إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ملفات الصباح| توسع رقعة تجارة الآثار في تونس .. ونهب فظيع لمعالمنا التاريخية..

تونس-الصباح

اعتداءات صارخة على معالمنا التاريخية وسرقات طالت كما هاما من القطع الأثرية في غياب اية حماية لهذا الموروث الضخم الذي تزخر به كل ولايات البلاد والذي تحسدنا عليه العديد من الدول التي تسعى بشتى الطرق الى الحصول على جزء من هذه الثروة .

نبش ..تنقيب ..بناء فوضوي.. إزالة..وتغيير صبغة هي مشاكل تعاني منها المواقع الأثرية في بلادنا حسب ما أكده مراسلو "الصباح" في كل من مدنين والقصرين وسوسة وبنزرت وصفاقس وفق تأكيد المسؤولين والخبراء وحتى الجمعيات الناشطة في المجال.

فحسب معطيات تحصلت عليها "الصباح" تعرضت المواقع الأثرية خلال العام الماضي ل 44 اعتداء تم على اثرها رفع 44 تتبعا للمعتدين .

 وحسب ذات المعطيات ومنذ 2012 تم حجز حوالي 37 ألف قطعة أثرية وكانت سنة 2016 الاعلى من حيث المحجوزات إذ تم حجز 10021 قطعة ، فيما بلغ المحجوز العام الماضي 2022 حوالي 3035.

"الصباح" فتحت ملف الاعتداءات والسرقات التي تطال معالمنا ومخزوننا التراثي وفيما يلي اهم ما تم تسجيله.

إشراف: حنان قيراط

مدنين.. عمليات نهب للعناصر المعمارية والمعهد الوطني للتراث يعاين عددا من الاعتداءات

p6n3.jpg

افاد سامي بن طاهر استاذ بحوث بالمعهد الوطني للتراث ان ظاهرة نبش القبور والجوامع القديمة والاثار موجودة بولاية مدنين وهي ظاهرة عامة بهذه الجهة والتي تندرج ضمن البحث عن الكنوز المزعومة التي يعتقد انها مدفونة ومخفية تحت هذه المعالم .

واشار في تصريح لمراسل"الصباح" بولاية مدنين انه زيادة على هذه الظاهرة فان هناك نهبا للعناصر المعمارية على غرار الحجارة المهندمة والاعمدة الخ ..لاعادة استغلالها في مباني حديثة او الاتجار بها.

معاينات

وفي سباق متصل اشار سامي بن طاهر ان مصالح المعهد الوطني للتراث عاينت عددا من الاعتداءات وقدمت شكايات للمكلف بنزاعات الدولة مع ابلاغ السلط الامنية بهذه التجاوزات من بينها ما عرفه جامع ولحي بمنطقة واد زبيب بمعتمدية جربة اجيم حيث وقع تخريب جزء من الرواق ليتم لاحقا ترميمه واعادته الى حالته الاصلية .

كما تم الاعتداء على مقبرة السوق القبلي البونية بمعتمدية جربة ميدون حيث تم مباغتة معتدين بصدد القيام بعمليات جهر للقبور اعتقادا منهم بانها تحتوى على معادن نفيسة ليتم تسليمهم لاحقا الي العدالة

 تحيل وشعوذة

كما افاد استاذ البحوث ان هناك بعض الاشخاص يقومون بعمليات تحيل وشعوذة راح ضحيتها العديد من المواطنين الابرياء حيث يتم ايهامهم بازالة السحر من خلال استعمال رفاة الموتى من قبل هؤلاء المعتدين .

تكثيف العمليات التحسيسية

واشار سامي بن طاهر انه بات من الضروري تكثيف العمليات التحسيسية والتوعوية لدى المواطنين وترسيخ فكرة ان الاثار هي شواهد على حضارات انسانية يجب الحفاظ عليها للاجيال اللاحقة وهي لا تمت باية صلة الى ما يروج من اقاويل واحاديث حول تضمنها لثروات وكنوز،ودعا محدثنا الى مزيد التنسيق مع المجتمع المدني لمقاومة هذه الظاهرة التي انتشرت بصفة ملحوظة بعد 14جانفي 2011وذلك من خلال تنظيم ورشات مع المدارس الإبتدائية والاعدادية بهدف تربية الناشية على الحس الثقافي والحضاري للمحافظة على هذه المعالم بمختلف معتمديات ولاية مدنين .

 ناشط بجمعية صيانة الجزيرة لـ"الصباح": الظاهرة تفشت..وهذه الحلول

وفي لقاء مراسل "الصباح" بولاية مدنين بالأستاذ ناصر بوعبيد ناشط بجمعية صيانة الجزيرة بجربة أفادنا ان الجمعية اهتمت منذ نشاتها سنة 1976 بكل ما يهم المواقع والمعالم والجوامع مشيرا ان ظاهرة التنقيب عن الكنوز بالجوامع والقبور والمعالم الاثرية استفحلت خلال العشريتين الماضيتين واصبحت تمثل تهديدا لحرمتها وقدسيتها واصالتها .

واعتبر محدثنا ان هذه الظاهرة تعبر عن جهل مقترفيها وعدم التزامهم ووعيهم باهمية هذه المعالم وقيمتها الحضارية والاثرية، ويعود تفشي هذه الظاهرة ، بحسب الاستاذ بوعبيد، لعدم حماية هذه المواقع من قبل الجهات المسؤولة، في ظل غياب حراس وعدم القيام بعمليات تسييج ودوريات امنية لحماية هذه المعالم من التخريب والسرقة، داعيا كل المتدخلين الي تحمل مسؤولياتهم للمحافظة على هذه المعالم .

ولم ينف محدثنا ان هناك مجهودات وعمليات عديدة بذلت لصيانة وتعهد واصلاح العديد من المعالم والمواقع والمساجد بجزيرة جربة غير ان انتهاكات طالتها بعد كل هذه المجهودات مستشهدا، بما عرفه جامع ولحي بمنطقة واد الزبيب بمعتمدية جربة اجيم من عمليات تخريب عديدة من طرف اشخاص لهم اعتقاد ان بهذا الجامع القديم كنوز، وبين انه رغم ما يقومون به من حفر ونبش لم نسمع لليوم انهم عثروا على الكنوز المزعومة .

في الاخير اشار الاستاذ الناصر بوعبيد الى اهمية اعادة الحياة للمواقع الأثرية الغنية بجزيرة جربة وهو ما يتطلب تعاونا بين كل الاطراف التي لها علاقة بها وردع ومعاقبة كل من تسول له نفسه بتخريب وانتهاك الجوامع والمعالم والقبور والمواقع.

ميمون التونسي

بُرج الحْصارْ بجزر قرقنة: المعلم الأكثر إعتداء بصفاقس

p7n1.jpg

تعتبر صفاقس من بين الولايات التي تتركز بها عدة مواقع أثرية على غرار قرقنة، طينة، بُطرية، يُونْڨا ، إلا أنه خلال السنوات الأخيرة تعرض البعض من هذه المواقع الى عمليات إعتداء مختلفة ومتكررة.

حفر.. تنقيب..وإهمال

ويقول مسؤول بمعهد التراث،إمتنع عن ذكر إسمه، لـ"الصباح" أن المعهد رصد عديد الاعتداءات بالمناطق الأثرية في جهة صفاقس تتمثل أغلبها في عمليات حفر أو تنقيب أو إهمال وأغلبها من قبل مواطنين . وبين أنه قد تم رفع تقارير هذه الاعتداءات التي تكاد تكون بصفة يومية إلى الجهات الأمنية .

 برج الحصار..وتقارير متكررة

وكشف محدثنا ان من بين أكثر المواقع الأثرية التي تكررت فيها عمليات الإعتداء هو موقع "برج الحصار" من جزيرة قرقنة حيث رصد اعوان معهد التراث بالجهة عمليات حفر وتنقيب وتم رفع تقارير الى الادارة المركزية وإشعار السلط المحلية. وأوضح ان دور المعهد هو فقط رصد هذه الإعتداءات وان له فقط السلطة الاستشارية وان حماية هذه المواقع من الإعتداءات المتنوعة هي من مهام سلط الإشراف رغم محاولة الادارة الجهوية بصفاقس التدخل للقيام بإصلاحات بالتعاون مع الجمعيات.كما أشار الى أن الإعتداءات اتخذت الكثير من الأشكال بما فيها عدم حماية وصيانة الاثار، بالإضافة الى وضع الفضلات في اماكن اثرية على غرار الفسقيات بمدينة صفاقس وهو ما يعد كذلك إعتداء.

هذا وتقع المنطقة الأثرية "برج الحصار" التي أشار إليها المتحدث في الجهة الشمالية الغربية لجزيرة الشرقي من معتمدية قرقنة وتعرف لدى الأهالي بعدة تسميات ، الحصار، المدينة أو المرسى ، وهو برج عثماني بني في بداية القرن السابع عشر ميلادي بأمر من باشا طرابلس في إطار حملة لتعمير الأرخبيل، وهو يعتبر أهم موقع أثري بجزر قرقنة ويمثل ٱثار مدينة "كركينا القديمة" تم إكتشافه سنة 1992 أين تم العثور على مقابر بونية ،مصانع منتوجات البحر، منشٱت مائية ،حوض إستحمام، جدران وأرضيات وقطع خزفية ترجع إلى بداية القرن السادس قبل الميلاد.

وفي سنة 2016 تعرض الجامع الكبير القابع بقلب المدينة العتيقة بصفاقس إلى عملية سرقة ، حيث تعمدت مجموعة من الافراد الى سرقة عمود رخامي يعود إلى سنة 1800 كان بجانب الباب الأمامي من الجامع .حيث أظهر شريط الفيديو الذي رصدته كاميرا المراقبة أن عملية السرقة تمت على الساعة السادسة صباحا بواسطة رافعة وتم إلقاء القبض على المعتدين.

عتيقة العامري

القصرين..مواقع في مرمى التنقيب والبناء الفوضوي وغياب سياسة جديّة لحمايتها وتثمينها

p6n4.jpg

  • احداث طريق جهوية على مقبرة تعود إلى فجر التاريخ

تعتبر ولاية القصرين من ولايات الجمهورية الأكثر ثراء على مستوى المعالم الأثرية اذ تحوي مخزونا رهيبا من الآثار من مختلف الحقبات التاريخية ، وتكتنز أغلب مناطق الولاية ما يناهز ثلث اثار البلاد التونسية بأكثر من 300 موقع أثري ومنها ما هو قابع في جوف الأرض في انتظار اعادة اكتشافه واحيائه .

في المقابل تنتصب مدن أثرية بأكملها على غرار اثار "سبيطلة" ومدينة "تلابت" الأثرية ، رغم الاهمال والعوامل الطبيعية وعربدة البشر، شامخة تكشف عراقة الولاية الضارب في التاريخ بمختلف محطاته ، مواقع لم تنجح في لفت الانتباه لضرورة حماية كنوز هذه البلاد وتثمينها واعطائها المكانة المستحقة، حيث بقيت لعقود متروكة ما جعل منها لقمة سائغة للاعتداءات باختلاف أشكالها من حفر ونبش وسرقة واعتداءات وبناء فوضوي من قبل كل من هب ودب في ظل سياسة الاهمال وغياب الحماية والمراقبة لهذه المقدرات الرهيبة من الاطراف المتداخلة ما ساهم في طمس بعض المعالم التاريخية وتشويه تفاصيلها.

معالم في مرمى النبش والاعتداء

لم يشفع لمدينة "تلابت" الأثرية تموقعها على حافة طريق وطنية رابطة بين القصرين ومدينة فريانة وعلى مساحة مكشوفة للعيان أن تكون بمنأى عن يد التخريب ووجهة لكل من أرادها وكرا للانحراف أو الحفر العشوائي لغياب عيون تحرسها ، هكذا عبر عدد من المهتمين بالتاريخ وتراث المنطقة وأهل الاختصاص في روايات متطابقة لـ"الصباح" .

وتفيد مصادر من المعهد الوطني للمحافظة على التراث بالجهة لـ"الصباح" بأن اثار "تلابت" بشكل خاص متفردة ، حيث تمثل مدينة بأكملها قائمة الذات تمتد على مساحة 90 هكتارا تضم 12 كنيسة من الفترة القديمة وحمامات رومانية وحصنا بيزنطيا ومسرحا أثريا الى جانب عدة معالم لم يتم الكشف عنها بعد الا بعد عمليات طويلة من الحفريات ، كما لفت مصدرنا الى غياب الامكانيات اللوجستية والبشرية للقيام بعمليات الحفريات وحماية النقائش والمعالم الاخرى التي هي  في حاجة ماسة الى مقر ادارة على الميدان ومخازن لضمان حماية هذه المعالم من السرقة والنهب والحفر العشوائي وكذلك من قسوة العوامل الطبيعية، الى جانب النقص الفادح في أعوان الحراسة وغياب مأوى لهم للقيام بعمل الحراسة للموقع ليلا التوقيت الفعلي لأغلب الاعتداءات.

كما أوضح أن الاعتداءات المسجلة تكمن في النبش والحفر العشوائي بشكل متصاعد بمعدل 30 اعتداء سنويا، وتحوله في فترة ما الى مأوى ووكر للمنحرفين.

 و تحدث مصدرنا عن مشروع اتفاقية أبرمت في عهد الوالي الأسبق بين المعهد الوطني للآثار والمجلس الجهوي وبلدية تلابت حول هذا التوجه مع توفر الاعتمادات اللازمة المقدرة ب200 ألف دينار ولكن مازال الأمر يراوح مكانه. وفي ذات الموضوع أكد رئيس بلدية "تلابت" شكري العماري لـ"الصباح" أن الأمر ككل يلفه الغموض ولكن تبقى فرضية المضي نحو تفعيل هذا الاتفاق رهينة تقديم المعهد الوطني للآثار برنامجه الوظيفي قبل المصادقة على الميزانية مطلع الأسبوع القادم حتى يتسنى الانطلاق في هذا المشروع لتثمين والمحافظة على ماتكتنزه تلابت من اثار متفردة.

كما تعرض موقع أثري آخر من معتمدية فريانة المعروف "بهنشير الأرنب" من عمادة بوحية الى عمليات نبش من مجهولين في شهر فيفري من السنة الماضية 2022 حيث فتح بحث في الغرض من قبل النيابة العمومية من أجل تكوين وفاق للنبش عن الاثار والكنوز وهي صورة مصغرة عن القليل مما تتعرض له آثار الجهة من اعتداءات بدأت حتى ما قبل الثورة لترتفع وتيرتها منذ 2012 وفقا لذات المصادر.

مواقع أخرى طالها العبث

مشاهد صادمة تداولها أبناء الجهة على مواقع التواصل الاجتماعي عن هدم تراث مادي ولا مادي، وتراكم الحجارة التي كانت شاهدة على تأسيس حضارات عريقة وانتهاك لمخزون أثري بالجهة يعود البعض منه الى 8000 سنة حتى ان بعض المواقع باتت مكانا لرعي الاغنام وهي مشاهد باتت مألوفة في ظل غياب أعوان للحراسة واهمال كبير من مختلف الاطراف المتداخلة ( من مندوبية الثقافة أو السياحة أو المعهد الوطني للتراث) ولكنها أشياء تحز في نفس كل مواطن شاهد على هذه الانتهاكات.

 ففي معتمدية فوسانة، على سبيل الذكر لا الحصر، طمست أشغال الطريق الجهوية في الاعوام السابقة تفاصيل موقع أثري يطلق عليه اسم 'خنقة السلوقي' ، حيث تم هدم مقابر تعود إلى فترة فجر التاريخ ويفوق عمرها ال7000 سنة واعتداء صريح من مقاولات تابعة لنائب سابق بالبرلمان وعلى مسمع وتواطؤ من السلطات الجهوية على موروث الحضارات التي مرت بالبلاد التونسية، وفق ذات المصادر ، حيث راسل المعهد الوطني للتراث الهياكل المسؤولة لكن لم يمنع ذلك من طمس جزء من مخزون البلاد من الآثار.

حيث تمت برمجمة حفريات سنة 2021 اثر تقدم قسم ما قبل التاريخ بالمعهد الوطني للتراث بطلب من أجل حفريات انقاذ وبمقتضى اتفاقية تم في ديسمبر الكشف عن اكتشافات هامة بهذا الموقع في انتظار نتائج الدراسات والنشر.

غير بعيد عن هذا الموقع وفي ذات المعتمدية تم تشييد طريق معبدة على أنقاض "رمادية" الحضارة القبصية أين كانوا يحرقون بقايا أكلهم المتمثل في الحلزون بالأساس وأطلقت هذه التسمية طبقا للون المكان الذي يغلب عليه اللون الرمادي وتكدس لبقايا الحلزون محروقة منذ آلاف السنين ليتم الكشف عنها العام الماضي كموقع أثري هام عرف باسم "كداس الرماد" وأشرف فريق من المعهد الوطني للتراث على عمليات الحفر والاكتشاف .

البناءات الفوضوية.. شكل آخر للانتهاكات

وفي معتمدية حيدرة كذلك أفادت ذات المصادر بأن أغلب الاثار تعرضت ولازالت تتعرض الى الاعتداءات خاصة منها البناء الفوضوي غير المرخص فيه فوق أراض تحوي آثار المنطقة وهذا االاشكال منتشر في الكثير من مناطق ولاية القصرين ، كما أكد ذلك رئيس جمعية احباء الاثار بحيدرة نيازي مسعودي لـ"الصباح" الذي تطرق الى أن هذا الشكل من الاعتداءات مشكل قديم متجدد ورغم ذلك أحيانا لا يتدخل المعهد الوطني للمحافظة على التراث لايقاف اشغال البناء، وفق قوله.

كما أكد على أن اثار حيدرة التي تمسح أكثر من 146 هكتارا تعاني الاهمال من هياكل الدولة كونها تستوجب الترميم وبطرق علمية تراعي خصوصية المعالم وليس مثل المهزلة التي حدثت عند ترميم جزء من الحصن البيزنطي اثر حدوث انجراف وفق توصيفه. وكشف محدثنا عن تعرض عدة معالم للنبش والحفر العشوائي خاصة في أحد المعابد المعروف لدى الاكاديميين وأهل الاختصاص (معبد الاله ساتيرن) حيث يوجد كم كبير من الحفر العشوائية من أجل النهب.

كما عبر مصدرنا عن أسفه لعدم اكتراث الدولة بمختلف هياكلها لمخزون عميق للحضارات الغابرة للبلاد وعدم التدخل حتى بالتسييج لأهم المعالم أو وضع انارة داخل المواقع الأثرية حتى يتسنى حمايتها ومراقبتها ليلا في الوقت الذي تكثر عمليات النبش حتى أنهم تمكنوا من ايجاد تمويلات خاصة لهذا المشروع ولكن لم يجدوا أي تفاعل مع الجهات المعنية رغم مراسلاتهم الى المعهد الوطني للمحافظة على التراث في شتى المخاطر التي تهدد الاثار بحيدرة.

                                                 صفوة قرمازي

القلعة الكبرى : معالم وآثار تروي أمجاد الماضي تتشكي إهمال الحاضر

تزخر مدينة القلعة الكبرى من ولاية سوسة بمخزون تراثيّ هائل يعود إلى حقبات تاريخيّة متنوّعة إذ تتوفّر بالمدينة آثارا إسلامية ومعالم تاريخية تمّ تشييدها خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر ويتواصل استغلالها إلى اليوم على غرار مسجد "القصر الجوفي" حسب ما يعرف به في الوثائق الأرشيفيّة والذي يسمّى اليوم عند الأهالي باسم جامع "باب الجامع " وهو يقع على الجهة الشماليّة من ساحة باب الجامع وسط المدينة وتبيّن النّقيشة التّأسيسيّة المثبّتة بواجهته الأمامية وما تتميّز به من بساطة خطّ الكتابة أنه شيّد من قبل الأهالي أواخر رجب من سنة 1047 هجري / ديسمبر1637م وليس من قبل السلطة الحاكمة التي عادة ما تثبّت نقائش تليق بمقام الحاكم .

آثار طالها العبث والنسيان

ويعتبر هذا المسجد المعلم التاريخي الوحيد بالمدينة الذي مازال يحافظ على معظم مكوّناته المعماريّة ويتميّز بموقعه الهام بتصدّره "السّوق "مركز الثقل الإقتصادي والتجاري باعتباره محاطا بعديد المحلات التجارية كما يمثّل الجامع الكبير على الجهة اليسرى في اتجاه الجنوب وسط النّواة الأصلية التي تكوّنت حولها المدينة والذي يعرف بالوثائق الأرشيفيّة بجامع" الخطبة" ثاني المعالم التاريخيّة الإسلامية الهامّة حيث تبيّن النقيشة المثبتة بواجهته الأماميّة بأنّ أشغال البناء بدأت سنة1167هجري /1754م وانتهت أواخر شهر شعبان 1182هجري /جانفي 1769 ميلادي. كما يعتبر "السّبط " بدوره واحدا من أبرز المعالم التاريخيّة التي تؤرّخ لعراقة المدينة .

العمق الرّيفي لمعتمديّة القلعة الكبرى يزخر بدوره بعديد المواقع الأثريّة المترامية التي لم تحظ باهتمام أهل الإختصاص والمعهد الوطني للتراث فطالتها أيادي العابثين والنابشين في الأرض والباحثين عن الآثار فمنطقة " وادي الخروب " من معتمدية القلعة الكبرى مثلا تضمّ دهاليز تعود إلى العهد الفينيقي. كما تزخر المنطقة الفلاحيّة "المدارج" بآثار تتكوّن من أحواض ورؤوس منحوتة مهملة تعرّض جانبا كبيرا منها إلى الإتلاف أو السّرقة، حسب ما أفاد به عديد النّاشطين بالمجتمع المدني، وذلك رغم توجيه عديد المراسلات إلى الجهات المعنيّة قصد التدخّل وصيانة هذه المعالم وحمايتها وإدراجها ضمن مسلك سياحيّ يُسهم في إنعاش الذّاكرة الشعبيّة وتنشيط الحياة السياحيّة والثقافيّة خلال اليوم السياحي ضمن فعاليات المهرجان الدّولي للزيتونة إلاّ أنّ شيئا من هذه المقترحات -رُغم أهميّتها لم يلق- اهتماما أو تفاعلا إيجابيّا من قبل الجهات المعنيّة والمسؤولة رأسا عن المحافظة عن المواقع الأثريّة وتثمينها .

 منطقة الكرارية من معتمديّة القلعة الكبرى تستأثر هي الأخرى بجانب مهمّ من الآثار حيث تنتصب إلى اليوم قرية رومانيّة طال الإهمال جانبا مهمّا منها جرّاء استهدافها بعمليات نهب وسلب ممنهجة من قبل تجّار الآثار ومهرّبيه في غياب كامل للسّلط وعدم تدخّل الجهات المعنيّة بحماية الآثار والمحافظة على التّراث وهو ما حكم على هذه القرية الرومانيّة الأثرية بأن تبقى تراثا بِكرا لم يقع تناوله بالدّراسة أو التّمحيص والتّدقيق إلى يومنا هذا من قبل أهل الذّكر وهو ما يفسّر شحّ المعلومات والتفاصيل المتعلقة بها.

 كما تنتشر، بنفس المنطقة، آثار لاتقلّ أهميّة عن القرية الرّومانيّة والمتمثّلة في ما يعرف ب "حمّام البغال" وهي آثار تعود إلى الحقبة الرّومانيّة والبيزنطية وتقع بالجهة الشماليّة من مدينة القلعة الكبرى وتحديدا بمنطقة "حطمان " ويبلغ ارتفاع بناياتها حدود الخمس أمتار وهي مبنيّة بحجارة الدبش الصّغيرة والمتوسّطة الحجم ويوجد بها حوض وأرضيّة فسيفسائيّة متعدّدة الألوان والأشكال إلاّ أنها تعاني الإهمال الشيء الذي ألحق بها عديد الأضرار وهو واقع عديد الآثار التي تم العثور عليها بضيعات منطقة "الفجّة " و"الحنية " والتي تم الإستيلاء عليها والتفويت في عدد منها في حين تصدّر عدد آخر منها قاعات جلوس بعدد من المنازل .

 وضع جعل عديد الجمعيّات المدنيّة التي تهتمّ بالتّراث بولاية سوسة تستنكر تجاهل وزارة الثقافة والمصالح المعنيّة لهذه الآثار وعدم القيام إلى اليوم بأيّة دراسات علميّة دقيقة حولها رغم وجودها بالخارطة الأثرية للمنطقة وتدعو السّلط المسؤولة إلى التّعجيل بالقيام بدراسات علميّة تتناول تراث المنطقة بطرق وأدوات المؤرّخ والباحث في الآثار والتّراث وباتّباع مقاربات علميّة من أجل مزيد التعرّف على خصوصيات هذه الآثار لتشكّل مرجعا حقيقيّا يمكن اعتماده في فهم ودراسة وتصحيح تاريخ المنطقة والتّفكير بعدها في إدراجها ضمن مسلك سياحيّ يضمّ أبرز المعالم الأثريّة بالمنطقة لحمايتها من أيادي العابثين التي تتهدّدها باستمرار و صيانتها وتعهّدها ممّا يلحق بها من أضرار بسبب الإهمال وسوء الإستغلال .

جمعية دروب للثقافة والتنمية..الإستثناء

ساهمت الهيئة المديرة لجمعية دروب للثقافة والتنمية بالقلعة الكبرى برئاسة سفيان الفقيه فرج بشكل فعّال في الإسهام في صيانة عدد من المعالم الأثرية وتحريك سواكن المسؤولين وعقد عديد الشراكات المثمرة مع المعهد الوطني للتراث وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة فقامت بتدخّل عميق على مستوى صيانة قبّة سيدي بن عيسى وإعادة صيانته وتهيئته وترميمه وتبليط أرضيته وكشف النقيشة واكتشاف معطيات جديدة ستمثّل منطلقا لتصحيح عديد المعطيات التاريخية المتعلّقة بالمعلم وخصوصيّاته كما قامت الجمعية بترميم حوض رومانيّ الذي تم اكتشافه مؤخرا في إطار أشغال حفريات "الدريبة " خلف مقر الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه ونقلة عناصر معمارية أثرية ونقيشة من معلم سيدي شواري إلى قبة سيدي بن عيسى في انتظار استكمال أشغال التّهيئة والإنطلاق في مشروع تهيئة "سباط بن لطيفة" .

أنور قلاّلة

بنزرت: التنقيب بين حلم الثروة وهاجس السجن

p7n2.jpg

 على مر التاريخ جذب موقع بنزرت الاستراتيجي الامبراطوريات المتوسطية التي حولتها لقاعدة توسع و برج مراقبة للتجارة البحرية وقد خلفت هذه الحضارات كما هائلا من التراث اللامادي والملموس اسال لعاب الباحثين عن الثراء السهل لتستشري عمليات التنقيب عن الاثار وما يصاحبها من عمليات تحيل كما لعبت الصدفة دورها في الكشف عن نفائس في بني نافع من معتمدية بنزرت الجنوبية .

رحلة البحث عن الكنز في بني نافع

ففي منتصف ديسمبر 2009 كشف حفر اسس منزل في بني نافع بنزرت الجنوبية عن سلسلة من المقابر البونية احتوت حسب الرواية الرسمية على كميات من الصحون والاباريق والجرار كانت كافية لإغراء الباحثين عن الكنوز الذين استباحوا المنطقة الهادئة التي تحولت لحلبة صراع حتى بين جيران" الساس" بعد انتشار شائعات عن عثور بعض المحظوظين من المسؤولين على حبات " اللويز " ومشغولات ذهبية بعد عبور سراديب موحشة  لكن الحلم بالثروة تحول الى كابوس بعد ان تعددت المشاحنات بين المغامرين التي بلغت حد استعمال بنادق صيد للدفاع عن مناطق النفوذ وانتهت بسجن عدد من متساكني المنطقة وزائريها.

"حوانت" غزالة مفتوحة للطامعين

غير بعيد عن بنزرت الجنوبية استوطن الرومانيون النبلاء سهول غزالة الخصبة التي تحميها المرتفعات وخلدوا مرورهم ببناء برج العدواني و" الحوانت " في الحكارة وهي بيوت صغيرة منحوتة في الصخور قادرة على اخفاء شخص راشد وتشهد هذه المناطق من حين لأخر محاولات بحث عن" التبر "( الذهب ) الذي تحلل وسط الرمل بمرور الزمن او"طميرة " تفطنت لها عيون خبيرة تسترت بالظلام واستغلت الاهمال وضعف الحراسة لقطفها دون اشكال او الوقوع في ايدي اعوان الحرس الوطني بغزالة الذين ضبطوا يوم 24 افريل 2018 شابين بحوزتهما قطعة أثرية معدنية كانا يعتزمان بيعها لأجنبي مقابل مبلغ 17 ألف دينار.وقد تم ايداعهما السجن بتهمة الاتجار في الاثار والتحيل .

اوتيك حماية الاثار تبدد امل الطامعين

بعد ثلاث سنوات تقريبا و في يوم 22 أفريل 2021 ضبطت فرقة الأبحاث العدلية للحرس الوطني ببنزرت 3 كهول من تونس العاصمة وأوتيك بصدد الحفر وحجزت لديهم 3 قطع حجرية تحمل كتابة رومانية كما احتفظت مركز الحرس الوطني باوتيك يوم 14 مارس 2022 بكهل فلاح اصيل المنطقة عثر في ضيعته على خناجر مرصعة بالذهب ومسدسات اثرية اضافة الى قرون عاجية وتماثيل حيوانات من المعدن الاصفر ومزهريات.. وتعتبر اوتيك اول مصرف بحري فينيقي والمدينة الرومانية الحرة عاصمة الفسيفساء وموطن التجار الاغنياء الذين تركوا العديد من المعلقات الاثرية المغرية لكن الحماية الموجودة بددت امال الطامعين.

لويز في جومين

وفي ظل التضييق على الحالمين بالثروة في المناطق الشرقية اتجهت الانظار الى الجزء الغربي من الولاية خاصة جومين اين انتشرت روايات عن اصطحاب المعمرين الفرنسيين لكميات هامة من الاواني الفخارية التي عثر عليها في مناجم السمان وغيرها مما اغرى التونسيين بإطلاق رحلات الاستكشاف بعضها كان مثمرا بعد فك شفرات المسارات بعد الاستعانة ب" عزامة " كما تداول وجود " ذخيرة " في تاهنت ليتبين فيما بعد ان الامر يتعلق بعملية تحيل على اجانب..لكن الثابت ان ثلاث مواطنين قد عثروا يوم 30 افريل 2014 على قطع نقدية ذهبية وسط جرة اثرية بمناسبة اشغال حفر على طريق "رواحة " لكن الروايات الشعبية اكدت ان المعنيين قد عثروا على كميات من " اللويز " اختلفوا عند قسمتها ومحاولة تسويقها فوقعوا جميعا في قبضة الامن بعد انتشار الخبر.

وتجد الاشارة انه اضافة الى محاولات النبش عن الاثار في البر فقد رصدت محاولات للبحث عن نفائس البحر في مارينا بنزرت مما دفع والي الجهة يوم 20 جانفي 2013 لاتخاذ قرار ايقاف الاشغال بالمشروع الضخم حتى تتمكن وزارة الثقافة من التدقيق في المسالة وقد مكنت العملية التي تمت بالتعاون مع الحرس البحري من استرجاع كميات هامة من الاثار .

ساسي الطرابلسي

 مديرة المحافظة على التراث لـ"الصباح": دول تسعى للاستحواذ على قطع أثرية تونسية والوعي باهمية هذه الثروة مفقود

"بناء عشوائي طال مواقع أثرية على مراى ومسمع من السلط المحلية والجهوية ومن بين الأشياء الموجعة، مثلا ،عمليات البناء بالمدينة العتيقة بتونس والتي لا تتماشى وخصوصيات هذه المنطقة الأثرية في ظل صمت مطبق من السلطات"، هكذا تحدثت سامية حمامي مديرة المحافظة على التراث بوزارة الثقافة لـ"الصباح " بشأن ملف الاعتداء على الاثار والمواقع الأثرية ونهب الآثار.

وبينت محدثتنا ان من أكبر مشاكل المواقع المعالم الأثرية غياب الوعي لدى المسؤولين والمواطنين على حد السواء ، الوعي بقيمة هذا الموروث الضخم الذي يمثل هويتنا و شرفنا الذي يجب المحافظة عليه، مؤكدا على وجوب الوعي بضرورة حماية التراث والمواقع الأثرية والاثار في ظل مساعي عديد الدول للاستحواذ على هذه الثروة التي لا تقدر بثمن للبروز ولجلب السياح.

وشددت مديرة المحافظة على بوزارة الثقافة ان تثمين هذه المعالم والقطع الأثرية من شانه أن يجلب السياح من مختلف دول العالم لزيارة بلادنا.

واعتبرت أن موجة حرق "الزوايا" ابان الثورة كان بإيعاز من بعض الجهات ويهدف لضرب الهوية التونسية وتاريخها، معتبرة ان تثمين الاثار والمعالم الاثرية من شأنه توفير موارد هامة للدولة بالعملة الصعبة .

وكشفت محدثتنا ان تجارة الاثار تحتل المرتبة الثالثة ضمن شبكات تجارة الممنوعات بعد تجارة المخدرات والاسلحة كونها مصدر من مصادر الثروة وتمويل الإرهاب.

 واعتبرت المديرة أن من معيقات النهوض بقطاع التراث تشعب القوانين، حيث تم وضع ترسانة من القوانين التي كبلت الإجراءات وعمقت البيروقراطية مع تعدد الجهات المعنية بحماية هذا الموروث الضخم ما أدى الى استنزاف الجهود دون تحقيق المطلوب.

وبينت ان من أبرز الآليات المعمول بها في بلادنا لحماية مخزوننا التراثي الضخم قرار الحماية التحفظي، الا انه وللأسف بعد اتخاذ وزير الثقافة لقرار الحماية يبقى القرار دون تتبع لتبقى بعض المعالم لمدة طويلة تحت الحماية دون اتخاذ اي قرار اما بتواصل حمايته أو ترتيبها.

وأكدت ان نقص الموارد البشرية واللوجستية من المشاكل التي تحول دون قيام الإدارات المعنية بحماية التراث بعملها على الوجه الاكمل.

ولحماية هذه المعالم الأثرية، في ظل محدودية موارد الدولة وعدم قدرتها على حماية كل المواقع، أكدت مديرة المحافظة على التراث بوزارة الثقافة انه قد تم فسح المجال للخواص للإستثمار في التراث في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص وذلك في إطار لزمة تخضع لكراس شروط يتم اعدادها من قبل الجهات المعنية ويتحتم على المستثمر احترامها عند استغلال المعلم التاريخي، مشيرة إلى أن هذا التوجه انطلق العمل به من أجل انقاذ المعالم الأثرية وادراجها في إطار الدورة الاقتصادية عبر استغلالها ضمن المسالك السياحية.

حنان قيراط

ملفات الصباح| توسع رقعة تجارة الآثار في تونس .. ونهب فظيع لمعالمنا التاريخية..

تونس-الصباح

اعتداءات صارخة على معالمنا التاريخية وسرقات طالت كما هاما من القطع الأثرية في غياب اية حماية لهذا الموروث الضخم الذي تزخر به كل ولايات البلاد والذي تحسدنا عليه العديد من الدول التي تسعى بشتى الطرق الى الحصول على جزء من هذه الثروة .

نبش ..تنقيب ..بناء فوضوي.. إزالة..وتغيير صبغة هي مشاكل تعاني منها المواقع الأثرية في بلادنا حسب ما أكده مراسلو "الصباح" في كل من مدنين والقصرين وسوسة وبنزرت وصفاقس وفق تأكيد المسؤولين والخبراء وحتى الجمعيات الناشطة في المجال.

فحسب معطيات تحصلت عليها "الصباح" تعرضت المواقع الأثرية خلال العام الماضي ل 44 اعتداء تم على اثرها رفع 44 تتبعا للمعتدين .

 وحسب ذات المعطيات ومنذ 2012 تم حجز حوالي 37 ألف قطعة أثرية وكانت سنة 2016 الاعلى من حيث المحجوزات إذ تم حجز 10021 قطعة ، فيما بلغ المحجوز العام الماضي 2022 حوالي 3035.

"الصباح" فتحت ملف الاعتداءات والسرقات التي تطال معالمنا ومخزوننا التراثي وفيما يلي اهم ما تم تسجيله.

إشراف: حنان قيراط

مدنين.. عمليات نهب للعناصر المعمارية والمعهد الوطني للتراث يعاين عددا من الاعتداءات

p6n3.jpg

افاد سامي بن طاهر استاذ بحوث بالمعهد الوطني للتراث ان ظاهرة نبش القبور والجوامع القديمة والاثار موجودة بولاية مدنين وهي ظاهرة عامة بهذه الجهة والتي تندرج ضمن البحث عن الكنوز المزعومة التي يعتقد انها مدفونة ومخفية تحت هذه المعالم .

واشار في تصريح لمراسل"الصباح" بولاية مدنين انه زيادة على هذه الظاهرة فان هناك نهبا للعناصر المعمارية على غرار الحجارة المهندمة والاعمدة الخ ..لاعادة استغلالها في مباني حديثة او الاتجار بها.

معاينات

وفي سباق متصل اشار سامي بن طاهر ان مصالح المعهد الوطني للتراث عاينت عددا من الاعتداءات وقدمت شكايات للمكلف بنزاعات الدولة مع ابلاغ السلط الامنية بهذه التجاوزات من بينها ما عرفه جامع ولحي بمنطقة واد زبيب بمعتمدية جربة اجيم حيث وقع تخريب جزء من الرواق ليتم لاحقا ترميمه واعادته الى حالته الاصلية .

كما تم الاعتداء على مقبرة السوق القبلي البونية بمعتمدية جربة ميدون حيث تم مباغتة معتدين بصدد القيام بعمليات جهر للقبور اعتقادا منهم بانها تحتوى على معادن نفيسة ليتم تسليمهم لاحقا الي العدالة

 تحيل وشعوذة

كما افاد استاذ البحوث ان هناك بعض الاشخاص يقومون بعمليات تحيل وشعوذة راح ضحيتها العديد من المواطنين الابرياء حيث يتم ايهامهم بازالة السحر من خلال استعمال رفاة الموتى من قبل هؤلاء المعتدين .

تكثيف العمليات التحسيسية

واشار سامي بن طاهر انه بات من الضروري تكثيف العمليات التحسيسية والتوعوية لدى المواطنين وترسيخ فكرة ان الاثار هي شواهد على حضارات انسانية يجب الحفاظ عليها للاجيال اللاحقة وهي لا تمت باية صلة الى ما يروج من اقاويل واحاديث حول تضمنها لثروات وكنوز،ودعا محدثنا الى مزيد التنسيق مع المجتمع المدني لمقاومة هذه الظاهرة التي انتشرت بصفة ملحوظة بعد 14جانفي 2011وذلك من خلال تنظيم ورشات مع المدارس الإبتدائية والاعدادية بهدف تربية الناشية على الحس الثقافي والحضاري للمحافظة على هذه المعالم بمختلف معتمديات ولاية مدنين .

 ناشط بجمعية صيانة الجزيرة لـ"الصباح": الظاهرة تفشت..وهذه الحلول

وفي لقاء مراسل "الصباح" بولاية مدنين بالأستاذ ناصر بوعبيد ناشط بجمعية صيانة الجزيرة بجربة أفادنا ان الجمعية اهتمت منذ نشاتها سنة 1976 بكل ما يهم المواقع والمعالم والجوامع مشيرا ان ظاهرة التنقيب عن الكنوز بالجوامع والقبور والمعالم الاثرية استفحلت خلال العشريتين الماضيتين واصبحت تمثل تهديدا لحرمتها وقدسيتها واصالتها .

واعتبر محدثنا ان هذه الظاهرة تعبر عن جهل مقترفيها وعدم التزامهم ووعيهم باهمية هذه المعالم وقيمتها الحضارية والاثرية، ويعود تفشي هذه الظاهرة ، بحسب الاستاذ بوعبيد، لعدم حماية هذه المواقع من قبل الجهات المسؤولة، في ظل غياب حراس وعدم القيام بعمليات تسييج ودوريات امنية لحماية هذه المعالم من التخريب والسرقة، داعيا كل المتدخلين الي تحمل مسؤولياتهم للمحافظة على هذه المعالم .

ولم ينف محدثنا ان هناك مجهودات وعمليات عديدة بذلت لصيانة وتعهد واصلاح العديد من المعالم والمواقع والمساجد بجزيرة جربة غير ان انتهاكات طالتها بعد كل هذه المجهودات مستشهدا، بما عرفه جامع ولحي بمنطقة واد الزبيب بمعتمدية جربة اجيم من عمليات تخريب عديدة من طرف اشخاص لهم اعتقاد ان بهذا الجامع القديم كنوز، وبين انه رغم ما يقومون به من حفر ونبش لم نسمع لليوم انهم عثروا على الكنوز المزعومة .

في الاخير اشار الاستاذ الناصر بوعبيد الى اهمية اعادة الحياة للمواقع الأثرية الغنية بجزيرة جربة وهو ما يتطلب تعاونا بين كل الاطراف التي لها علاقة بها وردع ومعاقبة كل من تسول له نفسه بتخريب وانتهاك الجوامع والمعالم والقبور والمواقع.

ميمون التونسي

بُرج الحْصارْ بجزر قرقنة: المعلم الأكثر إعتداء بصفاقس

p7n1.jpg

تعتبر صفاقس من بين الولايات التي تتركز بها عدة مواقع أثرية على غرار قرقنة، طينة، بُطرية، يُونْڨا ، إلا أنه خلال السنوات الأخيرة تعرض البعض من هذه المواقع الى عمليات إعتداء مختلفة ومتكررة.

حفر.. تنقيب..وإهمال

ويقول مسؤول بمعهد التراث،إمتنع عن ذكر إسمه، لـ"الصباح" أن المعهد رصد عديد الاعتداءات بالمناطق الأثرية في جهة صفاقس تتمثل أغلبها في عمليات حفر أو تنقيب أو إهمال وأغلبها من قبل مواطنين . وبين أنه قد تم رفع تقارير هذه الاعتداءات التي تكاد تكون بصفة يومية إلى الجهات الأمنية .

 برج الحصار..وتقارير متكررة

وكشف محدثنا ان من بين أكثر المواقع الأثرية التي تكررت فيها عمليات الإعتداء هو موقع "برج الحصار" من جزيرة قرقنة حيث رصد اعوان معهد التراث بالجهة عمليات حفر وتنقيب وتم رفع تقارير الى الادارة المركزية وإشعار السلط المحلية. وأوضح ان دور المعهد هو فقط رصد هذه الإعتداءات وان له فقط السلطة الاستشارية وان حماية هذه المواقع من الإعتداءات المتنوعة هي من مهام سلط الإشراف رغم محاولة الادارة الجهوية بصفاقس التدخل للقيام بإصلاحات بالتعاون مع الجمعيات.كما أشار الى أن الإعتداءات اتخذت الكثير من الأشكال بما فيها عدم حماية وصيانة الاثار، بالإضافة الى وضع الفضلات في اماكن اثرية على غرار الفسقيات بمدينة صفاقس وهو ما يعد كذلك إعتداء.

هذا وتقع المنطقة الأثرية "برج الحصار" التي أشار إليها المتحدث في الجهة الشمالية الغربية لجزيرة الشرقي من معتمدية قرقنة وتعرف لدى الأهالي بعدة تسميات ، الحصار، المدينة أو المرسى ، وهو برج عثماني بني في بداية القرن السابع عشر ميلادي بأمر من باشا طرابلس في إطار حملة لتعمير الأرخبيل، وهو يعتبر أهم موقع أثري بجزر قرقنة ويمثل ٱثار مدينة "كركينا القديمة" تم إكتشافه سنة 1992 أين تم العثور على مقابر بونية ،مصانع منتوجات البحر، منشٱت مائية ،حوض إستحمام، جدران وأرضيات وقطع خزفية ترجع إلى بداية القرن السادس قبل الميلاد.

وفي سنة 2016 تعرض الجامع الكبير القابع بقلب المدينة العتيقة بصفاقس إلى عملية سرقة ، حيث تعمدت مجموعة من الافراد الى سرقة عمود رخامي يعود إلى سنة 1800 كان بجانب الباب الأمامي من الجامع .حيث أظهر شريط الفيديو الذي رصدته كاميرا المراقبة أن عملية السرقة تمت على الساعة السادسة صباحا بواسطة رافعة وتم إلقاء القبض على المعتدين.

عتيقة العامري

القصرين..مواقع في مرمى التنقيب والبناء الفوضوي وغياب سياسة جديّة لحمايتها وتثمينها

p6n4.jpg

  • احداث طريق جهوية على مقبرة تعود إلى فجر التاريخ

تعتبر ولاية القصرين من ولايات الجمهورية الأكثر ثراء على مستوى المعالم الأثرية اذ تحوي مخزونا رهيبا من الآثار من مختلف الحقبات التاريخية ، وتكتنز أغلب مناطق الولاية ما يناهز ثلث اثار البلاد التونسية بأكثر من 300 موقع أثري ومنها ما هو قابع في جوف الأرض في انتظار اعادة اكتشافه واحيائه .

في المقابل تنتصب مدن أثرية بأكملها على غرار اثار "سبيطلة" ومدينة "تلابت" الأثرية ، رغم الاهمال والعوامل الطبيعية وعربدة البشر، شامخة تكشف عراقة الولاية الضارب في التاريخ بمختلف محطاته ، مواقع لم تنجح في لفت الانتباه لضرورة حماية كنوز هذه البلاد وتثمينها واعطائها المكانة المستحقة، حيث بقيت لعقود متروكة ما جعل منها لقمة سائغة للاعتداءات باختلاف أشكالها من حفر ونبش وسرقة واعتداءات وبناء فوضوي من قبل كل من هب ودب في ظل سياسة الاهمال وغياب الحماية والمراقبة لهذه المقدرات الرهيبة من الاطراف المتداخلة ما ساهم في طمس بعض المعالم التاريخية وتشويه تفاصيلها.

معالم في مرمى النبش والاعتداء

لم يشفع لمدينة "تلابت" الأثرية تموقعها على حافة طريق وطنية رابطة بين القصرين ومدينة فريانة وعلى مساحة مكشوفة للعيان أن تكون بمنأى عن يد التخريب ووجهة لكل من أرادها وكرا للانحراف أو الحفر العشوائي لغياب عيون تحرسها ، هكذا عبر عدد من المهتمين بالتاريخ وتراث المنطقة وأهل الاختصاص في روايات متطابقة لـ"الصباح" .

وتفيد مصادر من المعهد الوطني للمحافظة على التراث بالجهة لـ"الصباح" بأن اثار "تلابت" بشكل خاص متفردة ، حيث تمثل مدينة بأكملها قائمة الذات تمتد على مساحة 90 هكتارا تضم 12 كنيسة من الفترة القديمة وحمامات رومانية وحصنا بيزنطيا ومسرحا أثريا الى جانب عدة معالم لم يتم الكشف عنها بعد الا بعد عمليات طويلة من الحفريات ، كما لفت مصدرنا الى غياب الامكانيات اللوجستية والبشرية للقيام بعمليات الحفريات وحماية النقائش والمعالم الاخرى التي هي  في حاجة ماسة الى مقر ادارة على الميدان ومخازن لضمان حماية هذه المعالم من السرقة والنهب والحفر العشوائي وكذلك من قسوة العوامل الطبيعية، الى جانب النقص الفادح في أعوان الحراسة وغياب مأوى لهم للقيام بعمل الحراسة للموقع ليلا التوقيت الفعلي لأغلب الاعتداءات.

كما أوضح أن الاعتداءات المسجلة تكمن في النبش والحفر العشوائي بشكل متصاعد بمعدل 30 اعتداء سنويا، وتحوله في فترة ما الى مأوى ووكر للمنحرفين.

 و تحدث مصدرنا عن مشروع اتفاقية أبرمت في عهد الوالي الأسبق بين المعهد الوطني للآثار والمجلس الجهوي وبلدية تلابت حول هذا التوجه مع توفر الاعتمادات اللازمة المقدرة ب200 ألف دينار ولكن مازال الأمر يراوح مكانه. وفي ذات الموضوع أكد رئيس بلدية "تلابت" شكري العماري لـ"الصباح" أن الأمر ككل يلفه الغموض ولكن تبقى فرضية المضي نحو تفعيل هذا الاتفاق رهينة تقديم المعهد الوطني للآثار برنامجه الوظيفي قبل المصادقة على الميزانية مطلع الأسبوع القادم حتى يتسنى الانطلاق في هذا المشروع لتثمين والمحافظة على ماتكتنزه تلابت من اثار متفردة.

كما تعرض موقع أثري آخر من معتمدية فريانة المعروف "بهنشير الأرنب" من عمادة بوحية الى عمليات نبش من مجهولين في شهر فيفري من السنة الماضية 2022 حيث فتح بحث في الغرض من قبل النيابة العمومية من أجل تكوين وفاق للنبش عن الاثار والكنوز وهي صورة مصغرة عن القليل مما تتعرض له آثار الجهة من اعتداءات بدأت حتى ما قبل الثورة لترتفع وتيرتها منذ 2012 وفقا لذات المصادر.

مواقع أخرى طالها العبث

مشاهد صادمة تداولها أبناء الجهة على مواقع التواصل الاجتماعي عن هدم تراث مادي ولا مادي، وتراكم الحجارة التي كانت شاهدة على تأسيس حضارات عريقة وانتهاك لمخزون أثري بالجهة يعود البعض منه الى 8000 سنة حتى ان بعض المواقع باتت مكانا لرعي الاغنام وهي مشاهد باتت مألوفة في ظل غياب أعوان للحراسة واهمال كبير من مختلف الاطراف المتداخلة ( من مندوبية الثقافة أو السياحة أو المعهد الوطني للتراث) ولكنها أشياء تحز في نفس كل مواطن شاهد على هذه الانتهاكات.

 ففي معتمدية فوسانة، على سبيل الذكر لا الحصر، طمست أشغال الطريق الجهوية في الاعوام السابقة تفاصيل موقع أثري يطلق عليه اسم 'خنقة السلوقي' ، حيث تم هدم مقابر تعود إلى فترة فجر التاريخ ويفوق عمرها ال7000 سنة واعتداء صريح من مقاولات تابعة لنائب سابق بالبرلمان وعلى مسمع وتواطؤ من السلطات الجهوية على موروث الحضارات التي مرت بالبلاد التونسية، وفق ذات المصادر ، حيث راسل المعهد الوطني للتراث الهياكل المسؤولة لكن لم يمنع ذلك من طمس جزء من مخزون البلاد من الآثار.

حيث تمت برمجمة حفريات سنة 2021 اثر تقدم قسم ما قبل التاريخ بالمعهد الوطني للتراث بطلب من أجل حفريات انقاذ وبمقتضى اتفاقية تم في ديسمبر الكشف عن اكتشافات هامة بهذا الموقع في انتظار نتائج الدراسات والنشر.

غير بعيد عن هذا الموقع وفي ذات المعتمدية تم تشييد طريق معبدة على أنقاض "رمادية" الحضارة القبصية أين كانوا يحرقون بقايا أكلهم المتمثل في الحلزون بالأساس وأطلقت هذه التسمية طبقا للون المكان الذي يغلب عليه اللون الرمادي وتكدس لبقايا الحلزون محروقة منذ آلاف السنين ليتم الكشف عنها العام الماضي كموقع أثري هام عرف باسم "كداس الرماد" وأشرف فريق من المعهد الوطني للتراث على عمليات الحفر والاكتشاف .

البناءات الفوضوية.. شكل آخر للانتهاكات

وفي معتمدية حيدرة كذلك أفادت ذات المصادر بأن أغلب الاثار تعرضت ولازالت تتعرض الى الاعتداءات خاصة منها البناء الفوضوي غير المرخص فيه فوق أراض تحوي آثار المنطقة وهذا االاشكال منتشر في الكثير من مناطق ولاية القصرين ، كما أكد ذلك رئيس جمعية احباء الاثار بحيدرة نيازي مسعودي لـ"الصباح" الذي تطرق الى أن هذا الشكل من الاعتداءات مشكل قديم متجدد ورغم ذلك أحيانا لا يتدخل المعهد الوطني للمحافظة على التراث لايقاف اشغال البناء، وفق قوله.

كما أكد على أن اثار حيدرة التي تمسح أكثر من 146 هكتارا تعاني الاهمال من هياكل الدولة كونها تستوجب الترميم وبطرق علمية تراعي خصوصية المعالم وليس مثل المهزلة التي حدثت عند ترميم جزء من الحصن البيزنطي اثر حدوث انجراف وفق توصيفه. وكشف محدثنا عن تعرض عدة معالم للنبش والحفر العشوائي خاصة في أحد المعابد المعروف لدى الاكاديميين وأهل الاختصاص (معبد الاله ساتيرن) حيث يوجد كم كبير من الحفر العشوائية من أجل النهب.

كما عبر مصدرنا عن أسفه لعدم اكتراث الدولة بمختلف هياكلها لمخزون عميق للحضارات الغابرة للبلاد وعدم التدخل حتى بالتسييج لأهم المعالم أو وضع انارة داخل المواقع الأثرية حتى يتسنى حمايتها ومراقبتها ليلا في الوقت الذي تكثر عمليات النبش حتى أنهم تمكنوا من ايجاد تمويلات خاصة لهذا المشروع ولكن لم يجدوا أي تفاعل مع الجهات المعنية رغم مراسلاتهم الى المعهد الوطني للمحافظة على التراث في شتى المخاطر التي تهدد الاثار بحيدرة.

                                                 صفوة قرمازي

القلعة الكبرى : معالم وآثار تروي أمجاد الماضي تتشكي إهمال الحاضر

تزخر مدينة القلعة الكبرى من ولاية سوسة بمخزون تراثيّ هائل يعود إلى حقبات تاريخيّة متنوّعة إذ تتوفّر بالمدينة آثارا إسلامية ومعالم تاريخية تمّ تشييدها خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر ويتواصل استغلالها إلى اليوم على غرار مسجد "القصر الجوفي" حسب ما يعرف به في الوثائق الأرشيفيّة والذي يسمّى اليوم عند الأهالي باسم جامع "باب الجامع " وهو يقع على الجهة الشماليّة من ساحة باب الجامع وسط المدينة وتبيّن النّقيشة التّأسيسيّة المثبّتة بواجهته الأمامية وما تتميّز به من بساطة خطّ الكتابة أنه شيّد من قبل الأهالي أواخر رجب من سنة 1047 هجري / ديسمبر1637م وليس من قبل السلطة الحاكمة التي عادة ما تثبّت نقائش تليق بمقام الحاكم .

آثار طالها العبث والنسيان

ويعتبر هذا المسجد المعلم التاريخي الوحيد بالمدينة الذي مازال يحافظ على معظم مكوّناته المعماريّة ويتميّز بموقعه الهام بتصدّره "السّوق "مركز الثقل الإقتصادي والتجاري باعتباره محاطا بعديد المحلات التجارية كما يمثّل الجامع الكبير على الجهة اليسرى في اتجاه الجنوب وسط النّواة الأصلية التي تكوّنت حولها المدينة والذي يعرف بالوثائق الأرشيفيّة بجامع" الخطبة" ثاني المعالم التاريخيّة الإسلامية الهامّة حيث تبيّن النقيشة المثبتة بواجهته الأماميّة بأنّ أشغال البناء بدأت سنة1167هجري /1754م وانتهت أواخر شهر شعبان 1182هجري /جانفي 1769 ميلادي. كما يعتبر "السّبط " بدوره واحدا من أبرز المعالم التاريخيّة التي تؤرّخ لعراقة المدينة .

العمق الرّيفي لمعتمديّة القلعة الكبرى يزخر بدوره بعديد المواقع الأثريّة المترامية التي لم تحظ باهتمام أهل الإختصاص والمعهد الوطني للتراث فطالتها أيادي العابثين والنابشين في الأرض والباحثين عن الآثار فمنطقة " وادي الخروب " من معتمدية القلعة الكبرى مثلا تضمّ دهاليز تعود إلى العهد الفينيقي. كما تزخر المنطقة الفلاحيّة "المدارج" بآثار تتكوّن من أحواض ورؤوس منحوتة مهملة تعرّض جانبا كبيرا منها إلى الإتلاف أو السّرقة، حسب ما أفاد به عديد النّاشطين بالمجتمع المدني، وذلك رغم توجيه عديد المراسلات إلى الجهات المعنيّة قصد التدخّل وصيانة هذه المعالم وحمايتها وإدراجها ضمن مسلك سياحيّ يُسهم في إنعاش الذّاكرة الشعبيّة وتنشيط الحياة السياحيّة والثقافيّة خلال اليوم السياحي ضمن فعاليات المهرجان الدّولي للزيتونة إلاّ أنّ شيئا من هذه المقترحات -رُغم أهميّتها لم يلق- اهتماما أو تفاعلا إيجابيّا من قبل الجهات المعنيّة والمسؤولة رأسا عن المحافظة عن المواقع الأثريّة وتثمينها .

 منطقة الكرارية من معتمديّة القلعة الكبرى تستأثر هي الأخرى بجانب مهمّ من الآثار حيث تنتصب إلى اليوم قرية رومانيّة طال الإهمال جانبا مهمّا منها جرّاء استهدافها بعمليات نهب وسلب ممنهجة من قبل تجّار الآثار ومهرّبيه في غياب كامل للسّلط وعدم تدخّل الجهات المعنيّة بحماية الآثار والمحافظة على التّراث وهو ما حكم على هذه القرية الرومانيّة الأثرية بأن تبقى تراثا بِكرا لم يقع تناوله بالدّراسة أو التّمحيص والتّدقيق إلى يومنا هذا من قبل أهل الذّكر وهو ما يفسّر شحّ المعلومات والتفاصيل المتعلقة بها.

 كما تنتشر، بنفس المنطقة، آثار لاتقلّ أهميّة عن القرية الرّومانيّة والمتمثّلة في ما يعرف ب "حمّام البغال" وهي آثار تعود إلى الحقبة الرّومانيّة والبيزنطية وتقع بالجهة الشماليّة من مدينة القلعة الكبرى وتحديدا بمنطقة "حطمان " ويبلغ ارتفاع بناياتها حدود الخمس أمتار وهي مبنيّة بحجارة الدبش الصّغيرة والمتوسّطة الحجم ويوجد بها حوض وأرضيّة فسيفسائيّة متعدّدة الألوان والأشكال إلاّ أنها تعاني الإهمال الشيء الذي ألحق بها عديد الأضرار وهو واقع عديد الآثار التي تم العثور عليها بضيعات منطقة "الفجّة " و"الحنية " والتي تم الإستيلاء عليها والتفويت في عدد منها في حين تصدّر عدد آخر منها قاعات جلوس بعدد من المنازل .

 وضع جعل عديد الجمعيّات المدنيّة التي تهتمّ بالتّراث بولاية سوسة تستنكر تجاهل وزارة الثقافة والمصالح المعنيّة لهذه الآثار وعدم القيام إلى اليوم بأيّة دراسات علميّة دقيقة حولها رغم وجودها بالخارطة الأثرية للمنطقة وتدعو السّلط المسؤولة إلى التّعجيل بالقيام بدراسات علميّة تتناول تراث المنطقة بطرق وأدوات المؤرّخ والباحث في الآثار والتّراث وباتّباع مقاربات علميّة من أجل مزيد التعرّف على خصوصيات هذه الآثار لتشكّل مرجعا حقيقيّا يمكن اعتماده في فهم ودراسة وتصحيح تاريخ المنطقة والتّفكير بعدها في إدراجها ضمن مسلك سياحيّ يضمّ أبرز المعالم الأثريّة بالمنطقة لحمايتها من أيادي العابثين التي تتهدّدها باستمرار و صيانتها وتعهّدها ممّا يلحق بها من أضرار بسبب الإهمال وسوء الإستغلال .

جمعية دروب للثقافة والتنمية..الإستثناء

ساهمت الهيئة المديرة لجمعية دروب للثقافة والتنمية بالقلعة الكبرى برئاسة سفيان الفقيه فرج بشكل فعّال في الإسهام في صيانة عدد من المعالم الأثرية وتحريك سواكن المسؤولين وعقد عديد الشراكات المثمرة مع المعهد الوطني للتراث وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة فقامت بتدخّل عميق على مستوى صيانة قبّة سيدي بن عيسى وإعادة صيانته وتهيئته وترميمه وتبليط أرضيته وكشف النقيشة واكتشاف معطيات جديدة ستمثّل منطلقا لتصحيح عديد المعطيات التاريخية المتعلّقة بالمعلم وخصوصيّاته كما قامت الجمعية بترميم حوض رومانيّ الذي تم اكتشافه مؤخرا في إطار أشغال حفريات "الدريبة " خلف مقر الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه ونقلة عناصر معمارية أثرية ونقيشة من معلم سيدي شواري إلى قبة سيدي بن عيسى في انتظار استكمال أشغال التّهيئة والإنطلاق في مشروع تهيئة "سباط بن لطيفة" .

أنور قلاّلة

بنزرت: التنقيب بين حلم الثروة وهاجس السجن

p7n2.jpg

 على مر التاريخ جذب موقع بنزرت الاستراتيجي الامبراطوريات المتوسطية التي حولتها لقاعدة توسع و برج مراقبة للتجارة البحرية وقد خلفت هذه الحضارات كما هائلا من التراث اللامادي والملموس اسال لعاب الباحثين عن الثراء السهل لتستشري عمليات التنقيب عن الاثار وما يصاحبها من عمليات تحيل كما لعبت الصدفة دورها في الكشف عن نفائس في بني نافع من معتمدية بنزرت الجنوبية .

رحلة البحث عن الكنز في بني نافع

ففي منتصف ديسمبر 2009 كشف حفر اسس منزل في بني نافع بنزرت الجنوبية عن سلسلة من المقابر البونية احتوت حسب الرواية الرسمية على كميات من الصحون والاباريق والجرار كانت كافية لإغراء الباحثين عن الكنوز الذين استباحوا المنطقة الهادئة التي تحولت لحلبة صراع حتى بين جيران" الساس" بعد انتشار شائعات عن عثور بعض المحظوظين من المسؤولين على حبات " اللويز " ومشغولات ذهبية بعد عبور سراديب موحشة  لكن الحلم بالثروة تحول الى كابوس بعد ان تعددت المشاحنات بين المغامرين التي بلغت حد استعمال بنادق صيد للدفاع عن مناطق النفوذ وانتهت بسجن عدد من متساكني المنطقة وزائريها.

"حوانت" غزالة مفتوحة للطامعين

غير بعيد عن بنزرت الجنوبية استوطن الرومانيون النبلاء سهول غزالة الخصبة التي تحميها المرتفعات وخلدوا مرورهم ببناء برج العدواني و" الحوانت " في الحكارة وهي بيوت صغيرة منحوتة في الصخور قادرة على اخفاء شخص راشد وتشهد هذه المناطق من حين لأخر محاولات بحث عن" التبر "( الذهب ) الذي تحلل وسط الرمل بمرور الزمن او"طميرة " تفطنت لها عيون خبيرة تسترت بالظلام واستغلت الاهمال وضعف الحراسة لقطفها دون اشكال او الوقوع في ايدي اعوان الحرس الوطني بغزالة الذين ضبطوا يوم 24 افريل 2018 شابين بحوزتهما قطعة أثرية معدنية كانا يعتزمان بيعها لأجنبي مقابل مبلغ 17 ألف دينار.وقد تم ايداعهما السجن بتهمة الاتجار في الاثار والتحيل .

اوتيك حماية الاثار تبدد امل الطامعين

بعد ثلاث سنوات تقريبا و في يوم 22 أفريل 2021 ضبطت فرقة الأبحاث العدلية للحرس الوطني ببنزرت 3 كهول من تونس العاصمة وأوتيك بصدد الحفر وحجزت لديهم 3 قطع حجرية تحمل كتابة رومانية كما احتفظت مركز الحرس الوطني باوتيك يوم 14 مارس 2022 بكهل فلاح اصيل المنطقة عثر في ضيعته على خناجر مرصعة بالذهب ومسدسات اثرية اضافة الى قرون عاجية وتماثيل حيوانات من المعدن الاصفر ومزهريات.. وتعتبر اوتيك اول مصرف بحري فينيقي والمدينة الرومانية الحرة عاصمة الفسيفساء وموطن التجار الاغنياء الذين تركوا العديد من المعلقات الاثرية المغرية لكن الحماية الموجودة بددت امال الطامعين.

لويز في جومين

وفي ظل التضييق على الحالمين بالثروة في المناطق الشرقية اتجهت الانظار الى الجزء الغربي من الولاية خاصة جومين اين انتشرت روايات عن اصطحاب المعمرين الفرنسيين لكميات هامة من الاواني الفخارية التي عثر عليها في مناجم السمان وغيرها مما اغرى التونسيين بإطلاق رحلات الاستكشاف بعضها كان مثمرا بعد فك شفرات المسارات بعد الاستعانة ب" عزامة " كما تداول وجود " ذخيرة " في تاهنت ليتبين فيما بعد ان الامر يتعلق بعملية تحيل على اجانب..لكن الثابت ان ثلاث مواطنين قد عثروا يوم 30 افريل 2014 على قطع نقدية ذهبية وسط جرة اثرية بمناسبة اشغال حفر على طريق "رواحة " لكن الروايات الشعبية اكدت ان المعنيين قد عثروا على كميات من " اللويز " اختلفوا عند قسمتها ومحاولة تسويقها فوقعوا جميعا في قبضة الامن بعد انتشار الخبر.

وتجد الاشارة انه اضافة الى محاولات النبش عن الاثار في البر فقد رصدت محاولات للبحث عن نفائس البحر في مارينا بنزرت مما دفع والي الجهة يوم 20 جانفي 2013 لاتخاذ قرار ايقاف الاشغال بالمشروع الضخم حتى تتمكن وزارة الثقافة من التدقيق في المسالة وقد مكنت العملية التي تمت بالتعاون مع الحرس البحري من استرجاع كميات هامة من الاثار .

ساسي الطرابلسي

 مديرة المحافظة على التراث لـ"الصباح": دول تسعى للاستحواذ على قطع أثرية تونسية والوعي باهمية هذه الثروة مفقود

"بناء عشوائي طال مواقع أثرية على مراى ومسمع من السلط المحلية والجهوية ومن بين الأشياء الموجعة، مثلا ،عمليات البناء بالمدينة العتيقة بتونس والتي لا تتماشى وخصوصيات هذه المنطقة الأثرية في ظل صمت مطبق من السلطات"، هكذا تحدثت سامية حمامي مديرة المحافظة على التراث بوزارة الثقافة لـ"الصباح " بشأن ملف الاعتداء على الاثار والمواقع الأثرية ونهب الآثار.

وبينت محدثتنا ان من أكبر مشاكل المواقع المعالم الأثرية غياب الوعي لدى المسؤولين والمواطنين على حد السواء ، الوعي بقيمة هذا الموروث الضخم الذي يمثل هويتنا و شرفنا الذي يجب المحافظة عليه، مؤكدا على وجوب الوعي بضرورة حماية التراث والمواقع الأثرية والاثار في ظل مساعي عديد الدول للاستحواذ على هذه الثروة التي لا تقدر بثمن للبروز ولجلب السياح.

وشددت مديرة المحافظة على بوزارة الثقافة ان تثمين هذه المعالم والقطع الأثرية من شانه أن يجلب السياح من مختلف دول العالم لزيارة بلادنا.

واعتبرت أن موجة حرق "الزوايا" ابان الثورة كان بإيعاز من بعض الجهات ويهدف لضرب الهوية التونسية وتاريخها، معتبرة ان تثمين الاثار والمعالم الاثرية من شأنه توفير موارد هامة للدولة بالعملة الصعبة .

وكشفت محدثتنا ان تجارة الاثار تحتل المرتبة الثالثة ضمن شبكات تجارة الممنوعات بعد تجارة المخدرات والاسلحة كونها مصدر من مصادر الثروة وتمويل الإرهاب.

 واعتبرت المديرة أن من معيقات النهوض بقطاع التراث تشعب القوانين، حيث تم وضع ترسانة من القوانين التي كبلت الإجراءات وعمقت البيروقراطية مع تعدد الجهات المعنية بحماية هذا الموروث الضخم ما أدى الى استنزاف الجهود دون تحقيق المطلوب.

وبينت ان من أبرز الآليات المعمول بها في بلادنا لحماية مخزوننا التراثي الضخم قرار الحماية التحفظي، الا انه وللأسف بعد اتخاذ وزير الثقافة لقرار الحماية يبقى القرار دون تتبع لتبقى بعض المعالم لمدة طويلة تحت الحماية دون اتخاذ اي قرار اما بتواصل حمايته أو ترتيبها.

وأكدت ان نقص الموارد البشرية واللوجستية من المشاكل التي تحول دون قيام الإدارات المعنية بحماية التراث بعملها على الوجه الاكمل.

ولحماية هذه المعالم الأثرية، في ظل محدودية موارد الدولة وعدم قدرتها على حماية كل المواقع، أكدت مديرة المحافظة على التراث بوزارة الثقافة انه قد تم فسح المجال للخواص للإستثمار في التراث في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص وذلك في إطار لزمة تخضع لكراس شروط يتم اعدادها من قبل الجهات المعنية ويتحتم على المستثمر احترامها عند استغلال المعلم التاريخي، مشيرة إلى أن هذا التوجه انطلق العمل به من أجل انقاذ المعالم الأثرية وادراجها في إطار الدورة الاقتصادية عبر استغلالها ضمن المسالك السياحية.

حنان قيراط