إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

خبير دولي في البيئة والتنمية المستديمة يحذر: كلفة المديونية وتلوث المائدة المائية ستكون باهظة جدا

 
 
ـ عوضا عن الهيئة الدستورية لحقوق الأجيال القادمة التي لم تر النور اقترح تركيز هيئة خبراء 
 
تونس- الصباح
حذر عادل الهنتاتي الخبير الدولي في البيئة والتنمية المستدامة من أن كلفة المديونية والتلوث البيئي ستكون باهظة جدا وستثقل كاهل الأجيال القادمة. وبين في تصريح لـ"الصباح" أنه حان الوقت لإيقاف نزيف الاقتراض الخارجي الذي يتم بفوائد مشطة تحول دون تحقيق التنمية الفعلية، وذكر أن الخطير في الأمر هو أن تونس أصبحت تقترض لكي تقوم بخلاص القروض التي حصلت عليها في ما مضى والخروج من هذه الدوامة حسب قوله لن يكون سهلا. 
 وأضاف أنه آن الأوان أيضا للحد من الآثار الوخيمة لاستنزاف الموارد الطبيعية وتلويث المائدة المائية وما سينجر عنه من تبعات خطيرة على صحة التونسيين، وأشار إلى ضرورة مراعاة بعد التنمية المستديمة في أي مشروع يقع انجازه على التراب الوطني، وإلى ضرورة التفكير في حقوق الأجيال القادمة. وذكر أن الحكومة الحالية كونت لجنة فيها وزراء سابقون وكتاب دولة للبيئة  وانتهت إلى وضع إستراتيجية وطنية للانتقال الايكولوجي لكن هذه الخطوة غير كافية. 
وتهدف الإستراتيجية الوطنية للانتقال الايكولوجي كما جاء في بلاغ صادر عن رئاسة الحكومة يوم 3 فيفري الجاري إلى ضمان ديمومة رأس المال الطبيعي وتحسين كفاءة استعمال الموارد في كافة الأنشطة واعتماد حوكمة مؤسساتية وقطاعية شاملة ودامجة ترابيا وتوفير آليات تمويل ملائمة واعتماد تنمية متكيفة مع التغيرات المناخية وصامدة أمام الكوارث، وضمان التصرف الرشيد في الموارد الطبيعية وحماية واستصلاح المنظومات الايكولوجية، والقضاء على النقاط السوداء للتلوث وتطهير واستصلاح المواقع الملوثة وتركيز الاقتصاد الدائري إلى جانب تنمية الثقافة البيئية والعلوم والمعارف وكفاءة الموارد البشرية في مجالات حماية البيئة والتنمية المستدامة وتعميمها على مختلف القطاعات.
ويرى الخبير عادل الهنتاتي أن الإستراتجية المذكورة لا يمكن أن تؤتي أكلها في غياب احترام التنمية المستديمة وفي صورة عدم وضع حد لسياسة الاقتراض وبين أنه لا يمكن أن ننسى أن كلفة التلوث البيئي مرتفعة جدا وهذه الكلفة تتجه نحو الزيادة من سنة إلى أخرى لأن الحكومات المتعاقبة لم تنجح في معالجة مشكل الفضلات. وفسر محدثنا مخاطر التلوث البيئي بربطه بالصحة العامة وبين أن تلوث الهواء الناجم عن المصانع إلى جانب تلوث المياه يضر عاجلا وآجلا بالصحة ويتسبب بالتالي في أمراض ومن ثمة في ارتفاع نفقات الصحة على مدى متوسط وبعيد. وبين أن مثل هذه المشاكل كان بالإمكان تلافيها لو تم التوقي في الوقت المناسب من عوامل تلوث المائدة المائية مثلما كان بالإمكان استشراف مشكل التوتر المائي الذي تعاني منه البلاد اليوم ومعالجة هذا المشكل منذ سنوات من خلال إصلاح شبكات مياه الصوناد وشبكات الري للحيلولة دون إهدار قرابة الأربعين بالمائة من المياه وكذلك من خلال الاهتمام بالسدود، وليس هذا فقط بل كان يجب معالجة مشاكل تلوث الهواء لأنها تتسبب في التغيرات المناخية وتدهور التنوع الايكولوجي، مثلما كان يجب التحسب لظواهر أخرى مثل التصحر وتملح الأرض وما نجم عنه من تراجع في خصوبة التربة وأدى إلى تقلص الإنتاج فكل هذه المشاكل من شأنها أن تجعل مطلب تحقيق الأمن الغذائي شبه مستحيل حسب تقدير الخبير ولاحظ أن غياب الأمن الغذائي يتناقض مع مبدأ التنمية المستديمة فالأمن الغذائي يجعل الدولة مستقلة فعلا ولا يجعلها مكرهة على الاقتراض بنسب فائدة مرتفعة وذلك من أجل توريد الحبوب بالعملة الصعبة. 
هيئة خبراء 
وذكر عادل الهناتي أن كل قرض وكل مشروع سواء كان هذا المشروع صناعي أو فلاحي أو تجاري أو يتصل بالبنية التحتية وغيرها يجب عند دراسته مراعاة بعد التنمية المستديمة والتفكير في آثاره على الأجيال القادمة، ودعا الخبير رئاسة الجمهورية والحكومة إلى إحداث هيئة مصغرة تتكون من 12 خبيرا في مختلف المجالات يتمتعون بالمصداقية العلمية والفنية  وتكليفها بإبداء الرأي الاستشاري في جميع مشاريع القروض والمشاريع الاقتصادية في غضون شهر على أقصى تقدير وذلك قبل المصادقة عليها في مجلس الوزراء، وتكون هذه الهيئة بديلا لهيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة التي جاء بها دستور 2014 لكنها لم تر النور. 
وكرس دستور 2022 حق المواطن في بيئة سليمة ومتوازنة وألزم الدولة بضمان هذا الحق والمساهمة في سلامة المناخ وتوفير الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوث البيئي وتوفير الماء الصالح للشراب للجميع على قدم المساواة والمحافظة على الثروة المائية للأجيال القادمة فضلا عن حماية الموروث الثقافي وضمان حق الأجيال القادمة فيه، ولكنه في المقابل ألغى هيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة، تلك الهيئة التي انتظر منها الناشطون في المجتمع المدني أن تتصدى للمديونية المشطة وتكون بالمرصاد للمشاريع التي من شأنها أن تلحق أضرارا بالموارد الطبيعية والبيئة والصحة لكنها بقيت حبرا على ورق لأن مجلس نواب الشعب المنحل أخفق في تركيزها مثلما أخفق في تركيز المحكمة الدستورية وهيئة حقوق الإنسان وهيئة مكافحة الفساد وهيئة الاتصال السمعي والبصري. 
وأشار الهنتاتي إلى أنه كان من المستحيل تركيز الهيئة التي نص عليها دستور 2014 نظرا للتجاذبات السياسية التي كانت موجودة في البرلمان ولعدم توفر الإرادة لبعثها خاصة وأن هذه الهيئة تتمتع بصلاحيات كبيرة. 
وللتذكير في هذا السياق، يتركب مجلس الهيئة كما نص عليه القانون الأساسي عدد 60 لسنة 2019 المؤرخ في 9 جويلية 2019 من تسعة أعضاء من بين الشخصيات الوطنية ويتم انتخابهم من قبل مجلس نواب الشعب بأغلبية الثلثين لمدة ستة سنوات غير قابلة للتجديد من بين الاختصاصات التالية: مختص في الموارد الطبيعية والتنمية المستدامة، مختص في العلوم الإنسانية والاجتماعية، مختص في علوم التربية، مختص في الشؤون القانونية، مختص في الشؤون الاقتصادية، مختص في التخطيط الإستراتيجي، مختص في البيئة والتغيرات المناخية، مختص في التهيئة الترابية والتعمير، عضو ناشط في جمعيات المجتمع المدني في مجال التنمية المستدامة لمدة لا تقل عن 7 سنوات.  
وذكر الهنتاتي أنه حتى لو تم انتخاب مجلس الهيئة فإنها لن تستطيع أن تقوم بالمهام الثقيلة التي أنيطت بعهدتها نظرا لأن القانون المحدث لها نص على أنها تتكون من منتدى ضخم يتركب من 120 فردا وبين أنه لا يمكن للجنة بمثل هذا العدد أن تتفق حول أي مشروع وقد تستغرق في نقاش مشروع واحد أشهرا عديدة فهي تتكون من ممثلين عن الأطراف الاجتماعية والهيئات المهنية والمؤسسات والمنشآت العمومية والجماعات المحلية والأحزاب والمنظمات الوطنية والجمعيات والخبراء وبالتالي من الصعب جدا أن يتوافق هؤلاء حول مشروع يعرض عليهم. 
وبالعودة إلى قانون الهيئة، تجدر الإشارة إلى أن المنتدى يتركب من مجلس الهيئة ومن منتدى فيه ممثلين عن المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا للشغالين والمنظمة النقابية الأكثر تمثيلا للأعراف والمنظمة الفلاحية الأكثر تمثيلا للفلاحين والبحارة والاتحاد الوطني للمرأة التونسية والهيئة الوطنية للمحامين والمجلس الوطني لعمادة الأطباء والمجلس الوطني لعمادة أطباء الأسنان والمجلس الوطني لعمادة الأطباء البياطرة والمجلس الوطني لعمادة الصيادلة، إضافة إلى ممثلين عن عمادة المهندسين التونسيين والمجلس الوطني لعمادة المهندسين المعماريين وهيئة الخبراء المحاسبين بالبلاد التونسية ومجمع المحاسبين للبلاد التونسية والبنك المركزي التونسي والمعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية والمجلس الوطني للحوار الاجتماعي والوكالة العقارية الصناعية ووكالة النهوض بالصناعة والديوان الوطني للمناجم والوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة والهيئة التونسية للاستثمار والمندوبية العامة للتنمية الجهوية والوكالة العقارية الفلاحية ومعهد المناطق القاحلة والديوان الوطني للصناعات التقليدية والديوان الوطني للأسرة والعمران البشري.
كما يتركب المنتدى أيضا من ممثلين عن ديوان قيس الأراضي والمسح العقاري ووكالة التهذيب والتجديد العمراني والوكالة الوطنية لحماية المحيط والمعهد الوطني للإحصاء والمعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية والمعهد الوطني للاستهلاك والمعهد الوطني للرصد الجوي ووكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي ووكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية والوكالة التونسية للتشغيل والعمل المستقل والوكالة التونسية للتكوين المهني إلى جانب ممثلين عن الصناديق الاجتماعية ومرصد الشباب والكريديف ومركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية وبنك الجينات والوكالة الوطنية للتصرف في النفايات والديوان الوطني للتطهير والإدارة العامة للغابات والإدارة العامة للموارد المائية والإدارة العامة للتهيئة والمحافظة على الأراضي الفلاحية ومركز تونس الدولي لتكنولوجيا البيئة والمرصد التونسي للبيئة والتنمية المستدامة ووكالة الإرشاد والتكوين الفلاحي إلى جانب رؤساء مجالس البلديات الموجودة بمراكز الولايات وممثلين عن الأحزاب والتحالفات الانتخابية البرلمانية وعن الاتحاد الوطني للمكفوفين والاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي والهلال الأحمر التونسي والكشافة التونسية وكنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية وممثلين عن الجمعيات الناشطة في مجالات اقتصادية واجتماعية وحقوق الإنسان والبيئة وحماية الطبيعة والتنمية المستدامة والمرأة والتربية والتراث الثقافي وحماية المستهلك وحماية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخصوصية والطفولة والشباب.
كما يضم منتدى هيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة خبراء في التنمية المستدامة والبيئة والتغيرات المناخية والتهيئة الترابية والتعمير وعلوم الإحصاء والدّيمغرافيا وعلم الاجتماع وعلم النفس والإعلام والاتصال ووسائل التواصل الاجتماعي، وخبراء في التخطيط والتوازنات المائية والاقتصاد الأخضر وقوانين البيئة والتحكم في الطاقة والثروات الطبيعية والاقتصاد البيئي.
وذكر الخبير عادل الهنتاتي أنه سبق له أن نبه مجلس نواب الشعب بمناسبة نقاش مشروع القانون المتعلق بهيئة التنمية المستديمة وحقوق الأجيال القادمة أن تركيبة بهذا الشكل ستجعل الهيئة تولد ميتة لأنه يستحيل تحقيق التوافق بين أعضائها. 
وباستفساره عن الفرق بين هذه الهيئة وبين المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي تم إحداثه في عهد بن علي بين الجامعي أن الهيئة بتلك التركيبة كانت ستكون بالضرورة مسيسة وغير ناجعة ونفس الشيء بالنسبة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي فهذا المجلس كان بهرجا ولم يقدم إضافة كبيرة للبلاد. وخلص إلى أنه من الأفضل الاقتصار على لجنة مصغرة من الخبراء الأكفاء وتقوم هذه الأخيرة بدراسة المشاريع المعروضة عليها وتبدي فيها الرأي من خلال تقديم تقرير واضح وشامل لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والقرار الأخير يعود لهما لأنهما هما اللذان يتحملان المسؤولية السياسية.
 
سعيدة بوهلال   
 
 
  خبير دولي في البيئة والتنمية المستديمة يحذر: كلفة المديونية وتلوث المائدة المائية ستكون باهظة جدا
 
 
ـ عوضا عن الهيئة الدستورية لحقوق الأجيال القادمة التي لم تر النور اقترح تركيز هيئة خبراء 
 
تونس- الصباح
حذر عادل الهنتاتي الخبير الدولي في البيئة والتنمية المستدامة من أن كلفة المديونية والتلوث البيئي ستكون باهظة جدا وستثقل كاهل الأجيال القادمة. وبين في تصريح لـ"الصباح" أنه حان الوقت لإيقاف نزيف الاقتراض الخارجي الذي يتم بفوائد مشطة تحول دون تحقيق التنمية الفعلية، وذكر أن الخطير في الأمر هو أن تونس أصبحت تقترض لكي تقوم بخلاص القروض التي حصلت عليها في ما مضى والخروج من هذه الدوامة حسب قوله لن يكون سهلا. 
 وأضاف أنه آن الأوان أيضا للحد من الآثار الوخيمة لاستنزاف الموارد الطبيعية وتلويث المائدة المائية وما سينجر عنه من تبعات خطيرة على صحة التونسيين، وأشار إلى ضرورة مراعاة بعد التنمية المستديمة في أي مشروع يقع انجازه على التراب الوطني، وإلى ضرورة التفكير في حقوق الأجيال القادمة. وذكر أن الحكومة الحالية كونت لجنة فيها وزراء سابقون وكتاب دولة للبيئة  وانتهت إلى وضع إستراتيجية وطنية للانتقال الايكولوجي لكن هذه الخطوة غير كافية. 
وتهدف الإستراتيجية الوطنية للانتقال الايكولوجي كما جاء في بلاغ صادر عن رئاسة الحكومة يوم 3 فيفري الجاري إلى ضمان ديمومة رأس المال الطبيعي وتحسين كفاءة استعمال الموارد في كافة الأنشطة واعتماد حوكمة مؤسساتية وقطاعية شاملة ودامجة ترابيا وتوفير آليات تمويل ملائمة واعتماد تنمية متكيفة مع التغيرات المناخية وصامدة أمام الكوارث، وضمان التصرف الرشيد في الموارد الطبيعية وحماية واستصلاح المنظومات الايكولوجية، والقضاء على النقاط السوداء للتلوث وتطهير واستصلاح المواقع الملوثة وتركيز الاقتصاد الدائري إلى جانب تنمية الثقافة البيئية والعلوم والمعارف وكفاءة الموارد البشرية في مجالات حماية البيئة والتنمية المستدامة وتعميمها على مختلف القطاعات.
ويرى الخبير عادل الهنتاتي أن الإستراتجية المذكورة لا يمكن أن تؤتي أكلها في غياب احترام التنمية المستديمة وفي صورة عدم وضع حد لسياسة الاقتراض وبين أنه لا يمكن أن ننسى أن كلفة التلوث البيئي مرتفعة جدا وهذه الكلفة تتجه نحو الزيادة من سنة إلى أخرى لأن الحكومات المتعاقبة لم تنجح في معالجة مشكل الفضلات. وفسر محدثنا مخاطر التلوث البيئي بربطه بالصحة العامة وبين أن تلوث الهواء الناجم عن المصانع إلى جانب تلوث المياه يضر عاجلا وآجلا بالصحة ويتسبب بالتالي في أمراض ومن ثمة في ارتفاع نفقات الصحة على مدى متوسط وبعيد. وبين أن مثل هذه المشاكل كان بالإمكان تلافيها لو تم التوقي في الوقت المناسب من عوامل تلوث المائدة المائية مثلما كان بالإمكان استشراف مشكل التوتر المائي الذي تعاني منه البلاد اليوم ومعالجة هذا المشكل منذ سنوات من خلال إصلاح شبكات مياه الصوناد وشبكات الري للحيلولة دون إهدار قرابة الأربعين بالمائة من المياه وكذلك من خلال الاهتمام بالسدود، وليس هذا فقط بل كان يجب معالجة مشاكل تلوث الهواء لأنها تتسبب في التغيرات المناخية وتدهور التنوع الايكولوجي، مثلما كان يجب التحسب لظواهر أخرى مثل التصحر وتملح الأرض وما نجم عنه من تراجع في خصوبة التربة وأدى إلى تقلص الإنتاج فكل هذه المشاكل من شأنها أن تجعل مطلب تحقيق الأمن الغذائي شبه مستحيل حسب تقدير الخبير ولاحظ أن غياب الأمن الغذائي يتناقض مع مبدأ التنمية المستديمة فالأمن الغذائي يجعل الدولة مستقلة فعلا ولا يجعلها مكرهة على الاقتراض بنسب فائدة مرتفعة وذلك من أجل توريد الحبوب بالعملة الصعبة. 
هيئة خبراء 
وذكر عادل الهناتي أن كل قرض وكل مشروع سواء كان هذا المشروع صناعي أو فلاحي أو تجاري أو يتصل بالبنية التحتية وغيرها يجب عند دراسته مراعاة بعد التنمية المستديمة والتفكير في آثاره على الأجيال القادمة، ودعا الخبير رئاسة الجمهورية والحكومة إلى إحداث هيئة مصغرة تتكون من 12 خبيرا في مختلف المجالات يتمتعون بالمصداقية العلمية والفنية  وتكليفها بإبداء الرأي الاستشاري في جميع مشاريع القروض والمشاريع الاقتصادية في غضون شهر على أقصى تقدير وذلك قبل المصادقة عليها في مجلس الوزراء، وتكون هذه الهيئة بديلا لهيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة التي جاء بها دستور 2014 لكنها لم تر النور. 
وكرس دستور 2022 حق المواطن في بيئة سليمة ومتوازنة وألزم الدولة بضمان هذا الحق والمساهمة في سلامة المناخ وتوفير الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوث البيئي وتوفير الماء الصالح للشراب للجميع على قدم المساواة والمحافظة على الثروة المائية للأجيال القادمة فضلا عن حماية الموروث الثقافي وضمان حق الأجيال القادمة فيه، ولكنه في المقابل ألغى هيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة، تلك الهيئة التي انتظر منها الناشطون في المجتمع المدني أن تتصدى للمديونية المشطة وتكون بالمرصاد للمشاريع التي من شأنها أن تلحق أضرارا بالموارد الطبيعية والبيئة والصحة لكنها بقيت حبرا على ورق لأن مجلس نواب الشعب المنحل أخفق في تركيزها مثلما أخفق في تركيز المحكمة الدستورية وهيئة حقوق الإنسان وهيئة مكافحة الفساد وهيئة الاتصال السمعي والبصري. 
وأشار الهنتاتي إلى أنه كان من المستحيل تركيز الهيئة التي نص عليها دستور 2014 نظرا للتجاذبات السياسية التي كانت موجودة في البرلمان ولعدم توفر الإرادة لبعثها خاصة وأن هذه الهيئة تتمتع بصلاحيات كبيرة. 
وللتذكير في هذا السياق، يتركب مجلس الهيئة كما نص عليه القانون الأساسي عدد 60 لسنة 2019 المؤرخ في 9 جويلية 2019 من تسعة أعضاء من بين الشخصيات الوطنية ويتم انتخابهم من قبل مجلس نواب الشعب بأغلبية الثلثين لمدة ستة سنوات غير قابلة للتجديد من بين الاختصاصات التالية: مختص في الموارد الطبيعية والتنمية المستدامة، مختص في العلوم الإنسانية والاجتماعية، مختص في علوم التربية، مختص في الشؤون القانونية، مختص في الشؤون الاقتصادية، مختص في التخطيط الإستراتيجي، مختص في البيئة والتغيرات المناخية، مختص في التهيئة الترابية والتعمير، عضو ناشط في جمعيات المجتمع المدني في مجال التنمية المستدامة لمدة لا تقل عن 7 سنوات.  
وذكر الهنتاتي أنه حتى لو تم انتخاب مجلس الهيئة فإنها لن تستطيع أن تقوم بالمهام الثقيلة التي أنيطت بعهدتها نظرا لأن القانون المحدث لها نص على أنها تتكون من منتدى ضخم يتركب من 120 فردا وبين أنه لا يمكن للجنة بمثل هذا العدد أن تتفق حول أي مشروع وقد تستغرق في نقاش مشروع واحد أشهرا عديدة فهي تتكون من ممثلين عن الأطراف الاجتماعية والهيئات المهنية والمؤسسات والمنشآت العمومية والجماعات المحلية والأحزاب والمنظمات الوطنية والجمعيات والخبراء وبالتالي من الصعب جدا أن يتوافق هؤلاء حول مشروع يعرض عليهم. 
وبالعودة إلى قانون الهيئة، تجدر الإشارة إلى أن المنتدى يتركب من مجلس الهيئة ومن منتدى فيه ممثلين عن المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا للشغالين والمنظمة النقابية الأكثر تمثيلا للأعراف والمنظمة الفلاحية الأكثر تمثيلا للفلاحين والبحارة والاتحاد الوطني للمرأة التونسية والهيئة الوطنية للمحامين والمجلس الوطني لعمادة الأطباء والمجلس الوطني لعمادة أطباء الأسنان والمجلس الوطني لعمادة الأطباء البياطرة والمجلس الوطني لعمادة الصيادلة، إضافة إلى ممثلين عن عمادة المهندسين التونسيين والمجلس الوطني لعمادة المهندسين المعماريين وهيئة الخبراء المحاسبين بالبلاد التونسية ومجمع المحاسبين للبلاد التونسية والبنك المركزي التونسي والمعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية والمجلس الوطني للحوار الاجتماعي والوكالة العقارية الصناعية ووكالة النهوض بالصناعة والديوان الوطني للمناجم والوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة والهيئة التونسية للاستثمار والمندوبية العامة للتنمية الجهوية والوكالة العقارية الفلاحية ومعهد المناطق القاحلة والديوان الوطني للصناعات التقليدية والديوان الوطني للأسرة والعمران البشري.
كما يتركب المنتدى أيضا من ممثلين عن ديوان قيس الأراضي والمسح العقاري ووكالة التهذيب والتجديد العمراني والوكالة الوطنية لحماية المحيط والمعهد الوطني للإحصاء والمعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية والمعهد الوطني للاستهلاك والمعهد الوطني للرصد الجوي ووكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي ووكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية والوكالة التونسية للتشغيل والعمل المستقل والوكالة التونسية للتكوين المهني إلى جانب ممثلين عن الصناديق الاجتماعية ومرصد الشباب والكريديف ومركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية وبنك الجينات والوكالة الوطنية للتصرف في النفايات والديوان الوطني للتطهير والإدارة العامة للغابات والإدارة العامة للموارد المائية والإدارة العامة للتهيئة والمحافظة على الأراضي الفلاحية ومركز تونس الدولي لتكنولوجيا البيئة والمرصد التونسي للبيئة والتنمية المستدامة ووكالة الإرشاد والتكوين الفلاحي إلى جانب رؤساء مجالس البلديات الموجودة بمراكز الولايات وممثلين عن الأحزاب والتحالفات الانتخابية البرلمانية وعن الاتحاد الوطني للمكفوفين والاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي والهلال الأحمر التونسي والكشافة التونسية وكنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية وممثلين عن الجمعيات الناشطة في مجالات اقتصادية واجتماعية وحقوق الإنسان والبيئة وحماية الطبيعة والتنمية المستدامة والمرأة والتربية والتراث الثقافي وحماية المستهلك وحماية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخصوصية والطفولة والشباب.
كما يضم منتدى هيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة خبراء في التنمية المستدامة والبيئة والتغيرات المناخية والتهيئة الترابية والتعمير وعلوم الإحصاء والدّيمغرافيا وعلم الاجتماع وعلم النفس والإعلام والاتصال ووسائل التواصل الاجتماعي، وخبراء في التخطيط والتوازنات المائية والاقتصاد الأخضر وقوانين البيئة والتحكم في الطاقة والثروات الطبيعية والاقتصاد البيئي.
وذكر الخبير عادل الهنتاتي أنه سبق له أن نبه مجلس نواب الشعب بمناسبة نقاش مشروع القانون المتعلق بهيئة التنمية المستديمة وحقوق الأجيال القادمة أن تركيبة بهذا الشكل ستجعل الهيئة تولد ميتة لأنه يستحيل تحقيق التوافق بين أعضائها. 
وباستفساره عن الفرق بين هذه الهيئة وبين المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي تم إحداثه في عهد بن علي بين الجامعي أن الهيئة بتلك التركيبة كانت ستكون بالضرورة مسيسة وغير ناجعة ونفس الشيء بالنسبة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي فهذا المجلس كان بهرجا ولم يقدم إضافة كبيرة للبلاد. وخلص إلى أنه من الأفضل الاقتصار على لجنة مصغرة من الخبراء الأكفاء وتقوم هذه الأخيرة بدراسة المشاريع المعروضة عليها وتبدي فيها الرأي من خلال تقديم تقرير واضح وشامل لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والقرار الأخير يعود لهما لأنهما هما اللذان يتحملان المسؤولية السياسية.
 
سعيدة بوهلال