأقاليم الفرعية أو الدول الأفريقية، ولا يمكن أن يتم ذلك الا عبر مراجعة تشكيل هيكل الاتحاد الأفريقي بحيث يتضمن الهيكل مثلا آلية ثقافية مختصة بإبراز الشخصية الأفريقية على المستوى الدولي والمراجعة المنتظمة مع المنظمات الدولية والإقليمية والدول الأجنبية في ذلك الصدد عبر صوت أفريقي واحد، بالإضافة إلى ضرورة عقد قمة أفريقية مختصة بإعادة الاعتبار للشخصية الأفريقية ورفض امتهانها ومن ثم تصعيد الرؤية المنشودة للشخصية الأفريقية الحضارية والفاعلة والإيجابية في منظور العالم لمقاومة الاستعمار والتخلف والساعية للتقدم والتنمية، كما لابد من دعوة وزارات الثقافة والتعليم والهيئات الإعلامية الأفريقية إلى التنوير الثقافي بالصورة الإيجابية للصورة الأفريقية سعياً إلى جيل جديد يواجه عصر العولمة ويجابه متطلبات القرن الواحد والعشرين على نحو أفضل وان تكون إفريقيا سنة 2050 أكثر إشعاعا ومقبولية دوليا وحتى في ذهنية كل الأفارقة عبر العالم .
  • سادسا، الخلاصة أنه لابد من المضي في دعم الوحدة الأفريقية سياسيا واقتصاديا وان أي تأسيس للهوية الأفريقية مستقبلا لابد من أن يقوم على حقيقة بسيطة وهي ان افريقيا تعج بأنماط مختلفة من التراث الموروث والذي يعتبر مصدر إلهام يذكر بالأجداد حيناً واعتزاز بالأصالة والتميز حيناً آخر، والحقيقة أن المجتمعات الأفريقية باتت ومنذ عقود ما بين مرحبة ومستبشرة بالعولمة وبمؤثراتها ورافضة لها وبعواقبها على الثوابت والموروثات المتأصلة بالخصوصيات….

** كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الإفريقية

حول سؤال الهوية الإفريقية

 

بقلم: علي اللافي

* مفهوم “الهوية” في السياق الأفريقي يتراوح بين الوهم والواقع، فالهوية ليست أمرا جوهرياً أو معطى مسبق بل هي تُصنع وتركب بل وتكون اجتماعيا

واقع القارة السمراء ذات الحضارات القديمة والمتعدّدة يؤكد أنها باتت القارة التي تفقد الكثير من مقومات هوياتها سواء على مستوى الدول أو المجموع الكلي، ويعود ذلك إلى مجموعة من العوامل والأسباب المتعددة والمختلفة ولكنه واقع يفرض مستقبلا التأسيس لهوية افريقية واحدة لا بمعنى التحديد وإنما بمعنى التأطير الخادم للاقتصادي والاجتماعي في كل دول القارة، ومن ثم التأسيس لاستراتيجيات تنموية واستراتيجيات أمن قومي لكل بلدانها وحتى لا يتحول صراع النفوذ على ثرواتها وسواحلها وموانئها الفريدة والإستراتيجية الى سحق لشعوبها وحتى لا تحصل القابلية لتقبل نقل تلك الثروات واستغلال تلك السواحل بدون مقابل وطبعا لن تتسنى المقاومة ولا التكيف ومتى تم نحت هوية أفريقية جامعة ومرنة وثرية بثراء التعدد الثقافي والديني والعرقي واللغوي، فماهي أبجديات ومحددات سؤال الهوية في قارة المستقبل بكل المقاييس؟

  • أولا، لا شك أن “الهوية الأفريقية” مفهوم مستجد لان الأفارقة ومنذ مئات السنين لهم هويات متعددة وليست هوية واحدة جامعة بالمعنى الفلسفي وبالمعنى الاجتماعي، والهوية الأفريقية اليوم هي قيد البناء، بناء على التحديات المتعددة في ظل تنامي الفقر وغياب الاستثمار في الإنسان الأفريقي، وهي هوية تتراوح بين التفاعل الثقافي وبين تعدد الصراعات بين شعوب ومكونات تختلف في اللغة وفي الدين وفي الثقافات التي أطرت فعل الإنسان الأفريقي منذ قرون، ويمكن الجزم أن لشخصية الأفريقية هي اليوم ضمن مربع تصارع الهويات وهي واقعيا خارج سياق التأسيس رغم أننا في زمن العولمة وأمام تداعيات خطر فقدان الأمن الغذائي وأمام مخاطر التطرّف وتحول بعض أقاليم دول أفريقية لحواضن للتنظيمات الإرهابية …
  • ثانيا، مفهوم “الهوية” في السياق الأفريقي يتراوح بين الوهم والواقع، فالهوية ليست أمرا جوهرياً أو معطى مسبق بل هي تُصنع وتركب بل وتكون اجتماعيا، والسؤال اليوم هو كيف تصنع المجتمعات والنخب الأفريقية مستقبلا هويتها، وهل ستؤدي تلك الهوية حتى لو تم التأسيس المدروس لها وظيفتها في التماسك الاجتماعي والوطني؟ ومعلوم أن بحث الهويات الأفريقية عمل عقيم ومضر وخاصة مع وجود تنوع ثقافي هائل والثابت أن كثير من النخب تنظر بشكل نقدي ومؤسس لمفهوم “الهوية” ومن ثم يتم تفضيل مفهوم “الشخصية الأساسية” باعتباره أكثر عملية وواقعية، والحقيقة أن البعض يرى أن مفهوم “الهوية” فلسفيا يقارب أن يكون مصطلحاً ميتافيزيقياً لا يساعد كثيراً في الفهم والتحليل بينما يرد آخرون أن كل تقدم بدون هوية محددة وجامعة للفعل الإنساني هو كالسير الى الخلف..
  • ثالثا، بناء على تلك التساؤلات والتقييمات السابقة، يصح طرح سؤال مهم وهو: هل سنقع في التعميم المخل منهجيا حين نتحدث عن الثقافة الأفريقية كشيء واحد؟ خاصة وأن أفريقيا طيف عريض من الثقافات التي لا يمكن أن تشكل هوية واحدة، ومعلوم أن البعض يُقابل في كثير من الأحيان بين الثقافة الأفريقية والثقافة العربية – وهي مقاربة خاطئة بكل المعايير- لذلك تظل أفكار مثل “الزنوجة” و”الغابة” و”الصحراء” و”الجنوب” مجرد تمارين ذهنية لا غير ذلك أن حيرة النخب الإفريقية قد توضحت بجلاء عقب استقلال البلدان الأفريقية وخاصة في بديات ستينات القرن الماضي ويومها رضيت بعض تلك النخب بصورة الأقنعة البيضاء والوجوه السوداء، بل وتم التأسيس لكل ذلك عبر إيجاد فكرة “القابلية لذلك الاستعمار” بالتوازي مع مواصلة نهب ثروات أفريقيا وخاصة في شماليها وغربها تحديدا…
  • رابعا، أفريقيا المعاصرة تميزت بفشل الدولة وفشل المجتمع وهو ما جعلها مكشوفة للعولمة والرأسمالية المستوحشة وأيضا للتنظيمات الإرهابية ومشغليها وصانعيها، وكل ذلك تزامن مع عودة القبلية والعنصرية بأشكال متجددة، كما أن القارة السمراء تعجز ومنذ عقود في عملية الولوج في الحداثة وهي اليوم تقف قروناً كثيرة خلف العصر ذلك أنها مثقلة بالفقر والجوع والأوبئة والفساد والقمع والإرهاب، وهو وضع مأسوي يعني ويشير بالضرورة الى غياب أي شروط تجعل الحديث عن أي ثقافة ممكنا، فهذه ظروف تعمل على ما سماه البعض “حيونة” الإنسان الأفريقي وتحرمه من أوقات الفراغ، ومن الوصول إلى وسائل الثقافة الراقية والجادة وذلك يجعل الحديث عن هوية افريقية جامعة ترفا فكريا لا غير…
  • خامسا، حتى يمكن الحديث فعليا عن سؤال الهوية الأفريقية فانه لابد من إعادة تأسيس المفاهيم للثقافات الأفريقية والبحث عن المشتركات العديدة عبر إعادة تركيب صورة أفريقيا في العالم وهي مهمة موكولة أساسا للاتحاد الأفريقي أو الأقاليم الفرعية أو الدول الأفريقية، ولا يمكن أن يتم ذلك الا عبر مراجعة تشكيل هيكل الاتحاد الأفريقي بحيث يتضمن الهيكل مثلا آلية ثقافية مختصة بإبراز الشخصية الأفريقية على المستوى الدولي والمراجعة المنتظمة مع المنظمات الدولية والإقليمية والدول الأجنبية في ذلك الصدد عبر صوت أفريقي واحد، بالإضافة إلى ضرورة عقد قمة أفريقية مختصة بإعادة الاعتبار للشخصية الأفريقية ورفض امتهانها ومن ثم تصعيد الرؤية المنشودة للشخصية الأفريقية الحضارية والفاعلة والإيجابية في منظور العالم لمقاومة الاستعمار والتخلف والساعية للتقدم والتنمية، كما لابد من دعوة وزارات الثقافة والتعليم والهيئات الإعلامية الأفريقية إلى التنوير الثقافي بالصورة الإيجابية للصورة الأفريقية سعياً إلى جيل جديد يواجه عصر العولمة ويجابه متطلبات القرن الواحد والعشرين على نحو أفضل وان تكون إفريقيا سنة 2050 أكثر إشعاعا ومقبولية دوليا وحتى في ذهنية كل الأفارقة عبر العالم .
  • سادسا، الخلاصة أنه لابد من المضي في دعم الوحدة الأفريقية سياسيا واقتصاديا وان أي تأسيس للهوية الأفريقية مستقبلا لابد من أن يقوم على حقيقة بسيطة وهي ان افريقيا تعج بأنماط مختلفة من التراث الموروث والذي يعتبر مصدر إلهام يذكر بالأجداد حيناً واعتزاز بالأصالة والتميز حيناً آخر، والحقيقة أن المجتمعات الأفريقية باتت ومنذ عقود ما بين مرحبة ومستبشرة بالعولمة وبمؤثراتها ورافضة لها وبعواقبها على الثوابت والموروثات المتأصلة بالخصوصيات….

** كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الإفريقية