تونس-الصباح
لا خلاف حول تزايد مؤشرات تململ الشارع الاجتماعي وإمكانية تقاطعه مع الشارع السياسي في ظل أزمة مواطنية وأزمة اجتماعية مركبة بين عوامل داخلية هكيلية ميزتها غلاء الأسعار بشكل متزايد وغياب لبعض المواد الأساسية للتونسيين.
وزاد سياق الأزمة الدولية في الترفيع من مؤشرات خطورة الوضع في البلاد وفقا لما تناقلتها التقارير المحينة لعدد من المؤسسات الدولية والتي أثرت سلبا على التصنيف الائتماني لبلادنا بما أسهم بشكل واضح في تدحرج الاقتصاد التونسي من Caa1 إلى Caa2 مع نظرة مستقبلية سلبية بما يعنيه ذلك من تخوفات من اعلان إفلاس بلادنا.
وألقت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بضلالها على الشارع الاجتماعي بعد ارتفاع نسب التونسيين تحت خط الفقر وتآكل الطبقة الوسطى وارتفاع مؤشرات البطالة مقابل شح في الاستثمار بل ونهاية غير متوقعة لعدد من الشركات الصغرى والمتوسطة.
غير أن ما يسمى "بمسار التصحيح" أخطأ أهدافه بعد أن قدم حلولا غير واقعية للجماهير التي رفعت من سقف طموحاتها ورأت في 25 جويلية مدخلا لإعادة خلق الثروة وتوزيعها على المحتاجين وهو ما لم يحصل لتزيد درجات الفقر والخصاصة لدى التونسيين دون أن ينجح الرئيس قيس سعيد في تحقيق آمال المواطنين.
وعلى امتداد 3 أيام شهد جانفي الماضي تحركات احتجاجية بعدد من جهات البلاد حيث تحرك الشارع الشعبي تعبيرا عن مواقفه الرافضة لواقعه الاقتصادي المتأزم.
وعرفت منطقة حي الزهور بولاية القصرين مواجهات بين محتجين وقوات الأمن حيث قام بعضهم بغلق الطريق الرئيسية ورشق وحدات الشرطة بالحجارة، والتي ردّت باستعمال الغاز المسيل للدموع لتفريقهم.
وعرفت مدينة القيروان ومنطقة الملاسين وحي التضامن بالعاصمة احتجاجات ليلية، حيث قام متظاهرون بإحراق الإطارات المطاطية وسط تعزيزات أمنية كبيرة.
كما كان للمتقاعدين بتونس موعد مع الاحتجاج تنديدا بما اعتبرتها "الظروف الصعبة التي يعيشها المتقاعد في البلاد".
وشهد الشارع التونسي وقفة احتجاجية يوم 19 جانفي الماضي للمتقاعدين حيث أعربوا عن حقهم في حياة كريمة وبأن يعاملوا بأعلى مقومات العناية، "لا أن يصبحوا في قلق على موردهم، الذي تنهشه قوانين كارثية متوحشة"، مشيرة إلى أن الكثيرين "أصبحوا عاجزين عن توفير الحد الأدنى من العيش الكريم".
وانتقدت جامعة المتقاعدين "غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار"، بالإضافة إلى "عدم توفر العديد من المواد الأساسية وخاصة الدواء، والارتفاع غير المبرر لفواتير الماء والكهرباء"، محذرة من "تدهور الوضع" مع تطبيق الحكومة إملاءات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي.
وأكد الكاتب العام للجامعة العامة للمتقاعدين، عبد القادر النصري، "، عدم صرف المستحقات العاقلة لدى الصناديق الاجتماعية منذ سنوات، إضافة إلى تعرض جراياتهم إلى خصومات متعدّدة بسبب قوانين ''تلتهم'' نسبة كبيرة منها.
وخلقت هذه العلاقة بين سعيد وجزء كبير من جمهور 25 جويلية هوة سحيقة كشفتها نتائج الانتخابات التشريعية 17ديسمبر 29جانفي وقبلها نتائج الاستفتاء التي كانت ضعيفة بمختلف المقاييس العلمية لأي عملية انتخابية.
واستشعر النظام خطر التراجع الشعبي ليتخلى الرئيس على إثرها عن واجب التحفظ ويكشف عن ما يحاك من مؤامرات لضرب الاستقرار من خلال "احتكار" السلع والمواد الغذائية لا للمضاربة فيها فحسب بل أيضا لجعل الشارع التونسي في صدام مباشر مع الشارع السياسي الذي اتهمه قيس سعيد والأبحاث القضائية في قضية لزهر العكرمي وكمال اللطيف وخيام التركي وعبد الحميد الجلاصي بافتعال الأزمات بهدف الإطاحة بالنظام.
هكذا رواية ولئن كانت ذات منحى قضائي وامني وفق دوائر النظام فإنها لم تكن مقبولة مجتمعيا حيث تحرك الشارع الاجتماعي ليعبر عن رفضه لهذه الرواية والتي صنفت على أنها غير منطقية بالمرة بهدف توجيه التونسيين عن قضايهم الحقيقية "وتبديل اهتمامهم بواقعهم السياسي والاقتصادي المعاش الى واقع وهمي بهدف التلبية".
وعلى غرار مواقف المعارضة لم يخف المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل موقفه من مسالة الإلهاء بالملفات للتغطية على المشاكل الحقيقية للشعب حيث أكد في بيان الأخير "أن الغاية من ذلك إلهاء الرأي العام عن مشاكله الحقيقية مثل مشاكل المعيشة والشغل وضمان مستقبل الأبناء ” وانها “للتغطية على فشل السياسات الحكومية المتّبعة” مجددا رفضه” لأيّ استهداف للحقوق والحريات العامّة والفردية ومنها الحقوق النقابية تحت أيّ ذريعة كانت”.
واستنكر بيان المكتب التنفيذي أول أمس الأربعاء “حملات الاعتقال العشوائية التي طالت العديدين وما شابتها من خروقات قانونية وتجاوزات إجرائية ومحاولات تلفيق التهم وحملات تشهيرية في ظلّ تعتيم كامل وغياب أيّة معلومة رسمية عن طبيعة التهم ومآلات التحقيق”.
وشدد الاتحاد في بيان صادر أمس عقب اجتماع مكتبه التنفيذي على ” ضرورة المحاسبة ” على “ أن تقوم على قاعدة احترام القانون وضمان الحقّ في محاكمة عادلة وشفّافة ورفض تصفية الحسابات السياسية عبر توظيف القضاء والتنكيل بالخصوم والخلط بين المتورّطين الحقيقيين والأبرياء”.
ولم تشكل تقاطعات الشارع السياسي والاجتماعي حول نقاط أزمة البلاد فحسب بل كان لإمكانيات البحث عن الإنقاذ تقاطعاته أيضا من خلال الدعوة لحوار وطني ناجز يؤسس لمرحلة جديدة من الاستقرار مع إعادة الدولة من سكة الانحرافات الى مربع التعقل.
خليل الحناشي
