منذ أيام حلّت ذكرى أحداث باب سويقة التي شكلت محطة فارقة في تاريخ التيار الإسلامي ككل في تونس وعلى وجه الخصوص حركة النهضة التي ظلت على مدى عقود وتحت عناوين تنظيمية مختلفة تحتكره، بعد أن قطعت الحركة مسيرة إثبات وجود طويلة وعاشت تحولات درامية تاريخية.
والنبش اليوم في تاريخ الحركة ومآلاتها لا علاقة له بالسياقات الراهنة ولا بصراعها مع السلطة..، ولكن السؤال لماذا عادت حركة النهضة لتجد مرة أخرى نفسها في خانة المواجهة مع النظام والسلطة رغم أن الثورة منحتها الفرصة التي لم يتوقعها أحد للوصول إلى الحكم وممارسة السلطة..، هذا الملف يسلط الضوء على مسيرة حزب إسلامي نجح في فترة ما أن يكون أحد صنّاع التجربة الديمقراطية المتعثّرة اليوم وأن يشغل الباحثين والمهتمين في كل دول العالم حول تجربة هذا الحزب الإسلامي وكان يحمل آمال الكثيرين في تطبيق نظرية الإسلام السياسي على الحكم وأحقيته بممارسة السلطة وسط الكثير من مناخات الخوف والتشكيك .
حيث على مدى نصف قرن من الزمن ظلّت الحركة الإسلامية في تونس، تثير فضول الباحثين والدارسين وتصنع حالة سياسية متفرّدة، فخلف تلك الواجهة الحزبية التي تحاول أن تتأقلم دائما مع السياقات..، أسرار ما تزال تحتفظ بكل تفاصيلها وتاريخا لم يُكتب بعد بشكل موضوعي سواء بفعل السياقات التاريخية التي حتّمت ظروف المحنة والقمع أو بسبب استثمار سياسي في تلك المحنة. لكن كل تلك السياقات التي عاشتها حركة النهضة كانت مليئة بالخوف والتوجّس والقرارات والخيارات المصيرية.. واليوم أصبحت حركة النهضة كحزب تختزل كل تاريخ الحركة الإسلامية وهي تعيش للمرة الثانية في تاريخها، انكسارا سياسيا ليس الأعنف فقد سبقته محنة سنوات التسعينات، ولكنه قد يكون الانكسار الذي يصعب النهوض بعده.
وعلى مدى سنوات سرّية النضال والحكم والسلطة، كانت شخصية راشد الغنوشي زعيم الحركة حاضرة بقوة في كل تفاصيل الحركة..، فهو الزعيم الذي يحتكر الأسرار والمعطيات التي ينفرد دون غيره بمعرفتها .واليوم لا يواجه راشد الغنوشي محنة الحفاظ على وجود الحركة بل مسألة أخرى لا تقل خطورة ولا أهمية وهي مصادر تمويل الحركة التي ظلت تثير الكثير من الجدل والتخمينات .
وفي هذا الملف سنرصد أهم المحطات التاريخية التي مرّ بها التيار الإسلامي، بالإضافة إلى راهنه مع شهادة مهمة من أحد الشخصيات التي نشأت في حضن الحركة وتشبعت بأدبياتها وعاشت محنتها وهو كريم عبد السلام الذي يصرّ ومنذ سنوات على ضرورة الاعتراف بذلك التاريخ والاعتذار عنه ومحاسبة من أجرم في حق أبناء الحركة وفي حق البلاد .
ملف من إعداد: منية العرفاوي
مصادر التمويل ووتر أخيل !
من الملفات التي تثير دائما الاهتمام في علاقة بمختلف الأحزاب السياسية هو ملف التمويل، ويزداد هذا الملف أهمية وغموضا في علاقة بتمويل الأحزاب الأيديولوجية وخاصة الدينية التي من المعروف أنها تبقى من أثرى الأحزاب على اختلاف الديانات .
والتمويل المالي لحركة النهضة طالما أثار الاهتمام وبقي من الملفات التي تتكتّم عنها الحركة وفي المقابل تثير الأقاويل والتأويلات طوال الوقت.. وتحوّل ملف التمويل إلى قضية رأي عام ينشغل بها الجميع بعد إثارة محكمة المحاسبات في تقريرها السنوي مسألة تمويل الحركة لحملاتها الانتخابية. حيث ذكر التقرير أن النهضة تعاقدت عام 2014 مع شركة الدعاية والضغط (BCW) الأميركية لمدة أربع سنوات بمبلغ مالي قدره 285 ألف دولار. وتم تجديد هذا العقد، ليمتد من 16 جويليلة 2019، إلى 17 ديسمبر من السنة نفسها بمبلغ قدره 187 ألف دولار وهو ما اعتبرته المحكمة شبهة تمويل أجنبي على معنى الفصل 163 من القانون الانتخابي، رغم أن مرسوم الأحزاب في تونس يمنع تلقي الأحزاب لتمويل أجنبي ويمكن أن تصل عقوبة ذلك إلى تعليق نشاط الحزب الذي يورّط نفسه في هذا الأمر.
وكانت حركة النهضة كشفت في سنة 2018 عن حجم ميزانيتها وكان في حدود 6 مليون دينار ولتكون بذلك الحزب الأكثر ثراءً وقالت وقتها أن مصادر تمويل ميزانيتها هي ثلاثة، اشتراكات الأعضاء السنوية، والتبرعات العينية، والتبرعات النقدية، غير أنّ هذه الميزانية، وهذا الرقم الذي أعلنته الحركة وخاصة في علاقة بتمويله حامت حوله شكوك كثيرة، وما زاد من حدة التشكيك في هذه الأرقام هو ما كشفه تقرير محكمة المحاسبات في عام 2019 حول تبرعات لحركة النهضة بين عامي 2016 و2018 والتي أثبتت وجود إيصالات تبرع تضمنت هويات وأرقام بطاقات لـ 68 متبرعا، تبين أنّهم متوفون عند تاريخ تسجيل التبرعات.. كما أن العقود التي أمضتها الحركة مع شركات ضغط أمريكية بيّنت وفق عديد المتابعين للشأن العام أن الحركة تحتكم على روافد تمويل أجنبية وأنها رغم محاولة التنصّل من هذه العقود والادعاء بأنها كانت على شكل هبة قدمت من أنصار للحركة وإنها لا تعلم عنها شيئا إلا أن ذلك يؤكد بدوره أن هناك ممولين في الخارج للحركة، حيث كشف تقرير المحكمة في 2020 بشأن تعاقدها مع شركة ضغط أمريكية لتحسين صورتها بين عامي 2014 و2019، مقابل مبلغ يزيد على ربع مليون دولار دُفعت في الخارج، ضمن ما يعرف إعلاميا بقضية "عقود اللوبينغ".
ومع تفجّر قضية جمعية نماء تم اكتشاف إمكانية وجود روافد تمويل للحركة في شبكات المجتمع المدني التابعة فكريا وإيديولوجيا لحركة النهضة أو القريبة منها، وقد كانت هذه الجمعيات جسرا .
أمّا الرافد الثاني الأهم، فهو شبكات المجتمع المدني التابعة للحركة أو القريبة والمتعاطفة معها قد شكلت جسرا معتبرا لهذا التمويل الأجنبي حيث أن قانون الجمعيات كان يسمح للجمعيات بتلقي الهبات والتبرعات الأجنبية عكس الأحزاب، وحسب بعض المختصين كان هذا التمويل للجمعيات متعدد الروافد والأهداف حيث كانت هناك تمويلات أوروبية وأمريكية وقطرية بالأساس وقد كان للتمويل القطري حضور كبير في تمويل الجمعيات الخيرية خاصة، ووفق تقرير محكمة المحاسبات فان وزارة الشؤون الخارجية لا تتوفر على بيانات بخصوص التمويلات التي تحصلت عليها الجمعيات في إطار اتفاقيات التعاون الدولي التي تولت الوزارة إبرامها على غرار المشاريع الممولة من الجمهورية التركية ومن دولة قطر .
حفلات شواء دون مضامين
الإيقافات الأخيرة التي شملت عددا من الأشخاص من المنتمين لحركة النهضة في علاقة بملف جمعية نماء التي تم تكييفها قال عنها المناضل السابق في حركة النهضة كريم عبد السلام والذي يتخذ اليوم مسافة نقدية من تاريخ الحركة ومآلاتها، أنها حفلات شواء دون مضمون قائلا:"أن البحث عن الحقيقة يجب أن يكون في البحث عنها كما هي دون أي تدخل ذاتي ولا مصلحة ذاتية أو تحت ضغط السياق، والأخطر من ذلك أن هناك توجّها اليوم لمحاولة توظيفها والركوب على المعنى وأنا لا اعتقد أن الإيقافات الخمس الأخيرة ستكشف حقائق".
ويرى عبد السلام أن المحاسبة والتي طالب بها بعد الاعتراف والاعتذار تقتضي أن التحقيق مع المسؤولين الماليين الذين تداولوا على هذه الخطة داخل الحركة، مشيرا إلى أنه وحسب ما يعلمه هناك سبعة أشخاص تداولوا على منصب مدير مالي داخل حركة النهضة، متسائلا لماذا الانتقائية بالتركيز على عبد الكريم سليمان أو غيره مؤكد أن هؤلاء السبعة هم فقط من يستطيعون كشف التمويل والمال السياسي والحملات الانتخابية وغيرها من الأمور التي تتعلّق بتمويلات الحركة .
كريم عبد السلام لم ينف أن حركة النهضة ليست جملة فكرية وأن لها قدرة على استجلاب وتوظيف الأموال وهي تنظيم ثري جدا .
وفي محاولة لتنزيل تمويل الحركة في سياق تاريخي ومعرفة تطويره، يقول عبد السلام في بداية التأسيس كان التمويل قائما على تبرّعات الأعضاء أي 5 بالمائة من الدخل الشهري لكل عضو، فكل عضو في الحركة الإسلامية أو الاتجاه الإسلامي كان مفروض عليه دفع إتاوة بـ 5 بالمائة، وهنا نتحدث عن سنوات السبعينات والثمانينات ولكن اليوم كل مصادر الأموال وتجميعها واستجلابها هي مهمة راشد الغنوشي إلى اليوم، حسب كريم عبد السلام، والذي أشار بشكل واضح أنه ليس هناك اليوم أي مسؤول داخل الحركة يعرف على وجه الدقة حقيقة هذه الأموال وأن هذه هي العصا الغليظة التي ضرب بها الغنوشي خصومه داخل الحركة طيلة أربعين سنة لأنه كان له هو الحق الحصري والاحتكار في تمثيل حركة النهضة خارج تونس وجمع التبرعات باسمها. حيث أن بيت المال أو بيت التمويل هو عند راشد الغنوشي إلى اليوم وهي نقطة القوة التي أستطاع دائما أن يقصي بها خصومه داخل حركة النهضة.
ويعتبر عبد السلام أن السؤال الذي ظلّ من "التابوهات" التي لم تكن هناك إجابة حاسمة بشأنها هو عضوية الحركة في تنظيم الإخوان المسلمين، والتي يرى محدثنا أن الحركة كانت مرتبطة بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين وهو ما يستوجب استحقاقات وبعض العائدات، لأن هذا التنظيم في جزء منه كان قائما على تجميع العائدات وتوزيعها إقليميا ودوليا، والأساسيات الأولى التي قام عليها هذا التنظيم هي ثلاثة، حيث يشير عبد السلام أن حمادي الجبالي عندما كان رئيس حكومة في زيارة إلى إيطاليا قام بزيارة يوسف ندا على الحدود السويسرية- الإيطالية في مقر إقامته الجبرية وهو ما أحرج السلطات هناك، قبل أن يفرج عنه فيما بعد، ويقول كريم عبد السلام أن يوسف ندا من أبرز وجوه التنظيم الدولي للإخوان. وبالتالي كان له جزء من مصادر تمويل التنظيم الدولي وهذا التمويل احتكره راشد الغنوشي لنفسه رأسا ولم يكن ليمنحه إلى غيره داخل حركة النهضة، وفق تأكيد كريم عبد السلام .
وفي التسعينات، يقول كريم عبد السلام أنه أصبحت هناك مصادر تمويل جديدة في علاقة بالبعد السياسي، وذلك عندما بدأت حركة النهضة تروّج لنفسها ككائن سياسي أو كائن حزبي، ففي البداية كانت حركة النهضة تروج لنفسها كحركة إسلامية محافظة تعتقل على خلفية هويتها وعلى خلفية استهداف الدين ككل، فاستجلبت التعاطف الخليجي بما في ذلك المملكة العربية السعودية بعد هجرة بعض القيادات إلى هناك من أمثال عبد الفتاح مورو وتعاطف بعض الشخصيات داخل العائلة المالكة مع الفكر الاخواني ومنهم رجل الأعمال صالح كامل وكذلك تعاطف الجاليات المسلمة داخل أوروبا ولكن بعد ذلك وبداية التسعينات أصبح لها وجه سياسي استقطب مصادر تمويل من بعض الأجهزة أو الدول من أجل التأثير في اللعبة السياسية التونسية .
وفي سنوات التسعينات كان جزء كبير من التمويل يُؤمّن من خلال عملية جمع التبرعات في المساجد خلال صلوات الجمعة وكان ذلك يتم في كل مساجد أوروبا، علما وأن تلك الأموال كان جزء منها يتم إرساله أو إدخاله إلى تونس لمساعدة عائلات المساجين .
وتلك الأموال والمساعدات كانت محل خلاف كبير بين المناضلين والقيادات خاصة في المؤتمر التاسع والعاشر بعد الثورة حيث أن ما يتم تداوله هو صرف أكثر من 24 مليارا بمعدل مليار أو يزيد كل سنة خلال كل سنوات المهجر، ولكن بعض المصادر النهضاوية أكدت أنه تم التلاعب بها، وأن الأموال التي صرفت على العوائل كانت تصرف وفق مبدأ المنح مقابل الولاء والبراء وكل من يدعو إلى المحاسبة أو الانتقاد فانه كان خارج السرب. وأن بعض العائلات القريبة من قيادة الحركة، كانت تمنح 3 و4 منح في حين هناك ضحايا آخرين لم يلتفت لهم أحد، علما وأن هذه المنحة وفق مصادرنا كانت تتراوح بين 400 دينار و1200 و1400 للقيادات .
ومن المسائل المثيرة أيضا هو طريقة إدخال الأموال إلى تونس قبل وبعد الثورة التي كانت في غالبها يد بيد وليس عبر التحويلات وكلنا يذكر القضية الشهيرة التي تم القبض فيها على قاسم الفرشيشي مستشار حمادي الجبالي في مطار أورولي بحقائب الأموال، وكذلك اعترافات عادل الدعداع الذي كانت مهمته تمرير الأموال .
مؤتمرات الحركة والانعطافات التاريخية
سنوات من الوجود بين ولادة سرّية، واضطرار للخروج إلى العلن ومواجهة مع النظام وسنوات محنة ومهجر وعودة إلى ممارسة الحكم والسلطة..، وطوال هذه المسيرة تقلبت حركة النهضة بين المسارات والسياقات والعناوين المختلفة لوجودها، وبين مؤتمرات بلغت العشر مؤتمرات، والمؤتمر الحادي عشر بقي معلقا إلى اليوم وأثار تصدّعات وانشقاقات داخل الحركة، ساهم مسار 25 جويلية في رأبها مؤقتا أو تأجيل الخلافات بشأنها مقابل تكتل الجسم النهضاوي في مواجهة المرحلة الراهنة..، تداول على رئاسة الحركة عدد من القيادات بعضهم لم تتجاوز رئاسته بضعة أشهر وكان راشد الغنوشي الأكثر احتكارا لمنصب الرئاسة واستمرارا فيه إلى اليوم .
في ظل تسمية الجماعة الإسلامية بتونس:
-انتظم مؤتمر1974، وكان ذلك على اثر مخيم صيفي في سوسة وقع كشفه من النظام واستدعي المشرفون عليه للتحقيق تقرر إحداث تنظيم وتقسيمه مناطقيا حسب تواجد القيادات:راشد الغنوشي (القيروان)، محمد شمام (قابس)، فاضل بلدي (جندوبة) وعبد الفتاح مورو (تونس).
- مؤتمر 1976.. وبداية التأسيس: يعتبر في السردية الشفوية المؤتمر التأسيسي الأول كانت فكرته حسب بعض المصادر قد انطلقت من راشد الغنوشي وحميدة النيفر وقد وضع هذا المؤتمر معايير في العقيدة والفقه والأصول، وهي كتب حسن البنا وفقه السنة لسيد سابق وكتاب مصطفى السباعي السيرة النبوية..، بالإضافة إلى اشتراط حفظ القرآن وخاصة سورة مريم وطه والأنفال والتوبة والأنبياء الحج وجزء تبارك كشرط في قبول الانضمام. وفي هذا المؤتمر تشكلت فكرة الدائرة والدائرة المفتوحة والأسرة، والأسرة المفتوحة.
في ظل اسم حركة الاتجاه الإسلامي :
-مؤتمر1981، تأسس على خلفية اعتقال أحد القيادات في شهر ديسمبر1980 وفي حقيبته التنظيم الهيكلي، مما اضطر القيادات وقتها إلى الخروج إلى العلن تحت حكم الضرورة وكان ذلك في البيان التأسيسي سنة 1981 حتى لا يقع القضاء عليها من طرف النظام دون أن يعلم أحدا أنها كيان سياسي .
*مؤتمر 1984: المؤتمر المضموني حيث بدأت فيه مسألة المضامين التي سيقوم عليها التنظيم والذي سبقت هيكلته وذلك على خلفية الأزمة التي أثيرت أواخر السبعينات وبداية الثمانينات بين أجنحة حركة النهضة التي بدأت تتشكل بجامع سبحان الله بباب سويقة ذات التوجّه السلفي الذي كان أقطابه راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو وجامع أبي محمد ذو التوجه الانفتاحي تأثرا بكتابات حسن حنفي ومحمد عمارة وحميدة النيفر وطرح إشكاليات الفراغات في الفكرة وانتهى الأمر بخروج مجموعة النيفر ومحمد كريشان .
*مؤتمر 1986: طرحت فيه العودة للعمل الدعوي الاجتماعي وبأنه هو الأساس والعودة للمساجد والتراجع عن توصية المؤتمر السابق بالابتعاد عن المساجد والتوجه إلى الفضاء العام .
-مؤتمر 1988: مؤتمر صفاقس تم التصويت على خطة فرض الحريات وكانت نتيجته مواجهة بداية التسعينات بعد تزوير الانتخابات من طرف النظام .
مؤتمرات المهجر
يسودها الكثير من الجدل القانوني حول شرعية قراراتها ومشروعية إنجازها بما يتوافق مع النظام الداخلي لحركة النهضة غير المنشور حيث يعتبر أن من أحيط بهم لم يعد لهم أي صفة تنظيمية ويشمل تفسير الإحاطة دخول السجن أو الخروج إلى المهجر وتعتبر هذه حالة استثنائية لا تجتمع فيها مقومات المؤتمر العادية ويعتبر المؤتمر في حالة حل وبالتالي يرى بعض النهضاويين السابقين أن جميعها غير قانونية وليس إلا دور تثبيت وتأبيد رئاسة راشد الغنوشي وأنها مؤتمرات كانت قائمة في محاولات لتركيز وتأصيل سلطة راشد الغنوشي وولايته المطلقة على التنظيم .
مؤتمرات بعد الثورة
شابها جدل قانوني حيث اعتمدت حركة النهضة في مؤتمر الأول المنجز بعد الثورة في عدده رقم تسعة بما يعني أنها تلتزم بكل الاستصحاب التاريخي للتنظيم والكيان السياسي، غير أنها في هذا المؤتمر لم تلتزم بشروط ومعايير الانتماء والعضوية الذي لم يتغير منذ مؤتمرات ما قبل المحنة والمؤتمرات الاستثنائية في المهجر بما يحدث هذا الجدل القانوني وأحد الأسباب الموجب لحلها .
لم تقع المصادقة على اغلب لوائحه وخاصة التقرير المالي بسبب المطالبة بالتدقيق في بعض القضايا المالية وترحيل قضية التقييم وتحميل المسؤولية إلى المؤتمر العاشر.
وفي المؤتمر العاشر تقرر فصل السياسي عن الدعوي شكليا أو الأصح ترحيل الدعوي إلى مؤسسة مستقلة أشرف عليها اللوز وشورو وهي رابطة الأئمة مع عدم المصادقة على التقرير المالي ورفض التقييم الشكلي الذي طرح بنسق غير موضوعي لم يحمل فيه المسؤوليات ولم تطرح فيه المحاسبة .
علاقة راشد الغنوشي بالمؤتمرات
كل مؤتمرات الجماعة أو الاتجاه الإسلامي أو حركة النهضة أو حزب حركة النهضة كانت تستجيب بشكل مباشر وغير مباشر لاحتياجات راشد الغنوشي ودوره فيها كزعيم مركزي وصاحب قرار ولو أدّى ذلك إلى عكس القرارات وتوصيات المؤتمرات السابقة مثل مؤتمر1984 الذي سبّق فيه الدعوي على السياسي وخاض معركة المساجد في حين كانت توصيات المؤتمر الذي سبق ذلك بالخروج إلى الفضاءات العامة كحركة سياسية والابتعاد عن المساجد وكل الرؤساء الستة الذين تداولوا على منصب رئيس الحركة (منصب الغنوشي مركزي) لم تتجاوز رئاستهم بضعة أشهر وفي ظروف استثنائية كاندلاع مواجهات أو محنة وهم عبد الرؤوف العياري1981، وفاضل البلدي1981، وصالح كركر1987، وجمال العوي1987، وصادق شورو أفريل1988، ومحمد القلوي مارس1991، ومحمد العكروت مارس 1991، ومحمد بن سالم أفريل1991، وحبيب اللوز من جويلية1991، ونور الدين العرباوي أكتوبر1991، ووليد البناني نوفمبر1991 .وهذا دليل قاطع على استمرارية قيادات الحركة في إدارة المواجهة مع النظام بشكل مركزي في1991، وهو ما ينفي رواية القيادة في تقرير هيئة الحقيقة والكرامة بأن أثناء غيابهم جنح مجموعة من شباب القواعد إلى العنف متأثرين بالضغط.
مجموعات العنف داخل الحركة ..
هذا الخيار تم تداوله في المؤتمر الخامس بصفاقس بتوصية تنزيل خطة فرض الحريات والتي بدأت بحرق المقرات والمنقولات الأمنية تحت غطاء حرب الخليج، ثم بأحداث باب سويقة حيث ثم حرق المقرات الحزبية مثل باب سويقة ونهج الساحل ولجنة التنسيق بمنزل بورقيبة وأغلب الشعب في كل مناطق الجمهورية ثم تطورت إلى حرق المؤسسات التربوية في المعاهد والأجزاء الجامعية ومجموعة براكة الساحل .
ففي سبتمبر 1991، تم تجميع الأسلحة وبرزت مجموعة صفاقس، ومجموعة المروج، ومجموعة الكاف، ومجموعة قابس، ومجموعة فيصل بركات، ومجموعات نابل، ومجموعة ستينغر وهي مجموعة تفاوضت مع المجموعات السلفية الجزائرية من اجل استجلاب صاروخ "ستينغر" من أفغانستان لضرب طائرة الرئيس المتوجهة للصين آنذاك. واستمرارية القايدة المركزية إلى حدود نوفمبر حسب أدبيات حركة النهضة يؤكد أن القيادة كانت مسؤولة على كل هذه العمليات.
خطة الاختراق: عبد السلام.. مذيوب والغرياني في التجمّع
لم تتخل حركة النهضة طوال تاريخها عن خطة الاختراق سواء لتنظيمات الخصوم أو حتى اختراق أجهزة الدولة، وكانت دائما تبحث لها عن مساحات حتى تؤمّن نفسها ولكن دأبت حركة النهضة على إنكار كل هذه الأحداث في المقابل كانت في تواصل مباشر وعضوي على المشرفين على هذه الأحداث وشخصياتها، وتبوأ مناصب قيادية داخل حركة النهضة على سبيل المثال ضباط المجموعة الأمنية 1987.
من عناصر الاختراق التي لم تخف توظيفها من طرف الحركة لاختراق شبيبة التجمّع الدستوري الديمقراطي وكان له دور في أحداث باب سويقة هو كريم عبد السلام الذي يؤكد أن النهضة وظّفته لاختراق حزب التجمّع الدستوري الديمقراطي، كما وظفت لنفس الهدف ماهر مذيوب وآخر أمين عام لحزب التجمّع محمد الغرياني! وآخر شخصية عينها راشد الغنوشي وهو رئيس للبرلمان المنحل كمستشار له هو محمد الغرياني آخر أمين عام للتجمّع، ويذكر أنه ورغم الدور المحوري لمحمد الغرياني في نظام بن على إلا انه لم يزج باسمه في أي قضية بعد الثورة، وقد حاولت حركة النهضة عند بلوغ ذروة صراعها مع عبير موسي في البرلمان أن تضمن لنفسها شقا من التجمَع مهادنا لها بأن أعادت إلى حضنها محمد الغرياني. ويذكر كذلك أن محمد الغرياني كان سفيرا في لندن وكانت هناك محاولات للحوار باسم السلطة بينه وبين راشد الغنوشي .
صالح كركر وراشد الغنوشي.. الزعامة لا تحتمل اثنين ..!
كانت دائما علاقة صالح كركر براشد الغنوشي محل اهتمام وروايات مختلفة، في هذا الملف يقدم كريم عبد السلام روايته لهذه العلاقة ويقول:"صالح كركر من الزعمات التاريخية للحركة ومثل خطا مستقلا عن تفكير راشد الغنوشي وتوجهاته، حيث كان من الأوائل الذين طالبوا بمأسسة الحركة بشكل شفاف وديمقراطي ما جعله محل امتعاض من راشد الغنوشي الذي رأى في هذا الرأي سحبا لسلطته، وفي سنة1981في السجن احتدم هذا الخلاف وتحول إلى صراع بعد المقارعة المباشرة والنقاشات المطولة والتي لم تكن اغلبها لصالح راشد الغنوشي وبين ضعف موقفه، تطور الأمر إلى مشاحنات شخصية وأحيانا ضغينة سنرى أثرها بعد سنوات".
سنة 1987 تبوأ صالح كركر منصب الرئاسة في غياب القيادة وراشد الغنوشي في السجن لبضعة أشهر إلى أن فر إلى فرنسا حيث عزل نهائيا وتعرض لحملات التشويه والاستهداف إلى حدود سنوات التسعين، وبالتحاق اغلب القيادات إلى المهجر مثل صالح كركر أسبقية له هناك جعل المواجهة معه أمرا حتميا من اجل التغييب عن المؤتمرات التي عقدت لاحقا. كان في تلك السنوات قد نشر كتاب "الحركة الإسلامية وإشكاليات النهضة"، الذي دعا فيه إلى المراجعة خاصة المنهج السياسي وتأسيس برنامج واضح قائم على مصلحة المواطن لا الشعارات، وقد وقع تسليمه إلى المخابرات الفرنسية فيما يعرف بصفقة وزير الداخلية شارل باسكوا على أنه وجه تكفيري ويتواصل مع المجموعات الجزائرية، وكان المدعو سفيان المنصوري احد أهم الأطراف في هذه الصفقة، والذي شغل لاحقا مدير ديوان وزير التعليم العالي منصف بن سالم رغم علم الجميع بدوره خارج السجن وداخله مع الأجهزة، حيث قضى صالح كركر أكثر من عشر سنوات تحت الإقامة الجبرية مما شكل تهديدا حقيقيا على حياته وصحته التي تدهورت وعاد إلى أرض الوطن منهكا صحيا لا يتحرك أين وافته المنية ودفن بقريته الساحلية".
من هو كريم عبد السلام؟
-التحق سنة 1984 بحلقات الأطفال بالمساجد التي تسيطر عليها حركة النهضة وهو في سن الثانية عشرة .
-1987 كان عنصرا ناشطا في التحركات الميدانية دون الالتحاق بالتنظيم بشكل مباشر، أثناء المواجهة والمسيرات المناهضة للسلطة يقوم بتوفير مسالك الهروب للمتظاهرين من أزقة العاصمة وسحب الجرحى.
-1988 التحق رسميا بخلايا التنظيم في سن السادسة عشر بشكل استثنائي وتمييز إيجابي.
-1989 تقلّد بعض المسؤوليات داخل التنظيم منها مسؤول على الطفولة.
-1990 وقع سحبه من التنظيم العام من أجل الالتحاق بالتنظيم الخاص من أجل تنظيم اختراقه للتجمّع الدستوري الديمقراطي.
-1990 كُلّف بمهمة تدريب مجموعات الطلبة الإسلاميين من غير أصيلي العاصمة.
- أواخر التسعينات تم حلّ التنظيم العام لحركة النهضة وتحوّل إلى تنظيم خاص متكون من الشباب وفئة عمرية محددة مع انسحاب النساء وكبار السن وتشكل مجموعات صغيرة مرتبطة بعنصر اتصال وحيد وكان من أشهر عناصر الاتصال رضا السعيدي المندوب العام، وهذه المجموعات كانت مهمتها الرئيسية التدرب على الاقتحامات وحرق المنقولات والمقرات والمواجهة المباشرة، ومن الملفات التي تم تنفيذها من طرف هذه المجموعات هو حرق مقر شعبة باب سويقة وكان كريم عبد السلام أبرز عناصرها.
-حُكم عليه في ملف باب سويقة بعد أن انكشف أمره صلب التجمع الدستوري الديمقراطي، مدى الحياة ثم تم تنزيل الحكم باعتباره حدثا إلى 13 سنة رغم أنه في قانون جنوح الأطفال لا يجب أن تتجاوز المدة عشر سنوات وقد قضى كريم عبد السلام كامل المدة في السجن، وساهم في موجة تحركات التي قادها الشباب النهضاوي داخل السجن في مقابل استكانة القيادات التاريخية وأهمها الإضراب العام في جميع السجون التونسية في شهر نوفمبر 1996. وإنشاء تنظيم داخل السجن مهمته الاستقطاب والاستخبار والرعاية الاجتماعية.
- بعد خروجه من السجن ساهم في المشاركة في شبه تنظيم الذي وجده قائما بأعمال الرعاية الاجتماعية والصحية والمالية لعائلات المساجين وأهاليهم وتطور إلى العمل الحقوقي والسياسي (حركة 18 أكتوبر(
- 2009 الابتعاد عن السياسية نهائيا والاكتفاء بالعمل الحقوقي.
-بعد الثورة أطلقت النهضة معايير لعضوية حركة النهضة وتتمثل المعايير في اللوثة الأخلاقية أو أمنية أو مالية. وساهم في تكوين مجموعة السبعين للشرعية والمشروعية احتجاجا على الهيئة التأسيسية الأولى للحزب واستثناء اغلب المناضلين الحقوقيين لحركة النهضة .
تونس – الصباح
منذ أيام حلّت ذكرى أحداث باب سويقة التي شكلت محطة فارقة في تاريخ التيار الإسلامي ككل في تونس وعلى وجه الخصوص حركة النهضة التي ظلت على مدى عقود وتحت عناوين تنظيمية مختلفة تحتكره، بعد أن قطعت الحركة مسيرة إثبات وجود طويلة وعاشت تحولات درامية تاريخية.
والنبش اليوم في تاريخ الحركة ومآلاتها لا علاقة له بالسياقات الراهنة ولا بصراعها مع السلطة..، ولكن السؤال لماذا عادت حركة النهضة لتجد مرة أخرى نفسها في خانة المواجهة مع النظام والسلطة رغم أن الثورة منحتها الفرصة التي لم يتوقعها أحد للوصول إلى الحكم وممارسة السلطة..، هذا الملف يسلط الضوء على مسيرة حزب إسلامي نجح في فترة ما أن يكون أحد صنّاع التجربة الديمقراطية المتعثّرة اليوم وأن يشغل الباحثين والمهتمين في كل دول العالم حول تجربة هذا الحزب الإسلامي وكان يحمل آمال الكثيرين في تطبيق نظرية الإسلام السياسي على الحكم وأحقيته بممارسة السلطة وسط الكثير من مناخات الخوف والتشكيك .
حيث على مدى نصف قرن من الزمن ظلّت الحركة الإسلامية في تونس، تثير فضول الباحثين والدارسين وتصنع حالة سياسية متفرّدة، فخلف تلك الواجهة الحزبية التي تحاول أن تتأقلم دائما مع السياقات..، أسرار ما تزال تحتفظ بكل تفاصيلها وتاريخا لم يُكتب بعد بشكل موضوعي سواء بفعل السياقات التاريخية التي حتّمت ظروف المحنة والقمع أو بسبب استثمار سياسي في تلك المحنة. لكن كل تلك السياقات التي عاشتها حركة النهضة كانت مليئة بالخوف والتوجّس والقرارات والخيارات المصيرية.. واليوم أصبحت حركة النهضة كحزب تختزل كل تاريخ الحركة الإسلامية وهي تعيش للمرة الثانية في تاريخها، انكسارا سياسيا ليس الأعنف فقد سبقته محنة سنوات التسعينات، ولكنه قد يكون الانكسار الذي يصعب النهوض بعده.
وعلى مدى سنوات سرّية النضال والحكم والسلطة، كانت شخصية راشد الغنوشي زعيم الحركة حاضرة بقوة في كل تفاصيل الحركة..، فهو الزعيم الذي يحتكر الأسرار والمعطيات التي ينفرد دون غيره بمعرفتها .واليوم لا يواجه راشد الغنوشي محنة الحفاظ على وجود الحركة بل مسألة أخرى لا تقل خطورة ولا أهمية وهي مصادر تمويل الحركة التي ظلت تثير الكثير من الجدل والتخمينات .
وفي هذا الملف سنرصد أهم المحطات التاريخية التي مرّ بها التيار الإسلامي، بالإضافة إلى راهنه مع شهادة مهمة من أحد الشخصيات التي نشأت في حضن الحركة وتشبعت بأدبياتها وعاشت محنتها وهو كريم عبد السلام الذي يصرّ ومنذ سنوات على ضرورة الاعتراف بذلك التاريخ والاعتذار عنه ومحاسبة من أجرم في حق أبناء الحركة وفي حق البلاد .
ملف من إعداد: منية العرفاوي
مصادر التمويل ووتر أخيل !
من الملفات التي تثير دائما الاهتمام في علاقة بمختلف الأحزاب السياسية هو ملف التمويل، ويزداد هذا الملف أهمية وغموضا في علاقة بتمويل الأحزاب الأيديولوجية وخاصة الدينية التي من المعروف أنها تبقى من أثرى الأحزاب على اختلاف الديانات .
والتمويل المالي لحركة النهضة طالما أثار الاهتمام وبقي من الملفات التي تتكتّم عنها الحركة وفي المقابل تثير الأقاويل والتأويلات طوال الوقت.. وتحوّل ملف التمويل إلى قضية رأي عام ينشغل بها الجميع بعد إثارة محكمة المحاسبات في تقريرها السنوي مسألة تمويل الحركة لحملاتها الانتخابية. حيث ذكر التقرير أن النهضة تعاقدت عام 2014 مع شركة الدعاية والضغط (BCW) الأميركية لمدة أربع سنوات بمبلغ مالي قدره 285 ألف دولار. وتم تجديد هذا العقد، ليمتد من 16 جويليلة 2019، إلى 17 ديسمبر من السنة نفسها بمبلغ قدره 187 ألف دولار وهو ما اعتبرته المحكمة شبهة تمويل أجنبي على معنى الفصل 163 من القانون الانتخابي، رغم أن مرسوم الأحزاب في تونس يمنع تلقي الأحزاب لتمويل أجنبي ويمكن أن تصل عقوبة ذلك إلى تعليق نشاط الحزب الذي يورّط نفسه في هذا الأمر.
وكانت حركة النهضة كشفت في سنة 2018 عن حجم ميزانيتها وكان في حدود 6 مليون دينار ولتكون بذلك الحزب الأكثر ثراءً وقالت وقتها أن مصادر تمويل ميزانيتها هي ثلاثة، اشتراكات الأعضاء السنوية، والتبرعات العينية، والتبرعات النقدية، غير أنّ هذه الميزانية، وهذا الرقم الذي أعلنته الحركة وخاصة في علاقة بتمويله حامت حوله شكوك كثيرة، وما زاد من حدة التشكيك في هذه الأرقام هو ما كشفه تقرير محكمة المحاسبات في عام 2019 حول تبرعات لحركة النهضة بين عامي 2016 و2018 والتي أثبتت وجود إيصالات تبرع تضمنت هويات وأرقام بطاقات لـ 68 متبرعا، تبين أنّهم متوفون عند تاريخ تسجيل التبرعات.. كما أن العقود التي أمضتها الحركة مع شركات ضغط أمريكية بيّنت وفق عديد المتابعين للشأن العام أن الحركة تحتكم على روافد تمويل أجنبية وأنها رغم محاولة التنصّل من هذه العقود والادعاء بأنها كانت على شكل هبة قدمت من أنصار للحركة وإنها لا تعلم عنها شيئا إلا أن ذلك يؤكد بدوره أن هناك ممولين في الخارج للحركة، حيث كشف تقرير المحكمة في 2020 بشأن تعاقدها مع شركة ضغط أمريكية لتحسين صورتها بين عامي 2014 و2019، مقابل مبلغ يزيد على ربع مليون دولار دُفعت في الخارج، ضمن ما يعرف إعلاميا بقضية "عقود اللوبينغ".
ومع تفجّر قضية جمعية نماء تم اكتشاف إمكانية وجود روافد تمويل للحركة في شبكات المجتمع المدني التابعة فكريا وإيديولوجيا لحركة النهضة أو القريبة منها، وقد كانت هذه الجمعيات جسرا .
أمّا الرافد الثاني الأهم، فهو شبكات المجتمع المدني التابعة للحركة أو القريبة والمتعاطفة معها قد شكلت جسرا معتبرا لهذا التمويل الأجنبي حيث أن قانون الجمعيات كان يسمح للجمعيات بتلقي الهبات والتبرعات الأجنبية عكس الأحزاب، وحسب بعض المختصين كان هذا التمويل للجمعيات متعدد الروافد والأهداف حيث كانت هناك تمويلات أوروبية وأمريكية وقطرية بالأساس وقد كان للتمويل القطري حضور كبير في تمويل الجمعيات الخيرية خاصة، ووفق تقرير محكمة المحاسبات فان وزارة الشؤون الخارجية لا تتوفر على بيانات بخصوص التمويلات التي تحصلت عليها الجمعيات في إطار اتفاقيات التعاون الدولي التي تولت الوزارة إبرامها على غرار المشاريع الممولة من الجمهورية التركية ومن دولة قطر .
حفلات شواء دون مضامين
الإيقافات الأخيرة التي شملت عددا من الأشخاص من المنتمين لحركة النهضة في علاقة بملف جمعية نماء التي تم تكييفها قال عنها المناضل السابق في حركة النهضة كريم عبد السلام والذي يتخذ اليوم مسافة نقدية من تاريخ الحركة ومآلاتها، أنها حفلات شواء دون مضمون قائلا:"أن البحث عن الحقيقة يجب أن يكون في البحث عنها كما هي دون أي تدخل ذاتي ولا مصلحة ذاتية أو تحت ضغط السياق، والأخطر من ذلك أن هناك توجّها اليوم لمحاولة توظيفها والركوب على المعنى وأنا لا اعتقد أن الإيقافات الخمس الأخيرة ستكشف حقائق".
ويرى عبد السلام أن المحاسبة والتي طالب بها بعد الاعتراف والاعتذار تقتضي أن التحقيق مع المسؤولين الماليين الذين تداولوا على هذه الخطة داخل الحركة، مشيرا إلى أنه وحسب ما يعلمه هناك سبعة أشخاص تداولوا على منصب مدير مالي داخل حركة النهضة، متسائلا لماذا الانتقائية بالتركيز على عبد الكريم سليمان أو غيره مؤكد أن هؤلاء السبعة هم فقط من يستطيعون كشف التمويل والمال السياسي والحملات الانتخابية وغيرها من الأمور التي تتعلّق بتمويلات الحركة .
كريم عبد السلام لم ينف أن حركة النهضة ليست جملة فكرية وأن لها قدرة على استجلاب وتوظيف الأموال وهي تنظيم ثري جدا .
وفي محاولة لتنزيل تمويل الحركة في سياق تاريخي ومعرفة تطويره، يقول عبد السلام في بداية التأسيس كان التمويل قائما على تبرّعات الأعضاء أي 5 بالمائة من الدخل الشهري لكل عضو، فكل عضو في الحركة الإسلامية أو الاتجاه الإسلامي كان مفروض عليه دفع إتاوة بـ 5 بالمائة، وهنا نتحدث عن سنوات السبعينات والثمانينات ولكن اليوم كل مصادر الأموال وتجميعها واستجلابها هي مهمة راشد الغنوشي إلى اليوم، حسب كريم عبد السلام، والذي أشار بشكل واضح أنه ليس هناك اليوم أي مسؤول داخل الحركة يعرف على وجه الدقة حقيقة هذه الأموال وأن هذه هي العصا الغليظة التي ضرب بها الغنوشي خصومه داخل الحركة طيلة أربعين سنة لأنه كان له هو الحق الحصري والاحتكار في تمثيل حركة النهضة خارج تونس وجمع التبرعات باسمها. حيث أن بيت المال أو بيت التمويل هو عند راشد الغنوشي إلى اليوم وهي نقطة القوة التي أستطاع دائما أن يقصي بها خصومه داخل حركة النهضة.
ويعتبر عبد السلام أن السؤال الذي ظلّ من "التابوهات" التي لم تكن هناك إجابة حاسمة بشأنها هو عضوية الحركة في تنظيم الإخوان المسلمين، والتي يرى محدثنا أن الحركة كانت مرتبطة بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين وهو ما يستوجب استحقاقات وبعض العائدات، لأن هذا التنظيم في جزء منه كان قائما على تجميع العائدات وتوزيعها إقليميا ودوليا، والأساسيات الأولى التي قام عليها هذا التنظيم هي ثلاثة، حيث يشير عبد السلام أن حمادي الجبالي عندما كان رئيس حكومة في زيارة إلى إيطاليا قام بزيارة يوسف ندا على الحدود السويسرية- الإيطالية في مقر إقامته الجبرية وهو ما أحرج السلطات هناك، قبل أن يفرج عنه فيما بعد، ويقول كريم عبد السلام أن يوسف ندا من أبرز وجوه التنظيم الدولي للإخوان. وبالتالي كان له جزء من مصادر تمويل التنظيم الدولي وهذا التمويل احتكره راشد الغنوشي لنفسه رأسا ولم يكن ليمنحه إلى غيره داخل حركة النهضة، وفق تأكيد كريم عبد السلام .
وفي التسعينات، يقول كريم عبد السلام أنه أصبحت هناك مصادر تمويل جديدة في علاقة بالبعد السياسي، وذلك عندما بدأت حركة النهضة تروّج لنفسها ككائن سياسي أو كائن حزبي، ففي البداية كانت حركة النهضة تروج لنفسها كحركة إسلامية محافظة تعتقل على خلفية هويتها وعلى خلفية استهداف الدين ككل، فاستجلبت التعاطف الخليجي بما في ذلك المملكة العربية السعودية بعد هجرة بعض القيادات إلى هناك من أمثال عبد الفتاح مورو وتعاطف بعض الشخصيات داخل العائلة المالكة مع الفكر الاخواني ومنهم رجل الأعمال صالح كامل وكذلك تعاطف الجاليات المسلمة داخل أوروبا ولكن بعد ذلك وبداية التسعينات أصبح لها وجه سياسي استقطب مصادر تمويل من بعض الأجهزة أو الدول من أجل التأثير في اللعبة السياسية التونسية .
وفي سنوات التسعينات كان جزء كبير من التمويل يُؤمّن من خلال عملية جمع التبرعات في المساجد خلال صلوات الجمعة وكان ذلك يتم في كل مساجد أوروبا، علما وأن تلك الأموال كان جزء منها يتم إرساله أو إدخاله إلى تونس لمساعدة عائلات المساجين .
وتلك الأموال والمساعدات كانت محل خلاف كبير بين المناضلين والقيادات خاصة في المؤتمر التاسع والعاشر بعد الثورة حيث أن ما يتم تداوله هو صرف أكثر من 24 مليارا بمعدل مليار أو يزيد كل سنة خلال كل سنوات المهجر، ولكن بعض المصادر النهضاوية أكدت أنه تم التلاعب بها، وأن الأموال التي صرفت على العوائل كانت تصرف وفق مبدأ المنح مقابل الولاء والبراء وكل من يدعو إلى المحاسبة أو الانتقاد فانه كان خارج السرب. وأن بعض العائلات القريبة من قيادة الحركة، كانت تمنح 3 و4 منح في حين هناك ضحايا آخرين لم يلتفت لهم أحد، علما وأن هذه المنحة وفق مصادرنا كانت تتراوح بين 400 دينار و1200 و1400 للقيادات .
ومن المسائل المثيرة أيضا هو طريقة إدخال الأموال إلى تونس قبل وبعد الثورة التي كانت في غالبها يد بيد وليس عبر التحويلات وكلنا يذكر القضية الشهيرة التي تم القبض فيها على قاسم الفرشيشي مستشار حمادي الجبالي في مطار أورولي بحقائب الأموال، وكذلك اعترافات عادل الدعداع الذي كانت مهمته تمرير الأموال .
مؤتمرات الحركة والانعطافات التاريخية
سنوات من الوجود بين ولادة سرّية، واضطرار للخروج إلى العلن ومواجهة مع النظام وسنوات محنة ومهجر وعودة إلى ممارسة الحكم والسلطة..، وطوال هذه المسيرة تقلبت حركة النهضة بين المسارات والسياقات والعناوين المختلفة لوجودها، وبين مؤتمرات بلغت العشر مؤتمرات، والمؤتمر الحادي عشر بقي معلقا إلى اليوم وأثار تصدّعات وانشقاقات داخل الحركة، ساهم مسار 25 جويلية في رأبها مؤقتا أو تأجيل الخلافات بشأنها مقابل تكتل الجسم النهضاوي في مواجهة المرحلة الراهنة..، تداول على رئاسة الحركة عدد من القيادات بعضهم لم تتجاوز رئاسته بضعة أشهر وكان راشد الغنوشي الأكثر احتكارا لمنصب الرئاسة واستمرارا فيه إلى اليوم .
في ظل تسمية الجماعة الإسلامية بتونس:
-انتظم مؤتمر1974، وكان ذلك على اثر مخيم صيفي في سوسة وقع كشفه من النظام واستدعي المشرفون عليه للتحقيق تقرر إحداث تنظيم وتقسيمه مناطقيا حسب تواجد القيادات:راشد الغنوشي (القيروان)، محمد شمام (قابس)، فاضل بلدي (جندوبة) وعبد الفتاح مورو (تونس).
- مؤتمر 1976.. وبداية التأسيس: يعتبر في السردية الشفوية المؤتمر التأسيسي الأول كانت فكرته حسب بعض المصادر قد انطلقت من راشد الغنوشي وحميدة النيفر وقد وضع هذا المؤتمر معايير في العقيدة والفقه والأصول، وهي كتب حسن البنا وفقه السنة لسيد سابق وكتاب مصطفى السباعي السيرة النبوية..، بالإضافة إلى اشتراط حفظ القرآن وخاصة سورة مريم وطه والأنفال والتوبة والأنبياء الحج وجزء تبارك كشرط في قبول الانضمام. وفي هذا المؤتمر تشكلت فكرة الدائرة والدائرة المفتوحة والأسرة، والأسرة المفتوحة.
في ظل اسم حركة الاتجاه الإسلامي :
-مؤتمر1981، تأسس على خلفية اعتقال أحد القيادات في شهر ديسمبر1980 وفي حقيبته التنظيم الهيكلي، مما اضطر القيادات وقتها إلى الخروج إلى العلن تحت حكم الضرورة وكان ذلك في البيان التأسيسي سنة 1981 حتى لا يقع القضاء عليها من طرف النظام دون أن يعلم أحدا أنها كيان سياسي .
*مؤتمر 1984: المؤتمر المضموني حيث بدأت فيه مسألة المضامين التي سيقوم عليها التنظيم والذي سبقت هيكلته وذلك على خلفية الأزمة التي أثيرت أواخر السبعينات وبداية الثمانينات بين أجنحة حركة النهضة التي بدأت تتشكل بجامع سبحان الله بباب سويقة ذات التوجّه السلفي الذي كان أقطابه راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو وجامع أبي محمد ذو التوجه الانفتاحي تأثرا بكتابات حسن حنفي ومحمد عمارة وحميدة النيفر وطرح إشكاليات الفراغات في الفكرة وانتهى الأمر بخروج مجموعة النيفر ومحمد كريشان .
*مؤتمر 1986: طرحت فيه العودة للعمل الدعوي الاجتماعي وبأنه هو الأساس والعودة للمساجد والتراجع عن توصية المؤتمر السابق بالابتعاد عن المساجد والتوجه إلى الفضاء العام .
-مؤتمر 1988: مؤتمر صفاقس تم التصويت على خطة فرض الحريات وكانت نتيجته مواجهة بداية التسعينات بعد تزوير الانتخابات من طرف النظام .
مؤتمرات المهجر
يسودها الكثير من الجدل القانوني حول شرعية قراراتها ومشروعية إنجازها بما يتوافق مع النظام الداخلي لحركة النهضة غير المنشور حيث يعتبر أن من أحيط بهم لم يعد لهم أي صفة تنظيمية ويشمل تفسير الإحاطة دخول السجن أو الخروج إلى المهجر وتعتبر هذه حالة استثنائية لا تجتمع فيها مقومات المؤتمر العادية ويعتبر المؤتمر في حالة حل وبالتالي يرى بعض النهضاويين السابقين أن جميعها غير قانونية وليس إلا دور تثبيت وتأبيد رئاسة راشد الغنوشي وأنها مؤتمرات كانت قائمة في محاولات لتركيز وتأصيل سلطة راشد الغنوشي وولايته المطلقة على التنظيم .
مؤتمرات بعد الثورة
شابها جدل قانوني حيث اعتمدت حركة النهضة في مؤتمر الأول المنجز بعد الثورة في عدده رقم تسعة بما يعني أنها تلتزم بكل الاستصحاب التاريخي للتنظيم والكيان السياسي، غير أنها في هذا المؤتمر لم تلتزم بشروط ومعايير الانتماء والعضوية الذي لم يتغير منذ مؤتمرات ما قبل المحنة والمؤتمرات الاستثنائية في المهجر بما يحدث هذا الجدل القانوني وأحد الأسباب الموجب لحلها .
لم تقع المصادقة على اغلب لوائحه وخاصة التقرير المالي بسبب المطالبة بالتدقيق في بعض القضايا المالية وترحيل قضية التقييم وتحميل المسؤولية إلى المؤتمر العاشر.
وفي المؤتمر العاشر تقرر فصل السياسي عن الدعوي شكليا أو الأصح ترحيل الدعوي إلى مؤسسة مستقلة أشرف عليها اللوز وشورو وهي رابطة الأئمة مع عدم المصادقة على التقرير المالي ورفض التقييم الشكلي الذي طرح بنسق غير موضوعي لم يحمل فيه المسؤوليات ولم تطرح فيه المحاسبة .
علاقة راشد الغنوشي بالمؤتمرات
كل مؤتمرات الجماعة أو الاتجاه الإسلامي أو حركة النهضة أو حزب حركة النهضة كانت تستجيب بشكل مباشر وغير مباشر لاحتياجات راشد الغنوشي ودوره فيها كزعيم مركزي وصاحب قرار ولو أدّى ذلك إلى عكس القرارات وتوصيات المؤتمرات السابقة مثل مؤتمر1984 الذي سبّق فيه الدعوي على السياسي وخاض معركة المساجد في حين كانت توصيات المؤتمر الذي سبق ذلك بالخروج إلى الفضاءات العامة كحركة سياسية والابتعاد عن المساجد وكل الرؤساء الستة الذين تداولوا على منصب رئيس الحركة (منصب الغنوشي مركزي) لم تتجاوز رئاستهم بضعة أشهر وفي ظروف استثنائية كاندلاع مواجهات أو محنة وهم عبد الرؤوف العياري1981، وفاضل البلدي1981، وصالح كركر1987، وجمال العوي1987، وصادق شورو أفريل1988، ومحمد القلوي مارس1991، ومحمد العكروت مارس 1991، ومحمد بن سالم أفريل1991، وحبيب اللوز من جويلية1991، ونور الدين العرباوي أكتوبر1991، ووليد البناني نوفمبر1991 .وهذا دليل قاطع على استمرارية قيادات الحركة في إدارة المواجهة مع النظام بشكل مركزي في1991، وهو ما ينفي رواية القيادة في تقرير هيئة الحقيقة والكرامة بأن أثناء غيابهم جنح مجموعة من شباب القواعد إلى العنف متأثرين بالضغط.
مجموعات العنف داخل الحركة ..
هذا الخيار تم تداوله في المؤتمر الخامس بصفاقس بتوصية تنزيل خطة فرض الحريات والتي بدأت بحرق المقرات والمنقولات الأمنية تحت غطاء حرب الخليج، ثم بأحداث باب سويقة حيث ثم حرق المقرات الحزبية مثل باب سويقة ونهج الساحل ولجنة التنسيق بمنزل بورقيبة وأغلب الشعب في كل مناطق الجمهورية ثم تطورت إلى حرق المؤسسات التربوية في المعاهد والأجزاء الجامعية ومجموعة براكة الساحل .
ففي سبتمبر 1991، تم تجميع الأسلحة وبرزت مجموعة صفاقس، ومجموعة المروج، ومجموعة الكاف، ومجموعة قابس، ومجموعة فيصل بركات، ومجموعات نابل، ومجموعة ستينغر وهي مجموعة تفاوضت مع المجموعات السلفية الجزائرية من اجل استجلاب صاروخ "ستينغر" من أفغانستان لضرب طائرة الرئيس المتوجهة للصين آنذاك. واستمرارية القايدة المركزية إلى حدود نوفمبر حسب أدبيات حركة النهضة يؤكد أن القيادة كانت مسؤولة على كل هذه العمليات.
خطة الاختراق: عبد السلام.. مذيوب والغرياني في التجمّع
لم تتخل حركة النهضة طوال تاريخها عن خطة الاختراق سواء لتنظيمات الخصوم أو حتى اختراق أجهزة الدولة، وكانت دائما تبحث لها عن مساحات حتى تؤمّن نفسها ولكن دأبت حركة النهضة على إنكار كل هذه الأحداث في المقابل كانت في تواصل مباشر وعضوي على المشرفين على هذه الأحداث وشخصياتها، وتبوأ مناصب قيادية داخل حركة النهضة على سبيل المثال ضباط المجموعة الأمنية 1987.
من عناصر الاختراق التي لم تخف توظيفها من طرف الحركة لاختراق شبيبة التجمّع الدستوري الديمقراطي وكان له دور في أحداث باب سويقة هو كريم عبد السلام الذي يؤكد أن النهضة وظّفته لاختراق حزب التجمّع الدستوري الديمقراطي، كما وظفت لنفس الهدف ماهر مذيوب وآخر أمين عام لحزب التجمّع محمد الغرياني! وآخر شخصية عينها راشد الغنوشي وهو رئيس للبرلمان المنحل كمستشار له هو محمد الغرياني آخر أمين عام للتجمّع، ويذكر أنه ورغم الدور المحوري لمحمد الغرياني في نظام بن على إلا انه لم يزج باسمه في أي قضية بعد الثورة، وقد حاولت حركة النهضة عند بلوغ ذروة صراعها مع عبير موسي في البرلمان أن تضمن لنفسها شقا من التجمَع مهادنا لها بأن أعادت إلى حضنها محمد الغرياني. ويذكر كذلك أن محمد الغرياني كان سفيرا في لندن وكانت هناك محاولات للحوار باسم السلطة بينه وبين راشد الغنوشي .
صالح كركر وراشد الغنوشي.. الزعامة لا تحتمل اثنين ..!
كانت دائما علاقة صالح كركر براشد الغنوشي محل اهتمام وروايات مختلفة، في هذا الملف يقدم كريم عبد السلام روايته لهذه العلاقة ويقول:"صالح كركر من الزعمات التاريخية للحركة ومثل خطا مستقلا عن تفكير راشد الغنوشي وتوجهاته، حيث كان من الأوائل الذين طالبوا بمأسسة الحركة بشكل شفاف وديمقراطي ما جعله محل امتعاض من راشد الغنوشي الذي رأى في هذا الرأي سحبا لسلطته، وفي سنة1981في السجن احتدم هذا الخلاف وتحول إلى صراع بعد المقارعة المباشرة والنقاشات المطولة والتي لم تكن اغلبها لصالح راشد الغنوشي وبين ضعف موقفه، تطور الأمر إلى مشاحنات شخصية وأحيانا ضغينة سنرى أثرها بعد سنوات".
سنة 1987 تبوأ صالح كركر منصب الرئاسة في غياب القيادة وراشد الغنوشي في السجن لبضعة أشهر إلى أن فر إلى فرنسا حيث عزل نهائيا وتعرض لحملات التشويه والاستهداف إلى حدود سنوات التسعين، وبالتحاق اغلب القيادات إلى المهجر مثل صالح كركر أسبقية له هناك جعل المواجهة معه أمرا حتميا من اجل التغييب عن المؤتمرات التي عقدت لاحقا. كان في تلك السنوات قد نشر كتاب "الحركة الإسلامية وإشكاليات النهضة"، الذي دعا فيه إلى المراجعة خاصة المنهج السياسي وتأسيس برنامج واضح قائم على مصلحة المواطن لا الشعارات، وقد وقع تسليمه إلى المخابرات الفرنسية فيما يعرف بصفقة وزير الداخلية شارل باسكوا على أنه وجه تكفيري ويتواصل مع المجموعات الجزائرية، وكان المدعو سفيان المنصوري احد أهم الأطراف في هذه الصفقة، والذي شغل لاحقا مدير ديوان وزير التعليم العالي منصف بن سالم رغم علم الجميع بدوره خارج السجن وداخله مع الأجهزة، حيث قضى صالح كركر أكثر من عشر سنوات تحت الإقامة الجبرية مما شكل تهديدا حقيقيا على حياته وصحته التي تدهورت وعاد إلى أرض الوطن منهكا صحيا لا يتحرك أين وافته المنية ودفن بقريته الساحلية".
من هو كريم عبد السلام؟
-التحق سنة 1984 بحلقات الأطفال بالمساجد التي تسيطر عليها حركة النهضة وهو في سن الثانية عشرة .
-1987 كان عنصرا ناشطا في التحركات الميدانية دون الالتحاق بالتنظيم بشكل مباشر، أثناء المواجهة والمسيرات المناهضة للسلطة يقوم بتوفير مسالك الهروب للمتظاهرين من أزقة العاصمة وسحب الجرحى.
-1988 التحق رسميا بخلايا التنظيم في سن السادسة عشر بشكل استثنائي وتمييز إيجابي.
-1989 تقلّد بعض المسؤوليات داخل التنظيم منها مسؤول على الطفولة.
-1990 وقع سحبه من التنظيم العام من أجل الالتحاق بالتنظيم الخاص من أجل تنظيم اختراقه للتجمّع الدستوري الديمقراطي.
-1990 كُلّف بمهمة تدريب مجموعات الطلبة الإسلاميين من غير أصيلي العاصمة.
- أواخر التسعينات تم حلّ التنظيم العام لحركة النهضة وتحوّل إلى تنظيم خاص متكون من الشباب وفئة عمرية محددة مع انسحاب النساء وكبار السن وتشكل مجموعات صغيرة مرتبطة بعنصر اتصال وحيد وكان من أشهر عناصر الاتصال رضا السعيدي المندوب العام، وهذه المجموعات كانت مهمتها الرئيسية التدرب على الاقتحامات وحرق المنقولات والمقرات والمواجهة المباشرة، ومن الملفات التي تم تنفيذها من طرف هذه المجموعات هو حرق مقر شعبة باب سويقة وكان كريم عبد السلام أبرز عناصرها.
-حُكم عليه في ملف باب سويقة بعد أن انكشف أمره صلب التجمع الدستوري الديمقراطي، مدى الحياة ثم تم تنزيل الحكم باعتباره حدثا إلى 13 سنة رغم أنه في قانون جنوح الأطفال لا يجب أن تتجاوز المدة عشر سنوات وقد قضى كريم عبد السلام كامل المدة في السجن، وساهم في موجة تحركات التي قادها الشباب النهضاوي داخل السجن في مقابل استكانة القيادات التاريخية وأهمها الإضراب العام في جميع السجون التونسية في شهر نوفمبر 1996. وإنشاء تنظيم داخل السجن مهمته الاستقطاب والاستخبار والرعاية الاجتماعية.
- بعد خروجه من السجن ساهم في المشاركة في شبه تنظيم الذي وجده قائما بأعمال الرعاية الاجتماعية والصحية والمالية لعائلات المساجين وأهاليهم وتطور إلى العمل الحقوقي والسياسي (حركة 18 أكتوبر(
- 2009 الابتعاد عن السياسية نهائيا والاكتفاء بالعمل الحقوقي.
-بعد الثورة أطلقت النهضة معايير لعضوية حركة النهضة وتتمثل المعايير في اللوثة الأخلاقية أو أمنية أو مالية. وساهم في تكوين مجموعة السبعين للشرعية والمشروعية احتجاجا على الهيئة التأسيسية الأولى للحزب واستثناء اغلب المناضلين الحقوقيين لحركة النهضة .