إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

صعوبة تحاشي الفشل لمجتمع وقيادته شعارهما ' مْعيز ولو طارتْ'

 بقلم:الأستاذ الدكتور محمود الذوادي(*)                                 

   هناك إجماع اليوم أن الوضع السياسي التونسي في مأزق يصعب الخروج منه. فأغلبية ترى أن مسيرة الرئيس ليست على صواب وهو يرد بالمَثل: 'معيز ولو طارت'،  أي أن طريقته هي عين الصواب. يجوز القول إن الفشل في الخروج السليم والقريب من هذا الوضع هو المنتظر. ومنه، فلغو الحديث فيه لم تعد تتحمله طاقات النفوس مما يجعل القلوب تبلغ الحناجر. ومن ثم، فالحكمة تدعو إلى هجر هذا الموضوع وطرح قضية فشل آخر سابق لفشل اليوم وهو في نظرنا الفشل الأخطر الذي يعتقد معظم التونسيات والتونسيين التونسيين أنه عين الفلاح، أي 'معيز ولوطارت'
الصمت عن الفشل الأخطر                                                             
   نستعمل هنا مصطلح الفشل الأخطر بمعنى الفشل في كسب الاستقلال اللغوي وتطبيع العلاقة بالكامل مع اللغة الوطنية/ العربية. وهو موضوع لا نكاد نجد له ذكرا في أدبيات الأحاديث والكتابات والمؤلفات حول الدول والمجتمعات الفاشلة رغم أهميته العظمى. فالمجتمع التونسي مثال بارز في هذا الفشل الأخطر الذي نجده واضح المعالم لدى النخب السياسية والثقافية ولدى أغلبية الفئات والأفراد ومؤسسات المجتمع التونسي. يُنتظر أن يتواصل هذا الفشل الأخطر حتى بعد زوال أزمات اليوم نظرا لطبيعته المفسدة لوعي النخب والشعب بأخطارها في المجتمع.
ما وراء ذلك الصمت                                                                             
   يعود ذلك الصمت في المقام الأول إلى التكوين اللغوي الثقافي لمن حكموا البلاد وقادوا مسيرتها بعد الاستقلال. فتعليم هؤلاء تهيمن فيه اللغة الفرنسية وثقافتها على ألسنتهم وأفكارهم. يكفي ضربُ مثالين على سطوة تلك الهيمنة على مدارك النخب السياسية والثقافية التونسية. فهذا الرئيس الحبيب بورقيبة يطرد أحد وزرائه لأنه لا يعرف اللغة الفرنسية وها هي بعض النخب الثقافية تلوم أبا القاسم الشابي على فقدانه لما تسميه 'الجناح الثاني' ، أي اللغة الفرنسية. فسلوك الرئيس مع اللغة الوطنية ليس بالوطني بل هو حمّال لثقل خيانة وطنية لأهم رموز الوطنية لدى الشعوب ألا وهي لغاتهم. والأمر لا يقتصر على الرئيس وإنما هو ظاهرة شائعة في المجتمع التونسي لدى الكثيرين من التونسيات والتونسيين في القمة والقاعدة ومن بينهما. ومن ثم، فمن الكذب على المعطيات العلمية  القول إن هذا الاغتراب اللغوي غنيمة كما يبيّن تشخيصُ  مؤلف كتاب العقل العربي رفائيل بتاي للأعراض السلبية لدى خريجي نظام التعليم الذي هيمنت فيه الفرنسية وثقافتها كالمدرسة الصادقية حيث درس بورقيبة : 1 ـ الانتماء إلى ثقافتين دون القدرة على تعريف الذات بالانتماء الكامل لأي منهما.2 ـ التذبذب المزدوج: رغبتهم  كسب علاقة حميمة كاملة مع الغرب ومع مجتمعهم في نفس الوقت دون النجاح في أي منهما. 3 ـ يتصف خريجو هذا التعليم بشخصية منفصمة ناتجة عن معايشة عاملين قويين متعاكسين: الارتباط بالثقافة العربية والانجذاب إلى الثقافة الغربية  4 ـ عداء للاستعمار الفرنسي يقابله ترحيب كبير بلغته وثقافته. رغم تلك المعطيات العلمية تظل القيادات السياسية والنخب وأنظمة التعليم تعمل وفقا للمَثل 'معيز ولوطارول'.  يرجع تفشي تلك الأعراض المذلّة وصمم الآذان عن سمع صوت العلم حولها إلى ما نسميه غياب الحجر اللغوي في نظام التعليم التونسي العصري قبل الاستقلال وبعده.
مفهوم/نظرية الحجر اللغوي                                                         
 يتمثل الحجر اللغوي في استعمال اللغة الأم أو الوطنية فقط في كل شيء بما فيها التدريس في المراحل الثلاث للتعليم: الابتدائية والإعدادية والثانوية على الأقل. تشير البحوث الميدانية إلى أن هذا التدريس  يؤدي عموما  إلى تحاشي تفشي المزج اللغوي بين لغات  الأم أو اللغات  الوطنية واللغات  الأجنبية في الحديث  والكتابة، وذلك لأن الاستعمال الكامل للغات يمكّن المستعملين لها من التعبير السهل بها على كل شيء. إذن،  فالحجر اللغوي كمفهوم أو نظرية هو عربون كسب رهان العلاقة السليمة مع اللغات الوطنية أو لغات الأم. فالمجتمعات الأوروبية، مثلا، تدرس جميع المواد العلمية وغيرها بلغاتها الوطنية حتى نهاية مرحلة التعليم الثانوي على الأقل. فيُلاحظ أن علاقات تلك المجتمعات بلغاتها هي الصميم علاقات سليمة. يمكن اعتبار ذلك السلوك اللغوي الأوروبي ممارسة طبيعية للوطنية اللغوية.  نذكر مثالين  للعلاقة السليمة أو غير السليمة التي ينشئها الحجر اللغوي أو فقدانه  مع اللغة العربية في المجتمع التونسي بعد الاستقلال:                            
1-إن خريجي التعليم التونسي في ما يسمى 'شعبة أ' والزيتوني العصري في مطلع الاستقلال مثال للآثار الايجابية  للحجر اللغوي على العلاقة السليمة مع اللغة العربية/الوطنية. لقد درس هؤلاء الخريجون كل المواد باللغة العربية فقط من المرحلة الابتدائية حتى السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية. يمثل التدريس بلغة المجتمع طبيعة الأشياء، وهذا ما تفعله، مثلا، المجتمعاتُ الاسكندنافية رغم صغر حجمها. 
2-أما خريجو بقية التعليم التونسي فهم فاقدون للحجر اللغوي، أي أنهم درسوا في العقود السابقة بعد الاستقلال مباشرة باللغة الفرنسية معظم المواد أو جميعها أو هم يدرسون بهذه اللغة منذ مدة ما يسمى المواد العلمية في المرحلة الثانوية وما بعدها. ففي الحالتين يغيب التدريس باللغة العربية فقط كل المواد قبل نهاية التعليم الثانوي. ففقدان الحجر اللغوي يبطل حضور العلاقة الطبيعة/السليمة مع اللغة العربية/ الوطنية. غابت وتغيب هذه العلاقة في المجتمع التونسي  بسبب الاستعمار المباشر أو غير المباشر الذي تحتضنه خاصة النخب الحاملة والمستنبطة  للغة المستعمر وثقافته. وهكذا، فالأجيال التونسية المتعلمة منذ الاستقلال هي أجيال لم تعرفْ الحجر اللغوي ومن ثم، يقوى لديها الميل إلى احتضان لغة المستعمر. 
تشويه العلاقة النفسية مع العربية                                                            
فغسل أدمغة أغلبية التونسيات والتونسيين - بسبب دراستهم في نظام تعليم فاقد للحجر اللغوي - جعلهم يرون الخطأ صوابا (أي معيز ولو طارت) ومسلمة من المسلمات غير قابلة للمسائلة والشك في أفضليتها، فأصبح غير مهم عند هؤلاء وجود  عدد ضخم من التونسيين ليست لهم علاقة سليمة مع لغتهم الوطنية التي أصبحوا ينظرون إليها نفسيا وكأنها لغة ثانية أو ثالثة. فالتعليم التونسي الفاقد للحجر اللغوي لا يكاد يحمي التونسيات والتونسيين من معالم الاستلاب اللغوي وارتباك في الهوية. فالمعطيات العلمية تؤكد أن خريجي المدرسة الصادقية ونظراءهم المتعلمين الفاقدين للحجر اللغوي في معظم المدارس والمعاهد التونسية قبل الاستقلال وبعده يشكون من كثير من معالم الاستلاب  بقطبيْها. 
الحجر اللغوي في كيباك                                                                                       
لا تكاد تُحصى أمثلةُ المجتمعات المتقدمة التي تُستعمل فيها لغاتها وحدها في كل شيء. على سبيل المثال، فالوطنية اللغوية في مقاطعة كيباك الناطقة بالفرنسية في كندا جعلت استعمال اللغة الفرنسية  فقط في الكتابة أمرا إجباريا في كل شؤون الحياة في المقاطعة. فقوانين السياسة اللغوية فيها تطبق بقوة الحجر اللغوي الكامل. فتمنع نتيجة ذلك  كتابةُ ُ كلمة (  Stopوقوف) باللغة الانكليزية في الشوارع والطرقات وتُكتب هذه الكلمة بالفرنسية فقط. Arrêt 
الحجر اللغوي وحمايته الكبرى                                                                    
يُقسم الاستعمار إلى صنفين: 1- الاستعمار الرسمي: الاحتلال العسكري والحكم السياسي وامتلاك أراضي المحتَلّين .2- 'الاستعمار اللاحق' الذي يتمثل في تواصل استعمال لغة المستعمِر بعد رحيله. فبسبب فقدانهم للحجر اللغوي، ليست لخريجي المدرسة الصادقية، مثلا، علاقة سليمة مع اللغة العربية (استعمالها وحدها  شفويا وكتابة) رغم إتقانهم لها. يشير هذا إلى أن مجرد إتقان اللغة لا يعني وجود علاقة سليمة معها. يساند المفكرون أهمية الحجر اللغوي في حماية حدود وهويات وحدود الشعوب. يعطي  هؤلاء الأولوية الكبرى إلى تمسك المجتمعات بلغاتها فيقولون: شعب بدون لغته الأصلية ما هو إلا نصف أمة. فيجب على الشعوب حماية لغاتها أكثر من حمايتها لأراضيها إذ اللغات أمتن وأقوى حواجز حامية لحدودها من الغابات والجبال والأنهار والبحار.
* عالم الاجتماع
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
صعوبة تحاشي الفشل لمجتمع وقيادته شعارهما ' مْعيز ولو طارتْ'

 بقلم:الأستاذ الدكتور محمود الذوادي(*)                                 

   هناك إجماع اليوم أن الوضع السياسي التونسي في مأزق يصعب الخروج منه. فأغلبية ترى أن مسيرة الرئيس ليست على صواب وهو يرد بالمَثل: 'معيز ولو طارت'،  أي أن طريقته هي عين الصواب. يجوز القول إن الفشل في الخروج السليم والقريب من هذا الوضع هو المنتظر. ومنه، فلغو الحديث فيه لم تعد تتحمله طاقات النفوس مما يجعل القلوب تبلغ الحناجر. ومن ثم، فالحكمة تدعو إلى هجر هذا الموضوع وطرح قضية فشل آخر سابق لفشل اليوم وهو في نظرنا الفشل الأخطر الذي يعتقد معظم التونسيات والتونسيين التونسيين أنه عين الفلاح، أي 'معيز ولوطارت'
الصمت عن الفشل الأخطر                                                             
   نستعمل هنا مصطلح الفشل الأخطر بمعنى الفشل في كسب الاستقلال اللغوي وتطبيع العلاقة بالكامل مع اللغة الوطنية/ العربية. وهو موضوع لا نكاد نجد له ذكرا في أدبيات الأحاديث والكتابات والمؤلفات حول الدول والمجتمعات الفاشلة رغم أهميته العظمى. فالمجتمع التونسي مثال بارز في هذا الفشل الأخطر الذي نجده واضح المعالم لدى النخب السياسية والثقافية ولدى أغلبية الفئات والأفراد ومؤسسات المجتمع التونسي. يُنتظر أن يتواصل هذا الفشل الأخطر حتى بعد زوال أزمات اليوم نظرا لطبيعته المفسدة لوعي النخب والشعب بأخطارها في المجتمع.
ما وراء ذلك الصمت                                                                             
   يعود ذلك الصمت في المقام الأول إلى التكوين اللغوي الثقافي لمن حكموا البلاد وقادوا مسيرتها بعد الاستقلال. فتعليم هؤلاء تهيمن فيه اللغة الفرنسية وثقافتها على ألسنتهم وأفكارهم. يكفي ضربُ مثالين على سطوة تلك الهيمنة على مدارك النخب السياسية والثقافية التونسية. فهذا الرئيس الحبيب بورقيبة يطرد أحد وزرائه لأنه لا يعرف اللغة الفرنسية وها هي بعض النخب الثقافية تلوم أبا القاسم الشابي على فقدانه لما تسميه 'الجناح الثاني' ، أي اللغة الفرنسية. فسلوك الرئيس مع اللغة الوطنية ليس بالوطني بل هو حمّال لثقل خيانة وطنية لأهم رموز الوطنية لدى الشعوب ألا وهي لغاتهم. والأمر لا يقتصر على الرئيس وإنما هو ظاهرة شائعة في المجتمع التونسي لدى الكثيرين من التونسيات والتونسيين في القمة والقاعدة ومن بينهما. ومن ثم، فمن الكذب على المعطيات العلمية  القول إن هذا الاغتراب اللغوي غنيمة كما يبيّن تشخيصُ  مؤلف كتاب العقل العربي رفائيل بتاي للأعراض السلبية لدى خريجي نظام التعليم الذي هيمنت فيه الفرنسية وثقافتها كالمدرسة الصادقية حيث درس بورقيبة : 1 ـ الانتماء إلى ثقافتين دون القدرة على تعريف الذات بالانتماء الكامل لأي منهما.2 ـ التذبذب المزدوج: رغبتهم  كسب علاقة حميمة كاملة مع الغرب ومع مجتمعهم في نفس الوقت دون النجاح في أي منهما. 3 ـ يتصف خريجو هذا التعليم بشخصية منفصمة ناتجة عن معايشة عاملين قويين متعاكسين: الارتباط بالثقافة العربية والانجذاب إلى الثقافة الغربية  4 ـ عداء للاستعمار الفرنسي يقابله ترحيب كبير بلغته وثقافته. رغم تلك المعطيات العلمية تظل القيادات السياسية والنخب وأنظمة التعليم تعمل وفقا للمَثل 'معيز ولوطارول'.  يرجع تفشي تلك الأعراض المذلّة وصمم الآذان عن سمع صوت العلم حولها إلى ما نسميه غياب الحجر اللغوي في نظام التعليم التونسي العصري قبل الاستقلال وبعده.
مفهوم/نظرية الحجر اللغوي                                                         
 يتمثل الحجر اللغوي في استعمال اللغة الأم أو الوطنية فقط في كل شيء بما فيها التدريس في المراحل الثلاث للتعليم: الابتدائية والإعدادية والثانوية على الأقل. تشير البحوث الميدانية إلى أن هذا التدريس  يؤدي عموما  إلى تحاشي تفشي المزج اللغوي بين لغات  الأم أو اللغات  الوطنية واللغات  الأجنبية في الحديث  والكتابة، وذلك لأن الاستعمال الكامل للغات يمكّن المستعملين لها من التعبير السهل بها على كل شيء. إذن،  فالحجر اللغوي كمفهوم أو نظرية هو عربون كسب رهان العلاقة السليمة مع اللغات الوطنية أو لغات الأم. فالمجتمعات الأوروبية، مثلا، تدرس جميع المواد العلمية وغيرها بلغاتها الوطنية حتى نهاية مرحلة التعليم الثانوي على الأقل. فيُلاحظ أن علاقات تلك المجتمعات بلغاتها هي الصميم علاقات سليمة. يمكن اعتبار ذلك السلوك اللغوي الأوروبي ممارسة طبيعية للوطنية اللغوية.  نذكر مثالين  للعلاقة السليمة أو غير السليمة التي ينشئها الحجر اللغوي أو فقدانه  مع اللغة العربية في المجتمع التونسي بعد الاستقلال:                            
1-إن خريجي التعليم التونسي في ما يسمى 'شعبة أ' والزيتوني العصري في مطلع الاستقلال مثال للآثار الايجابية  للحجر اللغوي على العلاقة السليمة مع اللغة العربية/الوطنية. لقد درس هؤلاء الخريجون كل المواد باللغة العربية فقط من المرحلة الابتدائية حتى السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية. يمثل التدريس بلغة المجتمع طبيعة الأشياء، وهذا ما تفعله، مثلا، المجتمعاتُ الاسكندنافية رغم صغر حجمها. 
2-أما خريجو بقية التعليم التونسي فهم فاقدون للحجر اللغوي، أي أنهم درسوا في العقود السابقة بعد الاستقلال مباشرة باللغة الفرنسية معظم المواد أو جميعها أو هم يدرسون بهذه اللغة منذ مدة ما يسمى المواد العلمية في المرحلة الثانوية وما بعدها. ففي الحالتين يغيب التدريس باللغة العربية فقط كل المواد قبل نهاية التعليم الثانوي. ففقدان الحجر اللغوي يبطل حضور العلاقة الطبيعة/السليمة مع اللغة العربية/ الوطنية. غابت وتغيب هذه العلاقة في المجتمع التونسي  بسبب الاستعمار المباشر أو غير المباشر الذي تحتضنه خاصة النخب الحاملة والمستنبطة  للغة المستعمر وثقافته. وهكذا، فالأجيال التونسية المتعلمة منذ الاستقلال هي أجيال لم تعرفْ الحجر اللغوي ومن ثم، يقوى لديها الميل إلى احتضان لغة المستعمر. 
تشويه العلاقة النفسية مع العربية                                                            
فغسل أدمغة أغلبية التونسيات والتونسيين - بسبب دراستهم في نظام تعليم فاقد للحجر اللغوي - جعلهم يرون الخطأ صوابا (أي معيز ولو طارت) ومسلمة من المسلمات غير قابلة للمسائلة والشك في أفضليتها، فأصبح غير مهم عند هؤلاء وجود  عدد ضخم من التونسيين ليست لهم علاقة سليمة مع لغتهم الوطنية التي أصبحوا ينظرون إليها نفسيا وكأنها لغة ثانية أو ثالثة. فالتعليم التونسي الفاقد للحجر اللغوي لا يكاد يحمي التونسيات والتونسيين من معالم الاستلاب اللغوي وارتباك في الهوية. فالمعطيات العلمية تؤكد أن خريجي المدرسة الصادقية ونظراءهم المتعلمين الفاقدين للحجر اللغوي في معظم المدارس والمعاهد التونسية قبل الاستقلال وبعده يشكون من كثير من معالم الاستلاب  بقطبيْها. 
الحجر اللغوي في كيباك                                                                                       
لا تكاد تُحصى أمثلةُ المجتمعات المتقدمة التي تُستعمل فيها لغاتها وحدها في كل شيء. على سبيل المثال، فالوطنية اللغوية في مقاطعة كيباك الناطقة بالفرنسية في كندا جعلت استعمال اللغة الفرنسية  فقط في الكتابة أمرا إجباريا في كل شؤون الحياة في المقاطعة. فقوانين السياسة اللغوية فيها تطبق بقوة الحجر اللغوي الكامل. فتمنع نتيجة ذلك  كتابةُ ُ كلمة (  Stopوقوف) باللغة الانكليزية في الشوارع والطرقات وتُكتب هذه الكلمة بالفرنسية فقط. Arrêt 
الحجر اللغوي وحمايته الكبرى                                                                    
يُقسم الاستعمار إلى صنفين: 1- الاستعمار الرسمي: الاحتلال العسكري والحكم السياسي وامتلاك أراضي المحتَلّين .2- 'الاستعمار اللاحق' الذي يتمثل في تواصل استعمال لغة المستعمِر بعد رحيله. فبسبب فقدانهم للحجر اللغوي، ليست لخريجي المدرسة الصادقية، مثلا، علاقة سليمة مع اللغة العربية (استعمالها وحدها  شفويا وكتابة) رغم إتقانهم لها. يشير هذا إلى أن مجرد إتقان اللغة لا يعني وجود علاقة سليمة معها. يساند المفكرون أهمية الحجر اللغوي في حماية حدود وهويات وحدود الشعوب. يعطي  هؤلاء الأولوية الكبرى إلى تمسك المجتمعات بلغاتها فيقولون: شعب بدون لغته الأصلية ما هو إلا نصف أمة. فيجب على الشعوب حماية لغاتها أكثر من حمايتها لأراضيها إذ اللغات أمتن وأقوى حواجز حامية لحدودها من الغابات والجبال والأنهار والبحار.
* عالم الاجتماع