بقلم: علي اللافي(*)
قراءات المتابعين لتطورات الأحداث في بلد عمر المختار وخاصة بين سنتي 2017 و2020 أوجدت تباين واضح في قراءاتهم لاهتمام واشنطن بالملف الليبي من عدمهحيث أكد فريق أول منهم أن الملف ليس أولية في عرف الإدارة الامريكية سواء في فترة "أوباما" أو فترة الرئيس الجمهوري الذي خلف أي "ترامب"، بينما رأى فريق ثان من أولئك لمتابعين أن الادارة الأمريكية كانت دوما مهتمة بالملف وأنها تتابعه عن كثب حتى قبلتعددت أدوار "ستيفاني وليامز" والتي انتقلت من قائمة بالأعمال (بين جانفي وجوان 2018) الى مساعدة المبعوث الأممي الرابع "غسان سلامة" وصولا الى مبعوثة اممية بالنيابة في مراس 2020 اثر استقالة "سلامة" نفسه ولتعود لاحقا كمستشارة أممية من حيث الخطة وفاعلة رئيسية ومبعوثة ميدانيا ومن وراءها كانت الإدارة الأمريكية بكل مربعاتها تتابع الملف وتعي خطورته وأهميته الاستراتيجية وتشاهد تورط بقية الأطراف وتخبطها في ادارته ("باريس1" و"2" و"القاهرة1"و"2" و"برلين1"و"2"و"باليرمو" و"أبوظبي1" و"2" ولقاءات تونس والرابط وجنيف) وها هو الاهتمام الأمريكي يتصاعد بقوة ويتجاوز فعل ومربعي المبعوث الخاص والسفير وأدوار "وليامز" وليصل مدير المخابرات الأمريكية بنفسه وعبر زيارتين خاطفتين لطرابلس ثم بنغازي حيث رسم ووضع أوتار الحلول وترتيب الخط العام لتطور الأوضاع مستقبلا وموجها المسارات المستقبلية حتى لا تجري مع رياح توجهات روسيا والصين وتضييق على هوامش فعل أنقرة والقاهرة وابوظبي في التعاطي مع الملف، ولكن ما هي سيناريوهات تطور الأوضاع في بلد عمر المختار في أفق جوان المقبل؟
• أولا، فعليا لم تغب الولايات المتحدة الامريكية عن الملف كما تصور البعض أو كما اريد بيانه من طرف كثيرين (محللين – مراكز بحوث – وكالات الاستخبارات بما فيها الامريكية نفسها) الا أنها تركت بعض قوى دولية وظيفية لها على غرار اسبانيا وألمانيا وإيطاليا أو كشريك متناسق معها في الخيارات الاستراتيجية على غرار إنجلترا أو بعض قوى وظيفية إقليمية على غرار القطريين والاماراتيين والسعوديين والمصريين أو أخرى قد يتقاطعون معها في جزء من مربعات الملف على غرار تركيا والجزائر أو دول أخرى يشتركون معها في التعاطي الملف وتعتبر وظيفية بالمعيار التاريخي منذ عقود (الأردن – المغرب- سلطنة عمان)، ومن ثم فان الولايات المتحدة تركت المساحة حتى لأطراف دولية تختلف معها من حيث المصالح أو هي معها في صراع النفوذ على القارة الافريقية ( موسكو- بكين – باريس) ولكن يظهر أن ذلك راجع لسببين رئيسين الأول قائم على سياسة الإغراق والتوريط والثاني قائم على أولوية ملفات أخرى وعدم التسرع في ليبيا تحديدا ويمكن تحديد ذلك زمنيا بنهاية سنة 2017 (تم تعيين ستيفاني وليامز في 05 جانفي 2018 قائمة بالأعمال) ولكن العودة تماهت مع خطوط أمريكية حمراء في القارة السمراء ككل (انسياب النفط وعدم ترك أي طرف لتعطيل ذلك- التصدي بقوة للتنظيمات الإرهابية- عدم تحول الوجود الروسي لوجود عسكري مترامي الأطراف)، واضافة الى ذلك وفي إطار سمات الوضع الإقليمي والدولي وطبيعة سياسات واشنطن تم التعاطي مع الملف الليبي بناء على تحويل الملف الى مربعات الدفع به نحو الاستقرار وان يتحول الى ملف نائم مثله مثل بقية ملفات الشرق الأوسط وشمال افريقيا للتفرغ للصين وروسيا بدرجة أولى وللملفين الإيراني والكوري الشمالي بدرجة ثانية ومن ثم تم ادراج الملف الليبي ضمن عشر ملفات ضمن في سياسة الاستقرار (مثل مالي وهايتي وغينيا الجديدة) والتي رسمت سنة 2020....
2-ثانيا، لاشك بأن هناك اهتمام امريكي متصاعد بالملف الليبي وهذا الاهتمام مؤشراته كثيرة كما بينا ذلك أعلاه ولعل أهمها:
• زيارة الوفود الامريكية رفيعة المستوى الى ليبيا وعلى رأسها زيارة رئيس المخابرات وفريق "الأفريكوم" والاجتماع بلجنة 5+5 وغيره ...
• المداولات المستمرة في الكونجرس ولجنة العلاقات الخارجية ولجنة الأمن القومي بخصوص "فاغنر" والطاقة في ليبيا...
• النشاط المتصاعد لوكالة الاستخبارات الأمريكية في ليبيا وتكليف فريق جديد
3-ثالثا، فعلياهناك اربعة اهداف امريكية في ليبيا أفصح عنها كبار المسؤولين وهي بحسب الأولوية:
• استدامة تدفق النفط من ليبيا وهذا مرتبط بإستراتيجية حشد الموارد للحفاظ على اسعار النفط والغاز واستخدامه في معركة الطاقة مع روسيا وهناك مخاوف من اضطراب سوق الطاقة العالمي خصوصا مع الزيادة على الطلب في فصل الشتاء وليبيا من جهة مهمة لاستقرار الاسعار ومرشحة لتكون بديل لمصادر الطاقة من جهة اخرى خصوصا مع الحصار الخانق على ايران وروسيا
• محاصرة القوة الخشنة الروسية (فاغنر) وتحجيمها ومنع تمددها وفك ارتباطها مع اي شركاء في ليبيا وفي دول الساحل والصحراء
• تحجيم القوة الناعمة الصينية في ليبيا والتضييق على استثماراتها في مجالي الاتصالات والطاقة ومنعها من التمدد الى افريقيا عبر ليبيا خصوصا بعد التنسيق الاقتصادي العالي بين الصين وروسيا عبر منظمة "شانغهاي" التي يراها الغرب بأنها تكتل بديل لحلف وارسو
• مكافحة الارهاب حيث هناك قلق امريكي من وتيرة النشاطات الارهابية في الجنوب الليبي وهناك تحذيرات من الاتحاد الافريقي بخصوص تنامي "داعش" في دول الساحل والصحراء والتقارير تشير الى ان الجنوب الليبي مصدر مغذي لهذه النشاطات
كل هذه المعطيات زادت من حضور الملف الليبي على طاولة صانعي القرار الامريكي وزادت من وتيرة الزيارات المكوكية
4- رابعا، السياق الممتد من المؤشرات والمعطيات السابقة والمرتبطة بالأهداف الامريكية والحرب في اوكرانيا وتداعياتها وغيره دفعت صانع القرار الامريكي الى تجاوز حلفائهم المتشاكسين (أنقرة والقاهرة وابوظبي) والدخول على خط الازمة في ليبيا دون الالتفات إليهم ومشاركتهم في صنع الخارطة السياسية الجديدة في ليبيا وهذا ما أقلق العواصم الإقليمية...
5- خامسا، هناك فعليا ثلاث سيناريوهات لتطور الموقف في أفق جوان المقبل وهي:
• سيناريو السلطة الموحدة: بناء على المعطيات أعلاه قد تدفع واشنطن في اتجاه تشكيل سلطة موحدة عبر المجلس الرئاسي واصدار مرسوم رئاسي يفضي الى تشكيل حكومة وحدة وطنية تحقق الحد الادنى المطلوب وتسهم في تحقيق الاهداف الرباعية الامريكية او من خلال دفع المبعوث الاممي لتشكيل فريق حوار يفضي الى سلطة موحدة تم العبور الى الانتخابات
• سيناريو الأمر الواقع: قد يدفع الامريكي في اتجاه ترسيخ الامر الواقع ومطالبة الحكومتين باتباع وصفة امريكية تخدم الاهداف الرباعية وربما إجراء انتخابات في ظل وجود الحكومتين والتعاطي مع نتائجها بما يخدم المصالح الأمريكية...
• سيناريو الدمج: سيتم ذلك عبر رعاية مفاوضات مع القوى المؤثرة الليبية لدمج الحكومتين والمرور بعدها للانتخابات وفقا للشروط الأمريكية
6- سادسا، الخلاصة أن الدخول الامريكي على خط الازمة أقض ولا شك مضجع القوى الاقليمية وهناك مخاوف حقيقية من فرض حل امريكي بعيدا عن مصالح وتدخلات القوى الاقليمية خصوصا بعد فشلها في الوصول لحل للازمة الليبية التي باتت تشكل تهديدا للمصالح الأمريكي، والخلاصة أن واشنطن بدأتتدرك جيدا خطورة استمرار الأزمة وانقسام المؤسسات عليها وعلى مصالحها وربما وصلت لمرحلة تناقض بين المصالح الأمريكية والمصالح الاقليمية في ليبيا وهذا تؤكده وقائع ومعطيات عدة، وهو ما يعني فعليا فتح آفاق وفرص للخروج بليبيا من أزمتها الطاحنة، وبناء على حقيقة ومعطى توازن الضعف (أو توازن القوى) إقليميا ومحليا ودوليا لا مناص من اقتناع الجميع بتقديم تنازلات والقبول بهندسة خارطة طريق توافقية وجامعية وهو ما يفسر طبيعة اللقاءات والمشاورات وحتى المبادرات الأخيرة وارتفاع نسقها ومن ثم فالأمور تسير نحو الترتيب لحل (مع أنه لا حلول في ليبيا راهنا بل كل ما هناك هي إمكانيات لمسكنات حلول)، ويمكن القول أن "الدبيبة" قد يكون ربح هامش المعركة مع بقية مع ترجيح أن يكون الحل مثلا خو في تغيير كل وزراء حكومتهمع بقائه على رأس الحكومة هو وزراء الدفاع والخارجية والمالية ولكن بشروطاجراء الانتخابات قبل نهاية 2023(وقد يتم التمطيط لأسباب لوجستية لمنتصف أو نهاية 2024) على أن يلتزم بعدم اختصاصه بتعيين وكلاء الوزارات الا بعرض من الوزير المختص وأيضا بعدم اختصاصه بإيقاف اي وزير عن العمل الا بالقضاء أو الأجهزة الرقابية بعد تغييرها وبمعالجة لاحقة للقاعدة الدستورية على أن تكون هناك مرونة نسبية تسمح بترشح مزدوجي الجنسية والعسكريين المتقاعدين والأمنيين والقضاة بعد استقالتهم من مناصبهم أو تقاعدهم...
*كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون المغاربية والإفريقية.
