* القطيعة واقعة لا محالة، ما يجعل القوى المدنية والحركات المسلحة في موقف لا تحسد عليه
الثابت أن كل ما يجري في مصر ولبنان والعراق والسودانبل وفي أغلب البلدان والافريقيةمن حيث الترتيبات هو أقرب للاستراتيجي منه للتكتيكي خاصة وأن ما يتم من تطورات كمية وصراعات سياسية واجتماعية هي في الحقيقة ذات طابع مرحلي بل هي آليات تدافع تم الدفع بها وتكييفها لتحديد من سيحكم تلك البلدان ما بعد 2024، وتتوضح لمسألة أكثر في كل من مصر والسودان رغم اختلاف الأوضاع في البلدين من حيث طبيعة القوى الفاعلة والمؤثرة ومن حيث رهانات المرحلة ولكن مربعي الالتقاء والتماهي هو أولا وأخيرا "حرب"السيناريوهات على الأرض وهي تدقيقا حرب ضروس في اسقاط بدائل وإبقاء أخرى حيث لن يبقى الا ما هو متناغم مع تأثيرات وتداعيات مجريات الأحداث في دول الجوار للبلدين وأيضا بقية ملفات أخرى ترتكز عليها القوى الدولية للتأثير في دفع مستقبل الأوضاع في المنطقة باعتبار صراع النفوذ المتنامي خلال السنوات الماضية على القارة السمراء، ويبحث مقال الحال على استقراء مستقبل الأوضاع في البلدين الجارين ومحددات علاقة الجيش بالسياسة في كليهما...
** هل يُبعد اعتماد "السيسي" على المؤسسة العسكرية امكانية تأييدها للانتفاضات الشعبية؟
أولا،هناك قراءة تقييمية يذهب إليها أغلب المتابعين لتاريخ مصر المعاصر وللأوضاع الراهنة في "أم الدنيا" وملخص تلك القراءة هي أن "الانتفاضات الشعبية في مصر تحديدا لا يُكتب لها النصر والنجاح في مساعيها بل ولا تتحول الى ثورات ما لم يتوافر لها دعم مباشر من المؤسسة العسكرية..."، ويظهر ان النظام الحالي في القاهرة قد وعى واستوعب ذلك وأنه يتحرك وفقا لذلك التقييم ومن ثم حاول خلال السنتين الماضيتين والاقتراب خلالهما على المؤسسة العسكرية بعد أن اخذ مساحات عليها من قبل ولكن هل يُبعد ذلك الاعتماد إمكانيات لتأييد جيش مصر على دعم الانتفاضات الشعبية خاصة وان هذه الأخيرة هي في حكم المرتقبة والأكثر ورودا وخاصة في ظل كارثية الأوضاع الاقتصادية والمصرية لا في بلاد النيل فقط بل وفي كل المنطقة بل أن الأوضاع في هذه الأخيرة قد تكون لها تداعيات قد تسهم في تغيير كل المعادلات السياسية والاجتماعية لا في مصر فقط بل وفي كل المنطقة وكل مربعات الإقليم (المتوسط- شمال افريقيا – الشرق الأوسط- العالم العربي والإسلامي) وتحديدا ما بعد نهاية 2024...
ثانيا، "السيسي" متيقن جد التيقن أن تركيبة الجيش التي تقوم على عقلية وطبيعة نظام هرمي منضبط وقد شاهد بنفسه كيفية إدارته للمشهد في 2011 و2013 ومن ثم وضع المقربون منه ووظيفييه في الداخل المصري والخارجي أيضا استراتيجية متكاملة – بغض النظر عن هشاشتها من عدمه-لكي يُضاعف التفاهم مع قياداته حيث عمل على توسيع صلاحياته بما يتجاوز الدور التقليدي للجيوش النظامية، وطبعا دفعت تلك المعطيات نحو الانخراط في مجالات مدنية متباينة لأسباب فهمت في البداية على أن "السيسي" يريد جمع شتات الدولة العميقة المصرية وكان لزاما الاعتماد على قوة كبيرة وصلبة يمكنها القيام بمهام وإنجازها خلال فترة قصيرة وطبعا تم تمرير المسألة على الشكل الذي يريده على الأقل مؤقتا ومن ثم قبل غالبية المواطنين بتوسيع دور الجيش خارج المنظومة المعتادة بغرض إنقاذ الدولة من الفوضى التي أخذت ملامحها تتوالى، وأسهمت قدرته على الإنجاز السريع والحنكة في زيادة منسوب الثقة في الجيش لا في شخصه...
ثالثا، يعتقد البعض أن "السيسي" استوعب تجارب التاريخ الحديث، وتيقن من ضرورة تعظيم دور الجيش في خطابه المتكرر، وأدار العملية بشكل يُوحي بأن أي انتقادات توجه إليه ستوجه بالتبعية للمؤسسة العسكرية، والعكس صحيح، وبغض النظر عن صحة ذلك الا أن تلك الازدواجية قد أفرزت في الوجدان الشعبي عن إزالة الكثير من الخطوط والفواصل بين منصب الرئيس والجيش المصري صاحب المكانة الرفيعة، وقطعت تقريبا مساحة المناورة التي تمتعت بها المؤسسة العسكرية على مدار عقود ماضية، والتي ساعدتها على أن تصبح داعما وضامنا لرئيس الدولة وفي الوقت نفسه تقويمه عند الضرورة، وقد ظهرت تجليات تلك المسألة في أواخر فترة الرئيس "مبارك" عندما بدا الجيش ممتعضا وغير راغب في نقل السلطة إلى ابنه "جمال مبارك"، وانتهز فرصة الحراك الشعبي للتخلص من سيناريو التوريث، ولعب دورا كبيرا في إنهاء حكم الرئيس مرسي بناء على واقع إقليمي ودولي...
ثالثا، تؤثر مشاركة الجيش في كثير من الأعمال المدنية على مصالح فئات تمتعت بالسيطرة على بعض المفاصل الحيوية، ما جعله والرئيس في بؤرة استهداف كل من تضرر من توسع أنشطته، وغضب من وجدوا في دوره الاجتماعي تقويضا لأدوارهم، ورغم تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية وتلقي الرئيس السيسي تحذيرات من جهات أمنية بشأن إمكانية خروجها عن السيطرة، إلا أنه بدا غير مكترث بذلك مؤخرا، لأنه على يقين بأن أي احتجاجات في الشارع لن تكون مجدية طالما أن المؤسسة العسكرية لا تقف في صف الحراك الشعبي، كما حدث في ثورة 25 يناير، وجاءت تلك الثقة من نجاح السيسي في المزاوجة بين منصب الرئيس وبين الجيش حاليا، فأي غضب حياله سيجر غضبا موازيا ضد المؤسسة العسكرية التي كانت شاهدة ومشاركة في كل كبيرة وصغيرة في مصر السنوات الماضية، ما يعني عدم جدوى الانتقادات التي تسعى للتفرقة بينهما وطبعا تشير الخبرة إلى أن الاحتجاجات في مصر لا يكتب لها النجاح ما لم يتوافر لها دعم مباشر من الجيش، ما جعل الاعتماد عليه يبعد شبح التأييد مجددا للثورات الشعبية، الا أن هذا الحكم الأخير هو حكم وقراءة نسبيين بناء على أن المعادلات قد تغيرت بين محطات 1952 و1977 و2011 و2013 وأيضا بين 2013 و2023 جرت تغيرات وتطورات دراماتيكية لا في مصر فقط بل حتى في قلب المؤسسة العسكرية وفي الإقليم، ومن هناك ستتغير الأمور في أم الدنيا في أفق سنة 2024 تغيرات صامتة نعم ولكنها ستلقي بظلالها على كل مربعات الحكم وبما في ذلك الرئاسة دون أن يغيب الدور المركزي للجيش...
* وسط أزمة سياسية حادة تعصف بالسودان، هل باتت القطيعة حتمية بين "البرهان" و"حميدتي"؟
أولا، يجمع كل المتابعين للأوضاع في السودان أن العلاقة بين رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش "عبدالفتاح البرهان" وبين نائبه قائد قوات الدعم السريع "محمد حمدان دقلو" ("حميدتي") أصبحت أكثر غموضا وخاصة بعد أن اعتبر الثاني انقلاب 25-10-2021 خطأ ما كان يجب أن يتم، وهي موضوعيا علاقة دقيقة التفاصيل وغير بَينة الحَيثيات فهي تتراوح بين القُرب والحَذر وتُحدد بعض مُعطياتها مربعات في الداخل ومحددات مرتبطة بالإقليمي والدولي شديدة التعقيد أو هي تبدو كذلك منذ سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير، أي على حد تفسير معاوية نفسه منذ 14 قرنا، كلما شد أحدهما الشعرة أرخى الثاني الطرف الآخر، والعكس صحيح، ومع كل جولات المد والجزر بينهما، غير أن الحبل السياسي بينهما لم ينفصل، فقطعه معناه أن أحدهما يبقى في منزله أو يذهب إلى السجن، وربما يلقيان مصيرا واحدا في النهاية.
ثانيا، يستعمل كل طرف ما يمتلكه من أدوات لتوجيه ضربات للآخر بما يقطع شعرة معاوية ويطوي لعبة شد الحبل، فالأهداف متنافرة والوسائل التي يستخدمها كلاهما لن تقود إلى العودة للتفاهم مرة ثانية مهما حاولت بعض الجهات تقريب المسافات بينهما، وفعليا كان الخطاب الذي ألقاه "البرهان" موجها مباشرة إلى "حميدتي" وفريقه، كما أن خطاب الأخير استهدف منه الأول ورفاقه، ولم تعد اللعبة بينهما تحتمل اللجوء إلى حيل أو ألاعيب سياسية يعودان بعدها إلى الأجندة التي حددت ملامح التفاهم بينهما، ويمكن الجزم أن هناك لحظة فارقة لإنهاء العلاقة. فطموحات كل شخص متباينة وكلاهما يعتقد أنه أسهم في نجاح الثورة على البشير وأنقذ البلاد من المجهول وأدى دورا جليلا لمنع دخول السودان في نفق أشد ظلاما، ومن الضروري أن يكافأ على مهمته عبر تسلمه الحكم، استنادا أيضا إلى ما يملكه من أوراق سيوظفها للوصول إلى أغراضه.
رابعا، الخلاصة أن الخلاف بين الرجلين ظهرت له بوادر في أكثر من مناسبةولكن لم تصل ذروته سوى خلال الأيام الماضية وبات مشكوكا اليوم تحديدا في إمكانية تطويقها كما حدث في مرات سابقة ذلك أن الخصام أو المبارزة هذه المرة جاءت على الملأ، وأخذت شكلا مقصودا، يصعب القول إنه يشي بقدرة فائقة لديهما على توزيع الأدوار لتخريب العملية السياسية، والثابت أن ما حدث عزز القناعات باستحالة التعايش بين رجلين يحمل كلاهما جينات سياسية واجتماعية وعسكرية مختلفة، يكفي النهم للسلطة ليشير إلى أن القطيعة واقعة لا محالة، ما يجعل القوى المدنية والحركات المسلحة في موقف لا تحسد عليه، فإذا أيدت أحدهما أو نبذت كليهما يمكن أن تعرض الدولة السودانية للمزيد من الأزمات، وقد لا تجد أمامها خيارا سوى انتظار النتيجة النهائية للمعركة الجديدة، وبناء عليها يمكن أن تحدد موضع خطواتها، وتتخذها فرصة لتصحيح أوضاعها التي أدت إلى التلاعب بها.
* كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية
بقلم:علي اللافي (*)
* القطيعة واقعة لا محالة، ما يجعل القوى المدنية والحركات المسلحة في موقف لا تحسد عليه
الثابت أن كل ما يجري في مصر ولبنان والعراق والسودانبل وفي أغلب البلدان والافريقيةمن حيث الترتيبات هو أقرب للاستراتيجي منه للتكتيكي خاصة وأن ما يتم من تطورات كمية وصراعات سياسية واجتماعية هي في الحقيقة ذات طابع مرحلي بل هي آليات تدافع تم الدفع بها وتكييفها لتحديد من سيحكم تلك البلدان ما بعد 2024، وتتوضح لمسألة أكثر في كل من مصر والسودان رغم اختلاف الأوضاع في البلدين من حيث طبيعة القوى الفاعلة والمؤثرة ومن حيث رهانات المرحلة ولكن مربعي الالتقاء والتماهي هو أولا وأخيرا "حرب"السيناريوهات على الأرض وهي تدقيقا حرب ضروس في اسقاط بدائل وإبقاء أخرى حيث لن يبقى الا ما هو متناغم مع تأثيرات وتداعيات مجريات الأحداث في دول الجوار للبلدين وأيضا بقية ملفات أخرى ترتكز عليها القوى الدولية للتأثير في دفع مستقبل الأوضاع في المنطقة باعتبار صراع النفوذ المتنامي خلال السنوات الماضية على القارة السمراء، ويبحث مقال الحال على استقراء مستقبل الأوضاع في البلدين الجارين ومحددات علاقة الجيش بالسياسة في كليهما...
** هل يُبعد اعتماد "السيسي" على المؤسسة العسكرية امكانية تأييدها للانتفاضات الشعبية؟
أولا،هناك قراءة تقييمية يذهب إليها أغلب المتابعين لتاريخ مصر المعاصر وللأوضاع الراهنة في "أم الدنيا" وملخص تلك القراءة هي أن "الانتفاضات الشعبية في مصر تحديدا لا يُكتب لها النصر والنجاح في مساعيها بل ولا تتحول الى ثورات ما لم يتوافر لها دعم مباشر من المؤسسة العسكرية..."، ويظهر ان النظام الحالي في القاهرة قد وعى واستوعب ذلك وأنه يتحرك وفقا لذلك التقييم ومن ثم حاول خلال السنتين الماضيتين والاقتراب خلالهما على المؤسسة العسكرية بعد أن اخذ مساحات عليها من قبل ولكن هل يُبعد ذلك الاعتماد إمكانيات لتأييد جيش مصر على دعم الانتفاضات الشعبية خاصة وان هذه الأخيرة هي في حكم المرتقبة والأكثر ورودا وخاصة في ظل كارثية الأوضاع الاقتصادية والمصرية لا في بلاد النيل فقط بل وفي كل المنطقة بل أن الأوضاع في هذه الأخيرة قد تكون لها تداعيات قد تسهم في تغيير كل المعادلات السياسية والاجتماعية لا في مصر فقط بل وفي كل المنطقة وكل مربعات الإقليم (المتوسط- شمال افريقيا – الشرق الأوسط- العالم العربي والإسلامي) وتحديدا ما بعد نهاية 2024...
ثانيا، "السيسي" متيقن جد التيقن أن تركيبة الجيش التي تقوم على عقلية وطبيعة نظام هرمي منضبط وقد شاهد بنفسه كيفية إدارته للمشهد في 2011 و2013 ومن ثم وضع المقربون منه ووظيفييه في الداخل المصري والخارجي أيضا استراتيجية متكاملة – بغض النظر عن هشاشتها من عدمه-لكي يُضاعف التفاهم مع قياداته حيث عمل على توسيع صلاحياته بما يتجاوز الدور التقليدي للجيوش النظامية، وطبعا دفعت تلك المعطيات نحو الانخراط في مجالات مدنية متباينة لأسباب فهمت في البداية على أن "السيسي" يريد جمع شتات الدولة العميقة المصرية وكان لزاما الاعتماد على قوة كبيرة وصلبة يمكنها القيام بمهام وإنجازها خلال فترة قصيرة وطبعا تم تمرير المسألة على الشكل الذي يريده على الأقل مؤقتا ومن ثم قبل غالبية المواطنين بتوسيع دور الجيش خارج المنظومة المعتادة بغرض إنقاذ الدولة من الفوضى التي أخذت ملامحها تتوالى، وأسهمت قدرته على الإنجاز السريع والحنكة في زيادة منسوب الثقة في الجيش لا في شخصه...
ثالثا، يعتقد البعض أن "السيسي" استوعب تجارب التاريخ الحديث، وتيقن من ضرورة تعظيم دور الجيش في خطابه المتكرر، وأدار العملية بشكل يُوحي بأن أي انتقادات توجه إليه ستوجه بالتبعية للمؤسسة العسكرية، والعكس صحيح، وبغض النظر عن صحة ذلك الا أن تلك الازدواجية قد أفرزت في الوجدان الشعبي عن إزالة الكثير من الخطوط والفواصل بين منصب الرئيس والجيش المصري صاحب المكانة الرفيعة، وقطعت تقريبا مساحة المناورة التي تمتعت بها المؤسسة العسكرية على مدار عقود ماضية، والتي ساعدتها على أن تصبح داعما وضامنا لرئيس الدولة وفي الوقت نفسه تقويمه عند الضرورة، وقد ظهرت تجليات تلك المسألة في أواخر فترة الرئيس "مبارك" عندما بدا الجيش ممتعضا وغير راغب في نقل السلطة إلى ابنه "جمال مبارك"، وانتهز فرصة الحراك الشعبي للتخلص من سيناريو التوريث، ولعب دورا كبيرا في إنهاء حكم الرئيس مرسي بناء على واقع إقليمي ودولي...
ثالثا، تؤثر مشاركة الجيش في كثير من الأعمال المدنية على مصالح فئات تمتعت بالسيطرة على بعض المفاصل الحيوية، ما جعله والرئيس في بؤرة استهداف كل من تضرر من توسع أنشطته، وغضب من وجدوا في دوره الاجتماعي تقويضا لأدوارهم، ورغم تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية وتلقي الرئيس السيسي تحذيرات من جهات أمنية بشأن إمكانية خروجها عن السيطرة، إلا أنه بدا غير مكترث بذلك مؤخرا، لأنه على يقين بأن أي احتجاجات في الشارع لن تكون مجدية طالما أن المؤسسة العسكرية لا تقف في صف الحراك الشعبي، كما حدث في ثورة 25 يناير، وجاءت تلك الثقة من نجاح السيسي في المزاوجة بين منصب الرئيس وبين الجيش حاليا، فأي غضب حياله سيجر غضبا موازيا ضد المؤسسة العسكرية التي كانت شاهدة ومشاركة في كل كبيرة وصغيرة في مصر السنوات الماضية، ما يعني عدم جدوى الانتقادات التي تسعى للتفرقة بينهما وطبعا تشير الخبرة إلى أن الاحتجاجات في مصر لا يكتب لها النجاح ما لم يتوافر لها دعم مباشر من الجيش، ما جعل الاعتماد عليه يبعد شبح التأييد مجددا للثورات الشعبية، الا أن هذا الحكم الأخير هو حكم وقراءة نسبيين بناء على أن المعادلات قد تغيرت بين محطات 1952 و1977 و2011 و2013 وأيضا بين 2013 و2023 جرت تغيرات وتطورات دراماتيكية لا في مصر فقط بل حتى في قلب المؤسسة العسكرية وفي الإقليم، ومن هناك ستتغير الأمور في أم الدنيا في أفق سنة 2024 تغيرات صامتة نعم ولكنها ستلقي بظلالها على كل مربعات الحكم وبما في ذلك الرئاسة دون أن يغيب الدور المركزي للجيش...
* وسط أزمة سياسية حادة تعصف بالسودان، هل باتت القطيعة حتمية بين "البرهان" و"حميدتي"؟
أولا، يجمع كل المتابعين للأوضاع في السودان أن العلاقة بين رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش "عبدالفتاح البرهان" وبين نائبه قائد قوات الدعم السريع "محمد حمدان دقلو" ("حميدتي") أصبحت أكثر غموضا وخاصة بعد أن اعتبر الثاني انقلاب 25-10-2021 خطأ ما كان يجب أن يتم، وهي موضوعيا علاقة دقيقة التفاصيل وغير بَينة الحَيثيات فهي تتراوح بين القُرب والحَذر وتُحدد بعض مُعطياتها مربعات في الداخل ومحددات مرتبطة بالإقليمي والدولي شديدة التعقيد أو هي تبدو كذلك منذ سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير، أي على حد تفسير معاوية نفسه منذ 14 قرنا، كلما شد أحدهما الشعرة أرخى الثاني الطرف الآخر، والعكس صحيح، ومع كل جولات المد والجزر بينهما، غير أن الحبل السياسي بينهما لم ينفصل، فقطعه معناه أن أحدهما يبقى في منزله أو يذهب إلى السجن، وربما يلقيان مصيرا واحدا في النهاية.
ثانيا، يستعمل كل طرف ما يمتلكه من أدوات لتوجيه ضربات للآخر بما يقطع شعرة معاوية ويطوي لعبة شد الحبل، فالأهداف متنافرة والوسائل التي يستخدمها كلاهما لن تقود إلى العودة للتفاهم مرة ثانية مهما حاولت بعض الجهات تقريب المسافات بينهما، وفعليا كان الخطاب الذي ألقاه "البرهان" موجها مباشرة إلى "حميدتي" وفريقه، كما أن خطاب الأخير استهدف منه الأول ورفاقه، ولم تعد اللعبة بينهما تحتمل اللجوء إلى حيل أو ألاعيب سياسية يعودان بعدها إلى الأجندة التي حددت ملامح التفاهم بينهما، ويمكن الجزم أن هناك لحظة فارقة لإنهاء العلاقة. فطموحات كل شخص متباينة وكلاهما يعتقد أنه أسهم في نجاح الثورة على البشير وأنقذ البلاد من المجهول وأدى دورا جليلا لمنع دخول السودان في نفق أشد ظلاما، ومن الضروري أن يكافأ على مهمته عبر تسلمه الحكم، استنادا أيضا إلى ما يملكه من أوراق سيوظفها للوصول إلى أغراضه.
رابعا، الخلاصة أن الخلاف بين الرجلين ظهرت له بوادر في أكثر من مناسبةولكن لم تصل ذروته سوى خلال الأيام الماضية وبات مشكوكا اليوم تحديدا في إمكانية تطويقها كما حدث في مرات سابقة ذلك أن الخصام أو المبارزة هذه المرة جاءت على الملأ، وأخذت شكلا مقصودا، يصعب القول إنه يشي بقدرة فائقة لديهما على توزيع الأدوار لتخريب العملية السياسية، والثابت أن ما حدث عزز القناعات باستحالة التعايش بين رجلين يحمل كلاهما جينات سياسية واجتماعية وعسكرية مختلفة، يكفي النهم للسلطة ليشير إلى أن القطيعة واقعة لا محالة، ما يجعل القوى المدنية والحركات المسلحة في موقف لا تحسد عليه، فإذا أيدت أحدهما أو نبذت كليهما يمكن أن تعرض الدولة السودانية للمزيد من الأزمات، وقد لا تجد أمامها خيارا سوى انتظار النتيجة النهائية للمعركة الجديدة، وبناء عليها يمكن أن تحدد موضع خطواتها، وتتخذها فرصة لتصحيح أوضاعها التي أدت إلى التلاعب بها.