تونس-الصباح
يتسللن تحت جنح الظلام زادهن حلم مشحون بوهم التحرر والانعتاق من سلطة الاهل والسير بخطى ثابتة نحو الحرية..نحو عالم لا وجود لسلطة العائلة فيه عالم تقوم فيه القاصر بما يحلو لها..هن هاربات من عائلاتهن تاركات مقاعد الدراسة زاحفات نحو عالمهن الجديد..عالم لم يعشنه من قبل ولكن صورته لهن صفحات انتصبت في الفضاء الافتراضي مهمتها القيام بغسيل دماغ القاصرات واستقطابهن الى التنظيمات الارهابية أو الى "الحرقة"..عالمين عادة ما تتكسر على اعتابهما الأحلام البريئة وتفتح في وجوه الفتاة الغراء أبواب الجحيم..جحيم الدعارة.. الاستغلال الجنسي..جهاد النكاح حيث يجدن انفسهن في سوق تجارة الرقيق الأبيض يبعن ويشترين وتباح أجسادهن البريئة لمن يدفع أكثر..ذاك هو حال القاصرات الهاربات من اسرهن الى المجهول..
"الصباح" سلطت الضوء على الظاهرة التي أكدتها محاضر أمنية وبلاغات من عائلات غادرتها بناتهن في ظروف غامضة وانقطعت عنها أخبارهن الى اليوم..
إعداد : مفيدة القيزاني
هاربات الى أين؟
تهربن من عائلاتهن دون سابق إنذار لمجرد دخولهن في صفحات في عالم افتراضي يتم استقطابهن من قبل عصابات منظمة تعمل لذلك الغرض ووفق تقديرات منظمة العمل الدولية، فإن 98 في المائة من ضحايا هذا النوع من النساء والفتيات في مناطق متفرقة من العالم، وبحسب ما يأتي على الموقع الرسمي لـ"الانتربول"، فإن الاتجار بالنساء بهدف استغلالهن جنسياً يشمل البلد المصدر أو بلد العبور أو بلد المقصد، وينتشر في الدول النامية وخاصة القطاعات الضعيفة بها والذين يصدقون بأوهام حياة أفضل من قبل الشبكات المنظمة التي تحتجزهن فيما بعد في ظروف غير إنسانية بوثائق مزورة لتجبرهن على تقديم الخدمات الجنسية فيجدن انفسهن يواجهن واقعا جديدا أسوأ اضعافا مضاعفة من تلك الوضعية التي عانين منها في منازل ذويهن.
ثلاث قاصرات والرحلة الى المجهول..
أثارت مؤخرا حادثة اختفاء ثلاث قاصرات الرأي العام لا سيما وأن المفقودات تتراوح أعمارهن بين 14 و17 عاما غادرن منازل ذويهن دون سابق إعلام لتدخل عائلاتهن في حالة من الصدمة والبحث المضني الذي لم ينته بنتيجة الى أن تم العثور عليهن لاحقا من قبل قوات الامن بجهة المهدية وهي واحدة من نقاط العبور نحو الفضاء الاوروبي حيث اتضح أن القاصرات الثلاث قدمن من احدى ولايات الشمال الغربي بعد أن نسقت إحداهن مع شخص تعرفت عليه عن طريق صفحة بموقع التواصل الإجتماعي فايس بوك وتمكنت احدى القاصرات من الحصول على مبلغ مالي قدره اربعة الاف دينار من والدها دون علمه لتسلمها لاحقا الى منظم "الحرقة" والذي تسلم المبلغ وترك القاصرات في منزل مهجور واختفى ليتضح أنهن تعرضن الى عملية استقطاب وتحيل..وغيرهن كثيرات ممن حلمن بالهجرة الى الفضاء الاوروبي ليصطدمن بواقع مفزع حتى إذا بلغن مرادهن ووصلن الى الضفة الأخرى من المتوسط.
ووفقا لأرقام المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فقد تمكن 3430 قاصرا تونسيا من الوصول إلى السواحل الإيطالية وذلك في الفترة الفاصلة بين جانفي وأكتوبر من سنة 2022.
وتظهر بيانات المنتدى أن ظاهرة هجرة القصر سجلت ارتفاعا متزايدا في السنوات الأخيرة إذ تم تسجيل وصول 2492 قاصرا في 2021 مقارنة بـ595 قاصرا في 2019.
وقد بلغ 6800 قاصر السواحل الايطالية خلال الخمس سنوات الأخيرة وهو رقم يعد مرتفعا جدا والصادم ان نسبة كبيرة من هؤلاء انقطعت أخبارهم عن عائلاتهم الى اليوم.
هروب القاصرات الى "داعش"..
مع بداية ظهوره لم يشجع "داعش" النساء على الانضمام الى صفوفها وفي المقابل حث التنظيم المناصرات له على التعريف بتلك التنظيمات خاصة عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي ومن ثمة اجتذبن الكثير من الفتيات خاصة القاصرات اللواتي انبهرن بقادة التنظيمات الارهابية ولم يعد فارس أحلام الواحدة منهن مغني أو ممثل مشهور بل تحول ابو سلمان الناصر ..ابو بكر البغدادي ..ابو عبد القادر..احمد ابو اسمرة..ابو لؤي..ابو همام الأثري وغيرهم من أبرز فرسان أحلام قاصرات واهمات تمت دمغجتهن وانصهرن في التنظيم وعشقن قادته حتى إنهن تركن اسرهن وقطعن الحدود وبعن الأهل والأقارب في سبيل بلوغ أحضان "داعش" أو "القاعدة" وطلب رضا قادتها والعيش تحت أقدامهم كجاريات.
كيف تجند داعش النساء من بقاع العالم؟
بين تقرير مصري أن تنظيم "داعش" سعى لاستقطاب الصغار والقاصرات والمراهقين للانضمام تحت رايته، وذكر التقرير الذي أعده مرصد الأزهر بمصر، أن الصغار عند "داعش" عنصر نشط وفعال، حيث يستغل التنظيم من يعانون من ضعف الهوية أو سيطرة الأهل عليهم ويعمل الأطفال كجواسيس ويشاركون في القتال أما الفتيات فيعملن للمساعدة في تجنيد مثيلاتهن والإغراء بالمغامرة والزواج من "بطل"، فيما يغري المراهقين بصورة "البطل".
وذكر التقرير أن "المجندين لدى التنظيم يستغلون الحسابات الشخصية لمراهقين وقاصرات يبدو على تكوينهم الأسري الهشاشة، ويعانون من ضعف الهوية أو سيطرة الأهل عليهم أو يعانون كثيرا من المشكلات الاجتماعية وتتراوح أعمارهم ما بين 17 و18 عاما وأكثر ما يغريهم هو صورة البطل التي يحلمون أن يكونوا عليها في دولة الخلافة المزعومة، والتي تنتهي بهم بارتكابهم القتل أو أن يوظفهم داعش للتعبئة أو تعمير المناطق التي يفرض عليها سيطرته في سوريا".
وأضاف التقرير أن "التنظيم يعمل على إقناع الأطفال بأنه يمثل الإسلام، وأن القتال فيه هو جهاد في سبيل الله، ثم بعد ذلك يبدأ في شرح بعض المفاهيم الدينية عليهم، وتلاوة بعض آيات من القرآن الكريم، بهدف إقناعهم بأنهم سيموتون شهداء وسيفوزون بالجنة.. كما أن التنظيم يعرض الصغار لمشاهدة رجال تقطع أيديهم وأرجلهم، ويعلمونهم أن هذا بسبب كفرهم وحربهم ضده".
حالات اختفاء..
قال المرصد في تقريره إن أوروبا بأكملها تعاني من وصول هذا الوباء إلى أبنائها، فقد تكررت الأنباء حول تجنيد "داعش" لأفراد من مختلف الدول الأوروبية، وقد انضم من الإنجليزيات نحو 20 فتاة حسب البلاغات الرسمية من الأسر في بريطانيا، بينما تشير الأرقام الفعلية إلى أن هناك نحو 40 حالة اختفاء أخرى دون الإبلاغ عنها.
وفي ألمانيا تشير التقديرات إلى أن هناك مائة فتاة وامرأة من ألمانيا انتقلن إلى "داعش" تتراوح أعمارهن بين 16 و27 عاما.
الانترنيت..المدخل الرئيسي..
كشف التقرير عن أن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي هو المدخل الرئيسي في تجنيد القصر، ثم تعليمهم وتغذيتهم بالأفكار المتطرفة، ثم عملهم بعد فترة على جذب غيرهم في سلسلة متصلة من العمل المنظم، لافتا إلى أن المجندين من الذكور القصر ينجذبون بفكرة الجهاد وإقامة الدولة وإيجاد هوية وهدف للحياة، فيما يسعين المجندات من القاصرات وراء المغامرة والزواج من بطل لا مثيل له في بلادهن، ويسهل تجنيد الفتيات القاصرات بالإغراء بتحقيق حلم الزواج ببطل أو للهروب من الشعور بانحطاط الأخلاق في مجتمعاتهن.
قاصرات في مخابئ الدواعش..
كثيرات هن الفتيات اللواتي تأثرن بالتنظيمات الارهابية والتحقن بصفوف "داعش" و"القاعدة" وكثيرات منهن التحقن بالخلايا النائمة وحتى ان بعضهن صعدن الى الجبال على غرار الشعانبي..سمامة.. والسلوم حيث كن يلتقين بقادة الخلايا ويلعبن دور الجواري وحتى هناك من عقدت قرانها "الشرعي" على بعض الارهابيين على غرار غفران الشيخاوي التي تزوجت على الطريقة الداعشية بالارهابي عبد المنعم عمامي وانجبت منه مولودة في ما تزوجت شقيقتها رحمة الشيخاوي وهي قاصر ايضا من العنصر الارهابي نور الدين شوشان.
وكشفت ملفات تم البت فيها أمام القضاء تورط فتيات بعضهن قاصرات مع العناصر الارهابية وحتى أن ابا كان متواطئا مع جماعات مسلحة وسمح لهم بمعاشرة بناته.
وفي وقت سابق أعلنت وزارة الداخلية أن 12 عائلة تقدمت ببلاغات اختفاء أبنائها ومن انطلاق الأبحاث تبين أن عدد المختفين بلغ عددهم 33 شخصا تتراوح أعمارهم ما بين 16 و35 سنة وأغلبهم من العناصر المتشددة دينيا.
وتشير أحدث الدراسات الاجتماعية إلى أن المشاكل العائلية اليومية ليست دومًا الدافع أو المبرر الرئيس لظاهرة هروب القاصرات وحتى القاصرين من منازل ذويهم فوسائل التواصل الاجتماعي التي يدمنها المراهقون والمراهقات زادت من حدة تفشي هذه الظاهرة وغالبًا ما لا ينتبه الأولياء لمدى خطورتها على أبنائهم وبناتهم، وقد كشفت الأخصائية الاجتماعية "كريستال. د" التي تخصصت منذ سنوات عدة في رصد الرسائل التي تُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي أو التي تتبادلها الفتيات عبر مختلف مواقع أو شبكات التواصل، عن تفشي ظاهرة غريبة تتمثل في رسائل تتحدى من خلالها الفتيات صديقاتهن لمعرفة من تستطيع أو تجرؤ على رفع التحدي بالاختفاء لمدة ثلاثة أيام دون سابق إنذار ودون الاتصال بأي شخص من عائلتها. وتكون الرابحة من تستطيع أن تختفي طوال 72 ساعة كاملة. ولذا أطلقت على هذه اللعبة تسمية "لعبة الـ 72 ساعة"، وتستخدمها الفتيات المراهقات كمزحة لتخويف الأولياء لصديقاتهن أنهن قادرات على رفع التحدي "لعبة الـ 72 ساعة".
باحث في علم الاجتماع لـ"الصباح" :الوضع الاقتصادي الصعب وعدم الاستقرار السياسي شجع القصر على "التمرد"..والعادات والتقاليد تلجم العائلات عن البوح بحقيقة هروب بناتهن
في مداخلته حول هذه الظاهرة بين المختص في علم الاجتماع ممدوح عز الدين لـ"الصباح" أن قضية هروب الفتيات القاصرات واختفائهن لم يرتق بعد الى مستوى الظاهرة الاجتماعية بمعناها السوسيولوجي بفعل عاملي الكثافة والتواتر، لكن هذه الحالات بدأت للأسف تتكرر بشكل لافت للنظر يخرجها من دائرة العزلة أيضا وإلى حد الآن لا يمكن الجزم بمعرفة الاسباب الكامنة وراء هذه الحالات نظرا لغياب المعطيات الواضحة حول سبب الهروب والاختفاء حتى بعد العثور عليهن وعودتهن الى بيوتهن ،إذ الأسر تتكتم على اسرار بناتهن الهاربات ولا تجاهر بها بسبب العادات والتقاليد ونظرة المجتمع الى الفتاة والمرأة بأنها جالبة للعار والفضيحة وهو ما يجعل الأمر يستعصي على الفهم.
وبين الباحث في علم الاجتماع ممدوح عز الدين أنه في الواقع فان مشكلة هروب الأطفال والمراهقين ذكورا وإناثا تحدث في كل دول العالم وكل يوم تقريباً وهي تحدث في الأسر الفقيرة والميسورة على حد سواء وأكثر شيوعا بين الفتيات منه بين الفتيان نظرا لكون التضييقات والضغوط التي تقع عليهن في عائلاتهن تفوق بكثير ما يقع على الذكور وهو ما يدفعهن الى التمرد من خلال البحث عن أي بصيص حرية بعيدا عن البيت.
غير أن ما يشد الانتباه فيما يخص هروب القاصرات في تونس ارتباطه بتنامي ظاهرة الهجرة السرية خاصة لدى القصر وتنامي الظاهرة الارهابية وتنامي جرائم التحيل والتغرير بالقصر والاستغلال الجنسي والاتجار بالبشر.
الاسباب..
لا شك أن عدم الاستقرار السياسي والوضع الاقتصادي الصعب وارتفاع ظاهرة التسرب المدرسي أسباب كامنة وراء هجرة القصر علاوة على عجز منظومة التكوين المهني على استيعاب كل المنقطعين عن الدراسة فتيانا وفتيات واغراء الهجرة بالنسبة لهذه الشريحة من المهاجرين السريين الذين يحظون بحظوة في بلدان الاستقبال لكونهم أطفالا وإدراكهم لهذا المعطى يشجعهم على مغامرة الهجرة.
وبين محدثنا أن ما يقع في تونس من تغيرات جعلت الكثير من القاصرات وحتى النساء الراشدات تقتنعن بأن المخاطر التي تتعرض لها في المجتمع أو المحيط أو البيت أكبر من خطر المجازفة بالهجرة بحرا ويتحول مشروع الهجرة الى رغبة في الهروب والبحث عن واقع أفضل ولكن هذه الرغبة سرعان ما تجعلهن فريسة سهلة لشبكات الهجرة حيث يتم التغرير بالكثيرات منهن وإيهامهن بالعمل وبظروف حياتية أفضل ويتم استغلالهن ماديا وجنسيا دون القدرة على التخلص من هيمنة هذه الشبكات الاجرامية.
الانضمام الى الجماعات الارهابية..
فيما يخص الفتيات القاصرات اللواتي يهربن بغرض الانضمام للجماعات التكفيرية الإرهابية تتضافر أسباب شخصية وراء هذا القرار، أهمها الرغبة في الشعور بالقوة وإمكانية التأثير وتغيير الواقع المرير الذي يعشن فيه ومن خلال هذه الأعمال يفكرن بكونهن قادرات على تغيير الواقع ،أما بالنسبة للمنظمات الارهابية نفسها فإن استخدامها للعنصر الانثوي يعود إلى عدة أسباب أهمها قدرتهن على التهرب بسهولة من إجراءات الكشف والامن بالاضافة الى العامل الإعلامي الذي سيقوم بتضخيم الخبر في حال اكتشاف أن فتاة هي المسؤولة عن العملية والمشاركة فيها من هربن وانضممن لتنظيم " داعش" وغيره كانت العاطفة وابتزاز المشاعر حافزا رئيسيا لهن دون التركيز على التأصيل الشرعي.
وحسب الدراسات لا يمكن اعتبار أن الارهابيات هن دائما من الفقيرات ماديا أو الأميات بل هن من مستويات تعليمية واقتصادية مختلفة وكانت النسبة الأكبر من العمليات الإرهابية خصوصا بالمتعلمات بل حتى متفوقات دراسيا.
اشبال الخلافة..
لقد نجحت "داعش" باستقطاب الأطفال ذكورا وإناثا وكونت منهم كتائب سمتهم " أشبال الخلافة" والذين وصفتهم وسائل الإعلام الدولية بالقنابل الموقوتة مما يعني أن الحل الأمني وحده غير كاف للحل ولا بد من الاشتغال على إصلاحات تربوية دائمة ذات أبعاد نفسية واجتماعية وحضارية.
الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي..
من ناحية أخرى تقع العديد من القاصرات فريسة سهلة لذئاب بشرية عبر الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي البداية تكون دوما بإرسال الصور ثم الابتزاز ثم التمادي فالتمادي الى أن تجد نفسها خارج البيت هربا من فضيحة قريبة وإن اختلف السيناريو قليلاً فقد تتوهم الحب وتحاول اللحاق بحبيب القلب الذي يكبرها بضعف عمرها ،هذا إن لم تقع بين مخالب مجرم يغتصبها ويرميها في إحدى الطرق أو البيوت المهجورة أو الغابات المعزولة كما أن العديد من الفتيات يتم تهريبهن الى الخارج لاستغلالهن في الدعارة ومنهن من رحن ضحية تنظيمات مشبوهة وشبكات إجرامية محترفة.
كل هذا والأهل غافلون ولا يراقبون تصرفات بناتهن ولا قائمة أصدقائهن ومعارفهن ولا يحددون وقت استعمالهن للهواتف الذكية ولا الخيارات المتاحة لهن لتكون العواقب وخيمة ولا طاقة لوالد أو والدة على احتمالها.
بيع القاصرات..
كذلك لا بد من الإشارة الى وجود أسواق لبيع الفتيات القاصرات كمعينات منزليات يتحولن لمدن بتونس الكبرى للعمل بها ،إذ يوجد سماسرة مختصون في هذه التجارة يقومون بالعمل كوسيط بين ولي الفتاة وبين صاحب المنزل الذي ستعمل به كمعينة منزلية ، ويجبر الأولياء على"بيع" بناتهن بسبب الفقر الذي يعاني منه أهالي المنطقة ، ولقد دفع احتجاز الفتيات القاصرات لدى من يعملن عندهم وهن مكرهات بعدد منهن لمحاولات الهروب نظرا للمعاملات القاسية، كما أن فتيات قاصرات تهربن بسبب تعرضهن للتحرش والاغتصاب من أفراد عائلاتهن أو من الخارج خوفا من الوصم الاجتماعي.
العديد من الفتيات القاصرات تهربن فجأة دون تخطيط مسبق مما يعني أنهن ربما لم يفكرن في المكان الذي سيذهبن إليه أو أين سينمن أو كيف سيتمكن من إعالة أنفسهن وهذا يعني أن العديد من القاصرات ينتهي بهن المطاف في الشوارع حيث غالباً ما تكون المشاكل التي يواجهنها أسوأ من تلك التي عانين منها في المنزل وفي كثير من الحالات ينتهي بهن الأمر في الشوارع ويتعرضن لخطر الاستغلال الجنسي والإدمان على المخدرات والكحول وسوء المعاملة والعنف.
إن من أهم الاسباب التي يمكن إدراجها لفهم هذه الممارسة المحفوفة بالمخاطر تتمثل في أن القاصرات في سن المراهقة يعشن تغيرات جسدية وذهنية حساسة ويمكن في هذا العمر أكثر طواعية وقابلية للإغراءات التي تقدم لهن ويسعين للتثمين وتقدير الاخرين وتقدير الذات والبحث عن الاعتراف ولو تطلب ذلك التمرد والرغبة في المغامرة حتى لو كانت محفوفة بالمخاطر دون التفكير كثيراً في العواقب.
واوضح ممدوح عز الدين أنه لا يمكن اعتبار الفقر والحاجة المادية وحدهما السبب الرئيس في هروب الفتيات من منازلهن الى وجهات مجهولة فهناك البحث عن الاستقلاية والحرية وتأكيد الذات بعيدا عن سلطة العائلة المحافظة التي تراها عائقا لتحقيق كل ما تريد تحقيقه ،هناك الرغبة في العمل والهجرة وتحدي العادات الاجتماعية القائمة والانسياق وراء العواطف باتباع ما تعتبره الفتاة حبا قد يهوي بها في غياهب المجهول.
ولتفادي حالات هروب الفتيات القاصرات من المنزل لا بد من الانتباه لعلامات هذه الممارسة الخطيرة ومن اهمها:
_ علامات التحذير من عدم العودة الى المنزل في حالات الغضب.
_ البقاء خارجا بعد الموعد المتفق عليه.
_ عدم الرغبة في العودة الى المنزل من المدرسة أو منازل الأصدقاء.
_ البقاء في منازل الأصدقاء بشكل متكرر أو البقاء مع أفراد الأسرة الٱخرين لتجنب العودة الى المنزل.
_ التغيب عن المدرسة أو يكون الاداء الدراسي في تراجع.
_ التصرف بشكل مختلف تماما ،على سبيل المثال بشكل أكثر عدوانية أو الانسحاب.
_ تطور اهتمامات جديدة خارج المدرسة مثل مجموعة أقران جدد أو بدء علاقة جديدة.
_ اكتشاف وظهور علامات الكذب.
_ ظهور علامات على تعاطي المخدرات أو الكحول.
_ أن تكون شديدة السرية عند استخدام الانترنت.
خلص محدثنا الى أن الأمر يحتاج لتعزيز سبل التواصل السليم داخل الاسرة باعتماد الحوار والتشاور والاقناع لحل مشاكلها وتمكين الابناء من حقوقهم وخاصة حقهم في إبداء ارائهم والمشاركة في كل ما يخصهم وتحسيسهم بالأمان والكرامة في نفس الوقت لا بد من تضافر جهود مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والفاعلين في مجال الاسرة والطفولة للحد من هذه الممارسة الخطيرة ومواجهتها.
خبير أمني وعسكري لـ"الصباح". تخلي الأسرة والمدرسة عن دورها فسح المجال لأطراف أخرى لاستقطاب القاصرات واستغلالهن
يقول الخبير الأمني والعسكري علي الزرمديني في حديثة لـ"الصباح"عن هروب القاصرات إن هذه الظاهرة الاجتماعية تفشت وتوسعت لعدة اعتبارات واهم اعتبار هو التخلي الكامل للأسرة عن دورها التربوي وعن إحاطتها الكاملة بأبنائها الشيء الذي جعل هؤلاء يتصرفون بناء على نزوات او استقطابات بوسائل متعددة.
واليوم الاختلاط غير المدروس والمبني على رغبات ذاتية دون ان يكون هناك تأطير لهؤلاء المراهقين والتخلي الكامل لكل الاطراف عن دورها يفسح المجال لأطراف أخرى للتدخل ليقع التأثير الفعلي والمباشر لهؤلاء المراهقين والذين تكون عادة نفسيتهم هشة ليلتجئوا لهذه المسائل التي يعتبرونها حلولا وخروجا من الروتين وغياب التأطير الفعلي لهم كذلك يقوم على مشاكل تواصل معدوم بين كل الهياكل المتدخلة سواء في الاسرة بين الاب والام والصراعات الداخلية داخل الاسرة بحكم الطابع الاقتصادي يجعل القاصر يفقد الثقة في محيطه الاسري ويعمد الى المغادرة والالتجاء الى أي حضن يوفر له اي شيء من تلك النقائص. وأشار محدثتا الى أن اليوم المدرسة تلقن ولا تربي فالبرامج التعليمية فقدت الروح والقيم واصبحت معارف اكثر منها تربية للمجتمع في حد ذاته ما يدفع الى الانسياق الى اتجاهات مختلفة على غرار الهجرة غير النظامية والتنظيمات الارهابية.
وخلص الزرمديني الى ان اليوم الادمان على شبكات التواصل الاجتماعي يفتح امام المراهق ما يعتبره آفاقا تعطيه الامل لحياة افضل لكنه لا يدرك واقعها ويصدم متى عاش ذلك الواقع فاليوم المجتمع بحاجة الى التماسك لان بدون التماسك الظاهرة ستستفحل اكثر.
